سوق البالة 2

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فوزي سليم بيترو
    مستشار أدبي
    • 03-06-2009
    • 10949

    سوق البالة 2

    سوق البالة*


    مديري رجل متواضع . نعم يخطر بملابسه الأنيقة كالطاووس ، ويرمقنا نحن صغار الموظفين من أرنبة أنفه
    ولا يكاد يتكلّم معنا إلاّ بالإشارة . لكننا والحق يُقال أذكياء ، وينطبق علينا المثل القائل " اللبيب من الإشارة يفهم "
    طبعا ، هذا الذكاء لم نولد به ، ولم يهبط علينا هبة مجانية من السماء . لقد دفعنا الثمن كي نصل إليه . لقد دفعنا ثمنه
    من كرامتنا التي قام مديرنا الحبيب بمرمغتها بالأرض حين كنا نقوم بعمل لا يتفق مع رؤيته . لقد دفعنا ثمنه كوابيسا
    في أحلامنا ، ومن لقمة عيشنا يوم كان يخصم من رواتبنا بسبب بعض الأخطاء البسيطة التي لو مرّت على غيره
    من المدراء كانت لا تحسب ولا يُنظر إليها بعين الإعتبار ، لكن لأن مديرنا فَطِن وحازم ونحبه ويحبنا ، كان يعتبرها
    من الأمور الجلل وتستحق العقاب ، كالإستغناء عن الخدمات مثلا أو الشنق حتى الموت !


    أذكر ذات يوم ، وكان يوما مشهودا . حين قام بإِنْتِقَائي كي أنوب عن الموظفين لحضور حفل زفاف ابنته الوحيدة
    ومن البديهي أن يكون حفلا فائق الفخامة . احترت ماذا ألبس لهذه المناسبة ، ولم يكن عندي إختيار سوى أن أذهب ألى
    سوق البالة وأشتري بدله رخيصة الثمن ومقبولة شكلا ، فأنا ذاهب إلى إحتفال ، الناس فيه نسمع عنهم فقط ونشاهدهم في
    الأبيض والأسود من أفلام السينما ، وأنا لست بأقل منهم . ولحظي المنحوس لم أعثر على واحدة بمقاسي ، وليست على
    الموضة أيضا . لكن إصراري على شرائها رجح الكفة . إستعطفت جاري - الترزي - أن يكشف عن مواهبه في فن القص
    والخياطة . فبذل مجهودا خارقا كي يقيّفها على مقاسي .


    وقفت ارتجف وأمسح العرق المتصبب من جبيني حين أمسك بي حرّاس المدير الأمنيين " البودي غاردز " كجرذ مقرف ،
    ومنعوني من الدخول إلى صالة الحفل . لظنّهم بي أنني متسول . تحسست رقبتي التي صارت بحجم السمسمة خجلا .
    رغم ذلك لم تتزعزع مكانة مديري وحبي له في نفسي . وخصوصا أنه قد قام لاحقا بالاعتذار عن سوء الفهم الذي حصل .


    وجاء اليوم الذي أرد محبته لي بمحبّتين . فقرّرت أن أعزم مديري على حفل زفاف ابني .
    نعم سوف يحضر ، وما الذي يمنعه من الحضور ؟ وهي رد لعزومته على أي حال .
    قمت بالتنبيه على جميع المعزومين في العرس ، وأخبرتهم أن مديري سوف يشرفنا بحضوره ، وبالتالي عليهم أن
    يكونوا على أتم استعداد وأن يلبسوا لباسا أنيقا وعلى الموضة . كما قمت أيضا بزرع مخبرين من زعران شياب
    العائلة والحي على باب الصالة ، يمنعون أي إنسان غير لائق الهندام من الدخول .


    جلست خلف مكتبي في اليوم التالي لحفل زفاف ابني ، وأنا أثرثر مع نفسي في المباح من أفكار والمَنْهِيٌّ عَنها كعادتي :
    ــ أنا أسأل المدير لماذا لم تحضر حفل زفاف ابني ؟ من أنا ؟ أنا غلبان ! للمدراء مسؤوليات خطيرة وضخمة ولا يحكمون
    على الأمور ببساطة وتفاهة مثلنا .
    وإذا بالمدير أمامي . رمى ورقه كانت بيده في وجهي وقال بغضب :
    ــ أنت مطرود من العمل .
    اوشكت ان أسأله ، لماذا ؟ لكني بلعتها فهو أدرى بمصلحة العمل مني . ثم أردف قائلا والزبد يتطاير من فيه :
    ــ لقد مَسَحْتَ بكرامتي الأرض . كيف تأمر يا - هلفوت - رجال عصابتك أن يمسكوا بي كالجرذ على باب الصالة
    ويمنعونني من الدخول ؟ وأنا الذي احترمت رغبتك بحضور زفاف ابنك وقمت باختيار ملابس متواضعة اشتريتها
    خصيصا من سوق البالة لأحضر بها عرسكم كي لا أحرج أهلك بملابسي الفخمة غالية الثمن ؟
  • محمد مزكتلي
    عضو الملتقى
    • 04-11-2010
    • 1618

    #2
    لا حرمنا الله سوق البالة..
    جميلة وقوية ومباشرة دكتور فوزي.
    هي شيقة أيضاً أمسكت بي من أول حرف حتى آخرها.
    لم أتوقع النهاية المدهشة.
    وأجمل القصص هي التي تمتنع عنك حتى آخر سطر.

    صباح الخير على الأحباب.
    أنا لا أقولُ كلَّ الحقيقة
    لكن كل ما أقولهُُ هو حقيقة.

    تعليق

    • محمد مزكتلي
      عضو الملتقى
      • 04-11-2010
      • 1618

      #3
      بحثت عن سوق البالة 1 ولم أجدها...
      أنا لا أقولُ كلَّ الحقيقة
      لكن كل ما أقولهُُ هو حقيقة.

      تعليق

      • فوزي سليم بيترو
        مستشار أدبي
        • 03-06-2009
        • 10949

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة محمد مزكتلي مشاهدة المشاركة
        بحثت عن سوق البالة 1 ولم أجدها...
        لقد رفعت نص " سوق البالة " والمنشور في الملتقى بتاريخ 26-11-2010بعد إذنكم لسببين :
        الأول لأنني قمت ببعض التعديلات البسيطة عليه .
        والثاني أنني رغبت في أن تتاح للقصة فرصة الإضطلاع عليها
        لمن لم يقرأه سابقا أو لمن يرغب بقرائتها اليوم .
        تحية واحترام
        فوزي بيترو

        تعليق

        • عكاشة ابو حفصة
          أديب وكاتب
          • 19-11-2010
          • 2174

          #5
          دكتورنا المحترم فوزي سليم بيترو .
          تحية تليق بمقامكم . أعجبت كثيرا بالقصة الجميلة ’’ سوق البالة 2 ’’
          صورت لنا مشهدا من مشاهد الحياة عند العامة وعلاقة المدير بالموظفين .
          كان ذلك بأسلوب سلس نقي ومفهوم دون تصنع .
          لا حرمنا الله من قصصكم مستقبلا ونتظر منكم المزيد .
          تحياتي دكتور .
          صديقكم : عكاشة أبو حفصة .
          [frame="1 98"]
          *** حفصة الغالية أنت دائما في أعماق أعماق القلب, رغم الحرمان...فلا مكان للزيارة ما دمت متربعة على عرش القلب.
          ***
          [/frame]

          تعليق

          • عدي بلال
            أديب وكاتب
            • 02-04-2020
            • 71

            #6
            أضحك الله سنك يا أ. فوزي بيترو
            ذكرتني بسوق الحجاوي في الزرقاء، والأحذية الايطالية ( الماركات )
            طيب والله فيها أشياء رائعة ..

            عودة للقصة الماتعة ..
            حبكة محكمة، وسرد سلس ساخر، وقفلة صادمة/ كسر التوقع.
            ( يخرب بيت اللي يزعل المدير يا شيخ )

            كل التحية لقلمك وشخصك أخي .
            التعديل الأخير تم بواسطة عدي بلال; الساعة 16-06-2020, 07:32.

            تعليق

            • مها راجح
              حرف عميق من فم الصمت
              • 22-10-2008
              • 10970

              #7
              أضحكتني هذه القصيرة
              اسلوب جذاب جعلني اعيش الحكاية
              موقف لا يحسد عليه ..وكما تدين تدان
              شكرا لقلمك المبدع استاذ بيترو
              رحمك الله يا أمي الغالية

              تعليق

              • فوزي سليم بيترو
                مستشار أدبي
                • 03-06-2009
                • 10949

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة محمد مزكتلي مشاهدة المشاركة
                لا حرمنا الله سوق البالة..
                جميلة وقوية ومباشرة دكتور فوزي.
                هي شيقة أيضاً أمسكت بي من أول حرف حتى آخرها.
                لم أتوقع النهاية المدهشة.
                وأجمل القصص هي التي تمتنع عنك حتى آخر سطر.

                صباح الخير على الأحباب.
                كتبت هذه القصة قبل أكثر من 10 سنوات .
                كنت وقتها موظفا , وكان للموقع الذي كنت أعمل فيه مدير.
                لم أكتب القصة متأثرا بما جري من أمور لها علاقة بين الرئيس والمرؤوس.
                بالعكس كنا أصدقاء ، وكنت أقوم بمهام وظيفته في أوقات غيابه .
                فتخيّلت الموقف وكأنني أنا المدير ، أصول وأجول وأمارس الإدارة على أصولها .
                ذات يوم سألته إين كنت ؟ لقد انشعلت عليك .
                قال لي والإبتسامة على محيّاه :
                كنت في سوق البالة وقد اخترت قطعتين ليس لهما مثيل ، واحدة لي والأخرى لك .
                في اليوم التالي كتبت القصة قبل أن يغادرنا المدير متقاعدا ,
                ولا نعلم ما هي سمات المدير الجديد .
                مساء النور أخي محمد مزكتلي
                فوزي بيترو

                تعليق

                • فوزي سليم بيترو
                  مستشار أدبي
                  • 03-06-2009
                  • 10949

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة عكاشة ابو حفصة مشاهدة المشاركة
                  دكتورنا المحترم فوزي سليم بيترو .
                  تحية تليق بمقامكم . أعجبت كثيرا بالقصة الجميلة ’’ سوق البالة 2 ’’
                  صورت لنا مشهدا من مشاهد الحياة عند العامة وعلاقة المدير بالموظفين .
                  كان ذلك بأسلوب سلس نقي ومفهوم دون تصنع .
                  لا حرمنا الله من قصصكم مستقبلا ونتظر منكم المزيد .
                  تحياتي دكتور .
                  صديقكم : عكاشة أبو حفصة .
                  وقت كتابتي للقصة كنت أمام مشهد المدير القاسي المتعنطز
                  وبين مشهد الموظف البسيط المغلوب على أمره .
                  فكتبت المشاهد وكأن الأمر وتوابع الحدوتة تخصني .
                  تحياتي للصديق الصدوق عكاشة
                  فوزي بيترو

                  تعليق

                  • فوزي سليم بيترو
                    مستشار أدبي
                    • 03-06-2009
                    • 10949

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة عدي بلال مشاهدة المشاركة
                    أضحك الله سنك يا أ. فوزي بيترو
                    ذكرتني بسوق الحجاوي في الزرقاء، والأحذية الايطالية ( الماركات )
                    طيب والله فيها أشياء رائعة ..

                    عودة للقصة الماتعة ..
                    حبكة محكمة، وسرد سلس ساخر، وقفلة صادمة/ كسر التوقع.
                    ( يخرب بيت اللي يزعل المدير يا شيخ )

                    كل التحية لقلمك وشخصك أخي .
                    ( يخرب بيت اللي يزعل المدير يا شيخ )


                    تأكيدا لكلامك أنقل لكم ما قاله صديق لي بعد قراءة النص :
                    ــ في ناس ولاد تسعة وناس ولاد كلب !
                    تحياتي عدي
                    لقد سررت بمروركم والتعليق
                    فوزي بيترو

                    تعليق

                    • فوزي سليم بيترو
                      مستشار أدبي
                      • 03-06-2009
                      • 10949

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة مها راجح مشاهدة المشاركة
                      أضحكتني هذه القصيرة
                      اسلوب جذاب جعلني اعيش الحكاية
                      موقف لا يحسد عليه ..وكما تدين تدان
                      شكرا لقلمك المبدع استاذ بيترو
                      تأكيدا لكلامك لقد لازمني الضحك وأنا أكتب القصة
                      حتى زوجتي نهرتني معاتبة قائلة لي :
                      ــ اللي بيضحك لوحده بيِزْوَر !
                      تحياتي أخت مها وربنا يجيب الضحك والسرور دائما
                      فوزي بيترو

                      تعليق

                      • عكاشة ابو حفصة
                        أديب وكاتب
                        • 19-11-2010
                        • 2174

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة فوزي سليم بيترو مشاهدة المشاركة
                        وقت كتابتي للقصة كنت أمام مشهد المدير القاسي المتعنطز
                        وبين مشهد الموظف البسيط المغلوب على أمره .
                        فكتبت المشاهد وكأن الأمر وتوابع الحدوتة تخصني .
                        تحياتي للصديق الصدوق عكاشة
                        فوزي بيترو
                        نعم ، هناك مشاهد تمر أمامنا ولا ندع الفرصة تمر دون نقلها الى قصة أوالى قصيرة ليتمتع بها محبوا القص .
                        لهذا طلبت منكم دكتورنا المحترم مدنا بالقصص التي تبقى راسخة لكم في الذهن . نحن نعلم من خلال احتكاكم اليومي مع الناس سواء في مقر العمل أو خارجه .
                        فالقصة المكتوبة تكون دات مصداقية أكبر .
                        فقصة الممرضة التي وضعتها أنا بهذا الركن الجميل ،تحكي واقع معاش وكانت عبارة عن ممرضة متعبة ولكنها كانت رافعة لشارة النصر وأردت أن أرسمها هنا ليطلع عليها الأخرون .
                        تحية لأفكاركم ولقلمكم دكتورنا المحترم .

                        ******************

                        رفعت السبابة والوسطى معلنة الانتصار على الوباء الفتاك . اغتصبوا فرحتها عندما أعلنوا إصابات جديدة وتمديد حالة الطوارئ الصحية.
                        التعديل الأخير تم بواسطة عكاشة ابو حفصة; الساعة 19-06-2020, 21:43.
                        [frame="1 98"]
                        *** حفصة الغالية أنت دائما في أعماق أعماق القلب, رغم الحرمان...فلا مكان للزيارة ما دمت متربعة على عرش القلب.
                        ***
                        [/frame]

                        تعليق

                        يعمل...
                        X