عكاز ونجوم
يود لو يغلق عينيه قليلا...
وحينا آخر يرغب في إغلاقهما فلا يفتحهما على الإطلاق, يتذكر النجوم والظلمة في عز النهار..
لم يعد القلب قادرا على تحمل مزيد من الانكسار, مرة أخرى هو في السرير، مستسلما لألم جسده المحطم,
عاد بكدماته وعظامه المكسورة، وبحمى تغزو جسده فلا يحين منها فكاكا...
هكذا يحدث كل مرة بعد كل اعتصام...
ويغمض عينيه مستسلما لوهن جسده المحموم. وكالعادة كان وحده في الغرفة الخلفية، يلوك أوجاعه على إيقاع طرقات عكاز الجدة تتنقل بلا كلل من خم الدجاج إلى حظيرة البهائم, وتعود طورا إلى مطبخها الريفي المكسو بالسخام، حاملة إناء الحليب الطري، وطورا آخر سلة خضار عجفاء ذابلة...
كالعادة احتضنته الغرفة الخلفية المظلمة، بعيدا عن أعين كل فضولي، وحتى عن أعين أبوين ضنا عليه بجميل الكلام وطيب المواساة.
تتحرك الدوائر المضيئة في سماء الغرفة الداكنة, يتذكر مصيبته، يود أن يتقيأها كل وقت وحين, يرتعد كما لو أنه فوق صفحة من صقيع مثل سجين أو عبد معذب، يشعر أنه عاش عاريا تحت سوط العطالة ولعنة التشرد يقاتل الموت، مع أن العيش هو المراد.
جدته هي كل حياته، وكل روحه, معها يشعر أنه لو تنكر له العالم أجمع، وحدها ستكون الملاذ على الدوام.
كان نيل الشهادة منهكا وصعبا, ظن أنها ستقيه الفاقة، وعوز الأيام!
متى ستبدأ مسيرة الحياة، وقطار العمر سائر بلا انتظار؟
وهذه النجوم والدوائر في عز النهار، تأبى إلا أن تبعده عن المسار.
يسرح ببصره قليلا، يود لو يخترق الجدران ويعانق نور الفضاء بعيدا عن تلك الدوائر والنجوم في وضح النهار.
إيقاع عكاز الجدة بطيء، مميز، يبعث في الذات شعورا بالراحة والارتخاء، فيستسلم لإغفاءة لذيذة...
مثل نملة كانت تسعى بين أركان بيتها الريفي، خطواتها الصغيرة تلامس الأرض برفق لا يوازيه إلا تيار عواطفها الجارفة التي تحفه بها كلما عاد إليها جريحا كسير الفؤاد...
تذكر قولها يوما:
-ما أقوى الإنسان لحظة إعلان العصيان عن الصعاب، وما أشد ضعفه لحظة الاستسلام للظروف...
كل واحد من أمثالي حال وحكاية، وسلم ارتقاء كل محتاج صار شاقا وليس سهلا على الإطلاق.
ألا تذكرين ما حدث لابن الجيران حين داهمه زوار الليل! إنه زمن بائس وقاس.
كل ما يحصل هراء!!!
وكل ما يقال مجرد هراء!!!
طال نومه هذا المساء، هي عودة العافية بلا شك...
هكذا حدثت الجدة نفسها وهي تعيد إغلاق باب الغرفة الخلفية بهدوء...
في الحلم، رأى نفسه يقطع مسافات شاسعة وسط رمال صحراوية. صمّت أذنيه أصوات وحوش ضارية، على إيقاع لحن الجوع والعراك. غمرته رعشة الخوف والرعب الشديد وفجأة وطئت قدماه أرضا صلبة تحيط، بها عمارات وبنايات شاهقة... وما أن هدأ روعه، حتى ساد الظلام فجأة!
وعندها... عندها فقط بدأت البنايات تتهاوى وتتناثر قطعا وأجزاء... غمرته الأتربة والأحجار، ومن وسطها خرج سرب طويل من النمل، تتقدمه نملة في يدها عكاز، وبدأ الجميع في تخليصه من ركام الأحجار والأتربة.
فقال للنملة:
-لديك اليوم على غير العادة، عمل كثير، أود لو أكون واحدا من جنودك.
وفتح عينيه ليرى بسمة لطيفة ارتسمت على وجه الجدة.
تجللها نجوم ودوائر مضيئة في وضح النهار.
يود لو يغلق عينيه قليلا...
وحينا آخر يرغب في إغلاقهما فلا يفتحهما على الإطلاق, يتذكر النجوم والظلمة في عز النهار..
لم يعد القلب قادرا على تحمل مزيد من الانكسار, مرة أخرى هو في السرير، مستسلما لألم جسده المحطم,
عاد بكدماته وعظامه المكسورة، وبحمى تغزو جسده فلا يحين منها فكاكا...
هكذا يحدث كل مرة بعد كل اعتصام...
ويغمض عينيه مستسلما لوهن جسده المحموم. وكالعادة كان وحده في الغرفة الخلفية، يلوك أوجاعه على إيقاع طرقات عكاز الجدة تتنقل بلا كلل من خم الدجاج إلى حظيرة البهائم, وتعود طورا إلى مطبخها الريفي المكسو بالسخام، حاملة إناء الحليب الطري، وطورا آخر سلة خضار عجفاء ذابلة...
كالعادة احتضنته الغرفة الخلفية المظلمة، بعيدا عن أعين كل فضولي، وحتى عن أعين أبوين ضنا عليه بجميل الكلام وطيب المواساة.
تتحرك الدوائر المضيئة في سماء الغرفة الداكنة, يتذكر مصيبته، يود أن يتقيأها كل وقت وحين, يرتعد كما لو أنه فوق صفحة من صقيع مثل سجين أو عبد معذب، يشعر أنه عاش عاريا تحت سوط العطالة ولعنة التشرد يقاتل الموت، مع أن العيش هو المراد.
جدته هي كل حياته، وكل روحه, معها يشعر أنه لو تنكر له العالم أجمع، وحدها ستكون الملاذ على الدوام.
كان نيل الشهادة منهكا وصعبا, ظن أنها ستقيه الفاقة، وعوز الأيام!
متى ستبدأ مسيرة الحياة، وقطار العمر سائر بلا انتظار؟
وهذه النجوم والدوائر في عز النهار، تأبى إلا أن تبعده عن المسار.
يسرح ببصره قليلا، يود لو يخترق الجدران ويعانق نور الفضاء بعيدا عن تلك الدوائر والنجوم في وضح النهار.
إيقاع عكاز الجدة بطيء، مميز، يبعث في الذات شعورا بالراحة والارتخاء، فيستسلم لإغفاءة لذيذة...
مثل نملة كانت تسعى بين أركان بيتها الريفي، خطواتها الصغيرة تلامس الأرض برفق لا يوازيه إلا تيار عواطفها الجارفة التي تحفه بها كلما عاد إليها جريحا كسير الفؤاد...
تذكر قولها يوما:
-ما أقوى الإنسان لحظة إعلان العصيان عن الصعاب، وما أشد ضعفه لحظة الاستسلام للظروف...
كل واحد من أمثالي حال وحكاية، وسلم ارتقاء كل محتاج صار شاقا وليس سهلا على الإطلاق.
ألا تذكرين ما حدث لابن الجيران حين داهمه زوار الليل! إنه زمن بائس وقاس.
كل ما يحصل هراء!!!
وكل ما يقال مجرد هراء!!!
طال نومه هذا المساء، هي عودة العافية بلا شك...
هكذا حدثت الجدة نفسها وهي تعيد إغلاق باب الغرفة الخلفية بهدوء...
في الحلم، رأى نفسه يقطع مسافات شاسعة وسط رمال صحراوية. صمّت أذنيه أصوات وحوش ضارية، على إيقاع لحن الجوع والعراك. غمرته رعشة الخوف والرعب الشديد وفجأة وطئت قدماه أرضا صلبة تحيط، بها عمارات وبنايات شاهقة... وما أن هدأ روعه، حتى ساد الظلام فجأة!
وعندها... عندها فقط بدأت البنايات تتهاوى وتتناثر قطعا وأجزاء... غمرته الأتربة والأحجار، ومن وسطها خرج سرب طويل من النمل، تتقدمه نملة في يدها عكاز، وبدأ الجميع في تخليصه من ركام الأحجار والأتربة.
فقال للنملة:
-لديك اليوم على غير العادة، عمل كثير، أود لو أكون واحدا من جنودك.
وفتح عينيه ليرى بسمة لطيفة ارتسمت على وجه الجدة.
تجللها نجوم ودوائر مضيئة في وضح النهار.
تعليق