للقمر أهجس همساتي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • هيام ضمره
    أديب وكاتب
    • 28-02-2012
    • 53

    للقمر أهجس همساتي

    للقمر أهجس همساتي
    هيام فؤاد ضمرة

    أيها القمر المستدير المنير المتربع على عرش السماء بإلهاماتك الساحرة وبأضوائك الباهرة التي تكسر حدة الظلام، وتمنح السامر لحظات السرد والوئام.. ماذا عنك بعد أنْ عرَّتك المكتشفات العلمية، ووكالة ناسا الفضائية الأمريكية وكشفت حقيقتك؟
    أما زلت وجهاً جميلاً يتضلع بماء النعيم لتزدهي بأعطافك محاسن الضياء الكريم، وتتغذى على أنوار الوصال هوى من صام لله واعتمر بغير اختزال.. أما زلت تمنحنا صورة نتمثلها بالفرادة من الجمال حتى بتنا نتخذها آلهة الجمال الفتنان والملامح الباهرة والجاذبية الزاهرة.
    قل لي بالله عليك أما زلت تختال متسيداً في كبد السماء؟ وتعلو فوق عرين السحاب تساومه على أن تجالس الكواكب والطارقات في ظلمة الأديم الكاسحة، في أوج احتدام من سلك طريق الفخار والارتقاء، فتجلس على عرش ضياء الليل تفتت بعينيك حلكة السواد، وتنير دروب الراحلين فيما هم يجوبون حتى منتهى الأصقاع بغير دليل ولا نزال أو اعتزال.
    وقد كنت كوكب السحر والجمال، مشرق بإطلالتك، تفشي أنوارك بارتخاء وسكون وهدأة ارتحال، ملكاً متوجاً على عرش الأديم لا تشغلك عدة ولا دورة التفاف، ولا تحيدك عن خط أزلي اعتدت عليه رحلة الإصطفاف.
    فأنت أنت على الذي قد كنته منذ الأزل أنت، فما تعبت ولا تنكرت، ولا يئست عن سكون فاعتزلت، أو ترجلت عن كوكب سيارة فارتبكت، فمكثت غير بعيد، تعيد توصيف المواعيد، بغير ذي احتفال سعيد، فحلمْتَ أنك الذي نصَّبته الأقوال، ملك الرومانسية والإحتفال، وأيقونة للحب والعشق والجمال، يلتقطون روعة أطوارك بأشكالك، ومدى ما تعكسه تأثيراتك على النفوس، رمزاً أثيرا للرومانسية الحالمة، وملهماً للشعراء النجباء، محركا لإحساساتهم وروعة رؤاهم مع كل حالة من حالات سجالاتك، بكمالك ونقوصك وانتصافك وانتهائك ومبتدأ تشكلك، بلحظة خسوفك، وسطوة سطوعك، باختباءاتك خلف الغمام، وأبواب عبورك نحو الأمام، يلاحقونك كل شهر حتى لحظة ولادتك من جديد، لأنك تتحول لتستعيد حالتك بقالبك الجديد القديم .. فهلا ينتفعون بك ويلتزمون؟
    قد كنت تعتبر القدوة الأولى للجمال، فيتبادلون بكل الثقة تعبيرات أن هذه فتاة جميلة كالقمر، وهذا وجهه مستنير مستدير كالبدر، لأن قرصك المضيء لطالما كان يدعو الحالمين إلى الحلم والخيال، فالشمس ساطعة الضوء لا تغير من استدارتها ولا تنقض مقدارها، إنما القمر فنوره مريح وتقلبه بين حالاته مدعاة لأن تلتفه التهيؤات بالقصص الحالمة والروايات الساحرة، فالعيون لا تنفك تشاغله وتحاوره وتناظره، وتمنحه أجمل التوصيفات!
    فيا أيها القمر فز بعبارات التباهي، وملاذات البشر والتناهي، وأوجز في رحلتك مسافات غيابك، فحضورك ركن من أركان الليل المريح تضيعُ على أنفاسك هموم الغوالي، واجتنب دار نهارنا فعصفورنا الشادي بعد جلاء الدجى يردد اجتناب عطاءك، فيحتضن نور النهار بتغريدات تنعش الألباب، وقد بات فيك سر حياة تعيد شهوة ارتحالك.
    فتغنوا أيها الشعراء قمراً أثار ولهكم وملهمكم، وتلبستموه شذىً يعطر محفلكم ومنابر شدوكم، فانتظروا من بهجة مطلعه ملهمات غزَلكم وغزْلكم، وابتهجوا كيما يأتيكم من حضرته فرح أنسكم، واستدارة مجلس جمعكم، فاربطوا مدارجكم على مدرج طيرانه، وشاركوه رحلة غيابه إلى الجانب الآخر من العالم، ليعود ويشرق بالضياء في حضرتكم
    ولا تخشى على القمر ترحلاته عبر أديم معتم، فهو الذي اعتاد أن يَعُبَّ كأس النور من منبعه إلى درجة التضلع، ليسكب مما عبه ضياءاً مختزنا في وعاء النور، فيتهادى بين النجوم مختالاً كالطاووس.. فيا أيتها البلاد الشاسعة المتدثرة بضياء القمر، امنحيه عنان أشجارك الندية ليمسح بيده عنها ذرات الإعتام، فالدنيا شغوفة بأن تطالعها عيون القمر وهي تغير جلد نضارتها الرقيق، فهي لا تنفك تتبع مسرى القمر من مشرقه حتى مغربة حين ترتدي الأرض ثوب نهارها الوضاء.
    هاهو القمر يمر من تحت قباب السماء العالية حاملا مع حزنه وغيظه صمته وغضبه، فما الذي حاق بأهل هذه الكرة الأرضية حتى يتنازعوا ويتقاتلوا على مقاعد ومناصب واغتنام أموال شعوب مقهورة، بلادهم غير معمورة، ويأكلوا السحت بأطباق المطامع كأنما مخازنها وبالاً عليهم، ومتاجرها مغانم لهم،
    أو للحصول على أوطان يغتصبوها ليتملكوها، ويحتلوها ليقيموا دولاً على بقايا احتراقها، ها هو القمر ينظر بعينين دامعتين وقلب جريح متألم ما الذي تشابه بهؤلاء البشر حتى باتوا وجهين لا ثالث له وجهاً للبؤس والأحزان والنكبات ووجهاً آخر للجبروت والقسوة والارهاب.
    فيا أيها الليل ليت كل الليالي ليلها يسود، ولا يعتم نهار غسلته الشمس بنورها، وحلت عليه سود المآسي فأنكرت إنسانية إنسانها، لو أن زمان السلام يعود ويفرد بساط الهناء بأرض ديارنا ويعلق قمر الليل ليضيء سراجها، لاستدفت كل القلوب بأمنها ومهدت للرقص أفراحها
    فالقمر في برجه الفضائي العالي يمارس دوره كحارس الليل الأمين، حين تنام وتغفو عيون الحيوات كلها، تبقى عينا القمر شاخصة ترقب دنيا انصاعت حياتها لحاجتها لموتتها القصيرة، في ظلام ليلي يحلحل عتمته ضوء قمر وحيد يلقي بجواهر ضياءه المتلألأة فوق الربوع والجبال والسهول والوديان والبحار، فتسكن القلوب وتزيل التعب وتمنح الأجساد طاقة جديدة ونشاطاً مكين، فاركنوا إلى قمركم الذي يبادلكم بحياة أفضل، تواعدكم كل صباح اعتلاه صوت ديك الإصباح.!
    وقد اعتادت الشمس وهي تخلي موقعها للقمر مساءاً أن تفترش الكون بقرمزية ساحرة احتفالاً بقدوم القمر، فتسلم راية الرحيل المطبوعة بلون الغروب القرمزي وتجر أذيالها نحو المغيب، فيتصدر القمر مكانه على مقعده الأثير في المساء ناثراً حبيبات ضياء خافت، يتيح للعيون منامها، ويرحل بها إلى غيابها هي الأخرى في أحضان غفوة مستحكمة تمنح الأجساد والذهون استعادة كامل كفاءة طاقتها، فيا لروعة الخالق فيما خلق وفيما أحسن فيه خلقه.. فالشكر والحمد لله على ما خلق فينا من نظام حياة ونظام كون يتواءم وخلقنا ليس يصيبه ما يغير منه مقدار ذرة، سبحانك اللهم وأنت أحكم الحاكمين.
  • رشيد الميموني
    مشرف في ملتقى القصة
    • 14-09-2008
    • 1533

    #2
    مناجاة تصدح بمشاعر صادقة .. صيغت بحروف تنبض أحاسيس عفوية ..
    لا أظن القمر إلا يختال زهوا بما أضفيت عليه من رونق كلماتك وسحر تعابيرك .
    العزيزة هيام .. عودتنا على رقة تعابيرك ونبل مشاعرك التي يسكبها قلمك .
    شكرا لأنك اهديتنا القمر .. كما هو .
    مودتي

    تعليق

    يعمل...
    X