صورة
يحل يوم آخر من أيام نونبر الباردة ، كانت الريح تعزف سمفونية صاخبة ترقص على أنغامها أوراق متسخة، من زقاق إلى زقاق، و من شارع إلى آخر، كان يجر قلقه وملله بين أشباح المارة و حاويات الأزبال الممتلئة حتى فاض مخزونها النتن.
استعصى عليه التخلص من الذكرى التي علقت بالذهن مثل علقة تمتص منه ما تبقى لديه من يقين بجدوى الوجود…
هل بمقدوره أن ينسى ما حصل ؟
ضاع حلم المستقبل ومعه انهار العالم و توقف كل شيء و صار بلا جدوى.
تذكر نور عينيها حين خبا وغاب، و باءت محاولات إنقاذها بالفشل …
جئت بها متأخرا قال الطبيب …
حصل ذلك أمام الناس، لم يحفل أحد بما يجري .. حاولت منع المجرم من خطف حقيبة يدها وقاومت بشجاعة ولم يهتم لصراخها أحد وهي تتلقى الطعنات …
وجدها وسط بركة حمراء حين وصل …
و نقلها إلى المستشفى …
لم تجد محاولات الطبيب نفعا…
و أغرقته الفجيعة في غور صمت بلا قرار…
هل يمكن أن ينسى كل التفاصيل!
لست وحدك من عاش هذه الفجيعة قال صديقه، ما باليد حيلة يا أخي فقد اكتسح المجرمون فضاءاتنا وعاثوا في البلاد ترهيبا وفوضى.
لكنه غرق في صمت قاتل !
تصور أن جفاف وموت القلب والعزلة هي سبيله للاحتماء من أي جرح محتمل.
يبتلع دفقات الغضب كل يوم وهو يراهم يعبثون في كل زقاق يكسرون الصمت ، يزرعون الرعب، وهم يحملون السيوف غير عابئين بشيء…
قصد المقهى كالمعتاد، ألقى ما تبقى منه فوق المقعد وطلب قهوة سوداء مثل أيامه ، لم تكن لديه رغبة لشرب أي شيء، ربما من أجل إراحة قدميه المتعبتين بفعل المشي المتواصل لساعات.
فوق المقعد كان ساهما يفكر في جدوى وجوده في عالم التبست فيه الاتجاهات والدلالات. لم يلاحظ في البداية من كانت تجلس قريبا منه في الطاولة المجاورة، امرأة عادية ، ثلاثينية لاهي جميلة ولا ذميمة، من النوع الذي لا يمكن أن تصادفه في المقاهي والحانات، لم تكن تحاول إثارة الانتباه، ولعلها كانت تود أن لا تكون هناك أصلا..
نظراتها ولون عينيها فيهما سحر واستسلام ، العينان جميلتان ، رموشها طويلة تضفي عليها إغراء بلا مثيل.
وبينما هو ضائع في هواجسه وآلامه، يحاول استعادة وعيه بما يجري، التبست في ذهنه الذكرى …
عيناها أيضا كان فيهما مثل هذا السحر والإغراء ونفس نظرات الاستسلام التي تتحول لشغف كلما قرأت في عينيه حروف العشق وصفحات الهيام، لا توجد في الكون امرأة لها جمال عينيك كان يقول لها، وتتحول إلى أنثى متملكة حينما يتناجيان،
و بالأطفال يحلمان...
استمر في التحديق للغريبة ، فتحركت في سويداء القلب رغما عنه تلك الشعلة التي بذل من أجل إطفائها جهدا كبيرا.
غادرت الغريبة بينما بقي هو غارقا في تساؤلاته وذكرياته المبهمة.بعدها عاد لغرفته منهكا جراء التسكع المتواصل …
كان نومه هادئا دام لساعات عاشها بين أحضان مشاعر العشق والهيام.
لحظة الاستيقاظ كانت الغرفة فارغة، غمره القلق وتلاحق في ذهنه شلال من الأسئلة، نظر إلى صورتها المعلقة على الجدار، انتزعها كأنما قر عزمه على أمر ما، ووضعها في جيب سترته الداخلية ثم خرج.
حاول طوال أيام ترتيب حياته فلم يكن يلاقي في نظرات الناس غير الشفقة و الاستفهام .
عاد إلى حيث رآها ، سلم لصاحب المقهى صورتها متسائلا:
- هل تعرفها ؟ ألم تعد إلى هنا ؟ هي معتادة على شرب الشاي في هذا المكان.
حرك الرجل رأسه بالنفي بعد أن أعاد إليه الصورة ، ثم استعادها بعد لحظة يدقق النظر فقال :
- نعم نعم تذكرتها كانت فتاة شجاعة، قتلها أحد اللصوص أمام المقهى منذ مدة حوالي سنتين فيما أعتقد.
حسن لشهب
يحل يوم آخر من أيام نونبر الباردة ، كانت الريح تعزف سمفونية صاخبة ترقص على أنغامها أوراق متسخة، من زقاق إلى زقاق، و من شارع إلى آخر، كان يجر قلقه وملله بين أشباح المارة و حاويات الأزبال الممتلئة حتى فاض مخزونها النتن.
استعصى عليه التخلص من الذكرى التي علقت بالذهن مثل علقة تمتص منه ما تبقى لديه من يقين بجدوى الوجود…
هل بمقدوره أن ينسى ما حصل ؟
ضاع حلم المستقبل ومعه انهار العالم و توقف كل شيء و صار بلا جدوى.
تذكر نور عينيها حين خبا وغاب، و باءت محاولات إنقاذها بالفشل …
جئت بها متأخرا قال الطبيب …
حصل ذلك أمام الناس، لم يحفل أحد بما يجري .. حاولت منع المجرم من خطف حقيبة يدها وقاومت بشجاعة ولم يهتم لصراخها أحد وهي تتلقى الطعنات …
وجدها وسط بركة حمراء حين وصل …
و نقلها إلى المستشفى …
لم تجد محاولات الطبيب نفعا…
و أغرقته الفجيعة في غور صمت بلا قرار…
هل يمكن أن ينسى كل التفاصيل!
لست وحدك من عاش هذه الفجيعة قال صديقه، ما باليد حيلة يا أخي فقد اكتسح المجرمون فضاءاتنا وعاثوا في البلاد ترهيبا وفوضى.
لكنه غرق في صمت قاتل !
تصور أن جفاف وموت القلب والعزلة هي سبيله للاحتماء من أي جرح محتمل.
يبتلع دفقات الغضب كل يوم وهو يراهم يعبثون في كل زقاق يكسرون الصمت ، يزرعون الرعب، وهم يحملون السيوف غير عابئين بشيء…
قصد المقهى كالمعتاد، ألقى ما تبقى منه فوق المقعد وطلب قهوة سوداء مثل أيامه ، لم تكن لديه رغبة لشرب أي شيء، ربما من أجل إراحة قدميه المتعبتين بفعل المشي المتواصل لساعات.
فوق المقعد كان ساهما يفكر في جدوى وجوده في عالم التبست فيه الاتجاهات والدلالات. لم يلاحظ في البداية من كانت تجلس قريبا منه في الطاولة المجاورة، امرأة عادية ، ثلاثينية لاهي جميلة ولا ذميمة، من النوع الذي لا يمكن أن تصادفه في المقاهي والحانات، لم تكن تحاول إثارة الانتباه، ولعلها كانت تود أن لا تكون هناك أصلا..
نظراتها ولون عينيها فيهما سحر واستسلام ، العينان جميلتان ، رموشها طويلة تضفي عليها إغراء بلا مثيل.
وبينما هو ضائع في هواجسه وآلامه، يحاول استعادة وعيه بما يجري، التبست في ذهنه الذكرى …
عيناها أيضا كان فيهما مثل هذا السحر والإغراء ونفس نظرات الاستسلام التي تتحول لشغف كلما قرأت في عينيه حروف العشق وصفحات الهيام، لا توجد في الكون امرأة لها جمال عينيك كان يقول لها، وتتحول إلى أنثى متملكة حينما يتناجيان،
و بالأطفال يحلمان...
استمر في التحديق للغريبة ، فتحركت في سويداء القلب رغما عنه تلك الشعلة التي بذل من أجل إطفائها جهدا كبيرا.
غادرت الغريبة بينما بقي هو غارقا في تساؤلاته وذكرياته المبهمة.بعدها عاد لغرفته منهكا جراء التسكع المتواصل …
كان نومه هادئا دام لساعات عاشها بين أحضان مشاعر العشق والهيام.
لحظة الاستيقاظ كانت الغرفة فارغة، غمره القلق وتلاحق في ذهنه شلال من الأسئلة، نظر إلى صورتها المعلقة على الجدار، انتزعها كأنما قر عزمه على أمر ما، ووضعها في جيب سترته الداخلية ثم خرج.
حاول طوال أيام ترتيب حياته فلم يكن يلاقي في نظرات الناس غير الشفقة و الاستفهام .
عاد إلى حيث رآها ، سلم لصاحب المقهى صورتها متسائلا:
- هل تعرفها ؟ ألم تعد إلى هنا ؟ هي معتادة على شرب الشاي في هذا المكان.
حرك الرجل رأسه بالنفي بعد أن أعاد إليه الصورة ، ثم استعادها بعد لحظة يدقق النظر فقال :
- نعم نعم تذكرتها كانت فتاة شجاعة، قتلها أحد اللصوص أمام المقهى منذ مدة حوالي سنتين فيما أعتقد.
حسن لشهب
تعليق