السلام على السعيد من ابن سعيد
نعم أيها الأستاذ العزيز
أقتبس من ترجمة قمت بها هذا النص:"في كل يوم، كنت أذهب إلى المدرسة بنفس الحماس والنّشاط .. علاماتي كانت دوما جيدة.. في تلك المرحلة، لم أكن أفهم الكثير ممّا يدور حولي وسبب معاملة المدرّسين لي بتلك العناية الفائقة ولكن طريقتهم كانت تشجّعني وتحفّزني على مضاعفة المجهود حتّى أبقى التلميذة المتفوّقة في الفصل."
ذات مرّة، دعاني المدير إلى مكتبه، كاد يغمى علي من الرّعب. خفت أن يقرّروا فصلي لأنني لا أملك كتب جميع الموادّ، وحتّى الدفاتر التي كنت أشتريها فهي من النّوع الرّخيص ولا تكفي لسنة دراسيّة كاملة.
عند دخولي المكتب، وقف المدير وقال لي: "كلّما امتلكنا إرادة قويّة للتعلّم فإن الله يساعدنا. وكما ترين، هذه هديّة رائعة أرسلها ربّنا الكريم إليك. "
كانت كتبا ودفاتر ولوازم مدرسية كثيرة، تبرّع بها أحد الأشخاص في تلك السنة إلى المدرسة.حاولت أن أحمل الهديّة بين ذراعي ولكنني لم أستطع لشدّة ثقلها. أراد المدير مساعدتي فقسّم محتواها إلى نصفين، قائلا:
-اليوم تأخذين قسطا، وغدا تحملين الباقي.
- أشكرك سيّدي، ستحبّ صديقتي مساعدتي في حمل الباقي. أتوسّل إليك سيدي أريد أن آخذها كلّها اليوم.
- كما تشائين. هيّا انطلقي للبحث عن صديقتك.
كنت سعيدة جدا. لم أحاول معرفة صاحب الهديّة. اعتقدت أنّني أستحقّها فقد كنت دائما الأولى في صفّي.
في يوم من الأيام بكيت كثيرا. شعرت بالسّخريّة والاحتقار من معلّمتي التي أحبّها كثيرا . اعتقدت أنّها تعمّدت الإساءة إلي عندما جعلتني مثلا تقصّه على زملائي الميسورين من التلاميذ الذين لا يجتهدون كثيرا في الدّروس، ظننت في تلك اللحظة أنها تمتهن كرامتي ولا تمدحني فقد قالت أنّ السّبب الرّئيسي وراء تفوّقي يعود إلى البؤس والعوز والمعاناة. أحسست حين أشارت بسبابتها نحوي بالإهانة، أنّني كائن بلا قيمة، كما لو كنت سارقة لمكان يستحقّه غيري. فأنا الفتاة الفقيرة، الأقلّ من لا شيء، هكذا قالت... تأسّفت وصرخت ثمّ خرجت من القسم مسرعة نحو باب المدرسة.
رصدني المدير في الحال، فأوقفني بصوته الآمر الذي لا يردّ: "إلى أين تذهبين هكذا؟ عودي إلى هنا" ولمّا كان الباب مغلقا، لم أجد خيارا آخر غير العودة أدراجي.
- ماذا تفعلين ؟ أيضا، أنت تبكين ؟ من ماذا؟ هل أطردتك المعلّمة من القسم؟
انتحبت مطأطئة رأسي ولم أجب على أسئلته. فشدّني من يدي وتوجّه بي نحو القسم.
غادرت معلّمتي ورائي على أمل أن تلحق بي وهي في شدّة التوتّر . ولمّا رأتني أعود مع المدير، زال اضطرابها.
- ماذا يجرى ؟ سأل المدير بنبرة غاضبة.
- كنت أجاملها وأقارن بينها وبين التّلاميذ الآخرين الذين لا يعتنون بدراستهم ، رغم أنّهم من عائلات ميسورة ، ويوفّر لهم أولياؤهم كل شيء للتّعلّم بسهولة. لكنّها فهمت المقارنة على نحو خاطئ وأخذت تبكي ...
حدّق بي المدير مستغربا ...
- سيّدي المدير ، كانت تقول لهم أنّني فقيرة ، أقلّ من لا شيء و ...
- حسنًا، حسنًا. فهمت ، علّق المدير وهو يعيدني إلى مقعدي.
لمّا جلستُ ، تحدّث إلى جميع من في القسم:"إذا كنت سأقدّم تقديرا خاصّا لأحدكم، فهو لزميلتكم. لأنّها بكلّ تأكيد تمثّل استثناءا وتستحقّ كل التّشجيع. أمّا اختيار المعلّمة لها لتقدّمها كمثال أمامكم، فلأنّها تريد منكم أن تكونوا مجتهدين مثلها. واجبنا نحو كل التلاميذ في هذه المدرسة أن نعلّمكم القراءة والكتابة، ولكن أيضًا، تربيتكم وتوجيهكم نحو المعاني النبيلة والسّلوك الحسن وكل القيم والمبادئ التي تجعل منكم رجال ونساء المستقبل. والآن عودوا إلى درسكم، وسنرى في نهاية العام نتائجكم."
سمعته يقول للمعلمة حين رافقته إلى الباب:"يجب عليك الانتباه من كل ما له علاقة بفقرها ويتمها فهو يؤثر فيها بشكل كبير. حديثك عن أسرتها يسبّب لها الكثير من الآلام، إنها شديدة الحساسية، وهي الآن تفهم كلّ شيء. أفهم أنّك أردتِ الثّناء على جِدّها واجتهادها ومقارنته بمجهود بقيّة التّلاميذ ولكن كان عليك فعل ذلك بطريقة مختلفة. حاولي مواساتها وتشجيعها وتجنّب ما يشعرها بالنّقص والحرج." ثم غادر المدير مكتفيا بما فعله."

أرجو أن يكون ما اقتبسته في صلب المطروح
جمعة طيبة