عكاز ونجوم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسن لشهب
    أديب وكاتب
    • 10-08-2014
    • 654

    عكاز ونجوم

    عكاز ونجوم


    يود لو يغلق عينيه قليلا...
    وحينا آخر يرغب في إغلاقهما فلا يفتحهما على الإطلاق, يتذكر النجوم والظلمة في عز النهار..
    لم يعد القلب قادرا على تحمل مزيد من الانكسار, مرة أخرى هو في السرير، مستسلما لألم جسده المحطم,
    عاد بكدماته وعظامه المكسورة، وبحمى تغزو جسده فلا يحين منها فكاكا...
    هكذا يحدث كل مرة بعد كل اعتصام...
    ويغمض عينيه مستسلما لوهن جسده المحموم. وكالعادة كان وحده في الغرفة الخلفية، يلوك أوجاعه على إيقاع طرقات عكاز الجدة تتنقل بلا كلل من خم الدجاج إلى حظيرة البهائم, وتعود طورا إلى مطبخها الريفي المكسو بالسخام، حاملة إناء الحليب الطري، وطورا آخر سلة خضار عجفاء ذابلة...
    كالعادة احتضنته الغرفة الخلفية المظلمة، بعيدا عن أعين كل فضولي، وحتى عن أعين أبوين ضنا عليه بجميل الكلام وطيب المواساة.
    تتحرك الدوائر المضيئة في سماء الغرفة الداكنة, يتذكر مصيبته، يود أن يتقيأها كل وقت وحين, يرتعد كما لو أنه فوق صفحة من صقيع مثل سجين أو عبد معذب، يشعر أنه عاش عاريا تحت سوط العطالة ولعنة التشرد يقاتل الموت، مع أن العيش هو المراد.
    جدته هي كل حياته، وكل روحه, معها يشعر أنه لو تنكر له العالم أجمع، وحدها ستكون الملاذ على الدوام.
    كان نيل الشهادة منهكا وصعبا, ظن أنها ستقيه الفاقة، وعوز الأيام!
    متى ستبدأ مسيرة الحياة، وقطار العمر سائر بلا انتظار؟
    وهذه النجوم والدوائر في عز النهار، تأبى إلا أن تبعده عن المسار.
    يسرح ببصره قليلا، يود لو يخترق الجدران ويعانق نور الفضاء بعيدا عن تلك الدوائر والنجوم في وضح النهار.
    إيقاع عكاز الجدة بطيء، مميز، يبعث في الذات شعورا بالراحة والارتخاء، فيستسلم لإغفاءة لذيذة...
    مثل نملة كانت تسعى بين أركان بيتها الريفي، خطواتها الصغيرة تلامس الأرض برفق لا يوازيه إلا تيار عواطفها الجارفة التي تحفه بها كلما عاد إليها جريحا كسير الفؤاد...
    تذكر قولها يوما:
    -ما أقوى الإنسان لحظة إعلان العصيان عن الصعاب، وما أشد ضعفه لحظة الاستسلام للظروف...
    كل واحد من أمثالي حال وحكاية، وسلم ارتقاء كل محتاج صار شاقا وليس سهلا على الإطلاق.
    ألا تذكرين ما حدث لابن الجيران حين داهمه زوار الليل! إنه زمن بائس وقاس.
    كل ما يحصل هراء!!!
    وكل ما يقال مجرد هراء!!!
    طال نومه هذا المساء، هي عودة العافية بلا شك...
    هكذا حدثت الجدة نفسها وهي تعيد إغلاق باب الغرفة الخلفية بهدوء...
    في الحلم، رأى نفسه يقطع مسافات شاسعة وسط رمال صحراوية. صمّت أذنيه أصوات وحوش ضارية، على إيقاع لحن الجوع والعراك. غمرته رعشة الخوف والرعب الشديد وفجأة وطئت قدماه أرضا صلبة تحيط، بها عمارات وبنايات شاهقة... وما أن هدأ روعه، حتى ساد الظلام فجأة!
    وعندها... عندها فقط بدأت البنايات تتهاوى وتتناثر قطعا وأجزاء... غمرته الأتربة والأحجار، ومن وسطها خرج سرب طويل من النمل، تتقدمه نملة في يدها عكاز، وبدأ الجميع في تخليصه من ركام الأحجار والأتربة.
    فقال للنملة:
    -لديك اليوم على غير العادة، عمل كثير، أود لو أكون واحدا من جنودك.
    وفتح عينيه ليرى بسمة لطيفة ارتسمت على وجه الجدة.
    تجللها نجوم ودوائر مضيئة في وضح النهار.
    التعديل الأخير تم بواسطة حسن لشهب; الساعة 24-09-2019, 05:36.
  • أميمة محمد
    مشرف
    • 27-05-2015
    • 4960

    #2
    عكاز ونجوم
    لفت نظري العنوان
    عكاز نتكئ عليه
    ونجوم نتطلع إليها
    سأعود في وقت آخر إن شاء الله

    تعليق

    • حسن لشهب
      أديب وكاتب
      • 10-08-2014
      • 654

      #3
      ما عاد أي شيء له نفس السحر والمتعة !
      كانت النجوم أنوارا للخيال، والعمق رمزا للفكر الذي يغوص لعمق الأشياء ومع الأيام فقدت الأشياء جمالها بقدر ما كشف العقل أعماقها... وكان العكاز رمزا للاستمرار والديمومة ، وسيلة للمشي والعقاب فأضفى على وجود الكبار هيبة وثقلا...
      أين نحن من حب كبارنا وسعة صدورهم الرحبة المعطاء.

      هههه
      مجرد خواطر داعبت ذهني وأنا أقرأ تعليقك الأولي .
      وفي انتظار عودتك والاقتراب من النص لك تقديري واحترامي

      تعليق

      • حسن لشهب
        أديب وكاتب
        • 10-08-2014
        • 654

        #4
        هناك دائما زوار ....
        يكفي ذلك

        تعليق

        • أميمة محمد
          مشرف
          • 27-05-2015
          • 4960

          #5
          ذكرتني بعكاز جدي رحمه الله.. وعماتي يسكتن حين يسمعن وقعه.. كان لجدي هيبة مميزة.
          حين يكون زوار فهناك مدعاة للقراءة.. لكن قد يعجز التعليق عن الغوص في عمق المكنون أو مجاراة المرمى لذلك تلوذ الكلمة بالصمت
          هناك قلق ما في نفس القارئ أن لا يكون التعليق موازيا للنص فضلا عن سبر غوره أو حصول نقطة التقاء
          أجد متانة في سردك، رمزية في قصك، تأملات، شتات بين أمل وواقع وبداية تنتظر خطوة أولى ودفعة للأمام لتبدأ
          في القصة تلألأ العكاز والجدة أمامي أكثر من النجوم... حتما كانت النجوم تختبئ وراء الظلمة فتخفت أضوائها
          أحييك مجددا لملكتك السردية والتعبيرية
          تحياتي وتقديري الأديب حسن لشهب

          تعليق

          • البكري المصطفى
            المصطفى البكري
            • 30-10-2008
            • 859

            #6
            أحييك أخي حسن على جهودك السردية ؛استقبلت هذا النص منتشيا بجمال أسلوبه وروعة تعبيره .أرجو أن يظل في دائرة الخواطر .لأن تحليله يبدد حياته ويقتله في المهد.
            مودتي

            تعليق

            • مها راجح
              حرف عميق من فم الصمت
              • 22-10-2008
              • 10970

              #7
              سردية جميلة جدا ..
              بوركت استاذنا المبدع
              رحمك الله يا أمي الغالية

              تعليق

              • حسن لشهب
                أديب وكاتب
                • 10-08-2014
                • 654

                #8
                تحياتي لك أستاذة أميمة
                شكرا لحضورك المؤثر وإشادتك النبيلة التي تعكس صفاء روحك وطيبة قلبك.
                كوني بخير أينما كنت سيدتي
                شكرا شكرا.

                تعليق

                • الهويمل أبو فهد
                  مستشار أدبي
                  • 22-07-2011
                  • 1475

                  #9
                  العزيز حسن لشهب
                  وقفت بين الدوائر و النجوم في البداية ثم نجوم ودوائر في النهاية وكأن النهاية تبعث على الأمل والمثابرة، لكنني كلما أعدت القراءة تغير رأيي. فإن لم تود الانهيارات بحياته لابد أنه في طريقه إلى اعتصام جديد قد يعود بعد أن يرى الدوائر والنجوم، أو لا يعود. لا زلت سيد القص.

                  تحياتي

                  تعليق

                  • حسن لشهب
                    أديب وكاتب
                    • 10-08-2014
                    • 654

                    #10
                    شكرا لمرورك أخي مصطفى وأقدر ما تفضلت به في حق أسلوب هذه القصة من إشادة.
                    عفوا هل قلت (أنا) أنها قصة؟
                    بالفعل هي كذلك وفق شهادة ميلادها منذ أكثر من سبع سنوات ونشرها أول مرة على صفحات مجلة الجسرة الورقية في قطر ومنذ ذلك الحين وهي بين يدي قراء في منابر عديدة من شتى المشارب والدول خاضعة للتحليل دون أن تكون حياتها مهددة على الإطلاق، بل زادتها التحاليل رونقا وحيوية وبهاء.
                    كل الشكر.
                    تحياتي.
                    التعديل الأخير تم بواسطة حسن لشهب; الساعة 02-10-2019, 07:33.

                    تعليق

                    • حسن لشهب
                      أديب وكاتب
                      • 10-08-2014
                      • 654

                      #11
                      شهادة أعتز بها من طرف كاتبة نكن لها الاحترام والتقدير.
                      شكرا لمرورك أستاذة مها راجح.

                      تعليق

                      • حسن لشهب
                        أديب وكاتب
                        • 10-08-2014
                        • 654

                        #12
                        العزيز أبو فهد
                        أسعد بمرورك دائما وأعتز بشهادتك وتعليقك المشجع ، وأتمنى من كل قلبي أن أكون عند حسن الظن .
                        شكرا لكرم مرورك أستاذي الكريم.
                        كن بخير دائما.

                        تعليق

                        • ناريمان الشريف
                          مشرف قسم أدب الفنون
                          • 11-12-2008
                          • 3454

                          #13
                          -ما أقوى الإنسان لحظة إعلان العصيان عن الصعاب، وما أشد ضعفه لحظة الاستسلام للظروف...
                          من أجمل السطور
                          فكون المرء يعلن عصيانه عن كل ما هو صعب في حياته لا شك يكون في أقوى حالاته
                          والعكس صحيح
                          سرد عالي المستوى .. وصور أدبية خلابة
                          أحسنت ...أخي حسن وبورك قلمك
                          لك أزكى تحية
                          sigpic

                          الشـــهد في عنــب الخليــــل


                          الحجر المتدحرج لا تنمو عليه الطحالب !!

                          تعليق

                          • حسن لشهب
                            أديب وكاتب
                            • 10-08-2014
                            • 654

                            #14
                            الأستاذة ناريمان الشريف
                            أنا سعيد جدا بما حظي به هذا النص من إشادة لديك وأتمنى أن أكون عند حسن الظن.
                            شكرا

                            تعليق

                            • ناريمان الشريف
                              مشرف قسم أدب الفنون
                              • 11-12-2008
                              • 3454

                              #15
                              عكاز ونجوم لفظان متعاكسان ..
                              فالعكاز تلامس الأرض .. والنجوم تلامس السماء
                              وكلا من هذين اللفظين يعنيان شيئاً في حياة هذا البائس
                              القوة والضعف
                              تماماً كما العصيان على الظروف ومعه يكون الانسان قوياً وضعفه حينما يستسلم
                              وفي نهاية المشهد يأتي الحلم ..
                              ليؤكد له أن الحياة معركة وطوبى لمن أعد العدة لها .. ولم يكن عبثاً أن اختيرت النملة لتكون سيدة حلمه
                              فمن النمل نتعلم الكثير
                              أخي حسن ... ليست المرة الأولى التي أقرأ لك فيها
                              دائماً أشعر بعظمة النص المخبأ خلفه ألف عبرة
                              سلم القلم
                              تحية ... ناريمان
                              sigpic

                              الشـــهد في عنــب الخليــــل


                              الحجر المتدحرج لا تنمو عليه الطحالب !!

                              تعليق

                              يعمل...
                              X