أحد الأصدقاء بمجرّد تناولي لظاهرة تردّي الجو في مدينتنا الصغيرة، التي صارت تعاني من جوّ خانق لا يطاق، قطع كلامي بنوع من التهكّم طالبا مني تغيير الموضوع بذريعة " أن الكلام لا يناسب الوضع العام وأن الناس يبحثون عن قوت يومهم في صراع مع الحياة ومن أجل البقاء" ؟اا.لطالما تغنّينا بجوّ مدينتنا المنعش ونسيمها العليل يا صديقي المفدّى، قبل أن يتم حصارها بسدود مياه أحاطت بنا من كل جانب تخنق أنفاسنا.كنا فى زمن مضى نقول " عيش تسمع "، أما اليوم فنحن فى زمن "عيش تشوف " هكذا قال أحد شيوخنا الكبار. منذ خرجت إلى هذا العالم، وعمري الآن يناهز الستين، لم تر عيني تقلّبات جويّة مثل التي نعيشها في هذه الأيام. والسبب هو؛
( الإنبعاثات الغازية التي وصلت إلى معدّلات قياسية دون أن تُبدي أي علامة توقف، و باتت آثار تغير المناخ محسوسة في كل مكان كما أن لها عواقب حقيقية للغاية على حياة الناس. يعرقل تغير المناخ الاقتصادات الوطنية، مما يكلفنا اليوم الثمن غاليا وحتى غدا. غير أن هنالك اعتراف متزايد بأن الحلول الممكنة والقابلة للتطوير موجودة الآن والتي ستمكّن الجميع من التخطي إلى اقتصادات نظيفة وأكثر مقاومة ) اهـ.- ورد ذلك في بيان الأمم المتّحدة- تزامنا مع الحدث العالمي.
أخيرا استجاب العالم لاتفاق باريس، المناسب والدائم والمتوازن والملزم قانونيا، وجلس ( ترامب ) مكرها أو مرغما مع زميله ( ماكرون )، وتفوه بشيء من " السفسطة "، كلام لا يحبّه ولا يهواه ولا يؤمن به، و كلامه كالعادة موجّه للاستهلاك.
لكن ترامب على بيّنة من أمره؛
باعتباره يمثّل طبقة الأثرياء الذين لا يهمّهم أمرنا، فنحن بالنسبة لهؤلاء المتنوّؤين عبارة عن " زومبي " ومخلوقات غريبة وجثث متحرّكة يستوجب التخلّص منها بكل الوسائل المتاحة لتطهير الأرض من شرورها - كما يتم تصورنا في الأفلام الهوليوودية -. لذلك تراهم يبحثون عن حياة أخرى فوق كوكب آخر.
كذلك صديقي الذي أراد أن يلخّص حاجة النّاس في بعض من الحاجيّات البيولوجية البسيطة، ويكأنّنا غدونا عبارة عن قطيع في هذه الأيام " الضّنكة " وفي بلدنا وفي مدينتنا هذه، والتي لا تشبه المدن سوى بزيادة نسبة سكّانها وانتشار مبانيها بطريقة فوضوية تسبّبت في ظهور مشاكل في الصرف الصحّي، وربما هذا ما دفع بالسّلطات العمومية إلى إقامة أضخم سدٍّ في المنطقة، يسمّى " سد ملاّق " الشّهير، تمهيدا لإنجاز أكبر مصنع في المنطقة؛
( أفادت مصادر أن رأسمال المشروع سيكون بين مركّب أسميدال، مؤسسة فرفوس، والشركة الأجنبية، بأغلبية جزائرية، بإنتاج يقدر بتحويل 5 ملايين طن من الفوسفات سنويا، منتج أساسي نهائي هو ''سماد فوسفات يامونيك''، بقدرة سنوية تصل إلى 3 ملايين طن سنويا..وأضافت المصادر ذاتها أن هذا المنتوج يكثر عليه الطلب في السوق الدولية، بسعر عال جدا، باعتباره ضروريا للفلاحة. ويتكون المجمّع من الوحدات التالية: ثلاثة خطوط إنتاج حامض الفوسفوريك، وثلاثة خطوط إنتاج حامض الكبريت، وثلاثة خطوط فوسفات ديامونيك، ووحدة الأمونياك ذات سعة عالية. وستعرف سنة 2013 إنشاء هذا المجمّع الاستثماري، على مساحة إجمالية تقدر ب600 هكتار بمنطقة وادي الكبريت، التي تبعد عن ولاية سوق أهراس بنحو 50 كيلومترا، وسيوفر ألفي منصب شغل مباشر، وثلاثة آلاف منصب شغل غير مباشر، كما سيقام بمحاذاة المجمّع مشروع سكني للعمال )اهـ. [ نشر في الخبر يوم 18 - 06 - 2012 ] .
لعنة الفقر والحرمان والبطالة المزمنة، جعلت هؤلاء المواطنين المهمّشين والمحرومين من أبسط الحقوق يتغاضون عن فداحة إقامة مثل هذه المصانع الموبوءة في مناطق رعوية تنعم ببيئة سليمة، حتى وإن كانوا يدركون معاناة سكان المناطق المجاورة بالمدن الكبرى التي ضجر منها أعاليها من كثرة ما يعانون من أمراض خطيرة ومزمنة تهدّد حياتهم، جراء الحرق العشوائي للأسمدة وتسربات الغازات السامّة دون التطرّق إلى الأمونياك وأخطاره الكبيرة والمؤذية للأتربة والمياه الجوفيّة.
سد بحجم وادي ملاّق الكبير ، والذي أنشىء خصيصا لتموين مصنع الأسمدة، قد يقضي على نسبة معتبرة من البطالة وفي المقابل، ستكون له عواقب جدّ وخيمة على البيئة العذراء وعلى صحّة الإنسان البريء.
نهيب بأصحاب القرار أن يراعوا سلامة البيئة وصحّة الإنسان، الرقم الأساسي في كل معادلة، أثناء تخطيطهم الرّامية لإقامة مشاريع من العيار الثّقيل.