التّجاهل الوجودي لعلاج العته الوجودي (مقالة).

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسين ليشوري
    طويلب علم، مستشار أدبي.
    • 06-12-2008
    • 8016

    التّجاهل الوجودي لعلاج العته الوجودي (مقالة).


    التّجاهل الوجودي لعلاج العته الوجودي(*)
    (مقالة)


    1) منذ ورود فكرة المقالة هذه في علاج "العته الوجودي" على بالي ونصُّ الحديث الشريف الصحيح:"كُلُّ مَولودٍ يولَدُ على الفِطرةِ، فأبَواهُ يُهوِّدانِه أو يُنصِّرانِه أو يُشرِّكانِه أو يُمجِّسانِه ويُكفِّرانِه..."(رواه أبو هريرة، رضي الله عنه) يدور في ذهني؛ ونص الحديث بتمامه، كما رواه الإمام مسلم، رحمه الله: "ما مِن مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُشَرِّكَانِهِ"، فَقالَ رَجُلٌ: "يا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ لو مَاتَ قَبْلَ ذلكَ؟" قالَ: "اللَّهُ أَعْلَمُ بِما كَانُوا عَامِلِينَ"؛ وفي حَديثِ ابْنِ نُمَيْرٍ: "ما مِن مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا وَهو علَى المِلَّةِ"؛ وفي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ، عن أَبِي مُعَاوِيَةَ: "إِلَّا علَى هذِه المِلَّةِ، حتَّى يُبَيِّنَ عنْه لِسَانُهُ"؛ وفي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ، عن أَبِي مُعَاوِيَةَ: "ليسَ مِن مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا علَى هذِه الفِطْرَةِ، حتَّى يُعَبِّرَ عنْه لِسَانُهُ." وللحديث روايات أخرى لكنها تتناول الفكرة نفسها بألفاظ مغايرة تزيد أو تنقص حسب الرُّوَّاة؛ وهو نصٌّ مهم لإبراز دور التنشئة الاجتماعية بمختلف فاعليها في تشكيل عقلية الإنسان، أيِّ إنسان، وبناءِ شخصيته.

    2) والفاعلون في التنشئة كثيرون يبدأون بالوالدين والأقارب ثم المعلمين، والمربين في المؤسسات المختلفة من المدرسة إلى النادي الرياضي أو الثقافي، وفي المعابد بأنواعها، وغيرها من المؤسسات التي تؤثر في تشكيل عقل الإنسان وتؤسس لثقافته وتبني شخصيته سوية كانت أو معوجَّة، منحرفة، ولا ننسى دور الأصدقاء والأقران في التأثير المباشر، أو غير المباشر، في تشكيل شخصية الإنسان.

    3)
    يقال: "إن شخصية المرء لا تكتمل إلا عند موته"، فبموته ينتهي التأثر بما يحيط به من الأفكار؛ والإنسان، في النهاية، حصيلة ما يختزن من تلك الأفكار: قيِّمة كانت أو رديئة، طيِّبة أو خبيثة، صالحة أو فاسدة، حقة أو باطلة؛ فمن أين يستقي الإنسان أفكاره، التي تصوغ شخصيَّتَه، إن لم يكن من أسرته، ومدرسته، وجماعته، وكتبه وأقرانه من أترابه أو غيرهم؟

    4)
    ثم هناك عوامل أخرى، مادية/عضوية هذه المرة بعد الأخرى سالفة الذكر في 2 و3، تؤثر كثيرا في تحديد ملامح شخصية الإنسان لا يُلتفت إليها إلا نادرا، أو لا يلتفت إليها أصلا، ومن تلك العوامل المؤثرة تأثيرا مؤكدا:
    1- الهرمونات (إفرازات الغدد الصماء) المختلفة ولاسيما الغدة الدرقية الخطيرة، فهي تظهر، عند اختلالها، الشخص بمظهر الإنسان العصبي، أو سيء الخلق، وما هو في حقيقته كذلك لولا "مكر" غدته الدرقية به، وهذا موضوع كبير يحتاج إلى وقفة متأنية لا يستطيعها إلا المختصون ولست منهم؛
    2- نشاط الفصوص الدماغية المختلفة وقشرة الدماغ، ولهذا النشاط تأثير مباشر ومؤكد كذلك على سلوك الفرد، وقد عالج الأستاذ، الأمريكي الجنسية اللبناني الأصل الماروني الدين، دانيال ج. أمين، هذا الموضوع المهم في كتابه القيم الفذ "غيِّرِْ من عقلك تتغيرْ حياتُك"(change your brain change your life) وإن كنت أرى العنوان بالعربية خاطئا لأن التغيير يكون في الدماغ بفصوصه وقشرته وليس في "العقل" لأن العقل شيء غير مادي ولا يمكن التأثير فيه إلا بالأفكار، أو المعقولات، فقط، أما "الدماغ" فيمكن تغييره بالعقاقير المؤثرة أو بالجراحة المحلية أو بالتغذية الجيدة؛ فلوظائف فصوص الدماغ المختلفة وقشرته الحساسة تأثير مباشر في سلوك الفرد، بل في أفكاره ومن ثمة في حياته؛
    3- التغذية وما يلتهمه الشخص من الأطعمة والأشربة تؤثر تأثيرا مؤكدا أيضا على تفكير الإنسان حتى يمكننا الزعم: "إن الإنسان نتيجة ما يزدرد" بلا تردُّد ولا تريُّب ولا خوف من عرض هذه الفكرة الغريبة هنا، ولذا فلا عجب إن جاء الشرع الحنيف، الإسلامَ، بتحديد المطعومات والمشروبات من حيث ذاتُها، المباحات والمحرمات لذاتها، أو من حيث اكتسابُها من حلالها أو من حرامها، وهذا ما يبِّينه الفقه الإسلامي، ولذا كان المربون الروحيون ("أرباب السلوك" في التصوف الإسلامي) يحثُّون المريدين على أكل الحلال فقط وتجنب المشبوهات من المأكولات والمشروبات، وترك حتى المباحات حذرا من الوقوع في المحرمات؛
    4- التقدم في السن، فقد يزداد المرء حكمة وعقلا ورزانة لم تكن عنده في مراحل حياته السابقة بما يكسبه من تجربة في حياته فتتأثر شخصيته نتيجة لذلك؛
    5- المرض الطارئ المؤقت أو المزمن، ولاسيما هذا الأخير، وما يسببه من تغير في شخصية الإنسان، وهذا الأمر مشاهد ومجرب ومعيش؛
    6- العاهات الجسمية الكبيرة (المهمة) كالإعاقة الجزئية أو الكلية، و العمى، و الصمم، و الخرس (البكم) فكلها تؤثر تأثيرا عميقا في الشخصية. (**)

    5)
    وبناء على ما تقدم كله فليس "الإنسان" مجموعة من العضلات والعظام والأعصاب والعروق والأعضاء والأجهزة الباطنة فقط وإنما هو إضافة إلى ذلك كله: عقله وثقافته وأفكاره، فعنها يصدر، ومنها ينطلق، وبها يفكر، وعليها يقَوِّم (يحكم) ما يتصل به من الأشخاص ومن الأفكار ومن الأشياء؛ فإن كان ما تلقاه منذ صِغره حتى كِبَره صحيحا جاء ما يصدر عنه كذلك وحكم عليه بالصحة والجودة، وإن كان سقيما حكم عليه وعلى فكره وما يعبر عنه بالسقم والرداءة حتما.

    6)
    لكن الإشكال الذي يفرض نفسه علينا هنا والآن هو: ما هي المعايير، أو المقاييس، التي يُحْكم بها على شخص، فكره وعمله، أنه صحيح، صالح، وجيد، أو أنه سقيم، فاسد، ورديء؟ هنا مربط الفرس كما يقال عادة، أو "هنا مربط الخيل"
    ، كما أقول، و"الخيل معقود بنواصيها الخير"؛ ولا خروج من هذا الإشكال إلا بالاتفاق على معايير تكون لنا ميزانا محكما دقيقا، ونحن، المسلمين، نرضى بما يلي معاييرَ:
    1- الشرع الحنيف: الإسلام، بنصوصه الصحيحة الصريحة؛
    2- العقل الصحيح المؤيد بالدليل والبرهان والحجة؛
    3- الواقع المعيش المحقَّق، فالواقع أصدق إنباءً من الكتب؛
    4- التاريخ الموثَّق المدقَّق، ولنا في التاريخ فِكَرٌ وعبر؛
    وليس بعد هذه الأربعة معيار يمكن الاطمئنان إليه أو الاتفاق عليه كلية؛ ونحن، المسلمين، نطمئن إلى النصوص الصحيحة الصريحة (النقل) ونقدمها على العقل (الفكر) لما قد ينتابه من خدع ويعترضه من تشويش تلقائي أو مقصود مُغرض يَضِلُّ (العقلَ) بسببه ويتيه.

    7)
    هذا المدخل الطويل قصدا ضروري للوصول إلى فكرة العنوان المثبت:"التجاهل الوجودي لعلاج العته الوجودي" فما ينتج عن عقل لا يعتمد الشرع فتفكيره وتعبيره وتصرفاته ومواقفه ضلال وضياع وتوهان أو هو، باختصار، "عته" (جنون وخبل) يمكن معالجته بالمناقشة والحوار، أو بالقرع، أو الرّدع، أو الدّفع، وإلا عولج، إن استعصى على العلاج "الطبي" (الشرعي)، بـ"التجاهل الوجودي" لأنه "عته وجودي" ناتج عن فكر مريض سببه التنشئة الخاطئة، والتربية الفاسدة، والتلقي المشبوه والتوجيه المغشوش فنتج عن هذا كلِّه "عقل سقيم" تصعب معالجته أو تستحيل.

    هذا، وللحديث بقية، إن شاء الله تعالى، إن كان في العمر بقية، والموضوع بعد ذلك أكبر من أن يعالج في مقالة وأخطر، والله أعلم ونسبة العلم إليه، سبحانه، أسلم وأحكم وأفهم، وقراءة ممتعة مفيدة إن شاء الله تعالى.


    البُلَيْدَة، مساء يوم الأربعاء 13 من ذي الحجة 1440 الموافق 14 أوت/أغسطس 2019.
    ____________
    (*) بتاريخ 09 الجاري، وفي متصفح أختنا القديرة أميمة محمد: "أوراق صغيرة (2)"، كنت أعلنت، في مشاركتي رقم# 402، عن موضوعي هذا غير أن ظروفي لم تكن تسمح بتحريره رغم دورانه في ذهني باستمرار، ونحن لا نتحكم في خواطرنا متى تدرُّ ومتى تجِفُّ، أو متى يصفو الذهن ومتى يتكدر، وأرجو من القراء ألا يبخلوا علي بملاحظاتهم وتصويباتهم لما قد يتسرب إلى المقالة من أخطاء إملائية أو نحوية أو لغوية ولهم مني جزيل الشكر سلفا.
    (**) استدركت اليوم (3 سبتمبر/أيلول) ما فاتني أول مرة (14 أوت/آب) من سرد العوامل المادية المؤثرة في تشيكل شخصية الإنسان فأضفت الثلاثة الأخيرة (4 و5 و6) حتى تكتمل تلك العوامل، وهكذا الإنسان ينسى ويغفل ويسهو وعليه أن يستدرك ما تنبه إليه من ذلك، وما سمي انسان إنسانا إلا لكثرة نسيانه.
    sigpic
    (رسم نور الدين محساس)
    (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

    "القلم المعاند"
    (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
    "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
    و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

  • حسين ليشوري
    طويلب علم، مستشار أدبي.
    • 06-12-2008
    • 8016

    #2
    تذكير بموضوع ذي صلة وثيقة.



    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على محمد الهادي إلى كل الخيرات.
    ثم أما بعد، بعد نشري مقالتي هذه أمس، ورد على بالي التذكير بمقالة أخرى لها صلة وثيقة بما نحن بصدده هنا ولعلها تفيد قارئها بما يزيده فهما للمقاصد:

    جراحة الأفكار بين المُدارسة و المُمارسة (مقدمة في التّغيير السِّلمي)

    و قد يكون من المفيد كذلك قراءة الدراسة التحليلية التي قامت بها أختنا الفلسطينية نجية يوسف:
    قراءة في كتيِّب [ جراحة الأفكار] للأستاذ حسين ليشوري

    قراءة ممتعة ومفيدة إن شاء الله تعالى وبالحوار تتلاقح الأفكار عند العقلاء الأخيار.
    sigpic
    (رسم نور الدين محساس)
    (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

    "القلم المعاند"
    (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
    "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
    و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

    تعليق

    • أميمة محمد
      مشرف
      • 27-05-2015
      • 4960

      #3
      السلام عليكم ورحمة الله
      لأصدقك القول لم أصل للفكرة الجوهرية للمقال خاصة في بدايته رغم وصولي حتما للمقدمة والمتفرقات التي أعجبني منها

      والفاعلون في التنشئة كثيرون يبدأون بالوالدين والأقارب ثم المعلمين، والمربين في المؤسسات المختلفة من المدرسة إلى النادي الرياضي أو الثقافي، وفي المعابد بأنواعها، وغيرها من المؤسسات التي تؤثر في تشكيل عقل الإنسان وتؤسس لثقافته وتبني شخصيته سوية كانت أو معوجَّة، منحرفة."
      هل نسيت الأصدقاء وتأثيرهم هنا؟ "قل لي من صديقك أقل لك من أنت"

      "
      يقال: "إن شخصية المرء لا تكتمل إلا عند موته"، فبموته ينتهي التأثر بما يحيط به من الأفكار؛ والإنسان، في النهاية، حصيلة ما يختزن من الأفكار"

      شخصية الإنسان العربي تكتمل بانتهاء مراحل الدراسة فلا يهتم لتطويرها.. هذه مشكلة عويصة

      ربما طالت المقدمة وتقلصت الخلاصة
      تقديري وتحياتي وجمعة مباركة

      تعليق

      • حسين ليشوري
        طويلب علم، مستشار أدبي.
        • 06-12-2008
        • 8016

        #4
        الكلام لم ينته بعد.

        المشاركة الأصلية بواسطة أميمة محمد مشاهدة المشاركة

        - السلام عليكم ورحمة الله: وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلا بك، أميمة، وسهلا ومرحبا.

        - لأصدقك القول لم أصل للفكرة الجوهرية للمقال خاصة في بدايته رغم وصولي حتما للمقدمة والمتفرقات التي أعجبني منها:"والفاعلون في التنشئة كثيرون يبدأون بالوالدين والأقارب ثم المعلمين، والمربين في المؤسسات المختلفة من المدرسة إلى النادي الرياضي أو الثقافي، وفي المعابد بأنواعها، وغيرها من المؤسسات التي تؤثر في تشكيل عقل الإنسان وتؤسس لثقافته وتبني شخصيته سوية كانت أو معوجَّة، منحرفة.": الكلام لم ينته بعد والمقدمة الطويلة ضرورية لما سيأتي إن شاء الله تعالى، فالتمهيد الموضِّح من التخطيط للموضوع المغرض، الذي يستهدف غرضا كبيرا وخطيرا يريد الوصول إليه.

        -
        هل نسيت الأصدقاء وتأثيرهم هنا؟ "قل لي من صديقك أقل لك من أنت": لا، لم أنس الأصدقاء وذكرتهم في قولي: "فمن أين يستقي الإنسان أفكاره، [التي تصوغ شخصيته]، إن لم يكن من أسرته، ومدرسته، وجماعته، وكتبه وأقرانه من أترابه أو غيرهم؟" الوارد في الفقرة التي اقتبستِ منها: "يقال: "إن شخصية المرء لا تكتمل إلا عند موته"، فبموته ينتهي التأثر بما يحيط به من الأفكار؛ والإنسان، في النهاية، حصيلة ما يختزن من الأفكار"، ومع هذا فسأستدرك الموضوع، إن شاء الله تعالى، وأضيف الأصدقاء والأقران.

        - شخصية الإنسان العربي تكتمل بانتهاء مراحل الدراسة فلا يهتم لتطويرها.. هذه مشكلة عويصة: هذا غير صحيح، الشخصية تستمر في التشكل، صلاحا وفسادا، حتى وإن لم يهتم الإنسان فهو يتأثر دون شعور منه، وأبسط مؤثر هو ما يقرأه في الكتب أو في وسائل التواصل الحديثة وفي دور العبادة (المساجد بالنسبة للمسلم)؛ ثم إن التقدم في السن يؤثر في صياغة الشخصية رغما عن الشخص.

        - ربما طالت المقدمة وتقلصت الخلاصة: لم تأت الخلاصة بعد، وكل ما سبق إنما هو تمهيد لما سيأتي إن شاء الله تعالى، وأنا على يقين أن بعض المحاور تحتاج إلى بسط ومزيد بيان ولا سيما الحديث عن أكل الحرام، أو اقتراف المعاصي عموما، في عقل الإنسان وفكره وسلوكه، وهذا ما سأستدركه فيما سيأتي من الحديث إن شاء الله تعالى، وقد قلتُ:"
        هذا المدخل الطويل قصدا ضروري للوصول إلى فكرة العنوان المثبت:"التجاهل الوجودي لعلاج العته الوجودي" اهـ بنصه وفصه.
        - تقديري وتحياتي وجمعة مباركة: وجمعتك مباركة، أختي الكريمة، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال ولا سيما في هذا اليوم المبارك من الشهر المبارك، اللهم آمين يا رب العالمين.
        ولك تقديري وتحياتي أختي الفاضلة، ودمت على التواصل البناء الذي يغني ولا يلغي.
        sigpic
        (رسم نور الدين محساس)
        (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

        "القلم المعاند"
        (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
        "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
        و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

        تعليق

        • مصباح فوزي رشيد
          يكتب
          • 08-06-2015
          • 1272

          #5
          السّلام عليكم شيخنا صاحب السّبق الجواد، سبقتمونا إليها بهذه الأخلاق الحميدة الفاضلة ، وهذا التّواضع .
          ثمّ أمّا بعد ؛ أريد مشاركتكم في هذا الموضوع الذي يخصّ الإنسان وطبعه . ولن أذهب إلى تلك التّصنيفات الغريبة ( المنفعل الفعّال ، المنفعل اللاّفعّال ، اللاّمنفعل الفعّال ، اللاّمنفعل اللاّفعّال ) التي وضعها الفلاسفة لأنّها تناولت المظاهر ولم تدرس الأسباب.
          ولكن الذي أحببت أن أفضي به في هذا المجال المحترم ؛
          عجائب خلق الله التي لا تريد أن تنقطع في هذا الانسان " صاحب الأطوار الغريبة " ، وبعض ما جادت به قريحتي من " بنات أفكار " هي أقرب إلى الأحكام الذّاتية والتخيّل منها إلى الواقع أو الحقيقة .
          حينما نجري مقارنة بين مراحل عمر الإنسان وفصول السنة الأربعة ؛ بين شتاء بتقلّب أيّامه وتلبّد غيومه وأمطاره ، كأنّه الطّفل بتقلّب مزاجه و بدموعه وكثرة بكائه . ثم يأتي الرّبيع بجماله وعنفوانه . وأنظر إلى " زهرة العمر " الشّباب، كالرّبيع في رونقه أو كآية [انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ] ثم ينضج الانسان ويكتمل فيصير كهلا ، كما تنضج الثمار و يحين قطافها في فصل الصّيف . ثم بعد ذلك يشيخ ، فتيبس عروقه وتتصلّب شرايينه ، كما تشيخ الطّبيعة وتيبس عروق النّبات والأغصان في فصل الخريف . يحدث كل ذلك للإنسان الغريب ، في دورة عجيبة ، تحاكي إلى حدّ ما دورة فصول السنة الأربعة . وفي بعض الأساطير والفلسفات القديمة التي تؤمن بتناسخ الأرواح ، إن الرّوح الخالدة تتنقّل من ذات إلى أخرى ، ومن جسد إلى آخر. ويمكن لروح شخص ما أن تحلّ في جسد حيوان ما ، ذئبا كان أو خروفا أو أفعى أو حتّى دجاجة .... وتعود و تستبيح ذاتٍ أخرى وجسد آخر بمجرّد موت ذاك الذّئب أو الخروف أو الأفعى أو الدّجاجة . وبالتّالي ، فإن الإنسان الذي حلّت روحه " على حين غفلة منه " سيحمل نفس الخصائص التي كانت لدى الكائنات الأخرى . كما ورد عن ابن خلدون أنّه قال - في مقدّمته الشّهيرة - : " أكل العرب الإبل فأخذوا منها الغلضة و الغيرة ، وأكل الأتراك الخيول فأخذوا منها الشّراسة والقوّة ، وأكل الإفرنج الخنزير فأخذوا منه الدّياثة ، وأكل الزّنوج القرود فأخذوا منها الرّقص والطّرب " .اهـ . وقال ابن القيّم - رحمه الله - : " كل من ألف ضربا من ضروب الحيوانات اكتسب من طبعه وخُلقِه . فإن تغذّى من لحمه كان الشبه أقوى " أو كما قال . وأضاف آخر : " ونحن في زمننا هذا أكثرنا من أكل الدّجاج ، أكلناه بشراهة وشراسة ونهم ، فأكثرنا البقبقة والصّياح وتكالبت علينا الأمم .أخذنا منه المذلّة والثرثرة وعدم القدرة على التحليق بعيدا وختم بقوله : " وما أكثر الدّجاج في زماننا " . اهـ وما بالنا نتغذّى من لحم دجاج غير طبيعي ، دجاج ينمو في شهرين وأحيانا في أقل من ذلك ، نتغذّى بدجاج تركيبته أدوية لا نعرف عنها وعن خصائصها و خطورتها شيئا .
          وفي ( البداية والنهاية ) عن النبي أنّه قال : " إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك والخبيث والطيّب والسّهل والحزن وبين ذلك " :وفي الحديث أيضا : " الناس معادن كمعادن الذّهب والفضّة " ويضرب المثل بمعدن الإنسان فيقال هذا من معدن كذا ، ذهبًا كان أو فضّةً أو نحاسًا حتّى ، للتلميح عن تنوّع أخلاق النّاس واختلاف طبائعهم .
          أجدّد تحيّاتي الخالصة لكم ، ولكل المتابعين الأعزّاء .
          ودمتم بصحّة وعافيّة ، وجمعة مباركة ، وكل عام وأنتم والأمّة جميعا بألف خير وخير .

          التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 17-08-2019, 14:54.
          لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

          تعليق

          • حسين ليشوري
            طويلب علم، مستشار أدبي.
            • 06-12-2008
            • 8016

            #6
            وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
            أهلا بك أخي مصباح وسهلا ومرحبا، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال ولاسيما في هذا اليوم المبارك، يوم الجمعة.
            أشكر لك مشاركتك الطيبة، بارك الله فيك.
            أعجبني ما نقلته عن القائل:"
            ونحن في زمننا هذا أكثرنا من أكل الدّجاج، أكلناه بشراهة وشراسة ونهم، فأكثرنا البقبقة والصّياح وتكالبت علينا الأمم؛ أخذنا منه المذلّة والثرثرة وعدم القدرة على التحليق بعيدا وختم بقوله: "وما أكثر الدّجاج في زماننا" اهـ، وما بالنا نتغذّى من لحم دجاج غير طبيعي، دجاج ينمو في شهرين وأحيانا في أقل من ذلك، نتغذّى بدجاج تركيبته أدوية لا نعرف عنها وعن خصائصها و خطورتها شيئا" ولعل في هذا التبرير ما يفسر كثيرا من ظروفنا، ويبدو أن "الدّجاجيّة" هي نزعة العرب المعاصرين؛ ولسرٍّ ما كنا، ونحن صبية، نُمنع من أكل كبد الدجاج بحجة أننا عندما نكبر نصير جبناء، وعندما كبرنا صرنا نضحك من ذلك التبرير ونعتبره خرافة طريفة ونظن أنها حيلة من الكبار ليستمتعوا بالكبد الطرية وحدهم دون الصغار، وبعد التأمل يبدو أن كبارنا، في حينهم، كانوا على حق في "خرافتهم" تلك.
            شكرا أخي مرة أخرى ودمت على التواصل البناء الذي يغني ولا يلغي.
            تحياتي إليك وتقديري لك.

            sigpic
            (رسم نور الدين محساس)
            (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

            "القلم المعاند"
            (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
            "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
            و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

            تعليق

            • البكري المصطفى
              المصطفى البكري
              • 30-10-2008
              • 859

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة حسين ليشوري مشاهدة المشاركة

              التّجاهل الوجودي لعلاج العته الوجودي(*)
              (مقالة)


              1) منذ ورود فكرة المقالة هذه في علاج "العته الوجودي" على بالي ونصُّ الحديث الشريف الصحيح:"كُلُّ مَولودٍ يولَدُ على الفِطرةِ، فأبَواهُ يُهوِّدانِه أو يُنصِّرانِه أو يُشرِّكانِه أو يُمجِّسانِه ويُكفِّرانِه..."(رواه أبو هريرة، رضي الله عنه) يدور في ذهني؛ ونص الحديث بتمامه، كما رواه الإمام مسلم، رحمه الله: "ما مِن مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُشَرِّكَانِهِ"، فَقالَ رَجُلٌ: "يا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ لو مَاتَ قَبْلَ ذلكَ؟" قالَ: "اللَّهُ أَعْلَمُ بِما كَانُوا عَامِلِينَ"؛ وفي حَديثِ ابْنِ نُمَيْرٍ: "ما مِن مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا وَهو علَى المِلَّةِ"؛ وفي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ، عن أَبِي مُعَاوِيَةَ: "إِلَّا علَى هذِه المِلَّةِ، حتَّى يُبَيِّنَ عنْه لِسَانُهُ"؛ وفي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ، عن أَبِي مُعَاوِيَةَ: "ليسَ مِن مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا علَى هذِه الفِطْرَةِ، حتَّى يُعَبِّرَ عنْه لِسَانُهُ." وللحديث روايات أخرى لكنها تتناول الفكرة نفسها بألفاظ مغايرة تزيد أو تنقص حسب الرُّوَّاة؛ وهو نصٌّ مهم لإبراز دور التنشئة الاجتماعية بمختلف فاعليها في تشكيل عقلية الإنسان، اي إنسان، وبناء شخصيته.

              2) والفاعلون في التنشئة كثيرون يبدأون بالوالدين والأقارب ثم المعلمين، والمربين في المؤسسات المختلفة من المدرسة إلى النادي الرياضي أو الثقافي، وفي المعابد بأنواعها، وغيرها من المؤسسات التي تؤثر في تشكيل عقل الإنسان وتؤسس لثقافته وتبني شخصيته سوية كانت أو معوجَّة، منحرفة.

              3)
              يقال: "إن شخصية المرء لا تكتمل إلا عند موته"، فبموته ينتهي التأثر بما يحيط به من الأفكار؛ والإنسان، في النهاية، حصيلة ما يختزن من الأفكار: قيِّمة كانت أو رديئة، طيِّبة أو خبيثة، صالحة أو فاسدة، حقة أو باطلة؛ فمن أين يستقي الإنسان أفكاره، التي تصوغ شخصيته، إن لم يكن من أسرته، ومدرسته، وجماعته، وكتبه وأقرانه من أترابه أو غيرهم؟

              4)
              ثم هناك عوامل أخرى، مادية/عضوية هذه المرة بعد الأخرى سالفة الذكر في 2 و3، تؤثر كثيرا في تحديد ملامح شخصية الإنسان لا يُلتفت إليها إلا نادرا، أو لا يلتفت إليها أصلا، ومن تلك العوامل المؤثرة تأثيرا مؤكدا:
              1- الهرمونات (إفرازات الغدد الصماء) المختلفة ولاسيما الغدة الدرقية الخطيرة، فهي تظهر، عند اختلالها، الشخص بمظهر الإنسان العصبي، أو سيء الخلق، وما هو في حقيقته كذلك لولا "مكر" غدته الدرقية به، وهذا موضوع كبير يحتاج إلى وقفة متأنية لا يستطيعها إلا المختصون ولست منهم؛
              2- نشاط الفصوص الدماغية المختلفة وقشرة الدماغ، ولهذا النشاط تأثير مباشر ومؤكد كذلك على سلوك الفرد، وقد عالج الأستاذ، الأمريكي الجنسية اللبناني الأصل، دانيال ج. أمين، هذا الموضوع المهم في كتابه القيم الفذ "غيِّرِْ من عقلك تتغيرْ حياتُك"(change your brain change your life) وإن كنت أرى العنوان بالعربية خاطئا لأن التغيير يكون في الدماغ بفصوصه وقشرته وليس في "العقل" لأن العقل شيء غير مادي ولا يمكن التأثير فيه إلا بالأفكار، المعقولات، فقط، أما "الدماغ" فيمكن تغييره بالعقاقير المؤثرة أو بالجراحة المحلية أو بالتغذية الجيدة؛ فلوظائف فصوص الدماغ المختلفة وقشرته الحساسة تأثير مباشر في سلوك الفرد، بل في أفكاره ومن ثمة في حياته؛
              3- التغذية وما يلتهمه الشخص من الأطعمة والأشربة تؤثر تأثيرا مؤكدا أيضا على تفكير الإنسان حتى يمكننا الزعم: "إن الإنسان نتيجة ما يزدرد" بلا تردُّد ولا تريُّب ولا خوف من عرض هذه الفكرة الغريبة هنا، ولذا فلا عجب إن جاء الشرع الحنيف، الإسلامَ، بتحديد المطعومات والمشروبات من حيث ذاتُها، المباحات والمحرمات لذاتها، أو من حيث اكتسابُها من حلالها أو من حرامها، وهذا ما يبِّينه الفقه الإسلامي، ولذا كان المربون الروحيون يصرون على حث المريدين على أكل الحلال فقط وتجنب المشبوهات من المأكولات والمشروبات.

              5)
              وبناء على ما تقدم كله فليس "الإنسان" مجموعة من العضلات والعظام والأعصاب والعروق والأعضاء والأجهزة الباطنة فقط وإنما هو إضافة إلى ذلك كله: عقله وثقافته وأفكاره، فعنها يصدر، ومنها ينطلق، وبها يفكر، وعليها يقَوِّم (يحكم) ما يتصل به من الأشخاص ومن الأفكار ومن الأشياء؛ فإن كان ما تلقاه منذ صِغره حتى كِبَره صحيحا جاء ما يصدر عنه كذلك وحكم عليه بالصحة والجودة، وإن كان سقيما حكم عليه وعلى فكره وما يعبر عنه بالسقم والرداءة حتما.

              6)
              لكن الإشكال الذي يفرض نفسه علينا هنا والآن هو: ما هي المعايير، أو المقاييس، التي يُحْكم بها على شخص، فكره وعمله، أنه صحيح، صالح، وجيد، أو أنه سقيم، فاسد، ورديء؟ هنا مربط الفرس كما يقال عادة، أو "هنا مربط الخيل"
              ، كما أقول، و"الخيل معقود بنواصيها الخير"؛ ولا خروج من هذا الإشكال إلا بالاتفاق على معايير تكون لنا ميزانا محكما دقيقا، ونحن، المسلمين، نرضى بما يلي معاييرَ:
              1- الشرع الحنيف: الإسلام، بنصوصه الصحيحة الصريحة؛
              2- العقل الصحيح المؤيد بالدليل والبرهان والحجة؛
              3- الواقع المعيش المحقَّق، فالواقع أصدق إنباء من الكتب؛
              4- التاريخ الموثَّق المدقَّق، ولنا في التاريخ فِكَرٌ وعبر؛
              وليس بعد هذه الأربعة معيار يمكن الاطمئنان إليه أو الاتفاق عليه كلية؛ ونحن، المسلمين، نطمئن إلى النصوص الصحيحة الصريحة (النقل) ونقدمها على العقل (الفكر) لما قد ينتابه من خدع ويعترضه من تشويش تلقائي أو مقصود مغرض يَضِلُّ بسببه ويتيه.

              7)
              هذا المدخل الطويل قصدا ضروري للوصول إلى فكرة العنوان المثبت:"التجاهل الوجودي لعلاج العته الوجودي" فما ينتج عن عقل لا يعتمد الشرع فتفكيره وتعبيره وتصرفاته ومواقفه ضلال وضياع وتوهان أو هو، باختصار، "عته" (جنون وخبل) يمكن معالجته بالمناقشة والحوار، أو بالقرع، أو الرّدع، أو الدّفع، وإلا عولج، إن استعصى على العلاج "الطبي" (الشرعي)، بـ"التجاهل الوجودي" لأنه "عته وجودي" ناتج عن فكر مريض سببه التنشئة الخاطئة، والتربية الفاسدة، والتلقي المشبوه والتوجيه المغشوش فنتج عن هذا كلِّه "عقل سقيم" تصعب معالجته أو تستحيل.

              هذا، وللحديث بقية، إن شاء الله تعالى، إن كان في العمر بقية، والموضوع بعد ذلك أكبر من أن يعالج في مقالة وأخطر، والله أعلم ونسبة العلم إليه، سبحانه، أسلم وأحكم وأفهم، وقراءة ممتعة مفيدة إن شاء الله تعالى.


              البُلَيْدَة، مساء يوم الأربعاء 13 من ذي الحجة 1440 الموافق 14 أوت/أغسطس 2019.
              ____________
              (*) بتاريخ 09 الجاري، وفي متصفح أختنا القديرة أميمة محمد: "أوراق صغيرة (2)"، كنت أعلنت، في مشاركتي رقم# 402، عن موضوعي هذا غير أن ظروفي لم تكن تسمح بتحريره رغم دورانه في ذهني باستمرار، ونحن لا نتحكم في خواطرنا متى تدرُّ ومتى تجِفُّ، وأرجو من القراء ألا يبخلوا علي بملاحظاتهم وتصويباتهم لما قد يتسرب إلى المقالة من أخطاء إملائية أو نحوية أو لغوية ولهم مني جزيل الشكر سلفا.
              أخي حسين ، الأستاذ المقتدر تحيتي العطرة.
              أدركت حقيقة إشكال تقويم السلوك، ولذلك جعلته " مربط الفرس " من هذا المنطلق بالذات تؤسس الثقافات المختلفة ، والمجتمعات المتباينة مرجعيات مختلفة أيضا لتقويم السلوك.فعلى مستوى القيم إن كنت في مجتمع ياباني لا تصافح باليد أو بالاحتضان، فإنه مناف للآداب ، وإذا أمسك رجل سعودي بيد رجل آخر وهما يسيران، فتلك علامة على الاحترام. لكن لا تفعل ذلك في " تكساس" أو في"ليفربول" والمساحات الشخصية أيضا تحدد ثقافيا في كل مجتمع، فالتحرك في المنطقة الحميمة لشخصين( رجل وامرأة) دليل التقدير والتفاعل الاجتماعي في المجتمع الإيطالي، لكنه في المجتمع العربي الإسلامي أو الأسترالي يفسر بأنه تحرش جنسي .
              إذن معيار تقويم السلوك في المجتمع الإسلامي ضابطه الأساس هو النص الشرعي الموثق، وليس التاريخ الموثق ، وليس العقل المجرد الذي يكيف القيم وتقويمها حسب هوى الذات، والأمثلة على ذلك كثيرة.
              أجدد لك التحية.

              تعليق

              • حسين ليشوري
                طويلب علم، مستشار أدبي.
                • 06-12-2008
                • 8016

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة البكري المصطفى مشاهدة المشاركة
                أخي حسين، الأستاذ المقتدر تحيتي العطرة.
                أدركت حقيقة إشكال تقويم السلوك، ولذلك جعلته "مربط الفرس" من هذا المنطلق بالذات تؤسس الثقافات المختلفة، وللمجتمعات المتباينة مرجعيات مختلفة أيضا لتقويم السلوك، فعلى مستوى القيم إن كنت في مجتمع ياباني لا تصافح باليد أو بالاحتضان، فإنه مناف للآداب، وإذا أمسك رجل سعودي بيد رجل آخر وهما يسيران، فتلك علامة على الاحترام، لكن لا تفعل ذلك في " تكساس" أو في"ليفربول" والمساحات الشخصية أيضا تحدد ثقافيا في كل مجتمع، فالتحرك في المنطقة الحميمة لشخصين (رجل وامرأة) دليل التقدير والتفاعل الاجتماعي في المجتمع الإيطالي، لكنه في المجتمع العربي الإسلامي أو الأسترالي يفسر بأنه تحرش جنسي.
                إذن معيار تقويم السلوك في المجتمع الإسلامي ضابطه الأساس هو النص الشرعي الموثق، وليس التاريخ الموثق، وليس العقل المجرد الذي يكيف القيم وتقويمها حسب هوى الذات، والأمثلة على ذلك كثيرة.
                أجدد لك التحية.
                ولك أخي الأديب الأريب البكري، تحياتي العطرة وتقديري المؤكد.
                أشكر لك تعليقك النبيه وبالنقد البناء تنمو المواضيع وتكتمل بحسبه.
                أنطلق في تعليقي من حيث انتهيتَ إليه وهو قولك الملون في المقتبس:"
                إذن معيار تقويم السلوك في المجتمع الإسلامي ضابطه الأساس هو النص الشرعي الموثق، وليس التاريخ الموثق، وليس العقل المجرد الذي يكيف القيم وتقويمها حسب هوى الذات" اهـ نصه وفصه، نعم القول قولك فيما يخص الضابط الأساس لكن هذا الضابط الأساس ليس كل الضوابط ولحكمة ما قص الله علينا قصص الأمم السالفة وكيف أكرم مؤمنيها وكيف عاقب مخالفي الرسل ليس للحكي، أو القص من أجل القص، وإنما للاعتبار، فالتاريخ الوثيق، أو الموثق، رافد من روافد التوجيه الفعال، ولذا يقال:"ولنا في التاريخ فِكَرٌ وعِبَر" وهل هناك أوثق من القرآن الكريم لتأكيد تلك الفكر والعبر؟

                نحن نتحدث عن أساليب التغيير في المجتمع الإسلامي وقد جاء التشريع الإسلامي لضبط السلوك الإنساني عند المسلم وعند غير المسلم إن كان في ذمة المسلم ولا نهتم بما عند الأمم الأخرى إن كان يناقض النص الشرعي القطعي من حيث ثبوتُه ودلالتُه حتى نتميز عن غيرنا بما أكرمنا الله تعالى به من الإسلام وليس بعد هدى الإسلام هدى حتى وإن بدا "جميلا" و"راقيا" للناس.

                فمقومات السلوك، ما يجعل السلوك مستقيما، عند المسلم: النص الشرعي بما فيه من الإباحة والحظر، أو التحليل والتحريم؛ والنص الشرعي أنواع: القرآن الكريم، السنة الصحيحة، إجماع الصحابة، رضي الله عنهم، إجماع علماء الأمة إن عُلِم وتُؤكِّد منه فيما لم يرد فيه نص.
                أما "العقل المجرد" فلا يكاد يوجد أصلا، أو هو موجود في أخيلة الفلاسفة وحدهم، لأن العقل عموما يشكل حسب التشريع المتَّبَع أو حسب القانون المشرَّع أو حسب "القوة" المسيطرة، أو المهيمنة؛ ثم إن الاستحسان والاستهجان يخضعان بدورهما للعرف السائد صالحا كان أو فاسدا، والحكم بالصلاح أو بالفساد يرجع إلى: التشريع المتبع، أو إلى القانون المشرع، أو إلى القوة المستطرة أو المهيمنة، أو بلفظ موجز: يرجعان إلى الثقافة السائدة التي تعود إلى التشريع ... والقانون... والقوة...

                هذا، والله أعلم، ونسبة العلم إليه، سبحانه، أسلم وأحكم وأفهم.

                تحياتي إليك أخي الفاضل وشكري المتجدد.

                sigpic
                (رسم نور الدين محساس)
                (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                "القلم المعاند"
                (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                تعليق

                • حسين ليشوري
                  طويلب علم، مستشار أدبي.
                  • 06-12-2008
                  • 8016

                  #9
                  تذكير بموضوع ذي صلة وثيقة.



                  أحب الربط بين مواضيعي المتشابهة حتى تتشكل رؤية شمولية للفكرة التي أعالجها في المقالات المنفصلة ليكتمل الفهم، وفي هذا السياق، أدرج رابط موضوعي الذي أثار جدلا في وقته فتسبب لي في بعض المتاعب مع بعض القراء المتسرعين لأنهم ظنوا، أو هكذا يبدو لي، أنهم المقصودون بالمقالة المثيرة: "
                  سلوك الملوك" وقد يتبين ما أقصده من "المتاعب" عندما يعاد فتح "ملتقى المفكرين والسياسيين العرب" وعسى أن يكون ذلك قريبا.
                  قراءة ممتعة إلى حين استئناف الحديث في موضوعنا الأساس "التجاهل الوجودي لعلاج العته الوجودي" إن شاء الله تعالى.

                  sigpic
                  (رسم نور الدين محساس)
                  (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                  "القلم المعاند"
                  (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                  "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                  و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                  تعليق

                  • حسين ليشوري
                    طويلب علم، مستشار أدبي.
                    • 06-12-2008
                    • 8016

                    #10
                    تذكير بموضوع ذي صلة.

                    وهذا تذكير آخر بموضوع لي آخر، وأنا أحب، كما سبقت لي الإشارة إليه، الربط بين مواضيعي المتشابهة حتى تتشكل رؤية شمولية للفكرة التي أعالجها في المقالات المنفصلة ليكتمل الفهم، وفي هذا السياق، أدرج رابط موضوعي الجديد: "الهُدُوئِيَّةُ بِدْعَةٌ لِيشُورِيَّةٌ و نَزْعةٌ فلسفيَّةٌ" لما بين موضوعنا هنا والموضوع المدرج من ترابط فكري أكيد.
                    قراءة ممتعة إلى حين، إن شاء الله تعالى، استئناف الحديث في موضوعنا الأساس هنا.

                    sigpic
                    (رسم نور الدين محساس)
                    (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                    "القلم المعاند"
                    (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                    "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                    و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                    تعليق

                    • حسن لشهب
                      أديب وكاتب
                      • 10-08-2014
                      • 654

                      #11
                      لا شك في أن الأستاذ العلامة الحسين ليشوري، لامس من العوامل والعناصر المشكلة لشخصية الإنسان والمكونة لها والفاعلة في بنائها وتحولها الشيء الكثير.
                      بديهي أن شخصية الإنسان نتاج لتفاعل عناصر شتى منها البيولوجي والنفسي والاجتماعي و الثقافي …
                      فنحن نحمل زادا بيولوجيا له أثره في بناء شخصيتنا من الناحية المورفولوجية وسمات الجسد المميزة لنا مثل الطول والوزن ولون البشرة و العينين والشعر …
                      وهي العناصر التي تتفاعل مع مؤثرات الوسط الذي يؤطرها داخل بنية قيمية تتأسس وفق معايير جمالية أو أخلاقية أو دينية وحتى سحرية …
                      وتتفاعل العناصر تلك مع محيط اجتماعي يحدد للشخصية وظيفتها ودورها وموقعها وقيمتها .. بالمعنى الذي يجعلنا نقرر بوضوح أن كل مجتمع يؤسس تصورا للشخصية النموذجية بحسب الجنس والسن والوظيفة الاجتماعية…. ويعمل المجتمع من خلال التربية على تحفيز الأفراد لتقمصها حفاظا على استمراريته وتوازنه وعلى عاداته وثقافته على النحو الذي تبينه أبحاث العلماء في مجال سوسيولوجيا الثقافة…
                      وتكاد سائر الفلسفات والثقافات تتفق على أن الشخصية الإنسانية وماهيتها لا تخرج عن خمس مقومات هي الوعي والحرية والإرادة والمسؤولية والكرامة .
                      مؤدى هذا الكلام هو أن لا مجال لتصور شخصية بمعزل عن المقومات المذكورة آنفا والتي بقدر ما تعترف بتأثير العوامل الفاعلة تلك لا تنكر بالمقابل قدرة الشخص على الاختيار وحريته في بناء شخصيته كما يريد لها أن تكون ...وهو ما يفسر أن الشرائع والقوانين قديمها وحديثها (بما فيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) لا تتنكر لوعي الإنسان وحريته في اختيار أفعاله وامتلاكه الإرادة لتنفيذها ومن ثمة مسؤوليته عنها وبالتالي استحقاقه لأشكال من الثواب والعقاب في دنياه وآخرته بقدر لا يتعارض مع كرامته ككائن بشري.ولكن بمقادير تتناسب وقيمة أفعاله ومدى تأثيرها سلبا أو إيجابا عليه كفرد وعلى المجتمع الذي يأويه.
                      من هنا نجد أن الحديث عن التربية والتعلم قديم قدم الإنسان ، ولكل تجمع بشري تصوره للخير والشر الذي يتغير بحسب تغير المعطيات الخاصة بواقعه وما يراهن عليه .ومن ثمة تلعب الشريعة بمعناها الديني والأخلاقي والقانوني دورا هاما في تحديد ضوابط السلوك ومقادير العقاب المتوقعة بخصوص أي تجاوز أو خرق لها، وللتربية بالتأكيد دورها في بيان ما يجب أن يكون لضبط أفعال وسلوكات الأفراد الطيب منها والمستحب والخير الشرير…
                      ولا مراء في أن هناك عوامل أخرى أصبحت ذات تأثير لا يستهان به في بناء شخصيات الأفراد، منها ما مؤسسي كالشرطة و الإعلام الذي صار دوره يتعاظم بسبب الثورة الرقمية ( لدرجة أصبحت معها بعض الأنظمة تتوجس خيفة من الفيسبوك وما جاوره ….) ومنها ما يتعلق بالوعي الجمعي كما يطرحه علماء الاجتماع كالانتماء للقبيلة أو الجماعة ( دينية كانت أو سياسية سرية أو جماهير الكرة والأحياء وسائر التنظيمات بما فيها الإجرامية بكافة أشكالها ….).
                      بهذا القدر وفي هذا الاتجاه بدأ تأثير التربية بمعناها التقليدي يخفت بقدر جعل الناس تفكر في أساليب تربية تتوافق مع معطيات العالم الرقمي الذي قتل التواصل البشري بشكل يكاد يكون نهائيا، ناهيك عن تعاظم النزوعات الفردانية التي تعمق الشعور بأهمية الأفراد وتوسيع نطاق حريتهم ضمن نطاق حقوق الإنسان التي تحولت إلى سيف يوضع على رقبة مجتمعات تنادي بخصوصيتها الثقافية في النظام العالمي (والعولمي ) الذي صار يتضخم ويهدد الخصوصية التي تحتمي بها هذه الدول.
                      هذه بضعة أفكار راودتني وأنا أتصفح فقرات مقالتك الدسمة.
                      مع شكري وتقديري لمجهودك.
                      التعديل الأخير تم بواسطة حسن لشهب; الساعة 19-08-2019, 11:30.

                      تعليق

                      • حسين ليشوري
                        طويلب علم، مستشار أدبي.
                        • 06-12-2008
                        • 8016

                        #12
                        أخي الفاضل الأستاذ حسن لشهب، أنت الحسن وأنا الحسين، فاسمي مصغر اسمك، ولذا فأنت أكبر مني وأقدر وأفقه وأحق بوصف العلَّامة مني، غفر الله لي ولك، اللهم آمين يا رب العالمين؛ ولذا تجدني أردد دعاء أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، عندما يُثنَى عليه:"اللهم لا تواخذني بما يقولون، واجعلني خيرا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون"، اللهم آمين يا رب العالمين.
                        يا أخي الكريم أنا طويلب علم ضئيل قد عرف شيئا وغابت عنه أشياء وأشياء لا يحصيها إلا الله تعالى وحده، فوصفي بـ "العلَّامة" يفوق مقاسي بكثير وقد أكون "علَامة"، بتخفيف اللَّام، من علامات الساعة إن قبلت وصفي بالعلَّامة، باللّام المضاعفة، وما أنا كذلك ألبتة، فجزاك الله عني خيرا لتقديرك الكبير لشخصي الصغير حقيقة وليس ادعاء أو تواضعا مزيفا.

                        ثم أما بعد، الحديث في تعريف "الشخصية" ومكوناتها وسماتها الثابتة والمتغيرة حسب المدارس الغربية، أو الشرقية، حديث طويل وقد لا ينتهي بنا إلى حقيقة علمية ثابتة متفق عليها لاختلاف ما ننطلق منه وما نتشوف إليه؛ ما يهمني هو كيف صاغ النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، شخصية الإنسان المسلم وجعله يتميز عن غيره بمميزات أخلاقية/ثقافية/علمية وليس بمميزات وراثية أو بيئية أو اجتماعية، ولننظر، مثلا، إلى شخصية عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، كيف كان في جاهليته وكيف صار في إسلامه؟ ولو رحنا نتأمل هذه الشخصية الإسلامية الفذة لنستخلص عوامل تغيرها لما كفتنا المطولات من الأسفار فكيف بالمختصرات من المقالات؟ وعموما، لقد حوَّل الرسول، صلى الله عليه وسلم، العرب من رعاة غنم إلى رعاة أمم، ومن ساسة إبل إلى ساسة دول، ومن حياة الحقارة إلى بناء الحضارة، حضارة فريدة فذة لا تشبه حضارة أخرى إلا من حيث التسمية اللفظية فقط "حضارة".

                        فما يهمني هو البحث عن "السر" الكامن وراء الوصفة "السحرية" (= الإيمانية) التي استعملها النبي، صلى الله عليه وسلم، ففعلت فعلتها في تلك النفوس العربية المستعصية على التغيير بغير تلك "الوصفة السحرية" (ليس في وصفي لتلك الوصفة بالسحرية شطط ولا تجاوز للأدب مع النبي، صلى الله عليه وسلم)، الفعَّالة والتي أثبتت نجاعتها في الجيل الأول من المسلمين فاستحقوا وصف الله تعالى لهم بـ {
                        مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ؛ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ؛ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا؛ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ؛ ذَ‌لِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ، وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ؛ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}(#29)؛ واستحقوا وصف النبي، صلى الله عليه وسلم، لهم:"خيرُ القرونِ القرنُ الَّذي بُعثتُ فيهم ثمَّ الَّذين يلونَهُم ثمَّ الَّذين يلونَهُمْ" (القرن بمعني الجيل، الأقران، وليس بمعنى المدة الزمنية = 100 عام، والحديث متواتر).

                        ينبهر كثير من الناس بـ"موضة" التنمية البشرية الوافدة من الغرب، ومثلها "البرمجة اللغوية العصبية" (أو NLP بالأعجمية) وكيف يتم التغيير بطرق فعّالة في الشخصية بينما يغفل أولئك المنبهرون عن "التنمية القرآنية" وعن "البرمجة النبوية" وكيف تصاغ الشخصية الإسلامية المتميزة، ولذا كنت خصصت، عام 2011، سلسلة من الدروس المسجدية للحديث عن "القرآن وبناء الإنسان" وكنت أقول:"نحن أساتذة العالم في التنمية البشرية الحقة وليس غيرنا"، لكننا، للأسف الشديد، لما ابتعدنا عن القرآن الكريم وعن السنة النبوية الشريفة الصحيحة الصريحة، ضعنا في أنفسنا وأضعنا غيرنا بضياعنا، لأن في ضياع المسلم ضياع العالم وهذا ما نحياه اليوم ومنذ قرون (بمعنى الأجيال أو بمعنى المُدَد الزمنية) كثيرة متطاولة، للأسف الشديد، أكررها بلا ملل ولا كلل.

                        هذا، وللحديث بقية، إن شاء الله تعالى، وفي نفسي كلام كثير وطويل أمسك عنه الآن خشية الإطالة، فبارك الله فيك أخي الكريم وجزاك الله عني خيرا إذ أثريت الموضوع بحديثك النافع الماتع.

                        تحيتي إليك وتقديري لك.

                        sigpic
                        (رسم نور الدين محساس)
                        (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                        "القلم المعاند"
                        (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                        "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                        و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                        تعليق

                        • حسين ليشوري
                          طويلب علم، مستشار أدبي.
                          • 06-12-2008
                          • 8016

                          #13
                          ما "العته" المتحدث عنه في موضوعنا هنا؟



                          اللَّهم يسِّر وأعن يا معين، اللّهم آمين.


                          8) نستأنف على بركة الله حديثنا الذي بدأناه يوم 14 من الشهر المنصرم، وقد منحت لنفسي فترة للتفكير أكثر في الموضوع المقترح، وللقراء حتى يتمعنوا فيه قراءة أو مشاركة إثراءً للفكرة، فها أنا أرجع إليه، اليوم الفاتح من سبتمبر (ولست أدري ما التاريخ من العام الهجري الجديد: أهو الفاتح من المحرم أم هو اليوم الثاني منه، وهذا من مصائب الأمة المتخلفة التي لم تتفق حتى على ضبط تاريخها، والله المستعان)، لاستكمال ما وعدت به راجيا من الله تعالى الرّشاد في التفكير والسّداد في التعبير والتّوفيق إلى الخير، فهو، سبحانه، على كل شيء قدير، اللهم آمين.

                          9) وقبل الاسترسال في الحديث، أودُّ توضيح التعبيرين الغريبين المثبتين في العنوان: "التجاهل الوجدوي" و"العته الوجودي"
                          ، ونبدأ بالثاني لأنه الأصل ثم نعود إلى الأول لأنه الحل؛ فما "العته الوجودي"؟ "العته" المقصود هنا هو، في بعض معانيه، الخَرَف الذي يصيب المرء بسبب الشيخوخة، أو بسبب مرض عضوي في الدماغ، تنتج عنه اضطرابات نفسية وتغيرات في الشخصية (تنظر الفقرات: 2 و3 و4) فيفقد الشخصُ توازنَه العاطفي وبعض قدراته العقلية، نسأل الله السلامة والعافية؛ وقدَّمنا القول أن الإنسان يتأثر بالأفكار التي يتلقاها سواء تفطّن لذلك أو لم يتفطن، وذكرنا عوامل التنشئة الاجتماعية وبناء الشخصية.

                          10) و"العته" ضرب من الجنون، أو هو مرض عقلي، قد يصيب حتى صغار السن لأسباب كثيرة، وقد تحدث الأطباء عن "الشيخوخة المبكرة"، وهذا ليس موضوعنا هنا، لكن يمكننا الاستعانة به للعودة إلى ما قلناه في ابتداء حديثنا عن بداية التنشئة الاجتماعية وذكرنا الحديث النبوي الشريف:
                          "ما مِن مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُشَرِّكَانِهِ"(الحديث، تنظر الفقرة رقم 1) فقد ينشأ الفتى "معتوها" ابتداءً بسبب التربية الفاسدة التي تلقاها منذ ولادته كأن ينشأ في بيئة موبوءة، معتوهة، أصلا، فأنَّى ينجو؟ ويصدق هذا الحكم حتى على "المسلم" (؟!!!) الذي ينشأ هو كذلك في بيئة "معتوهة" هي الأخرى، وهكذا دواليك...

                          11) يحضرني هنا، لتبرير زعني السابق قول القائل:"ليس العجب فيمن هلك كيف هلك؟ وإنما العجب فيمن نجا كيف نجا؟" (ينسب هذا القول إلى الإمام الحسن البصري، رحمه الله)، إذن، قد ينشأ الفتى في بيئة فاسدة أصلا ويكبر وهو يظن أنه على "الحق"، وعلى "الصواب"، وعلى "العدل" وعلى "الحقيقة"، وكما قال الشاعر (أبو العلاء المعري):

                          "ويَنشأُ ناشىءُ الفتيانِ، مِنّـا = عـــــــلى ما كانَ عَوّدَهُ أبُوه
                          وما دانَ الفتى بحِجًا، ولــكنْ = يُعَلّمُهُ التّدَيّنَ أقرَبُـــــــــــــــوه"

                          وهذا صحيح، والله، ولقد أصاب أبو العلاء كبد الحقيقة تماما، ولنا في الواقع المعيش أمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى، فالناس، كما قيل، على دين ملوكهم، أو على دين آبائهم، أو على دين مفكريهم، أو على دين المؤثرين فيهم عموما.

                          12) و "العته"، في موضوعنا هنا، تعبير عن الجهل، البسيط، أو المركب، أو المعقد (وهذا الأخير من اختراعي) وقد وصف النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، الجهل بالعِيِّ، والعِيُّ هو المرض، في قوله: "
                          ألا سألوا إذا لَم يَعلموا إِنَّما شِفاءُ العِيِّ السؤالُ"، في القصة الشهيرة عن الصحابي، رضي الله عنه، الذي هلك بسبب اغتساله وهو مشجوج الرأس بحجر؛ فقد سمَّى النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، "الجهل" عِيًّا، وجعل شفاءَه السؤالَ، أي طلب العلم من العلماء المختصين، الفقهاء هنا، وكذلك الشأن في كل "عي" إنما يكون شفاؤه بسؤال المختصين فيه.

                          13)
                          وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تتحدث عن "المرض"، وهو أنواع، منه "النفاق"، و"الكفر"، و"الفحشاء"، و"الريب" و"الحسد" و"الشهوة"(1)، و شفاء هذا كله بالتدين الصحيح المؤسس على الدليل والبرهان والحجة المرسخة لليقين في الله تعالى، وفي رسوله، صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الدين الحنيف:"الإسلام" الصحيح عقيدة، وعبادة، ومعاملة، وليس في غيره مهما ظهر للناس "جميلا" أو "نبيلا" أو "ذا قيمة" أيا كانت؛ والقضية كلها قضية علم بهذا الدين، وقضية يقين، وقضية ثبات، والإسلام هو الحل لكل مشاكل الأمة الإسلامية ولمشاكل البشرية قاطبة إن هي عرفت كيف تنجو إذ:"ليس العجب فيمن هلك كيف هلك؟ وإنما العجب فيمن نجا كيف نجا؟".

                          14)
                          إذن، "العته" المتحدث عنه هنا هو الجهل بالإسلام أصلا ثم محاربة هذا الإسلام بما يخالفه أو يناقضه أو يهدمه، فكل هذا من "العته" البسيط، أو المركب، أو المعقد، وسنتناول، بإذن الله تعالى، هذه المفاهيم الثلاثة ببعض الشرح، لما نعود، إن شاء الله تعالى، إلى حديثنا هذا، وأما "الوجودي" فنسبة إلى "الوجود"، أو "الكينونة"، فهذا "العته الوجودي" مرتبط ارتباطا بكيان الإنسان منذ نشأ حتى يفنى إن لم تتداركه رحمة الله تعالى فيهتدي إلى الحق المبين، الإسلام:{
                          فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ؛ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ؛ كَذَ‌لِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}(#125)؛ والإنسان، أولا وأخيرا، هو مجموع قناعاته فعنها يصدر ومنها يقرر وبها يختار وعليها يبني وجوده كله، فإن حسنةً وطيِّبةً فحسنٌ وطيِّبٌ، وإن سيئةً وخبيثةً فسيئٌ وخبيثٌ؛ جعلنا الله من المسلمين له حقا وصدقا ويقينا وعلما وعملا وثباتا، اللهم آمين يا رب العالمين، هذا، وللحديث بقية، إن شاء الله تعالى، إن كان في العمر بقية.
                          _____________
                          (1) يسرد الأستاذ الباحث محمد عتريس، في مؤلَّفه: "المعجم الوافي لكلمات القرآن الكريم" الآيات التي وردت فيها كلمة "مرض" وبين دَلالاتها المختلفة؛ صفحة 774 و775، طبعة "مكتبة الآداب" الأولى، القاهرة، مصر، 2006/1427.

                          البُلَيْدَة، صبيحةَ يوم الأحد الفاتح من سبتمبر 2019 الموافق الفاتح من شهر الله المحرم 1441، أو الثاني منه (والله المستعان).
                          sigpic
                          (رسم نور الدين محساس)
                          (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                          "القلم المعاند"
                          (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                          "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                          و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                          تعليق

                          • حسين ليشوري
                            طويلب علم، مستشار أدبي.
                            • 06-12-2008
                            • 8016

                            #14
                            التجاهل الوجودي ما هو وكيف يتم؟


                            الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

                            15) خلَصنا في حديثنا السابق إلى أن "العته الوجودي"، وإن لم نصرح بذلك، مرض فكري قبل كونه مرضا نفسيا لأن الإنسان، باختصار، هو مجموع أفكاره التي اختزنها منذ ولادته من خلال التنشيئة الاجتماعية التي تلاقاها وجراء التربية متنوعة المصادر التي استقى منها أفكاره وآراءه التي يصدر عنها في سلوكه ومواقفه وعلاقاته مع غيره من بني جنسه ومع الأشياء التي تحيط به.

                            16) ولعلاج ذلك "العته الوجودي" حلول كثيرة يمكن اختصارها في ثلاثة علاجات فعَّالة أو الاستعاضة عنها بأخرى بديلة أقل فعالية ونجاعة من الأولى إن تعذر استعمال هذه، فأما الثلاثة الأولى فهي: 1- إثارة الوازع الديني، و2- تحريك الدافع الثقافي، و3- تفعيل الرادع القانوني، فإن "عجزتْ" هذه الثلاثة مجتمعة أو متفرقة يمكن الاستعاضة عنها بثلاثة أخرى: 4- الإعراض عن الجاهلين المتعصبين، 5- فضح المعاندين في الباطل، 6- تجاهل المعتوهين ألبتة كأنهم غير موجودين أصلا؛ وهذا هو الذي أسميناه "التجاهل الوجودي" لأنه يرتبط وجوديا بـ "العته الوجودي" المتحدث عنه؛ فكأن "التجاهل الوجودي" جاء جزاءً وفاقا لذلك "العته الوجودي" لأن القاعدة تقول: "الجزاء من جنس العمل"؛ وهذا التجاهل يكون ذهنيا طبعا أو شعوريا.

                            17) وبناء عليه، فالناس أصناف، هذه حقيقة ثابتة ومؤكدة، فما ينفع مع بعضهم لا ينفع بالضرورة مع البعض الآخر، ولذا جاء التدرج في الحلول الثلاثة الأولى من إثارة الوازع الديني عند المخطئ المتدين، وتحريك الدافع الثقافي عن غير المتدين إن كان مثقفا يستحيي إن حُشِّم، وتفعيل الرادع القانوني ضد المعتدي إن لم ترده النصيحة بالحسنى، ولم يثنه التَّحشيم الأخلاقي عن غيه، ولذا قيل:"إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"(1)، كما أن النهي عن المنكر جاء متنوعا ومتدرجا حسب الاستطاعة(2).

                            18) لكن هذه الحلول الثلاثة قد لا تجدي نفعا مع كثير من الناس لضعف الوازع الديني، ولفشو الجهل بنوعيه: المعرفي والأخلاقي، ولغياب وسائل الردع القانوني لكثير من المخالفات الشرعية أو لعدم نص القانون عليها أصلا، ولذا تجد الناس يظلم بعضهم بعضا وهم آمنون مطمئنون لا يخافون ولا حتلا يحذرون القمع ولاسيما إن اندرج الفعل السيء تحت مسمى "الحريات الفردية"، أو "الاختيارات الثقافية" أو "القناعات الدينية أو الفكرية أو السياسية".

                            19) فعندما تفشل الحلول الثلاثة الأولى يُلْجَأُ إلى الثلاثة الأخرى كما ذكرت آنفا عساها تفيد؛ فالإعراض عن الجاهلين حلٌّ يعود على المتجاهل بالراحة النفسية وإن كانت نسبية لأنه لا يمكن تجاهل المسيئين تجاهلا كليا إذ يبقى من إساءتهم شيء يحز في النفس؛ وأما فضح المعاندين بالباطل حتى يحذرهم الناس فيحتاج إلى نضال شديد قد لا يستطيعه كثير من الناس، وكما قيل:"اذكُروا الفاسقَ بما فيه كي يحذرَه النَّاسُ"(3)؛ وأما "تجاهل المعتوهين" ألبتة كأنهم غير موجودين أصلا فيحتاج إلى قدرة نفسية وسيطرة على الانفعال نادرتين، فمن يستطيع أن يكون "باردا" كالمرآة الصماء تنساك ألبتة كأنك لم تقف أمامها أبدا؟ ولذا احتاج هذا الحل إلى قدرة نفسية كبيرة تصير صاحبها كأنه "مرآة" ينسى الجاهلين كلية كأنهم لم يكونوا أبدا.

                            20) محور كلامنا الأساسي هو ما أسميته "التجاهل الوجودي" لعلاج "العته الوجودي" وهو تدريب النفس على تجاهل أولئك "المعتوهين" الذين بينت مواصفاتهم قبلا في الفقرة "14"؛ والعجيب في الأمر أن أولئك "المعتوهين" لا يدرون أنهم "معتوهون" وقد جاء في بعض المقولات: "إن المجنون الذي يعرف أنه مجنون فهو مجنون قد شُفِي" (un fou qui sait qu'il est fou est un fou guéri)، ولذا وجب على العقلاء أن يعالجون العته بما يستطيعون من العلاجات المتنوعة، فإن عجزت تلك العلاجات الخمسة لُجِئَ إلى الحل الأخير: "التجاهل الوجودي" لعلاج "العته الوجودي" كما نص عليه عنوان المقالة ابتداءً.

                            21) "التجاهل الوجودي" هو أن تجعل بينك وبين الجاهل، المعتوه، حاجزا نفسيا، أو سدا منيعا، يقيك شر الجهل ويصونك منه، وهذا الحل كالماسة الثمينة، النفيسة، لها عدد من الوجوه وهي واحدة وقيمتها في تعدد وجوهها الصقيلة المتمثلة في:
                            1- حمد الله تعالى على أن عافاك مما ابتلى به كثيرا من خلقه، وهذه نعمة تستوجب الشكر المستمر لتدوم وتستمر؛
                            2- دعاء الله تعالى ألا يجعلك فتنة للناس فيضلوا بسببك، أو أن يستمروا في غيهم وعنادهم وتعنتهم بسببك كذلك؛
                            3- تبيين ما يجب الحذر منه للناس لتوقيه كما قيل:"عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه = فمن لم يعرف الشر من الناس وقع فيه"؛
                            4- التفقه في الإسلام بنصوصه الصحيحة الصريحة؛
                            5- طلب الزيادة من العلم والتوفيق للعمل به.

                            هذا، وللحديث بقية، إن شاء الله تعالى، إن كان في العمر بقية، وقراءة ممتعة.

                            الْبُلَيْدَة، يوم السبت 15 محرم 1441 ه الموافق 14 سبتمبر 2019 غ.
                            ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
                            (1) ينسب الأثر إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله تعالى عنه.
                            (2) استنادا إلى الحديث:"
                            مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ"، رواه الإمام مسلم، رحمه الله تعالى، عن أبي سعيد الخدري، رضي الله تعالى عنه.
                            (3) ذكر هذا الأثر الإمام الطبراني بإسناد حسن، والله أعلم.


                            sigpic
                            (رسم نور الدين محساس)
                            (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                            "القلم المعاند"
                            (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                            "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                            و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                            تعليق

                            • حسين ليشوري
                              طويلب علم، مستشار أدبي.
                              • 06-12-2008
                              • 8016

                              #15
                              للتذكير بما قيل، موضوع ذو صلة وثيقة.

                              sigpic
                              (رسم نور الدين محساس)
                              (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                              "القلم المعاند"
                              (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                              "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                              و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                              تعليق

                              يعمل...
                              X