هدأت الرياح والأمواج والأنواء وازدحم الحفل بالمدعويين، فقد أقبلت الكائنات جماعات، جماعات،كل حشد يعرف منزله ومنتداه .. وفي أمن وسلام وأمان وصلت قوافل الخير محملة بالزاد، من كل مالذ وطاب وشفى، وأعدت الفرش والموائد، واصطف المستقبلون، يحيون الضيوف، كل بلغته.
وانسابت سيمفونية الأمواج في نعومة ورقة ودقة لتوافق وتناعم أهازيج الطيور، وداعبت نسمائم البحر الصافية العليلة وجوه الحضور.
وفضائيات الأقمار والكواكب والنجوم والمجرات قريبة من حياض البحر، لتنقل وتسجل كاميراتها الحدث، صوتا وصورة.
وشكلت رمال الشاطيء وحصياته جملا محكمة البناء محملة بالتحايا، وبنت أشكال الفرحة الغامرة في كل المداخل والمخارج .. اكتملت الزينة، وتوافقت جزئيات النظام، وتلاقت أعين المنظمين، تمام؟ تمام!
حلقت النوارس كالنجوم محملة بالبشرى والخبر المنتظر ودقت طبول الفرح معلنة حضور البحر، فعلت أهازيج المخلوقات، ونشطت طيور الشاطيء، وطارت في تشكيلات مقروءةوواصَل الجمعُ التصفيق والتهليل.
التفت الحيتان والقروش والمرجان حول كرسي الولاية والسلطان، استعداداً لتقديم فروض الطاعة والولاء، ومعها كل الموجودات، للبحر العادل الكريم، فاهتز المشهد بلحن عتيد يأسر القلوب:

حضر البحر رافعا يمناه، يرد التحايا، ويشكر الحضور على استقبال محياه، شمل البحر المشهد، ليستقبل كل مخلوق على حده، ويقوم بواجب الضيافة، ويطمئن على سعادة الحضور، ويشرف على توزيع الهدايا والعطايا والمكافآت والأوسمة والنياشين على أصحاب المهارات والمبدعين.
دوى صوت كبير الحيتان،معلناً، كلمة سلطان الكائنات. واذا بصوت البحر يغمر الآفاق:
" بسم الله الرحمن الرحيم، خالق البحار والجبال والأنهار، طبتم وطاب مسعاكم، طعمتم الهناء والشفاء، سلمتم من العواصف والنوازل والأنواء،نتمنى لكم إقامة طيبة دائمة،
والسلام على كل من سبح ومن حام ومن عام."

يغمر البحر كرسي الولاية والسلطة.
يهدر صوت كبير القروش، معلناً، استجابة البحر للرد على أسئلة الصحافة والإعلام.
هرول الصحفيون إلى منصة المؤتمر الصحفي وحلقوا حولها في نظام وهدوء.

جان: (راديو وتلفزيون أمان) من أنت؟
البحر: أنا البحر، أنا اليم الخضم، أنا قلب الحياة وشهيقها وزفيرها، وسر أسرارها،
أنا جبال ووهاد وأمواج وأنهار، أنا مد وجزر وعمق الأعماق، أنا مدد الحياة والترياق،
أنا البحر ليس لي أحشاء، أنا مدن ودول وطرق ومرافيء وحياة،
أنا قلب نابض يحرك الحياة، أنا رئتان، أنا متنفس للإنس والجن وكل ماخلق الرحمن،
أنا البحر ليس لي معدة ولا أمعاء، أنا فطرة تُحول المطمور إلى الألماس،
وسلوا صدفاتي عن الدر والياقوت وسلوا المرجان.

جان: ماهي وظيفتك في الحياة؟
البحر: حفظ ماء الحياة، حفظ الفطرة، حفظ التوازن بين حركة الكائنات، أنا خط دفاع لرضى الله، أنا قوة الردع الخارقة لكل فعل يجلب سخط الله، فكم طمرنا من مدن حل فيها سخط الله، وسلوا تسونامي، وسلوا سفينة التيتانك،وسلوا ساندي الكاسح الماحق.
أنا جندي مكلف بعناية الرحمن، وسلوا حوت يونس عليه السلام وسفين نوح عليه السلام.
أنا أفعل خيراً . أنا أنوي خيراً . أنا مخلوق صالح، أنا أمنح حبي للجميع دون شروط ولا أنتظر شيئاً في المقابل، أنا جاهز، انا مستعد، انا أستطيع، أنا منطلق.

وبينما كانت السفينة تقترب من حضرة البحر لتقدم أسئلتها،
فوجيء الحضور برقصة الموج الرائعة،
وتشكيلاتها الفريدة، تلال وجبال ووهاد ومسطحات، وتموجات،
ثم أنهت عرضها بتعانق الأمواج

سفينة: (صحفية من جريدة أعالي البحار) هل أنت مسئول؟
البحر: مسئولية تاريخية ومستقبلية الى أن يرث الله الكون، أنا جندي مكلف،واجبي عاجل وآجل الأداء، أنا مكمل لحركة اليابسة والسماء

ملأت زغاريد الموج الآفاق، وظهر الهدهد، يرفرف في أدب، ثم قدم تحية كل الطير.

الهدهد: ماهو أسعد أيام حياتك؟
البحر: يومان، فارقان، يوم سفين نوح عليه السلام، حيث تصفرت أخلاقيات الخليقة، يومها أدركت جنديتي، وفاعليتها، بين جند الحق، يوم حملت سفينة الهواة، الهواة عمار الأرض ومستعمروها، وبناة سفين الحق، وقد احتفلت بذكراها يوم حطام التيتانك.
ويوم موسى عليه السلام وجند فرعون، الذي أغريناه، فأسرته المياه، وحنطته، ليكون رقما في المتاحف، وعبرة لكل الطغاة.
الهدهد: لمن توجه شكرك؟
البحر: أشكر الله. آه! وهل تعرف القمر، أنا أشعر له بالإمتنان، والمد والجزر شاهدان، أنا ممتن للجبال أوتاد الأرض وللإنسان معمرها ومستعمرها، ولكل المخلوقات المتعاونة في الخير وإعمار الكون.

تحركت السفن لتقدم عرضها التاريخي أمام ولي نعمتها، البحر،
هاجت الأمواج، وملأت أسراب النوارس السماء،
وبدأ عرض السفن بتشكيلات دائرية تتحول إلى مربعات ومثلثات ودوائر ثم تنسحب قطارات

ساد السكون لحظات قبل أن يتقدم طوفان من حضرة البحر.
====


====
انتبه الحضور لعرض الحيتان، انزلاق وغوص وظهور وطيران، ومنازلات ومناورات وسباق..بينما كانت النوارس تطوف أسراباً فوق رؤوس الأشهاد.
====
نوة: (راديو وتلفزيون أمواج وأنواء) متى تغضب؟
البحر: أغضب حين تدنس الفطرة، وسلوا تسونامي، والتيتانك.
أغضب لغضب خالقي، أغضب لسخط الله، مُجري الفلك ومُرسِيها.

نوة: كيف تغضب؟

البحر: لكل حدث حديث، ولكل فعل جزاء، ولكل خطر على الفطرة رد فعل رادع، ولكل كيد بشري شيطاني عقاب رباني، ونحن جند الإله، نحن جهاز الردع القوي، وسلوا تسونامي، وسلوا ساندي!!!
=====


====

====
لاحت في السماء أفواج البلابل، وشدى معها الحضور في نشوى وسعادة.
====


=====

=====

=====
زغردت الكائنات واستبشرت، فقد بدأ عرض قوارب النجاة، بالكر والفر والدفع والشد والجذب، والإقتراب والإبتعاد، وممارسة الإسعافات...
=====
الهدهد: ماعلاقة النجاح والفشل والشجاعة بالنصر؟
البحر: النصر هو الشجاعة في مواصلة النزاع بين الحق والباطل.
والشجاعة هي المحرك الفعلي للعزيمة، هي علامة الرجولة، هي قاهرة الخوف.
والنصرُ ليس نهائياً والفشلُ ليس قاتلاً.
الهدهد: هل المد والجزر عمل اختياري أم إجباري؟
البحر:عملية اختيارية مجبورون عليها لدوام جمال الحياة وسعادتها، وطهر الفطرة، فنحن حراس الفطرة، نحن مكلفون من رب الكون، والمد والجزر من وظائفنا في الكون، نحن مسيرون إلى رضى بارئنا، نحن مختارون لطاعته، نحن مجبولون على طاعة الله.
الهدهد: هل البحر ديموقراطي؟
البحر:هذا لفظ غريب على الفطرة، لاتعريف له فيها، نحن نعرف موازين الكفاية والحرية والعدل، هي البنود الأولى في دستور الفطرة، أما الديموقراطية فهي من وضعيات فلاسفة البشر، وهي ديموقراطيات وأيدلوجيات وفلسفات ليس لها ثوابت ولا نهايات.
الهدهد: هل تؤمن بالقدر؟
البحر: نعم، نعم نؤمن بالقدر، نحن أدوات القدر.
====


====

====

=====

====
شقت القروش عباب الموج آتية من الأعماق لتعرض مهاراتها في النزال والتجوال.
====


====

====

====


====