
ثم أما بعد، منذ تدرجي في مدارج التعلم والتحصيل، ولاسيما في سن الإدراك المعرفي العلمي، أو في فترة التعليم في الجامعة، وأنا أحسب أن ليس لحروف الهجاء العربية معان تستقل بها دون معانيها في المفردات والتعابير حتى قرأت في "المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم" لمصنفه الأستاذ الفقيه اللغوي محمد حسن حسين جبل أن للحروف معاني خاصة تظهر في الألفاظ المركبة منها تلك الحروف؛ وتعميما للفائدة رغبت في نقل ما ورد في المعجم المذكور عساه يفيد قارئه عموما والمهتمين بالعربية خصوصا؛ والعربية قبل هذا وبعده لغة ساحرة تخرج للناس من عجائبها وغرائبها ما يسحر العقول ويبهر الفهوم، فلا هي تكتفي من سحرها ولا الفهوم تنتهي من انبهارها؛ فالحمد لله الذي جعل العربية خير لسان تعلمه الإنسان، والحمد لله الذي جعلنا في كل مرة نكتشف الجديد الذي يجعلنا نزداد اعتزازا بهذه اللغة الشاعرة الساحرة الباهرة، وكيف لا نزداد اعتزازا بها وهي، بلا ريب، لغة مقدسة، قدسها الله بإنزال آخر كتبه بها وجعلها لسان خاتم أنبيائه، صلى الله عليه وسلم، إلى عباده، فالحمد لله على نعمة الإسلام، والحمد لله الذي جعلنا من أمة خير الأنام، محمد، عليه الصلاو السلام، وهذا أوان الشروع في النقل الحرفي، أو "النقحرة" كما يحلو لأخينا الفقيه الكبير الأستاذ عبدالرحمن السليمان، ذكره الله بخير، تسميَّتَه، لما ورد من هذا الموضوع في المعجم المذكور(صفحة 25 من المجلد الأول، الطبعة الثانية، مكتبة الآداب،القاهرة، مصر، 2012):
"المعاني اللغوية للحروف الألفبائية في اللغة العربية"
استخلصت المعاني اللغوية العامة للحروف الألفبائبة العربية استخلاصا علميا، اعتبرت فيه الأساسين التاليين:الأول: هو معاني كلمات التراكيب المكونة من الحروف المراد تحديد معناها، سواء استغرق ذلك التكوين كل أحرف التركيب، أو غلب عليها، بأن يتكون التركيب من حرفين مع حرف علة، وذلك مثل:"الببّة بمعنى الشاب الممتلئ البدن نعمة وشبابا/السمين/ الكثير اللحم" فإن كلمة الببّة هنا مكونة من ثلاث باءات هي الحروف الأصلية لهذه الكلمة، فيمكن أن يؤخذ منها المعنى اللغوي لحرف الباء وحده، ولا يكون في ذلك تكلف، وكما في كلمة (أددُ): أددُ الطريق: دررُه"، (أي متنه ومدرجته) فإن كلمة "أدد" مكونة من همزة ودالين، فيمكن أن يؤخذ منها ومن مثلها المعنى اللغوي لحرف الدال دون تكلف، وبخاصة عندما نعرف المعنى اللغوي للهمزة ونطرحه من معنى كلمة "أدد" وهكذا.
واستنباط المعاني اللغوية للحروف الألفبائية أخذا من التراكيب المكونة من حرف مكرر هو منهج ليس فيه خروج عن العلمية، لولا قلة هذا النوع من التراكيب، وإنما شرطه إحكام الاستنباط، أما التراكيب التي يغلب في بنائها حرف معين فحاجتنا إلى إحكام الاستنباط أشد، وهناك من نوع هذا المنهج صور أخرى لم نذكرها هنا.
الأساس الثاني: لتحديد معنى الحرف: هو هيأة [كذا](*) تكونه في الجهاز الصوتي، فإن هيأة التكون هذه يشعر بها الإنسان عند التنبه لذلك، ويستطيع أن يحس منها بمذاق للحرف يسهم مع الاستعمالات اللغوية في تحديد معناه، وقد كان الخليل (ت 170 ه) ومن بعده من الأئمة يسمون تجربة نطق الحرف من أجل تحديد مخرجه:"ذوقا" و"تذوقا"؛ ولا يخفى أن هذا الأساس الثاني الصوتي ليس في قوة الأساس الأول الاستعمالي، وإنما استمد قوته من إمكان ربطه به - أي من إقامة الصوتي على الاستعمالي. (**)
(يتبع إن شاء الله تعالى)
_______________(*) للأستاذ المؤلف رأي خاص في إملاء هذه الكلمة بيَّنها قبلا، صفحة 13، وبرر اختياره للهمزة على الألف تقليلا للمستثنيات من قواعد الإملاء، وتكتب هذه الكلمة عادة هكذا "هيئة".
(**) المعجم الاشتقاقي المؤصَّل لألفاظ القرآن الكريم "مؤصَّل ببيان العلاقات بين ألفاظ القرآن الكريم بأصواتها وبين معانيها"، في الرابط التالي طبعة المعجم الأولى: (https://al-maktaba.org/book/33652/1#p1).
تعليق