صورة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسن لشهب
    أديب وكاتب
    • 10-08-2014
    • 654

    صورة

    صورة



    يحل يوم آخر من أيام نونبر الباردة ، كانت الريح تعزف سمفونية صاخبة ترقص على أنغامها أوراق متسخة، من زقاق إلى زقاق، و من شارع إلى آخر، كان يجر قلقه وملله بين أشباح المارة و حاويات الأزبال الممتلئة حتى فاض مخزونها النتن.
    استعصى عليه التخلص من الذكرى التي علقت بالذهن مثل علقة تمتص منه ما تبقى لديه من يقين بجدوى الوجود…
    هل بمقدوره أن ينسى ما حصل ؟
    ضاع حلم المستقبل ومعه انهار العالم و توقف كل شيء و صار بلا جدوى.
    تذكر نور عينيها حين خبا وغاب، و باءت محاولات إنقاذها بالفشل …
    جئت بها متأخرا قال الطبيب …
    حصل ذلك أمام الناس، لم يحفل أحد بما يجري .. حاولت منع المجرم من خطف حقيبة يدها وقاومت بشجاعة ولم يهتم لصراخها أحد وهي تتلقى الطعنات …
    وجدها وسط بركة حمراء حين وصل …
    و نقلها إلى المستشفى …
    لم تجد محاولات الطبيب نفعا…
    و أغرقته الفجيعة في غور صمت بلا قرار…
    هل يمكن أن ينسى كل التفاصيل!
    لست وحدك من عاش هذه الفجيعة قال صديقه، ما باليد حيلة يا أخي فقد اكتسح المجرمون فضاءاتنا وعاثوا في البلاد ترهيبا وفوضى.
    لكنه غرق في صمت قاتل !
    تصور أن جفاف وموت القلب والعزلة هي سبيله للاحتماء من أي جرح محتمل.
    يبتلع دفقات الغضب كل يوم وهو يراهم يعبثون في كل زقاق يكسرون الصمت ، يزرعون الرعب، وهم يحملون السيوف غير عابئين بشيء…
    قصد المقهى كالمعتاد، ألقى ما تبقى منه فوق المقعد وطلب قهوة سوداء مثل أيامه ، لم تكن لديه رغبة لشرب أي شيء، ربما من أجل إراحة قدميه المتعبتين بفعل المشي المتواصل لساعات.
    فوق المقعد كان ساهما يفكر في جدوى وجوده في عالم التبست فيه الاتجاهات والدلالات. لم يلاحظ في البداية من كانت تجلس قريبا منه في الطاولة المجاورة، امرأة عادية ، ثلاثينية لاهي جميلة ولا ذميمة، من النوع الذي لا يمكن أن تصادفه في المقاهي والحانات، لم تكن تحاول إثارة الانتباه، ولعلها كانت تود أن لا تكون هناك أصلا..
    نظراتها ولون عينيها فيهما سحر واستسلام ، العينان جميلتان ، رموشها طويلة تضفي عليها إغراء بلا مثيل.
    وبينما هو ضائع في هواجسه وآلامه، يحاول استعادة وعيه بما يجري، التبست في ذهنه الذكرى …
    عيناها أيضا كان فيهما مثل هذا السحر والإغراء ونفس نظرات الاستسلام التي تتحول لشغف كلما قرأت في عينيه حروف العشق وصفحات الهيام، لا توجد في الكون امرأة لها جمال عينيك كان يقول لها، وتتحول إلى أنثى متملكة حينما يتناجيان،
    و بالأطفال يحلمان...
    استمر في التحديق للغريبة ، فتحركت في سويداء القلب رغما عنه تلك الشعلة التي بذل من أجل إطفائها جهدا كبيرا.
    غادرت الغريبة بينما بقي هو غارقا في تساؤلاته وذكرياته المبهمة.بعدها عاد لغرفته منهكا جراء التسكع المتواصل …
    كان نومه هادئا دام لساعات عاشها بين أحضان مشاعر العشق والهيام.
    لحظة الاستيقاظ كانت الغرفة فارغة، غمره القلق وتلاحق في ذهنه شلال من الأسئلة، نظر إلى صورتها المعلقة على الجدار، انتزعها كأنما قر عزمه على أمر ما، ووضعها في جيب سترته الداخلية ثم خرج.
    حاول طوال أيام ترتيب حياته فلم يكن يلاقي في نظرات الناس غير الشفقة و الاستفهام .
    عاد إلى حيث رآها ، سلم لصاحب المقهى صورتها متسائلا:
    - هل تعرفها ؟ ألم تعد إلى هنا ؟ هي معتادة على شرب الشاي في هذا المكان.
    حرك الرجل رأسه بالنفي بعد أن أعاد إليه الصورة ، ثم استعادها بعد لحظة يدقق النظر فقال :
    - نعم نعم تذكرتها كانت فتاة شجاعة، قتلها أحد اللصوص أمام المقهى منذ مدة حوالي سنتين فيما أعتقد.


    حسن لشهب
    التعديل الأخير تم بواسطة حسن لشهب; الساعة 10-11-2019, 09:50.
  • حسن لشهب
    أديب وكاتب
    • 10-08-2014
    • 654

    #2
    ...........

    تعليق

    • محمد شهيد
      أديب وكاتب
      • 24-01-2015
      • 4295

      #3
      كلما جرني النقاش مع شخص هنا في الغرب أو هناك في المغرب حول مزايا الاغتراب عن الوطن كنت أجيب بشيء واحد: إذا كان يهمك أن تخرج أختك و زوجتك و والدتك لقضاء حاجياتهن ولا تخشى عليهن من مجرم يتربص بهن في كل مرصد، فاعلم يقينا أن مقامي هو موطن أماني؛ و حيثما وجد الأمن فذاك مكاني.

      الأستاذ الكريم حسن لشهب، هاأنت بأسلوبك القصصي السلس تصور لي كقاريء مغربي مغترب مشهدا آخر من مشاهد الرعب التي باتت من روتينيات العيش في بلدنا الذي ضحى أجدادك وأجدادي بكل نفيس من أجل طرد المستعمر الغاشم و استتباب الأمن والحرية والرخاء لنا نحن القادمين من بعدهم.
      أين الأمن في البلاد و أين المسؤولون على أمان العباد؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.

      دمت بخير و عافية.

      م.ش.
      التعديل الأخير تم بواسطة محمد شهيد; الساعة 10-11-2019, 16:45.

      تعليق

      • مها راجح
        حرف عميق من فم الصمت
        • 22-10-2008
        • 10970

        #4
        يجذبني هذا السرد الذي يجعلك تعيش مع القصة وكأنك بطل من أبطالها
        ألقمتني النهاية بالدهشة
        شكرا لقلم مبدع ..
        أرجو أن أزين مكتبتي بابداعك يوما ما
        رحمك الله يا أمي الغالية

        تعليق

        • حسن لشهب
          أديب وكاتب
          • 10-08-2014
          • 654

          #5
          العزيز محمد شهيد :
          شكرا لمرورك وتفاعلك المثمر دائما.
          فالظاهرة التي اجتاحت بلادنا يا صديقي تحكمت فيها عوامل عدة ، لعل أبرزها فشل النموذج التنموي الذي أغفل العناية بالبادية ونشاطها الاقتصادي ولم تتم العناية بتكوين شبابها وإعدادهم لمقاومة شح المياه وإغراء الحياة في المدينة فوجدنا المدن تحفها مساكن عشوائية أصبحت مصدر الإجرام لأن الكثير من المافيات استغلت صعوبة ضبط الساكنة المكتظة ففرخت الشبكات الإجرامية جماعات تسهر على ترويج المخدرات وأخرى احترفت السطو والسرقة ونشر الدعارة وماء الحياة وووو
          ساءت الأمور ببعض المدن الكبرى وضواحيها وبدات في اكتساح مدن هادئة وسط وجنوب البلاد وانتشر الخوف وغابت الطمأنينة.طبعا الشرطة تحركت بقوة في الآونة الأخيرة وصارت تحارب هذه الظاهرة بلا هوادة
          و بكل إصرار فاكتظت السجون وصار من الضروري اختيار أساليب أخرى للتحكم في المجرمين مثل السوار الالكتروني وهو قيد النقاش حاليا .تحسن الحال عما كان عليه كثيرا لكن الأمر يحتاج لتصور شمولي يأخذ بعين الاعتبار استعادة جاذبية البادية وتحسين ظروف عيش الساكنة بها الخ
          والنص المتواضع الذي كتبته هو واحد من أشكال
          تفاعل الإبداع الأدبي مع الواقع ..
          عسى أن نكون على الطريق.
          شكرا.
          التعديل الأخير تم بواسطة حسن لشهب; الساعة 12-11-2019, 11:31.

          تعليق

          • محمد شهيد
            أديب وكاتب
            • 24-01-2015
            • 4295

            #6
            قلتَ "السوار الالكتروني"؟ هو يستعمل هنا عندنا لبعض المواطنين ممن يتم مراقبتهم على مدار الساعة حتى لا ينفلتوا من أيدي العدالة حتى يتمَّ الحسم في قضيتهم الجنحية أو الجنائية. لكن لمن سيكون موجها هناك؟ وهل ستكون وسيلة ناجعة فعلا؟

            شكراً للمعلومة، الأستاذ لشهب.
            تحياتي
            م.ش.
            التعديل الأخير تم بواسطة محمد شهيد; الساعة 14-11-2019, 19:52.

            تعليق

            • محمد شهيد
              أديب وكاتب
              • 24-01-2015
              • 4295

              #7
              و بطبيعة الحال، الكتابة الأدبية و الفكرية لابد وأن تواكب محيط الكاتب الأديب والمفكر و يكون له منها نصيب في التنظير و المساءلة و لو بدا لنا أن دور المثقف قد اضمحل في حقبة هيمنت على عقول الناس الخرافة و الجهالة. فلولا مواكبة الخيال الأدبي للواقع الاجتماعي، لما كان بين يدينا اليوم تحف dostoivski و لا كانت رواية Goulag تفضح فيها ريشة Soljenistyne مظاهر الاستبداد الستاليني؛ و لولا مواكبة الأدب للحقبة لما كانت قضية Zola في J’accuse و لا كان لنجيب محفوظ ذاك الشأن و لا للشاب أبو القاسم الشابي كل تلك المكانة بين شعبه حيث شاهدنا كيف كانت أشعاره التي نظمها بالأمس ترددها اليوم شعوب منتفضة ضد القهر.

              و قد كنتَ موفقا في مواكبة ريشتك للأحوال الاجتماعية المحيطة بك. نتابع عطاءك بإذن الله.
              تحياتي

              تعليق

              • حسن لشهب
                أديب وكاتب
                • 10-08-2014
                • 654

                #8
                الأستاذة المحترمة مها راجح
                شرف لي هذا المرور النبيل والإشادة المميزة.
                شهادة أعتبرها وساما زين جبين هذا النص المتواضع.

                تعليق

                • حسن لشهب
                  أديب وكاتب
                  • 10-08-2014
                  • 654

                  #9
                  أخي شهيد
                  بالفعل هناك أفكار تناقش من أجل تجاوز مشكلة الاكتظاظ في السجون ومن بينها السوار الالكتروني والسجن بالبيت ..
                  عموما فظاهرة الإجرام مشكلة اجتماعية لابد من مقاربتها بشكل شمولي من طرف المختصين، ليس فقط في السوسيولوجيا والسيكولوجيا بل كذلك من طرف السياسيين وخبراء الاقتصاد والكريمنولوجيا وووو
                  نتمنى تحولا بدأت معالمه تظهر في المنحى الإيجابي لمحاصرة المجرمين، وأنت تعلم أن تأثير الإعلام من الناحية النفسية و النشر الالكتروني يزيد من تضخيم المشكلة ومن مفعولها لدى الناس ..
                  وأذكر هنا حادثة انتحار قاصرة تم تزويجها لمغتصبها ،،، المهم أن صحفية مغربية كانت حاضرة في مؤتمر نسائي بلندن، طبعا قضايا النساء هي ما يطرح في مثل هذه اللقاءات ، وما أن تبين للجميع أن الأخت الصحفية من المغرب حتى هبوا للسلام عليها وهن يسألنها عن وضعية الفتيات بالمغرب وما يتعرضن له من اغتصاب ويجبرن على الزواج من المغتصب ومنهن من بلغ تعاطفها درجة البكاء ههه
                  فأجابت الصحفية بكل هدوء هي حالة واحدة تم نشرها على نطاق واسع ولا يجب التعميم بهذا الشكل الغريب.
                  أوردت هذا المثال لأبين لك قياسا على ظاهرة الإجرام لأن النشر الالكتروني يساهم في التهويل حيث تقرأ عن جريمة واحدة في عشرات المواقع إن لم أقل المئات.
                  المهم ما نلاحظه هو التحرك الجدي للشرطة واعتقال من يهددون أمن المواطنين ومن ثمة خفوت صوت التغني بالإجرام ومحاصرة انتشاره بشكل ملحوظ.
                  دمت بخير.
                  التعديل الأخير تم بواسطة حسن لشهب; الساعة 16-11-2019, 20:38.

                  تعليق

                  • محمد شهيد
                    أديب وكاتب
                    • 24-01-2015
                    • 4295

                    #10
                    الأمن و الأمان، السلامة و السلام: غايات سامية تسعى لتحقيقها كل الشعوب التي تُقدّر الفرد و يساهم في نشرها كل فرد يحترم المجتمع. و هي دعوة إبراهيم (رب اجعل هذا البلد آمنا)؛ و دعوة المسلم عند مطلع كل هلال (اللهم أهله علينا بالأمن و الإيمان، و السلامة و الإسلام)؛ و وعد يوسف لإخوته (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)...

                    و نسأل التوفيق للمسؤولين في المغرب (و خارجه) أن يهتدوا للوسائل الأكثر فعالية لتحقيق الأمن في البلاد و الأمان للعباد.

                    دمت بخير أخي حسن، و أشكرك على مداخلاتك المستفيضة و معذرة إن خرجت عن موضوع قصتك الجميلة.

                    تحيات صباح مونتريالي.

                    م.ش.
                    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شهيد; الساعة 17-11-2019, 16:05.

                    تعليق

                    • حسن لشهب
                      أديب وكاتب
                      • 10-08-2014
                      • 654

                      #11
                      الأخ شهيد
                      الكتابة ليست ترفا ولا نشاطا للمتعة والتبجح بل هي معاناة حقيقية وتفاعل حي مع الواقع، فالكاتب ليس مجرد آلة ميكانيكية تصور ما يحدث بشكل سلبي، بل هو ذات فاعلة ومتفاعلة مع واقع مقلق وبالتالي فاختيارنا للكتابة عنه هو محاولة لبناء واقع ممكن تستريح وتتموقع فيه الذات .
                      شكرا لتفاعلك ومتابعتك.

                      تعليق

                      يعمل...
                      X