جنازة ملك مات رجلا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد المهدي السقال
    مستشار أدبي
    • 07-03-2008
    • 340

    جنازة ملك مات رجلا

    قصة قصيرة

    جنازة ملك مات رجلا

    محمد المهدي السقال

    ولم تجد حاشية الملك بدا من التفكير جديا في تنفيذ وصيته بممارسة كل طقوس توديع الميت من الغسل إلى الدفن، أوحى حاجب القصر لخليفة الفقيد، بأن هيبة المملكة في الميزان، وهو يسر لنفسه عبارة على المحك.
    أعلن في آخر خطبة ألقاها بنفسه قبيل وفاته، عن رغبته في الحشر بين قبور العامة في ضاحية المدينة، لم تكن لهجته مما تعودنا عليه، بل لعل الكلمة هذه المرة كانت من تأليفه على غير عادته فيما يلقيه أمام الشعب بمناسبة وبغير مناسبة، في لغة متهلهلة بنبرة حزينة تكتنف صوته المتقطع، وبينما كان الترقب بلهفة حادة لسماع ما سيعلنه من قرارات حاسمة بعد الذي صار في مملكته البئيسة، فاجأ الجميع كعادته بالقفز على الأحداث، ليحدثهم عن دنو أجله، وما قرر اتخاذه من مبادرات يصحح بها أخطاءه حتى لا يعترف بما كان يحتاج إليه من تكفير عنها قبل فوات الأوان، لم يذكر شعبه الوفي بالمحجة البيضاء التي تركهم عليها لا يزيغ عنها إلا هالك، ولم يكرر على مسامعهم وصف البلد بالجنة التي يتربص بها الحساد، باختصار شديد، يا بني، كان الملك غريب الأطوار، يتلعثم في جمع حروفه المبعثرة، باهت الوجه ذابل الجفون.
    منذ رحيل ملك بلاد الشام ، والمتسامرون يحسبون أيام صاحبنا المتبقية، راجت شائعات تهامس بها رواد النميمة في شؤون الملك، لكن أحدا لم يتصور جرأة منه يمكن أن تخلي سبيله من مثالب الحكم بالحديد و الرصاص، قال أحدنا : لعله أراد أن يموت رجلا.
    فتح الباب الكبير لخروج النعش محمولا في سيارة نقل الموتى بالمجان، فوجئت حاشية الملك بفراغ ساحة المشور السعيد من العامة، رغم الإعلان عن الساعة بتوقيت صلاة العصر، حاول الحاجب الأعظم تدارك الموقف خجلا من تهكم الوفود الرسمية، فبدأ بتوزيع الأدوار أملا في تشييع يليق بالمقام، تقدمت الشخصيات الأجنبية السيارة وهي تأخذ طريقها نحو المقبرة كما أوصى الملك الراحل، بينما احتشد خلفها الوزراء والأمراء متلصصين عيون الكاميرات، وفي المقدمة والمؤخرة انحشر فقهاء النعي لترديد لازمة التشييع المؤدى عنها بإيقاعها المألوف، حضرت المشهد يا بني، ولسان حالي يقول: لعله مع ذلك مات رجلا.



    " مُـجَـرَّدُ كَـلاَمِ عَـجُـوزٍ لَـمْ يُـدْرِكْـهُ الْـبُـلُـوغ "
  • جوتيار تمر
    شاعر وناقد
    • 24-06-2007
    • 1374

    #2
    السقال الرائع...
    النص في تعددية مفاهيمه يجعل المتلقي يعيش حالة من التردد الفكري ، ازاء نعي ، واعلان ، فالملك في صورته الاستبدادية التي سبقت اليقظة الذهنية المتأخرة جدا ، يمارس فعل السلطنة بمفهوما الشرقي الوحداني ، وليس بغريب علينا كيفية فك طلاسم المصطلح الوحداني (الوحدانية ) لكوننا نعيش عوالم تشبعت من الممارسات الوحدانية ، سواء على المستوى الميثولوجي ، ام الايديولوجي ، وكلاهما ينصبان في خانة واحدة ، الا وهي الانسان ، وهذه المفارقة التي جمعت النعي بالاعلان تجعلني انظر للنص على انه توبة فرعون ، وهو يتدحرج بين الامواج ، الغاية من التغير المفاجئ ربما تختلف ، لكن السمة الطاغية على الفعل هي المماثلة الصورية ،والمعنوية ، على حد سواء ، مع ان السارد يركز احيانا على ماهية الرجولة (كدلالة للجوهر ) في التغير هنا ، الا انها في بعدها الزمكاني تنصب في نبع واحد ، النهايات دائما في شرقنا الغريب تحمل المفاجأة ، وكل نهاية نهاية لنهاية اخرى ،ولااعلم هل اخطئ عندما اقول بأن الديناميكية التي تتوفر في نصوص السقال هي مستقاة من عمق تجاربه الذاتية المنيطة اصلا الى المتغيرات الحاصلة والمتوقعة تنبأ منه ، و هي ربما تكون محركها الاساس أم ان الروح التي تصبو الى حياة افضل في عالم افضل هي التي تحرك اساسا ، يبقى سؤالا يثير الذهن في جوانياته كلما وقع على نص بتوقيع السقال

    محبتي
    جوتيار

    تعليق

    يعمل...
    X