غربة و أشياء أخرى
بقلم
منيرة الفهري
تقدم منه زميله في الشغل و ناداه باسمه. نظر إليه صالح... رآه يرتعش و هو يمسك بورقة و ينطق بكلمات لم يفهمها صالح.. تبين فقط كلمة:positive,positive
إيجابي إيجابي.. صديقه هذا بنغالي و يتكلم الانجليزية.. مازال صالح لم يفهم منه شيئا... أراد أن يأخذ منه الورقة و يقرأ ما فيها و لكنه كان مشغولا بإرسال ايميل إلى شركة التموين التي يتعامل معها.. صالح يعمل مسؤول في نزل كبير .....
تعالى صوت زميله البنغالي ليقول له جاء التحليل ايجابيا
سقطت فارة الحاسوب من يد صالح : تذكر أن زميله هذا كان يشكو حمى و سعالا فنصحه مازحا اذهب و اجر تحليلا قد تكون مصابا بالكورونا.
.. و جاء التحليل ايجابيا .. يا لسخرية القدر
زميله هذا مازال في مقتبل العمر شاب يتقّد حياة و كل يوم كان يحكي له حكايات طريفة و كان يسعد بصحبته.. ماذا لو أصابه... مكروه يا رب
لم يستطع صالح ان ينبس ببنت شفة فالموقف كان أكبر من أن يقول شيئا...
أنهى يومه حزينا قلقا على صديقه البنغالي... عاد إلى البيت و هو يفكر كيف يكون الشغل دون زميله هذا...
فجأة صاح دون أن يشعر : كورونا؟ و هذا زميلي في الشغل نعمل معا و نأكل معا... إذا أنا أيضا مصاب بالكورونا... لم ينم تلك الليلة... كان يفكر في اولاده في تونس.. و زوجته... ماذا أقول لهم.. و كيف سيتقبلون الخبر... لا لا مستحيل لن يقول لهم ... لكن ماذا لو حدث له شيء و هو في الغربة؟ عليه أن يوضح لهم الأمر.. يا رب.. ماذا يفعل؟ اتصل بزوجته على الواتساب و أولاده و كان يفتح الكامرا و يضحك كثيرا على غير العادة... سألته ابنته الكبرى مالك أبي؟ لست كعادتك. هل هناك شيء تخفيه؟
هذه ابنته الكبرى التي تفهمه كثيرا... هل سيقول لها انا مريض يا ابنتي و قد.... لا سمح الله... هل.. و هل....
اسعِفْه بجواب يا رب... قال لها : لم أتحدث إليكم منذ يومين لذلك تراني سعيدا بكم هذا كل شيء.
يبدو أن الجواب لم يقنعها لأنها لم تعلق على كلامه.
لا يريد صالح ان يتذكر كيف امضى ليلته و لا يومه و لا كيف دخل مخبر التحاليل
عاد أدراجه للفندق الذي يقيم فيه و هو يمشي متثاقلا حزينا حائرا قلقا.. لكن شيئا بداخله كان يحمد الله على كل شيء
فيردد بصوت عال و هو في المصعد قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
فيجيبه رجل معه في نفس المصعد
هو مولانا و على الله فليتوكل المؤمنون
انتبه صالح إلى الرجل فحيّاه و همهم بكلمات هو نفسه لم يفهمها.
ماذا لو حدث له شيء و هو وحده هنا في الغربة... زفر زفرة كادت تقتلع قلبه و تمنى لو انه أطال المكالمة مع زوجته و أولاده.. ليته قال لهم إنه يحبهم أكثر من نفسه.. ليته قال لهم إن حياته بعيد عنهم مأساة كبرى لكن : هي الخبزة... و أحيانا تكون الخبزة مرة... كما نقول بالتونسي..
هو هكذا من طبعه خجول حتى مع بناته...
نهض من فراشه في وقت مبكر جدا و اتجه إلى العمل بعد أن صلى و دعا الله أن يحميه لأولاده الصغار و زوجته و أمّه و أبيه.. اه أمّه... كيف ستتقبّل خبر مرضه بالكورونا... ستنهار حتمًا... و أبوه المسكين الذي ينتظر قدومه بلهفة في كل مرة... و يسعد كثيرا عندما يكون صالح معهم في القرية..
مازالت ساعات كثيرة على موعد نتيجة التحليل... ماذا يفعل بكل وقته.. أين يذهب... حتى العمل مازال عليه ساعات و ساعات... مسك الهاتف و في لحظة ضعف منه أراد أن يخبر زوجته حتى يهيئها للأمر... لا لا لن تتقبل الخبر بسهولة و ستخبر بناته و....
يا رب ماذا يفعل... أراد أن ينام لكن كيف ينام في مثل هذه الظروف.. توضأ و بدأ يصلي و يدعو الله و يحمده...
لا يعرف كم من الوقت استغرق منه السجود... و لكنه أحس بارتياح و سكينة..
الساعة الثالثة بعد الزوال.. الان نتيجة التحليل... اتجه نحو المخبر يجر رجليه جرا.. استلم ظرفا صغيرا من الطبيب هناك... ارتعشت يداه و هو يفتحه.. لكنه لم يتجرأ أن يقرأ ما بالورقة لانه يعرفه مسبقا... في منتصف الطريق إلى البيت انتابته نوبةٌ من شَجاعة و فتح الظرف... لم يصدق... كانت النتيجة سلبية... في الشارع و أمام كل الناس نزل صالح يسجد شكرا لله
****'
قصة حقيقية حدثت من يومين
منيرة الفهري
بقلم
منيرة الفهري
تقدم منه زميله في الشغل و ناداه باسمه. نظر إليه صالح... رآه يرتعش و هو يمسك بورقة و ينطق بكلمات لم يفهمها صالح.. تبين فقط كلمة:positive,positive
إيجابي إيجابي.. صديقه هذا بنغالي و يتكلم الانجليزية.. مازال صالح لم يفهم منه شيئا... أراد أن يأخذ منه الورقة و يقرأ ما فيها و لكنه كان مشغولا بإرسال ايميل إلى شركة التموين التي يتعامل معها.. صالح يعمل مسؤول في نزل كبير .....
تعالى صوت زميله البنغالي ليقول له جاء التحليل ايجابيا
سقطت فارة الحاسوب من يد صالح : تذكر أن زميله هذا كان يشكو حمى و سعالا فنصحه مازحا اذهب و اجر تحليلا قد تكون مصابا بالكورونا.
.. و جاء التحليل ايجابيا .. يا لسخرية القدر
زميله هذا مازال في مقتبل العمر شاب يتقّد حياة و كل يوم كان يحكي له حكايات طريفة و كان يسعد بصحبته.. ماذا لو أصابه... مكروه يا رب
لم يستطع صالح ان ينبس ببنت شفة فالموقف كان أكبر من أن يقول شيئا...
أنهى يومه حزينا قلقا على صديقه البنغالي... عاد إلى البيت و هو يفكر كيف يكون الشغل دون زميله هذا...
فجأة صاح دون أن يشعر : كورونا؟ و هذا زميلي في الشغل نعمل معا و نأكل معا... إذا أنا أيضا مصاب بالكورونا... لم ينم تلك الليلة... كان يفكر في اولاده في تونس.. و زوجته... ماذا أقول لهم.. و كيف سيتقبلون الخبر... لا لا مستحيل لن يقول لهم ... لكن ماذا لو حدث له شيء و هو في الغربة؟ عليه أن يوضح لهم الأمر.. يا رب.. ماذا يفعل؟ اتصل بزوجته على الواتساب و أولاده و كان يفتح الكامرا و يضحك كثيرا على غير العادة... سألته ابنته الكبرى مالك أبي؟ لست كعادتك. هل هناك شيء تخفيه؟
هذه ابنته الكبرى التي تفهمه كثيرا... هل سيقول لها انا مريض يا ابنتي و قد.... لا سمح الله... هل.. و هل....
اسعِفْه بجواب يا رب... قال لها : لم أتحدث إليكم منذ يومين لذلك تراني سعيدا بكم هذا كل شيء.
يبدو أن الجواب لم يقنعها لأنها لم تعلق على كلامه.
لا يريد صالح ان يتذكر كيف امضى ليلته و لا يومه و لا كيف دخل مخبر التحاليل
عاد أدراجه للفندق الذي يقيم فيه و هو يمشي متثاقلا حزينا حائرا قلقا.. لكن شيئا بداخله كان يحمد الله على كل شيء
فيردد بصوت عال و هو في المصعد قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
فيجيبه رجل معه في نفس المصعد
هو مولانا و على الله فليتوكل المؤمنون
انتبه صالح إلى الرجل فحيّاه و همهم بكلمات هو نفسه لم يفهمها.
ماذا لو حدث له شيء و هو وحده هنا في الغربة... زفر زفرة كادت تقتلع قلبه و تمنى لو انه أطال المكالمة مع زوجته و أولاده.. ليته قال لهم إنه يحبهم أكثر من نفسه.. ليته قال لهم إن حياته بعيد عنهم مأساة كبرى لكن : هي الخبزة... و أحيانا تكون الخبزة مرة... كما نقول بالتونسي..
هو هكذا من طبعه خجول حتى مع بناته...
نهض من فراشه في وقت مبكر جدا و اتجه إلى العمل بعد أن صلى و دعا الله أن يحميه لأولاده الصغار و زوجته و أمّه و أبيه.. اه أمّه... كيف ستتقبّل خبر مرضه بالكورونا... ستنهار حتمًا... و أبوه المسكين الذي ينتظر قدومه بلهفة في كل مرة... و يسعد كثيرا عندما يكون صالح معهم في القرية..
مازالت ساعات كثيرة على موعد نتيجة التحليل... ماذا يفعل بكل وقته.. أين يذهب... حتى العمل مازال عليه ساعات و ساعات... مسك الهاتف و في لحظة ضعف منه أراد أن يخبر زوجته حتى يهيئها للأمر... لا لا لن تتقبل الخبر بسهولة و ستخبر بناته و....
يا رب ماذا يفعل... أراد أن ينام لكن كيف ينام في مثل هذه الظروف.. توضأ و بدأ يصلي و يدعو الله و يحمده...
لا يعرف كم من الوقت استغرق منه السجود... و لكنه أحس بارتياح و سكينة..
الساعة الثالثة بعد الزوال.. الان نتيجة التحليل... اتجه نحو المخبر يجر رجليه جرا.. استلم ظرفا صغيرا من الطبيب هناك... ارتعشت يداه و هو يفتحه.. لكنه لم يتجرأ أن يقرأ ما بالورقة لانه يعرفه مسبقا... في منتصف الطريق إلى البيت انتابته نوبةٌ من شَجاعة و فتح الظرف... لم يصدق... كانت النتيجة سلبية... في الشارع و أمام كل الناس نزل صالح يسجد شكرا لله
****'
قصة حقيقية حدثت من يومين
منيرة الفهري
تعليق