البحث عن ظبية شاردة (2)
لم أعد أرافق القناصين إلى الغابة إلا لماما . ربما لمسوا مني عزوفا عن ذلك فاحترموا رغبتي ، إذ لم يعودوا يوجهون لي الدعوة لمرافقتهم إلا مجاملة وهم يعملون مسبقا أنني سأرفض . وإن قبلت فسيكون ذلك على مضض وسأتصرف بنفس الطريقة التي اتبعتها دائما ، ألا وهي التخلف عنهم في منتصف الطريق وسلوك طريق مغاير إلى أن نلتقي في مكان نحدده حيث أنتظرهم لنعود معا .
حين كانوا ينطلقون ، كنت أعتلي ربوة تشرف على القرية وأتأمل هرولتهم الصاخبة مبتسما ، ثم سرعان ما أبدأ التحديق في الغابة التي يختفون بين أشجارها الكثيفة وكأنني أبحث عن شيء محدد . ثم أتنهد وأعود أدراجي إلى البيت منقبض الصدر، وأنتظر عودتهم بقلب متوجس ، ولا أتنفس الصعداء حتى أعلم أنهم لم يظفروا بالظبية . فتعتريني فرحة غامرة وأخرج ليلا أتنفس هواء باردا ينعش جسدي المحموم .
راودني الحنين لرؤية ظبيتي من جديد وأخذت أتحين الفرصة لأنطلق بمفردي . لكن ذلك لم يكن يسيرا لأن الجماعة كانوا لا يفترقون إلا عند حلول المساء لينصرف كل واحد منهم إلى بيته . وكانوا يدعونني لحضور اجتماعاتهم تحت الدوحة التي تتوسط ساحة القرية ، فيلعبون الورق والنرد وأنا أراقبهم بفضول وأتعجب للعصبية وأحيانا العدوانية التي ترافق لعبهم .
لم أشعر يوما إلا وخطواتي تقودني نحو الغابة حين خرجت أتمشى بعد قيلولة قصيرة أعقبت حفل زفاف . وكانت مرافقة المجموعة لموكب العروس إلى القرية المجاورة فرصة سانحة لأنفذ ما رغبت به من قبل . وكنت أعلم أنهم لن يعودوا قبل الفجر بعد أن يتناولوا العشاء ويمرحوا ويشاركوا الجميع في الغناء والرقص .
شعرت بهيبة وأنا أوغل في الغابة . إذ كان الأصيل وقتا مناسبا للخنزير البري ليخترق الغابة في طريقه إلى النهر من أجل الارتواء . وربما كانت الأنثى مصطحبة لصغارها فيكون ذلك مبعث هيجانها وعدوانيتها إن التقت بأحد من البشر . لكن فكري كان شاردا . وحين كنت أفيق من سهومي كنت ألتفت عن يميني وعن يساري ، ثم أتوقف مصيخا السمع فلا يتناهى إلى مسامعي إلا حفيف الورق ونباح الكلاب الآتي من بعيد .
توقفت عند منبع جدول صغير لا يمكن الوصول إليه دون الانبطاح أرضا والحبو بين الأعشاب الشائكة بفعل الأدغال الكثيفة التي تحجبه عن المارين عبر الغابة ، وجلست على صخرة أنعش قدمي بمائه البارد ، فسرت في جسدي رعشة خفيفة بينما حفيف الأوراق لم ينقطع ، فكان لذلك الحفيف المصاحب لرقرقة مياه الجدول ترنيمة عذبة . غير أن حفيف هذه الترنيمة تخللها فجأة صوت أعشاب يابسة تنكسر . التفت بحذر متوجسا من هجوم خنزير بري . لكن ما رأيته جعل جسدي يرتعش وقلبي يخفق بعنف .. كانت تقف رابضة هناك بمثل جلال إطلالتها في المرة السابقة . وكان في نظرتها مزيج من الحذر والفضول . هل تذكرتني ؟ .. لبثت أتأملها جامدا بينما كانت تتقدم إلى الجدول . وكانت لهفتي لملامستها كبيرة . لكني كنت أخشى نفورها المفاجئ فأفقدها من جديد . كم بدت لي رائعة بوبرها البني الذي زاد صفاء وبياض نحرها الناصع .
عندما انتهت من الشرب ، رفعت رأسها في إباء وعيناها السوداوان تتفحصانني بفضول متزايد . حركت يدي ببطء نحوها فتراجعت قليلا لكنها عادت لتتقدم نحوي . امتدت يدي نحو عشب بجانب الصخرة وقطعت منه حزمة ثم مددت بها نحوها .. دنت بخطمها تتشممها ثم قضمت العشب بينما رانت على نظرتها سكينة وطمأنينة جعلت الخدر يسري في جسدي . كنت أناولها العشب بيد بينما اليد الأخرى تلامس عنقها . وكأن لمسي منحها شعورا بالأمان فصارت تحتك بيدي وقرناها يحاذيان ركبتي .
اختفت كل الأصوات من حولي وسهوت عن كل شيء .. الزمان والمكان .. ولم أعد أشعر إلا بظبيتي أمامي تزيد اقترابا مني حتى تمكنت من إحاطة عنقها بذراعي ولثمت ما بين عينيها . أكنت محتاجا مثلها للحنان والطمأنينة ؟ ما لهذا الشعور الغريب الذي يعتريني وعنقي يحتك بعنقها ؟ .. في لحظة أحسست أني برفقة غادة تنضح أنوثة وحيوية . فأتخيلها ممتلئة الجسد ، ناعمة البشرة ، رشيقة القوام .
أحيانا كنت أنتبه من غفوتي وينتابني هاجس أن يظهر أحد فيتسبب في هروب ظبيتي . لكن يبدو أن حفل الزفاف قد جذب الجميع سواي . وتركني أحتفل بطريقتي مع ظبيتي إلى أن بدأت بوادر حلول المساء .
لم أدر كيف ولا متى ولت الظبية أدبارها واتجهت في أناة نحو مسلك وعر بين الصخور وهي تلتفت نحوي كأنها تدعوني للعودة مرة أخرى إلى هناك ، ثم اختفت . كنت أعلم أن ذلك المسلك يؤدي إلى خانق ضيق لا تطأه قدم إنسان لوعورته ولخطورة المرور به ، إذ تحفه انحدارات سحيقة تمتد إلى أسفل الوادي . لهذا كنت مطمئنا على مصير ظبيتي وهي هناك في محميتها . لم تعد الآن ظبية شاردة ، ولا طريدة . بل ملكة متوجة على عرشها تحف بها الوصيفات والحراس في قلعتها الحصينة .
وصولي إلى القرية كان بعد غروب الشمس ، بحيث صادفت عودة بعض الرعاة بقطيع المعز من المرعى .. شعرت بألفة المكان والأفراد وانتابتني رغبة السهر فوق السطح المطل على الطريق المؤدي إلى الغابة . فصارت تلك عادتي كل مساء .. ووجدتها فرصة لمناجاة ظبيتي وتأمل حالي بعيدا عنها ، مما اثار تساؤلي عن سبب كل هذا الانجذاب الى الظبية واشتياقي لرؤيتها وخوفي عليها . أهو بحث عن حب طال تجاهلي له ؟ أم لهفة لتجربة عاطفية تدخل إلى القلب شعاعا دافئا ؟ هل هناك ظبية يعدها القدر لي لتكون سلوتي في هذه القرية النائية ؟ .. أحيانا كان يطول هذياني وأجد نفسي ارتعش من البرد وقد اقترب بزوغ الفجر. لكن دفئا لذيذا كان يغزو نفسي ويتغلغل شيئا فشيئا عبر مسامي ويغمر حواسي فأستلقي على فراشي وأغمض عيني لأحلم .
عندما حل الظلام ، كنت لا أزال في مكاني أتأمل النجوم وقد بدا حجمها أكبر.. أحدق نحو الطريق فأتخيلني أركض نحو ظبيتي لأعانقها من جديد وأبثها حبي وشوقي وأحتك بها لأحس بنعومة وبرها على عنقي . وفي لحظة ،غمرني شعور مفاجئ بأنها ظبيتي وألا لأحد الحق في امتلاكها غيري فبالأحرى إذايتها ، وبأني سأقاوم منذ اليوم كل فكرة للنيل منها حتى ولو كان ذلك على حساب علاقتي الطيبة بالقناصين .
================================================== ====
البحث عن ظبية شاردة (1)
http://almolltaqa.com/vb/showthread....D4%C7%D1%CF%C9
================================================== ====
لم أعد أرافق القناصين إلى الغابة إلا لماما . ربما لمسوا مني عزوفا عن ذلك فاحترموا رغبتي ، إذ لم يعودوا يوجهون لي الدعوة لمرافقتهم إلا مجاملة وهم يعملون مسبقا أنني سأرفض . وإن قبلت فسيكون ذلك على مضض وسأتصرف بنفس الطريقة التي اتبعتها دائما ، ألا وهي التخلف عنهم في منتصف الطريق وسلوك طريق مغاير إلى أن نلتقي في مكان نحدده حيث أنتظرهم لنعود معا .
حين كانوا ينطلقون ، كنت أعتلي ربوة تشرف على القرية وأتأمل هرولتهم الصاخبة مبتسما ، ثم سرعان ما أبدأ التحديق في الغابة التي يختفون بين أشجارها الكثيفة وكأنني أبحث عن شيء محدد . ثم أتنهد وأعود أدراجي إلى البيت منقبض الصدر، وأنتظر عودتهم بقلب متوجس ، ولا أتنفس الصعداء حتى أعلم أنهم لم يظفروا بالظبية . فتعتريني فرحة غامرة وأخرج ليلا أتنفس هواء باردا ينعش جسدي المحموم .
راودني الحنين لرؤية ظبيتي من جديد وأخذت أتحين الفرصة لأنطلق بمفردي . لكن ذلك لم يكن يسيرا لأن الجماعة كانوا لا يفترقون إلا عند حلول المساء لينصرف كل واحد منهم إلى بيته . وكانوا يدعونني لحضور اجتماعاتهم تحت الدوحة التي تتوسط ساحة القرية ، فيلعبون الورق والنرد وأنا أراقبهم بفضول وأتعجب للعصبية وأحيانا العدوانية التي ترافق لعبهم .
لم أشعر يوما إلا وخطواتي تقودني نحو الغابة حين خرجت أتمشى بعد قيلولة قصيرة أعقبت حفل زفاف . وكانت مرافقة المجموعة لموكب العروس إلى القرية المجاورة فرصة سانحة لأنفذ ما رغبت به من قبل . وكنت أعلم أنهم لن يعودوا قبل الفجر بعد أن يتناولوا العشاء ويمرحوا ويشاركوا الجميع في الغناء والرقص .
شعرت بهيبة وأنا أوغل في الغابة . إذ كان الأصيل وقتا مناسبا للخنزير البري ليخترق الغابة في طريقه إلى النهر من أجل الارتواء . وربما كانت الأنثى مصطحبة لصغارها فيكون ذلك مبعث هيجانها وعدوانيتها إن التقت بأحد من البشر . لكن فكري كان شاردا . وحين كنت أفيق من سهومي كنت ألتفت عن يميني وعن يساري ، ثم أتوقف مصيخا السمع فلا يتناهى إلى مسامعي إلا حفيف الورق ونباح الكلاب الآتي من بعيد .
توقفت عند منبع جدول صغير لا يمكن الوصول إليه دون الانبطاح أرضا والحبو بين الأعشاب الشائكة بفعل الأدغال الكثيفة التي تحجبه عن المارين عبر الغابة ، وجلست على صخرة أنعش قدمي بمائه البارد ، فسرت في جسدي رعشة خفيفة بينما حفيف الأوراق لم ينقطع ، فكان لذلك الحفيف المصاحب لرقرقة مياه الجدول ترنيمة عذبة . غير أن حفيف هذه الترنيمة تخللها فجأة صوت أعشاب يابسة تنكسر . التفت بحذر متوجسا من هجوم خنزير بري . لكن ما رأيته جعل جسدي يرتعش وقلبي يخفق بعنف .. كانت تقف رابضة هناك بمثل جلال إطلالتها في المرة السابقة . وكان في نظرتها مزيج من الحذر والفضول . هل تذكرتني ؟ .. لبثت أتأملها جامدا بينما كانت تتقدم إلى الجدول . وكانت لهفتي لملامستها كبيرة . لكني كنت أخشى نفورها المفاجئ فأفقدها من جديد . كم بدت لي رائعة بوبرها البني الذي زاد صفاء وبياض نحرها الناصع .
عندما انتهت من الشرب ، رفعت رأسها في إباء وعيناها السوداوان تتفحصانني بفضول متزايد . حركت يدي ببطء نحوها فتراجعت قليلا لكنها عادت لتتقدم نحوي . امتدت يدي نحو عشب بجانب الصخرة وقطعت منه حزمة ثم مددت بها نحوها .. دنت بخطمها تتشممها ثم قضمت العشب بينما رانت على نظرتها سكينة وطمأنينة جعلت الخدر يسري في جسدي . كنت أناولها العشب بيد بينما اليد الأخرى تلامس عنقها . وكأن لمسي منحها شعورا بالأمان فصارت تحتك بيدي وقرناها يحاذيان ركبتي .
اختفت كل الأصوات من حولي وسهوت عن كل شيء .. الزمان والمكان .. ولم أعد أشعر إلا بظبيتي أمامي تزيد اقترابا مني حتى تمكنت من إحاطة عنقها بذراعي ولثمت ما بين عينيها . أكنت محتاجا مثلها للحنان والطمأنينة ؟ ما لهذا الشعور الغريب الذي يعتريني وعنقي يحتك بعنقها ؟ .. في لحظة أحسست أني برفقة غادة تنضح أنوثة وحيوية . فأتخيلها ممتلئة الجسد ، ناعمة البشرة ، رشيقة القوام .
أحيانا كنت أنتبه من غفوتي وينتابني هاجس أن يظهر أحد فيتسبب في هروب ظبيتي . لكن يبدو أن حفل الزفاف قد جذب الجميع سواي . وتركني أحتفل بطريقتي مع ظبيتي إلى أن بدأت بوادر حلول المساء .
لم أدر كيف ولا متى ولت الظبية أدبارها واتجهت في أناة نحو مسلك وعر بين الصخور وهي تلتفت نحوي كأنها تدعوني للعودة مرة أخرى إلى هناك ، ثم اختفت . كنت أعلم أن ذلك المسلك يؤدي إلى خانق ضيق لا تطأه قدم إنسان لوعورته ولخطورة المرور به ، إذ تحفه انحدارات سحيقة تمتد إلى أسفل الوادي . لهذا كنت مطمئنا على مصير ظبيتي وهي هناك في محميتها . لم تعد الآن ظبية شاردة ، ولا طريدة . بل ملكة متوجة على عرشها تحف بها الوصيفات والحراس في قلعتها الحصينة .
وصولي إلى القرية كان بعد غروب الشمس ، بحيث صادفت عودة بعض الرعاة بقطيع المعز من المرعى .. شعرت بألفة المكان والأفراد وانتابتني رغبة السهر فوق السطح المطل على الطريق المؤدي إلى الغابة . فصارت تلك عادتي كل مساء .. ووجدتها فرصة لمناجاة ظبيتي وتأمل حالي بعيدا عنها ، مما اثار تساؤلي عن سبب كل هذا الانجذاب الى الظبية واشتياقي لرؤيتها وخوفي عليها . أهو بحث عن حب طال تجاهلي له ؟ أم لهفة لتجربة عاطفية تدخل إلى القلب شعاعا دافئا ؟ هل هناك ظبية يعدها القدر لي لتكون سلوتي في هذه القرية النائية ؟ .. أحيانا كان يطول هذياني وأجد نفسي ارتعش من البرد وقد اقترب بزوغ الفجر. لكن دفئا لذيذا كان يغزو نفسي ويتغلغل شيئا فشيئا عبر مسامي ويغمر حواسي فأستلقي على فراشي وأغمض عيني لأحلم .
عندما حل الظلام ، كنت لا أزال في مكاني أتأمل النجوم وقد بدا حجمها أكبر.. أحدق نحو الطريق فأتخيلني أركض نحو ظبيتي لأعانقها من جديد وأبثها حبي وشوقي وأحتك بها لأحس بنعومة وبرها على عنقي . وفي لحظة ،غمرني شعور مفاجئ بأنها ظبيتي وألا لأحد الحق في امتلاكها غيري فبالأحرى إذايتها ، وبأني سأقاوم منذ اليوم كل فكرة للنيل منها حتى ولو كان ذلك على حساب علاقتي الطيبة بالقناصين .
================================================== ====
البحث عن ظبية شاردة (1)
http://almolltaqa.com/vb/showthread....D4%C7%D1%CF%C9
================================================== ====

تعليق