إلى الدكتورة نبيهة بن أحمد
مع خالص التقدير و الاحترام
&&&&&&&&&
في ساعة مبكرة جدا دخلتُ و زوجي بهو استقبال المصحة، أظهرنا الأوراق اللّازمة لإجراء جراحة في عيني، فأشارت إلينا المسؤولة أن ننتظر... جلسنا في القاعة و طال انتظارنا...
رأيتُ أكواب القهوة على الطاولة لبعض الزائرين فسال لعابي و تمنيت جرعة واحدة لكني تذكرت أنني صائمة لإجراء العملية فأحجمت و صرفت نظري عن هذه الأمنية الصباحية المشروعة...
أخيرا نادت علينا ممرضة و استعجلتني قائلة: "إن الطبيبة تنتظر في غرفة العمليات من مدة"... لم أشأ أن أقول لها: "إنها ليست غلطتي فقد كنت هنا قبل الموعد لكنك أنتِ من تأخرت"...
صعدت بي الطابق الخامس و أدخلتني غرفة و أشارت إلي أن ألبس لباس غرفة العمليات المتمثل في مئزر قصير و كوفية على الرأس.. ثم أخذت إبرة و مسكت ذراعي تبحث عن "عرق" ... طال بحثها و طال عذابي فقلت لها: "إن عروقي دقيقة".. رن هاتفها ... كانت الطبيبة تستعجلها... ردت عليها في شبه تملص من المسؤولية: "لا أجد العرق فالمريضة بدينة جدا"... لم يعجبني ردها و أردت أن أقول لها: "إنه لا دخل للبدانة في البحث عن العرق... ثم، يا ابنتي، قولي ما شاء الله، فأنا كلي أمراض و لا ينقصني أن تضيفي لي العين"...
أخيرا، و بعد جهد وفّق اللهُ الممرضةَ و وجدت بُغيتها... وضعتني على كرسي متحرك و أنا عارية الرجلين و الذراعين.. انتظرتُ أن تأخذ لحافا و تغطيني... لكنها خرجت بي هكذا من الغرفة و دخلت المصعد الذي يعج بالناس من المرضى و الموظفين ... كنت خجلة جدا و أنا بهذا الوضع... لكن "اش يعمل الميت في يد غاسله؟"..
دخلت بي غرفة العمليات و أنا أرتعد بردا و خجلا و خوفا من العملية.. سمعت صوتا ملائكيا... صدقوني... كان صوتا ملائكيا بالفعل...:"حرام، حرام لماذا هي عارية هكذا؟ لماذا لم تضعي عليها لحافا؟ هاتي لحافا بسرعة.. بسرعة!"...
كانت طبيبة في مقتبل العمر سمحة الخَلق.. طبطبتْ عليّ و هي تبتسم ُمطَمْئِنة... أحسست بارتياح كبير و سعادة تغمرني، و دون إرادة مني نزلت دمعتان ساخنتان لم ينتبه إليهما طبيب التخدير و هو يضع لي الأوكسيجين ..
جلبت الممرضة غطاء صوفيا و وضعته عليّ فأخذته الطبيبة و سوّته و طلبت مني أن أضع يديّ تحت الغطاء إن كنت أحتاج لذلك... ثم داعبتني بكلمات نسيتها و هي تراني أرتعد بردا و خوفا و أنا أقرأ ما تيسر من السور... و استسمحتني أن تضع لي إبرتيْ البنج في عيني اليسرى ثم بعدها لن أحس بشيء...
كانت لطيفة، رقيقة، إنسانة، و هي تجري لي العملية فقد كانت في كل مرة تقول لي: "اسم الله عليك...اسم الله عليك مدام منيرة"... كانت تلك الكلمات بلسما أنْساني ارتباك الممرضة و ما أحسستُ به من حرج و أنا أُحمَل على الكرسي المتحرك شبه عارية..
و في أقل من ساعة سمعت طبيبتي تقول: "مبروك انتهت العملية بسلام.. الحمد لله.. قلت و أنا لا أصدق: "شكرا لك دكتورة، بارك الله فيك و في أمثالك، فعلا ليبارك الله فيك و في أمثالك لهذا الوطن الذي يحتاجكم جدا".
عدت إلى بيتي مضمّدة العين و أنا أحمل احتراما كبيرا لطبيبة العيون هذه و أدعو لها من كل قلبي... جزاها الله عني كل خير و نوَّر دربَها.
مع خالص التقدير و الاحترام
&&&&&&&&&
طبيبة العيون
منيرة الفهري
في ساعة مبكرة جدا دخلتُ و زوجي بهو استقبال المصحة، أظهرنا الأوراق اللّازمة لإجراء جراحة في عيني، فأشارت إلينا المسؤولة أن ننتظر... جلسنا في القاعة و طال انتظارنا...
رأيتُ أكواب القهوة على الطاولة لبعض الزائرين فسال لعابي و تمنيت جرعة واحدة لكني تذكرت أنني صائمة لإجراء العملية فأحجمت و صرفت نظري عن هذه الأمنية الصباحية المشروعة...
أخيرا نادت علينا ممرضة و استعجلتني قائلة: "إن الطبيبة تنتظر في غرفة العمليات من مدة"... لم أشأ أن أقول لها: "إنها ليست غلطتي فقد كنت هنا قبل الموعد لكنك أنتِ من تأخرت"...
صعدت بي الطابق الخامس و أدخلتني غرفة و أشارت إلي أن ألبس لباس غرفة العمليات المتمثل في مئزر قصير و كوفية على الرأس.. ثم أخذت إبرة و مسكت ذراعي تبحث عن "عرق" ... طال بحثها و طال عذابي فقلت لها: "إن عروقي دقيقة".. رن هاتفها ... كانت الطبيبة تستعجلها... ردت عليها في شبه تملص من المسؤولية: "لا أجد العرق فالمريضة بدينة جدا"... لم يعجبني ردها و أردت أن أقول لها: "إنه لا دخل للبدانة في البحث عن العرق... ثم، يا ابنتي، قولي ما شاء الله، فأنا كلي أمراض و لا ينقصني أن تضيفي لي العين"...
أخيرا، و بعد جهد وفّق اللهُ الممرضةَ و وجدت بُغيتها... وضعتني على كرسي متحرك و أنا عارية الرجلين و الذراعين.. انتظرتُ أن تأخذ لحافا و تغطيني... لكنها خرجت بي هكذا من الغرفة و دخلت المصعد الذي يعج بالناس من المرضى و الموظفين ... كنت خجلة جدا و أنا بهذا الوضع... لكن "اش يعمل الميت في يد غاسله؟"..
دخلت بي غرفة العمليات و أنا أرتعد بردا و خجلا و خوفا من العملية.. سمعت صوتا ملائكيا... صدقوني... كان صوتا ملائكيا بالفعل...:"حرام، حرام لماذا هي عارية هكذا؟ لماذا لم تضعي عليها لحافا؟ هاتي لحافا بسرعة.. بسرعة!"...
كانت طبيبة في مقتبل العمر سمحة الخَلق.. طبطبتْ عليّ و هي تبتسم ُمطَمْئِنة... أحسست بارتياح كبير و سعادة تغمرني، و دون إرادة مني نزلت دمعتان ساخنتان لم ينتبه إليهما طبيب التخدير و هو يضع لي الأوكسيجين ..
جلبت الممرضة غطاء صوفيا و وضعته عليّ فأخذته الطبيبة و سوّته و طلبت مني أن أضع يديّ تحت الغطاء إن كنت أحتاج لذلك... ثم داعبتني بكلمات نسيتها و هي تراني أرتعد بردا و خوفا و أنا أقرأ ما تيسر من السور... و استسمحتني أن تضع لي إبرتيْ البنج في عيني اليسرى ثم بعدها لن أحس بشيء...
كانت لطيفة، رقيقة، إنسانة، و هي تجري لي العملية فقد كانت في كل مرة تقول لي: "اسم الله عليك...اسم الله عليك مدام منيرة"... كانت تلك الكلمات بلسما أنْساني ارتباك الممرضة و ما أحسستُ به من حرج و أنا أُحمَل على الكرسي المتحرك شبه عارية..
و في أقل من ساعة سمعت طبيبتي تقول: "مبروك انتهت العملية بسلام.. الحمد لله.. قلت و أنا لا أصدق: "شكرا لك دكتورة، بارك الله فيك و في أمثالك، فعلا ليبارك الله فيك و في أمثالك لهذا الوطن الذي يحتاجكم جدا".
عدت إلى بيتي مضمّدة العين و أنا أحمل احتراما كبيرا لطبيبة العيون هذه و أدعو لها من كل قلبي... جزاها الله عني كل خير و نوَّر دربَها.
منيرة الفهري
تعليق