الرمان و احتضارالجسد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • رشيد الميموني
    مشرف في ملتقى القصة
    • 14-09-2008
    • 1533

    الرمان و احتضارالجسد

    الرمان واحتضار الجسد

    تعددت ألقابه وتنوعت أوصافه حتى ليحار هو تفسه أمامها : هل تنطبق عليه حقا أم أن أغلبها مجرد افتراء ؟... إنه ليعجز في بعض الأحيان عن فهم بعض النعوت كما حدث في أول عهده بالوظيفة حين ذكر تاريخ ميلاده وكذا تخرجه من أحد المعاهد :" أنت أشأم من طويس."... من طويس هذا ؟ وما علاقته بثاني نونبر أو خامس يونيو؟... إنه يعترف بأن خجله من جهله بطويس قد فاق غضبه من نعته بالشؤم ، وأن وصفه بالطمع كان أهون عليه من ذكر أشعب الذي لم يسمع به من قبل . الشيء الوحيد الذي وعاه جيدا وامتلأت به نفسه زهوا ، ما قيل له وهو يتنقل هنا وهناك ضارعا متوسلا ، حاملا معه جسده الذي لا يفارقه :" أنت أوفى من السموأل ."
    وهو في خلوته هاته ، ينظر إلى جسده المسجى أمامه... جسده الذي يكاد لا يعرفه..." هذا ليس جسدي الذي لازمني منذ الأزل . ورغم ذلك لن أفرط فيه."... وكيف يفرط فيه وقد فتح عينيه ليجد نفسه جزءا منه ؟ وكيف ينكره وقد امتزجا لحما ودما وترابا منذ كان جارا لـ"خـوان" و" أنا " ، وشريكا لـ" يوشع" و مناحيم " ، قبل أن يصاهر " شعيبا " و " حمادي " ، ثم يصاحب " المفضل " و " عبد السلام " ؟... كان ذلك قبل أن تقتطع أجزاء حساسة من جسده هذا فتصير عرضة للسلب و النهب والاغتصاب .
    لقد قال له خوان يوما وهما جالسان يرتشفان عصير برتقال غداة بتر منه ذاك الجزء العزيز :" اسمع... أنت عليل ، وعلتك في نفسك . ولن يشفيك أحد إلا أنت . فأنت الداء والدواء . ولن تنفعك زيارة سيد ولا نذر مولى ولا بركة " للا "... أنا لن أبقى هنا . لكنك ستبقى رغما عنك . وإذا عن لك اللحاق بي يوما فليكن ذلك بشرف وإلا صرت قربانا لأحط درجات الموت . "
    لم يعمل بنصيحة خوان رغم أنه يحبه ويحمل لقب " دون خوان" ... هل هو وسيم إلى هذا الحد أم أن مغامراته النسائية أضفت عليه جاذبية لم يدركها حتى نبهه الآخرون إليها ؟... بيد أن حمله للقب هذا الزير نغص غليه زهوه و طعنه في كبريائه وهو يرى العيون تتطلع إلى تقاسيم جسده الأنثوي بشغف.. حتى خوان كان يتركه وحيدا مع أنــا دون أن يبدي ذرة من الغيرة لتسامرهما وحيدين أحيانا. وأنى له أن يغار منه وقد انتفت من جسده آثار الفحولة ، وصار حريا به أن يغار هو نفسه من أنــا و نهديها اللذين يدران عصيرا سائغا من البرتقال والرمان ؟ ... عصير هو أشد عذوبة مما يفرزه هذا الجثمان الهامد .
    لقد رحل خوان كما رحلت أنــا . فليبق هو وفيا حتى آخر لحظة من لحظات الاحتضار الذي لا ينتهي . وليتعهد أشجار البرتقال والرمان إلى حين تزهر وتثمر رغم يأسه من ذلك . فالجسد حين تجف عروقه وتتحول تجاعيده إلى أخاديد تهمزفيها الشياطين وتخنس عبرها الأباليس ، لا يملك سوى نتانة يزكم بها الأنوف وتضاريس مسخ يؤذي بها الأعين... والأمل ؟ إنه موجود . وحسبه ما أسرت إليه عرافة بصوت كالفحيح في يوم أفلت شمسه و انكدرت نجومه :" سوف تحمل نفسك بنفسك ، وتجوب بها كل الزمان و المكان . وحين تصل إلى حيث يمرج البحران ، سيزهر البرتقال والرمان ، وستنعم باللؤلؤ والمرجان ، ويصير لك عندئذ قلب إنسان ."
    التعديل الأخير تم بواسطة رشيد الميموني; الساعة 14-09-2008, 14:21.
يعمل...
X