قراءة للأستاذ الهويمل أبو الفهد في قصيدة فراغات لسليمى السرايري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سليمى السرايري
    مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
    • 08-01-2010
    • 13572

    قراءة للأستاذ الهويمل أبو الفهد في قصيدة فراغات لسليمى السرايري

    قراءة للأستاذ الهويمل أبو الفهد في قصيدة فراغات لسليمى السرايري
    لفراغ الواعد في فراغات.
    .

    جئت إلى القصيدة متسلحا بأدوات نقد بالية. الأمر بدا بسيطا. سأقابل المادي بنقيضه خاصة أن عنوان القصيدة (فراغات ..) والفراغ نقيض المادي، والمعاجم تقول إنه "الخلو" أو المكان الخالي. كثيرون كتبوا عن الأضداد وأعرف من كتبوا عن السواد والبياض وعن المشاكلة والختلاف وعن غيرها من الأضداد أو عن مجازات بها نحيا (هذا عنوان كتاب). والقصيدة حين قرأتها أول مرة بدأت بالمادي (الحائط). وحين عدت للقصيدة، قرأتها عدة مرات أحاول بناء مسرد من النقائض ثم معالجة دلالاتها وعلاقاتها ببعضها. لكنني كلما قرأتها ظهر لي فراغ جديد. بحثت عن ماديّ واحد فلم أجد. حتى الحائط لم يكن غير فراغ يفضي إلى فراغ حذوه، لأنني أدركت أخيرا أن القصيدة لا تبدأ بالحائط بل "حذوه"، سواء كانت المفردة تعني مكانيا بـ"جانبه" أو تعني "مثله" أو"شبيهه" كما أنه لم يكن أبدا حائطا ماديا بل مجازيا. وعندما يعجز القارئ أن يجد مدخلا فليعد إلى سيرته الذاتية ليسرد الصعوبات التي قابلته. وها أنا قد فعلت.

    لنرسم، إذاً، على الماء حين ترفض القصيدة البوح أو حين ترسم ألوانها ببياض الزيغ اللوني أو حين تتكلم اللغة. القصيدة ببساطة فراغ فيه فراغات أو هي فراغات في فراغ. مثل هذه مفارقة مستحيلة.


    وإذا كانت "الشواهد والتأويلات" تحذو "حذو الحائط المجازي" فإنها لن تكون غير حائط مجازي آخر أو شواهد (إن شئت) بل تأويلات تتشظي! التأويل في اللسان يعني الجمع (جمع ما تشتت أو تشظى). فكيف نقرأ تأويلات تتشظى، تأويلات تُفرّق، مع أن وازع التأويل ودافعه هو تفرق ما يقتضي الجمع؟ لا بد أن التأويلات تشظت وتعددت قبل أن تكون. فالقصيدة نفسها تؤكد أن الشواهد والتأويلات "فراغات موقوتة" أو هي تجعلها مساوية ومماثلة للفراغات الموقوتة زمانا ومكانا لنقف قليلا: (قالت المعاجم: "واسْتَعْمَلَ سيبويه لفظ الوَقْتِ في المكان ، تشبيهاً بالوقت في الزمان، لأَنه مقدار مثله"). كان بإمكان المعجم أن يقول (لأنه مقدار "حذوه"). تستطيع المعاجم أن تفعل ذلك لأن المكان والزمان، عند المعاجم، مُسلَّمَاتان. أما في القصيدة فإن الزمان هو المكان والعكس صحيح. من هذه السيولة الزمانية (أي أن الفرغات مطبوعة على الزمان، لأن المكان معدوم أو "خلوة") نجد أن مكانية الفراغ زمان (و"موقوته": تعني مؤكدة ولا يمكن تأكيد الوقت إلا في مكان حتى لو كان المكان فضاء). حسرة المعاجم أنها لم تر "فراغات .." وإلا اقتدحت في العربية مفردة جديدة.


    كادت "الجياد" (وفي نواصيها الخير) أن تكون الأمر المادي الواعد لولا أنها "تتواعد لتقدح الأرض"، محصورة بين الفراغات الموقوتة وقبائل تتربص بالضوء. فبماذا تعد الجياد، من هذا الموقع، أو تتوعد؟ ليس أمامها، (سواء تواعدت أو توعدت أو وعدت) غير "رحى حرب تدور"! فهي كما الرحى (إن بقي من مجايلي الرحى من يعرفها) لا تبعث على الأمل. ثم إنها رحى حرب تدور "فوق موائد الجوع"! عادة، تدور الرحى لتسد جوعا. أما رحى القصيدة رحى لا "ثفال" لها ولا "لهوة"، بل على مائدة بما لها من دلالات تنقضها لتؤكد الفراغ، لأنها "مائدة الجوع". وهي في النهاية لن تسد سغبا. وعلى البلاد أن ترتوي بضحكات الراحلين، فراق أو فراغ آخر. هل هذه سخرية أم مجاز؟ الماء دليل الحياة، وبما أن البلاد "تُسقَى بضحكات الراحلين" فثمة أمل خارج ما تركه الراحلون من فراغات.


    ومع فسحة الأمل الغامضة تعود الفراغات تملأ الفراغ، تكثفه لعل ولادة جديدة تأتي بعدما التصق الفضاء "بالزمن الذبيح" وبعدما أمست "كل المواقيت تمائم ليل لا ينتهي"، وبعد إعصار حذو أو مثل من "لا يلوي على شيء"، أقول "بعد" مع أن القصيدة بخيلة ظروف الزمان والمكان. بل اعتمدت بشكل خاص على تراتب أبياتها لتعوض تسلسلها الزمني والمكاني، وكأن محض وجودها يكفي. نعم، جاءت "تحت" (سماء شديدة الإغراء)، و"هناك" المبهمة و "أين" التي لا تدري معها أ هي استفهام أم هي إستنكارية نافيه. وهي في النهاية تبحث عن فراغ موغل في القدم، تبحث عن الأساطير! (أين ترقص الأساطير) دون علامة استفهام. بعد كل هذه المعمعة تعود فسحة الأمل "تحت سماء شديدة الإغراء"! لا بد من أسطورة، إذاً.


    "وحدها أنثى الشهوة الأخيرة" جديرة بالوجود تحت سماء شديدة الإغراء؛ فهي "تخضّب ضفائرها بما لوحته الريح"، تخضب ضفائرها بكل ما مسته "الريح/الروح"، حركة جنين أولى، أمل ولادة لا شك، أسطورة حياة وبعث. ههنا "على ضفاف الانتظار تهرول" التباشير (قبلات مسروقة/ داخل أفواه خرساء). ما زال "الفراغ" يطلب الملء وتكثيف الوجود.


    الآن، الآن: ثمة من يهز المسافات رغم أن اللغة تبدأ بالنفي (لا شيء يهز المسافات). إنها أنثى الشهوة الأخيرة:
    لا شيء يهزّ أغصان المسافات الآن،
    سوى تلك التي تستعيد خطيئتها الأولى


    لماذا خطيئة أولى، خطيئة ليس كمثلها خطيئة؟ خطيئة لا قبلها وربما ما بعدها خطيئة؟ إنها خطيئة رقصة الأساطير، خطيئة السقوط، خطيئة الحياة أو بالمفهوم الديني سبب "إعمارالأرض".


    لم تكن الفراغات إذاً غير الكون قبل عمارته وها هي الأنثى تبدأ بمحاورة "أشجار التوت" استعدادا لما يقتضيه جهد البناء وتصحيح المسار. فلتتسلّ إذاً "في غفلة الغواية" أو لتتسلل: إلى أين؟ لا بد من فراغ أخير. فلتتسلل أو لتتسلّ إلى فراغ أخير، "إلى خلوة داخل الإنتظار".
    لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول
  • سليمى السرايري
    مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
    • 08-01-2010
    • 13572

    #2
    -
    -
    -
    أستاذنا العزيز الهويمل أبو فهد

    أدرك جيّدا أنني تأخرت عن الرد ولكن أعود دائما كما تعود الأمطار للأرض
    وقد قرأت سابقا مداخلتك عدّة مرّات..
    هي لفتة كبيرة أحاول أن أستوعب كل التفاصيل وأفهم كلّ معنى وما خفي وظهر في قراءة كبيرة وقد تعوّدت من حضرتك مثل هذا العمق والإهتمام
    وهذه اللفتة ليستْ سوى تكريما لحرفي وشخصي.
    -
    دمت بالقرب سيّدي الأديب الناقد .

    ورد في بلورة.jpg
    لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

    تعليق

    • سليمى السرايري
      مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
      • 08-01-2010
      • 13572

      #3

      ما أروع أن يغوص قلم أديب في نصوصنا فنشعر أننا مازلنا بخير
      أكرّر شكري أستاذي الهويمل ابو الفهد

      لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

      تعليق

      يعمل...
      X