" كل رأس فيه محنة وكل محنة تزيد فهامة " - كما يقول المثل - . كل إنسان لديه شيء ما يؤرّقه، حتى وإن لم يبح بأحد أسراره للآخرين. ليس هناك من هو راض كل الرضا عن حياته ونمط عيشه في هذه الدنيا، حتى وإن بدا منمّقا أو مفرهدا للناظرين. ويكذب من يقول بإنه لم يتعرّض لأيّة مشكلة في حياته، فقد خرجنا إلى هذه الدّنيا حفاة عراة، ولم نجد الورود في طريقنا عند اول إطلالة، بكينا فيها بمرارة الخروج العسير، تعبيرا عن بغضنا الشديد وكرهنا لها- الدنيا - كما يحب أن يميل إلى ذلك بعض الحكماء -، بسبب الآلام والأحزان وما في الدنيا من فتن تنتظر هذا الإنسان، المولود الجديد؛ إذا ضحكت له الدنيا يوما تكشّر له عن أنيابها في الغد القريب.
نتألّم في الدنيا بسبب معاناتنا الطويلة، ومن كثرة المشاكل والأحزان. ونعتقد أن الأعمار طويلة وهي قصيرة جدا، تمرّ مرّ السّحاب، مقارنة بعمر الدنيا، وفي نظر قلّة المترفين، لما لديهم من أسباب الرّاحة والعيش الرّغيد، فهم لا يشعرون بالأوقات كيف تمضي، وهي تمرّ عليهم مرور الكرام.، حتى يفاجئهم الموت، صاروا منه يخشون وأن تنمحي أعمارهم بين ليلة وضحاها كأن لم يعيشوا فيها أبدا. وأما الذين يعانون من الآلام والأحزان و المصائب في هذه الدنيا، فهم يفرحون بالموت فرحهم بحبيب تمنّوا لقاءه. لأن الموت يريحهم من عناء الدّنيا ومصائبها.
في هذا العصر الذي طغت فيه المادّة على كل شيء معنوي جميل، وعلى المشاعر النّبيلة والأخلاق الكريمة، تزداد فيه الفوارق بين النّاس، بين مفرهدين وآخرين تعساء، ظلمتهم الحياة وكرهتهم الدّنيا حتى كرهوا أنفسهم. في هذا العصر بالذّات تجرّد الإنسان من إنسانيته وصار عبدا لشهوته وهواه. لقد عرف أرباب هذا العالم الأبالسة كيف يتحكّمون في عقول النّاس ونمط عيشهم، فصاروا عبيدا للمادّة، ولأهوائهم ، حتى إذا ما جاءهم الموت وهم مبلسون، ترى أعينهم تدور من خشية فراق الدنيا وملذّاتها. وسيرى هؤلاء أن المادّيات التي استعبدتهم طويلا، وصنعت الفوارق بينهم وبين أبناء جنسهم في هذه الحياة القصيرة، لا تستطيع أن تتحدّى أمر الله إذا جاء، و لا أن تغيّر سننه في هذا الكون؛ [ وسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ]
تعليق