تويت
ما الذي تجديه الكلمات بعد الممات؟
عندما يسدل الموت خيوطه على كوكبنا الأرضي الصغير ويمضي ساخرا منا ضاحكا مستهزئا بقوتنا وبجبروتنا، عاصفا بأحلامنا وبطموحاتنا نصير أطفالا سريعي الكسر والانكسار. نحن الذين كنا بالأمس القريب نظن الموت مات. نظنه انقرض ولم يبق له أثر يذكر. فإذا به يبعث بيننا حيا يرزق ليذكرنا بغبائنا العريض وتفاهتنا الواسعة.
لا تبك علي لأنني انتقلت إلى عالم آخر. كان عليك أن تبكي علي وأنا في عالمك
فدموعك لم يعد لها معنى. الكلمات الطيبة التي ترددها الآن بعد ذهابي كان عليك أن ترددها على مسامعي وأنا معك. كان عليك أن تملأ أذني كلاما حلوا لما كنت تطعمني الجفاء وتسقيني البعاد. ما الذي يجديه عذب الكلمات بعد الممات؟ لآ شيء. لا شيء.
كورونا أيها المعلم العظيم القاسي اللعين. عظيم لأنك قدمت لنا درسا في الأخلاق العلائقية فلقنتنا أمثولة راقية المعاني وكأنك تخبرنا كيف كان علينا أن نكون قبل مجيئك، قبل أن يجبرنا حضورك على العيش كالأموات كل في قبره، أوصدنا الأبواب بلا أحباب وقد كان لنا قبلك أحباب. قبلك كنا نسوف الصلات وكثيرا ما نستهتر بها. علمتنا أن لا تلاعب ولا تسويف مع الصِلات. ولكنك قاس لأنك حرمتنا منا فأخذت منا أحبابا دون أن تسمح لهم أن يأخذوا في آذانهم كلمات حلوة تساعدهم على إغلاق أعينهم بهدوء. هنا تكمن همجيتك وقساوتك أيها اللعين.
لعين لأنك تخالف الأعراف والعادت والتقاليد والمراسيم والمآتم. لعين لأنك فرضت شريعتك الملعونة: لا موكب جنازة ولا مأتم ولا بكاء بين الأحضان. أنت لا ترحم أيها اللعين.
لعين لأنك عثوت بيننا فسادا. أخرجت أطفالنا من مدارسهم. سجنتنا، كبلت حريتنا. بعثرت فسيفساء علاقاتنا. أقعدتنا أيها اللعين. فلا أهلا ولا سهلا بك بينا. ارحل أيها الخبيث فلقد فهمنا الدرس. فهمنا كيف نكون، كيف نعامل بعضنا البعض، فهمنا كيف ندفن أنانيتنا وحبنا لذواتنا. فهمنا كيف نحافظ على بعضنا، كيف نعطف على بعضنا، كيف لا نغتاب بعضنا. فهمنا الدرس فارحل أيها اللعين.
ارحل فليس لك هاهنا بيننا مقام.
المصطفى العمري
تعليق