رسائل المتحابين.

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سامي الشريم
    أديب وكاتب
    • 11-12-2015
    • 107

    رسائل المتحابين.

    الرسالة الأولى:

    أيّها الغريب! أجهل من تكون، ولكن أعلم أنّك تقطن وراء البحر العظيم، لذلك وصلت بين يديك هذه الرسالة -المخبأة في حضن الزجاجة - التي ليس لي غاية من بعثها إليك غير التخفُّف من الألم المرير الّذي عشته زُهاء عشر سنوات، والّذي لا يني يعبث بقلبي المسكين، يُمزِّقه بلا هوادة، آناء الليل وآناء النهار.
    لا أريدك أن تكرمني بشيء من الرأي والمشورة بعد أن تقرأ رسالتي، ولكن كُلّ ما أرجوه منك أيّها المجهول أن تشعر بي، وأن تُدرك أنّ ثمّة رجل في الجانب الآخر من العالم، يُعاني بصمت، يتمرّغ في الحُزن، يصرخ في باطنه، صراخات غير مسموعة.، لا يستمع إليها سواه.

    أنا وحيدٌ، ليس لي زوجة ولا أطفال، ولا أهل ولا أصحاب، مثل جزيرة مفقودة، منسية بعد أن دفنتها أمواج القدر الغاضبة منذ زمنٍ طويل، بل أشبه بشجرة تقف عارية في قلب الفيافي، لا شيء يؤنسها غير صوت الريح، وثرثرة الثرى. إنّي أحتاج بصراحة إلى شخصٍ مجهول، لا أعرفه ولا يعرفني، أُملي إليه جراحي والآمي، وقد قيّض لك الربّ من فوق السّماء، أن تكون أنت السامع لشكواي.
    إن كنت تسمع صوتي، اكتب لي، حتّى أخبرك بقصتي كاملة، في رسائلي القادمة.


    رفيق الماء.
  • سامي الشريم
    أديب وكاتب
    • 11-12-2015
    • 107

    #2

    الرسالة الثانية:


    يا رفيق الماء! لقد وقعت زجاجتك بين يدي بمحض المُصادفة، لم أكن أظنّ أنّ في ثناياها رسالة تخصُّني إلا بعد أن دفعني فضولي بالامساك بها عندما رأيتها وأنا جالسة فوق إحدى صخور الشاطئ، وهي تطفو فوق ماء البحر كجثّة غريق. لقد كان الأمر بالنسبة لي أشبه بالأحلام الوردية، بحكاية من حكايات العصور القديمة. لقد كانت بالفعل مفاجأة رائعة وحزينة في الآن ذاته.
    بعد أن فرغت من قراءة رسالتك، أحسستُ بالحُزن، وبالاستعطاف الشديد نحوك. إنّي شعرتُ بك من أعماق قلبي؛ توجعتُ معك، تألمتُ قبل أن أستمع إلى صوت شكواك. قلت لنفسي ماذا عساني أستطيع أن أفعل لأحرّره من عبودية الماضي، ومن سياط الحاضر، وأنا أماثله في الشعور بالوحدة والكآبة ؟! ولكني وجدتُ الإجابة في أنّ أقصى ما أستطيع أن أصنعه هو أن أنخرط معك في هذا العمل، أن أرد على رسائلك الواحدة تلو الأخرى، وأن أُصغي إليك جيِّدًا، فما أعظم أن نشترك مع من يُماثلنا في الأحاسيس الحزينة، ويقول قولنا في عذاب الإنسان.
    بالمناسبة، أنا اسمي "مايا"، أبلغ من العُمر ثلاثة وعشرين عامًا، متزوجة ولديّ برعم من براعم الفرح، طفلة بريئة، للتو تخطّت الرابعة من سِنها، وبعلي قبطان سفينة، يغيب بالشهور الطويلة.
    أنتظر زجاجتك القادمة.
    مايا

    تعليق

    • سامي الشريم
      أديب وكاتب
      • 11-12-2015
      • 107

      #3

      الرسالة الثالثة:

      مايا!
      من حُسن حظي أنّي ورثتُ الصبر الطويل من أبي، فقد انتظرتُ عودة الزجاجة إليّ زُهاء شهرين دون أن يساورني الضجر والسأم، ودون أن يفرّ الأمل مني ولو للحظة واحدة. ومن نعمة السّماء، ومن بهاء المصادفة أنّ رسالتي قد وقعت بيد امرأة مِثلك، تقطن بالقرب من الساحل، وتحملُ أجمل مزية في الإنسان، وهي السرعة في الاستجابة إلى نداء المُستغيث.

      قبل أن أُشرِع في حكاية قِصتي، أريدُ أن أشكرك من أعماق فؤادي على موافقتك للإستماع إلى العليل الّذي يئن في داخلي، هذا المريض الّذي لم يدعني أهنأ يومًا بالرُقاد، والّذي تركني من غير حولٍ مني ولا قوّة أسيرًا للسهاد. وأيضًا، أريدُ أن أقول لكِ إنّي أعتبركِ الآن مثل طبيبة نفسانية، تهب السلام والطمأنينة للقلوب المحروقة من ضيم الدُنيا، ومن بلايا الأقدار، وتطبطب على أكتافهم الهزيلة لمواصلة الكفاح في الحياة.

      لم أتمتّع بالربيع، ولم يتسلل ضياء السعادة إلى قلبي منذ عشر سنوات. لعلك تتساءلين الآن بينك وبين نفسك كيف لإنسان عاش أمدًا طويلاً، ولم يذق فيه أدنى طعم للفرح، ولم تعانق روحه أنوار الملإ الأعلى، إنّ هذا الرجل يُبالغ فحسب! ومعكِ حق في هذا التساؤل، فمن طبيعة الحياة أن تدفع المرء إلى أن يترنح بين الظلمة والنور، بين الفرح والترح، بين انغلاق الصدر وانشراحه، ولكني أجيبك على ذلكِ، بأن العشر السنوات الأخيرة، لم أستطعم سوى مذاق التعاسة وجمرات الجحيم، ولم تبصر عيني سوى لون السواد والقتامة.
      فُتِح أمامي أوّل باب للعذاب، عندما هجرنا أبي، وراح يركض وراء امرأة لعوب، من الصفات المعروفة عنها أنها تُخادع الرجال، وتخون الأحباب باستمرار. وكان أبي لا يُصدِّق تحذيراتنا له عن هذه الأنثى اللعينة، التي لا همّ لها إلا تخريب البيوت والتفرقة بين الأزواج، ولكنه كان مسحورًا بها، مُتلذذًا بغباوته التي لا نظير لها، إلى درجة أنّه لم يزرنا يومًا ليتفقد أحوالنا، وليطمئن على صحتنا طوال ابتعاده عن المنزل إلى أن غاب عن الوجود. وأمّا أمي فقد عانت من مرض لعين اسمه "السل" الّذي كان يطاردها جُلّ فترات عُمرها التي عاشتها فوق الأرض، وكنتُ أنا ابنها الوحيد الّذي كان يجلس بُقربها دائمًا منذ بدء سقمها إلى أن ألقت حتفها بين يدي. كانت وفاتها -بالنسبة لي- صدمة عظيمة، تركت أثرًا كبيرًا في نفسي، ولم أستطع أن أنساها منذ ذلك الحين وحتّى الآن. فعلت كلّ ما بوسعي من أجلِ الفِرار من هذا الألم الرهيب، من مرأى طيف أمي الّذي كان يتبعني في كل طريقٍ أسير فيها، ولكني فشلتُ في جميع محاولاتي، وبسبب ذلك استسلمت للأمر على مضض، راضيًا بضربة القدر الموجعة، بارتشاف حصّتي كاملة من كأس الأسى الّذي قدّمته لي السّماء.
      هذا ما يمكن أن أفصِح عنه الآن، وكما يقولون: للحُزن بقية.


      سأنتظر ردّك على رسالتي.


      رفيق الماء.

      التعديل الأخير تم بواسطة سامي الشريم; الساعة 13-10-2019, 05:46.

      تعليق

      • سامي الشريم
        أديب وكاتب
        • 11-12-2015
        • 107

        #4

        الرسالة الرابعة

        رسائل المحبين .. الرسالة الرابعة
        يا إلهي! مرّت ثلاثة أشهر حتّى جاءت رسالتك إليّ. لا تتخيّل كم نزفت من الأمل والترقّب! وكم استنفدت من طاقة الاحباط والخيبة! لا تُصدِّق حجم الفرحة التي في داخلي عند رؤية زجاجتك على الشاطئ، لو نفدت إلى أعماقي ساعتها لأذهلك منظر الاحتفال والابتهاج. لقد انفجرت جميع عواطفي الايجابية دفعة واحدة، كما لو أنّني في مطلع نهار إحدى الأعياد. لا أحد يلومني على ذلك، فقد كُنتُ في باكورة كُلِّ صباحٍ أنهضُ من فراشي ثمّ أبدأ بسؤال نفسي: "ماذا سيصير اليوم؟ هل وصلت رسالته؟ ثمّ أثوب من مكاني كالضفدعة اليافعة إلى اعداد وجبة الإفطار لطفلتي قبل ذهابها إلى المدرسة، ثمّ بعد ذلك بوقتٍ قصير، بعد تناول الأكل، آخذ بيد ابنتي إلى مدرستها الواقعة على ناصية شارعنا، ثّم أمشي بُخطى متسارعة إلى البحر، وعندما أصل إلى هناك، أُشرِع في التنقيب والتفتيش على رمال الشاطئ الذهبية بحثًا عن زجاجتك، كما لو أنّي كُنت طفلة تبحث عن أصداف قواقع البحر. لكنِّي على الرغم من بذل ذلك الجهد العظيم في ذلك الحين على ايجاد الزجاجة إلّا أنّي لم أعثر عليها، فأشعر وقتها بغصّة وراء أضلعي، غصّة الحُزن، وبرغبة قويّة في البكاء، كأنّ صديقًا مُقرّبًا خذلني. ثمّ بعد ذلك، أجلس على صخرة عملاقة، أراقب، أنتظر طوال النهار على أمل أن تقع تحت عيني، ولكن يا للأسف، لا شيء يأتي، لا شيء سوى الإحساس بالتخييب. لقد كان هذا دأبي طوال ثلاثة أشهر؛ انتظار، خيبة، رجاء، حُزن.
        أتدري يا رفيق المساء ماذا كنتُ أتمنّى؟ أُمنية حمقاء بالفعل، فيها الكثير من الجنون، ولكنها كانت صادقة جدًا، لأنّها كانت متدفقة من صميم قلبي: ليت لي عينًا كبيرة تسبر أغوار المجهول، تنظر إلى أبعد المسافات، إلى ما وراء المنظور لتعرف ما يحدث حقيقة في البقاع الأخرى من العالم، لتقتل كُلّ الاحتمالات السيئة التي تعتلج برأسي، لُتنهي حفلة الترقُّب والانتظار اليومية، لتُحطِّم مشاعر الخوف والهلع من أنّ الريح قد دفعت رسالتك إلى مكانٍ آخر، إلى شخصٍ آخر غيري، أو من أنّ زجاجتك ما تزال تائهة في لُجج المحيط دون أن تعرف أين تضع رحالها في أيّ شاطئ من شطآن البحر.

        لا تشكرني على شيء اطلاقًا، هذا واجبي ناحيتك، واجب الإنسان أن يستمع إلى شكوى أخيه الإنسان دون أن يُبدي إليه النصائح المبتذلة، ودون أن يُسفه مأساته وعذاباته، ودون أن يُكذِّب الأحداث والوقائع التي رويت له. سأكون لك الأذن التي تصغي إليك بفرح، سأكون لك العضيد، السند، الجدار الّذي تتكئ إليه كلّما هبّت عليك أعاصير القدر ورياح الأيّام الغاضبة، وصدِّقني لن أخذلك ما دام لي عُمرًا في الحياة.
        لنرجع الآن إلى ما ذكرته في الرسالة بشأن حادثتين، أولاً: بما يتعلٌق عن والدك، يُمكنني أن أجد لأبيك عذرًا في فعلته بالرغم من أنّه يبدو فعلاً فظيعًا وشنيعًا، لا يُغتفر، وينمّ عن عدم الوفاء، وعن فساد في الأخلاق، إلّا أنّه معذور! فهو كان ضحية مثل أيّ ضحية أخرى نسمع عنها، فهو كان واقعًا تحت عدة مؤثرات؛ تأثير المظهر الخارجي الّذي رآه في ملامح تلك المرأة الخبيثة، وتأثير صوت أعماقه، حاجته الداخلية إلى إنسان يتناسب مع ذكائه وعاطفته، وأفكاره، إنسان يفهمه، يعتني به، يمنحه الضمان والأمان والحُبّ. سامحني على كلامي آنف الذكر، فحدسي يقول، وحدس المرأة لا يخطئ أبدًا، إنّك تُكنّ لوالدك بعض الكراهية والعداوة حتّى بعد موته، ولا تقبل أن يُقال عنه شيئًا يُخالف مشاعرك العميقة، وقناعاتك الشخصية.هل أنا مخطئة في ذلك؟! الشأن الآخر: هو بما يُخصّ مُعاناة أُمُّك الطويلة مع ذلك الداء، وارتباطك بها إلى هذا الحدّ الكبير، وبما حدث لك من انغلاقك على نفسك، ومن العيش في قلب الظُلمة بعد رحيلها عن الوجود. والدتك كانت امرأة قوية وعظيمة بصدق، لقد تحدّت الظروف والهجر والمرض، وقامت بتربيتك وتنشئتك على النحو الصحيح والصائب، وهذه مزية جليلة قلّما تحظى بها نساء هذا العصر. وأما تُعلُّقك بها فليس مفاجأة أبدًا، فهو شيء حتمي، لأنّك الابن الوحيد لها، وهي كانت كُلّ شيء بالنسبة لك؛ أمك، وأباك، وأخيك، وأختك، وحبيبتك، وصديقتك، لقد تجمعّت جميع الشخوص في شخصها الكريم. لا أعاتبك أبدًا ولا أنظر إليك من منظار الشفقة على استغراقك في الأسى، وعلى التقوقع على ذاتك في مكانٍ مُنعزل عن العالم لعشر سنين، ولكن تبادر إلى ذهني سؤالين، وأودّ أن تُجيب عليها بصراحة تامة، هل كانت لديك رغبة حقيقية في التملُّص من هذا الألم النفسي، في الخروج من هذه الدوامة السوداء؟ هل أحببت في حياتك امرأة غير أمك؟
        أريد أن أقول لك شيئين قبل أن أطرح قلمي جانبًا. الأول: بعد أن قرأت رسالتك الأولى والثانية، شعرتُ بأنّي أعرفك منذ عهدٍ بعيد، كأنك صديق أعرفه منذ الطفولة، وهذا الإحساس وحده كفيل بأن يجعلني أرتاح إليك. وأمّا الثاني: سأضع لك عنواني في ظهر الورقة حتّى نختصر الوقت، ولكي يستمر تبادل الرسائل بيننا دون أن يقطعها شيئًا غير موت أحدنا.
        كُن بخير يا رفيق الماء.
        مايا

        تعليق

        • سامي الشريم
          أديب وكاتب
          • 11-12-2015
          • 107

          #5
          رسائل المحبين ... الرسالة الخامسة.


          مايا !
          أعرفُ الآن، على نحوٍ مؤكد، بأن كُلّ ما يحدث لنا الآن ليس بالمصادفة لا من قريب ولا من بعيد، وإنّما هو مُقدّر مُنذ الأزل. ألا تلاحظين كيف للرسائل التي نبعثها إلى بعضنا بعضًا لا تنحرف أبدًا إلى جُزر أخرى، ولا تغفو في فيافي المحيط، بل تجيء إلى حيث نريد؟! هذا شيءٌ لا يستسيغه العقل ولا المنطق بكلّ معنى الكلمة، ولكنه من ناحية أخرى لا يُخالف ناموس السّماء، ولا ما هو مكتوب في صحيفتنا الأبدية الثابتة في الملإ الأعلى.
          العجيب حقًا يا مايا أنّ انتظاري لرسالتك الأخيرة لم يدُم طويلاً، فقط شهر واحد! وهذه أقصر مدة في الترقُّب حتّى الآن. لعلّ الله أراد أن يخفّف عن روحي وقلبي ويلات الانتظار وعذاباته، فسخّر ريح البحر لخدمتي، لأجل أن تدفع الزجاجة بسرعة إلى شاطئ مدينتي، فتصل سالمة إلى يدي.
          غريب منطقك بشأن رؤيتك للجانب الآخر من أفعال أبي! لماذا تحاولين تبرير دناءة النفس البشرية وبشاعتها وقرفها الّذي لا يُطاق؟ هذه التصرفات المشينة التي اجترحها والديّ تدخل في نطاق الشرور، والشرور لا يجوز لي ولا لكِ ولا لأي مُفكّر أو فيلسوف أن يجعلها سهلة المضغ وقابلة للابتلاع. هكذا لا نستطيع أن نُميِّز بين الحق والباطل، بين الشرّ والخير، وبين التصرُّف الحكيم والتصرّف البهيمي. أنتِ يا مايا كالمحامية التي تريد أن تُبعد أبي من قفص الاتهام بشتى السُبل ! هو الجاني ونحن "أنا وأمي" المجني عليه، هو متورط مئة بالمئة فيما حدث لأمي من حُزن ونصب ومرض وموت، وفيما حصل لي بعد ذلك من غربة كونية ومآسي وانقطاع عن العالم. ليتك كُنتِ تعيشين معنا تحت خطّ الفقر وتحت رُكام الدمار الفظيع الّذي خلّفه ابتعاد أبي عن المنزل في ذلك الحين، لما نطقت كلمة واحدة رائعة في حقّه. بالمناسبة أنا لا أكرهه، ولا أحبّه أيضًا، ولا أحسّ بأيّ عاطفة نحوه. لقد أمات جميع مشاعري باتجاهه. أمّا امي فليس لها مني غير المحبّة وكُلّ العواطف الحية الطيبة الصادقة، فقد جاءت إلى الدنيا شامخة، لا تنحني لشيء، وشيعتها إلى قبرها مرفوعة الرأس أيضًا.
          لا أدري كيف غابت عن ذهني فكرة ترك عنواني لكِ، بدلاً من البحر والانتظار الطويل؟! ما أغباني ! ينقصني الذكاء وسرعة البديهة أحيانًا، بخلافك، فأنتِ امرأة أريبة، عبقرية، لديك كُلّ المزايا التي يتمنّاها كُلّ إنسان.
          سأبعث إليك رسالتي هذه عبر ساعي البريد.


          رفيق الماء، نوح.

          تعليق

          • ناريمان الشريف
            مشرف قسم أدب الفنون
            • 11-12-2008
            • 3454

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة سامي الشريم مشاهدة المشاركة
            الرسالة الأولى:

            أيّها الغريب! أجهل من تكون، ولكن أعلم أنّك تقطن وراء البحر العظيم، لذلك وصلت بين يديك هذه الرسالة -المخبأة في حضن الزجاجة - التي ليس لي غاية من بعثها إليك غير التخفُّف من الألم المرير الّذي عشته زُهاء عشر سنوات، والّذي لا يني يعبث بقلبي المسكين، يُمزِّقه بلا هوادة، آناء الليل وآناء النهار.
            لا أريدك أن تكرمني بشيء من الرأي والمشورة بعد أن تقرأ رسالتي، ولكن كُلّ ما أرجوه منك أيّها المجهول أن تشعر بي، وأن تُدرك أنّ ثمّة رجل في الجانب الآخر من العالم، يُعاني بصمت، يتمرّغ في الحُزن، يصرخ في باطنه، صراخات غير مسموعة.، لا يستمع إليها سواه.

            أنا وحيدٌ، ليس لي زوجة ولا أطفال، ولا أهل ولا أصحاب، مثل جزيرة مفقودة، منسية بعد أن دفنتها أمواج القدر الغاضبة منذ زمنٍ طويل، بل أشبه بشجرة تقف عارية في قلب الفيافي، لا شيء يؤنسها غير صوت الريح، وثرثرة الثرى. إنّي أحتاج بصراحة إلى شخصٍ مجهول، لا أعرفه ولا يعرفني، أُملي إليه جراحي والآمي، وقد قيّض لك الربّ من فوق السّماء، أن تكون أنت السامع لشكواي.
            إن كنت تسمع صوتي، اكتب لي، حتّى أخبرك بقصتي كاملة، في رسائلي القادمة.


            رفيق الماء.
            أيا رفيق الماء .. وصلت رسالتك
            أراك تشكو من الغربة والوحدة .. أتيتك وفي جعبتي كثير من الكلام .. لا يسمن من جوع ربما ولا يغني.. لكنه على أي حال يسليك ويخفف عنك وطأة الحياة في جزيرتك التي لم تطأها أقدام .. أنت لا تريد مني نصحاً ولا مشورة .. لكن ما باستطاعتي أن أقدم لك ؟! وهل يمكن لغريب مثلك يعطي .. تذكرت : فاقد الشيء يعطيه ..
            أيا رفيق الماء .. ربما لا تدري أنك أنت القادر على أن تسلي الآخرين في غربتهم .. وأنت القادر على تملأ عليهم وحدتهم لأنك المجرب والمجرب أذكى من الطبيب .. نعم .. على الطرف الآخر من هذا المكان الذي تعيش فيه ثمة آخر يعاني مثلما تعاني فماذا تقول له أنت ؟؟

            الأخ الكاتب سامي ..
            أمتعتني .. وأحسست أنني مسؤولة أمام كيان يتعذب ..
            ما أجمل هذه الرسالة . !!!!
            سأتابعك بشغف
            تحية ..
            sigpic

            الشـــهد في عنــب الخليــــل


            الحجر المتدحرج لا تنمو عليه الطحالب !!

            تعليق

            • سامي الشريم
              أديب وكاتب
              • 11-12-2015
              • 107

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة ناريمان الشريف مشاهدة المشاركة
              أيا رفيق الماء .. وصلت رسالتك
              أراك تشكو من الغربة والوحدة .. أتيتك وفي جعبتي كثير من الكلام .. لا يسمن من جوع ربما ولا يغني.. لكنه على أي حال يسليك ويخفف عنك وطأة الحياة في جزيرتك التي لم تطأها أقدام .. أنت لا تريد مني نصحاً ولا مشورة .. لكن ما باستطاعتي أن أقدم لك ؟! وهل يمكن لغريب مثلك يعطي .. تذكرت : فاقد الشيء يعطيه ..
              أيا رفيق الماء .. ربما لا تدري أنك أنت القادر على أن تسلي الآخرين في غربتهم .. وأنت القادر على تملأ عليهم وحدتهم لأنك المجرب والمجرب أذكى من الطبيب .. نعم .. على الطرف الآخر من هذا المكان الذي تعيش فيه ثمة آخر يعاني مثلما تعاني فماذا تقول له أنت ؟؟

              الأخ الكاتب سامي ..
              أمتعتني .. وأحسست أنني مسؤولة أمام كيان يتعذب ..
              ما أجمل هذه الرسالة . !!!!
              سأتابعك بشغف
              تحية ..
              أشكرك أختي ناريمان على ردّك، وعلى رغبتكِ في متابعة بقية الرسائل.
              دمتِ كُلّ عام وأنتِ بخير وهناء وعافية من شرور الدُنيا

              تعليق

              • منيره الفهري
                مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
                • 21-12-2010
                • 9870

                #8
                جميييييلة هذه الرسائل و هذا المتصفح المميز...هي رسائل تسمى بالفرنسية lettres épistolaires...
                و قد فُتح في ملتقى الترجمة متصفح لهذا الغرض...
                شكرااا أستاذنا القدير سامي الشريم لهذا الإثراء و الجمال..

                تعليق

                • سامي الشريم
                  أديب وكاتب
                  • 11-12-2015
                  • 107

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة منيره الفهري مشاهدة المشاركة
                  جميييييلة هذه الرسائل و هذا المتصفح المميز...هي رسائل تسمى بالفرنسية lettres épistolaires...
                  و قد فُتح في ملتقى الترجمة متصفح لهذا الغرض...
                  شكرااا أستاذنا القدير سامي الشريم لهذا الإثراء و الجمال..

                  ازداد جمالاً بمشاركتك العطرة أستاذة منيرة.
                  صحيح، سأطلع عليه -بإذن الله- فيما بعد.
                  شُكرًا لكِ

                  تعليق

                  • سامي الشريم
                    أديب وكاتب
                    • 11-12-2015
                    • 107

                    #10
                    الرسالة السادسة:

                    يا رفيق الماء! أنت لا تصدّق مدى فرحتي وابتهاجي عندما أخبرتني ابنتي أنّها رأت عبر النافذة ساعي البريد وهو يضع المظروف في داخل الصندوق المزروع إزاء باب المنزل. كُنتُ أشعر، بحدس الأنثى، أنّها هي رسالتك ولا شيء غيرها. وكانت كذلك فعلاً. وأخيرًا، صار بمقدورنا أن نكتب ونبعث رسائلنا عبر البريد، ونحن مطمئنين مثل بقية النّاس. هنئًا لنا هذا التقدّم الكبير.
                    بالفعل، لقد كان كُلّ شيء يجري بيننا عن سابق تدبير من السّماء، تحت إشراف الله، ومباركته، وحراسته، ولا دخل للصُدف بتاتًا في الموضوع. أؤمن بذلك من صميم قلبي.
                    لم أكن أحاول تبرير أفعال والدك، ولكنني أردت أن أطلعك على الجانب الآخر من الأمر، أردت أن أوضّح لك الأفكار التي كانت آخذة بمجامع قلبه وعقله، والمشاعر التي كانت تعتلج مثل عنفوان البحر في نفسه قبل أن يُشرع في ذلك العمل. إنّك تعلم أنّ كُلّ إنسان على وجه هذه البسيطة لا يُقدم على فعل شيء إلا وهو يرغب بشدّة في الفِرار من شيء آخر. الفقير يكدّ ويعمل لأجل الهرب من براثن الفقر، والغني يطمع في جني الكثير من الأموال لكي يفرّ من تذوق مرارة الإفتقار، والمؤلف الناشئ يكتب باستمرار ويسعى دائمًا إلى تطوير كتاباته لا لشيء إلا هربًا من أن يكون خامل الذكر وغير معروف، وأباك كذلك، على ذات الشاكلة، لم يبحث عن امرأة أخرى ليعيش معها بقية حياته، إلا لأنّه كان يُريد الهروب من أشياء أخرى تؤرقه داخل المنزل. أتمنّى أن تفهمني هذه المرّة، إننّي لا أنافح عن أبيك، ولكنني أشرح لك لماذا فعل ذلك! هذا كُلّ ما في الأمر.
                    أراك لم تجبني على إحدى أسئلتي، هل أحببت أنثى من قبل؟


                    مايا..
                    التعديل الأخير تم بواسطة سامي الشريم; الساعة 09-02-2020, 17:47.

                    تعليق

                    • سليمى السرايري
                      مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
                      • 08-01-2010
                      • 13572

                      #11

                      لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

                      تعليق

                      • سليمى السرايري
                        مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
                        • 08-01-2010
                        • 13572

                        #12

                        لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

                        تعليق

                        • سليمى السرايري
                          مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
                          • 08-01-2010
                          • 13572

                          #13

                          لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

                          تعليق

                          • سليمى السرايري
                            مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
                            • 08-01-2010
                            • 13572

                            #14

                            لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

                            تعليق

                            • سليمى السرايري
                              مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
                              • 08-01-2010
                              • 13572

                              #15

                              لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

                              تعليق

                              يعمل...
                              X