البردوني وقصيدته " أبو تمام وعروبة اليوم "

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الطيب سيد أحمد الشنهوري
    أديب وكاتب
    • 08-07-2011
    • 78

    البردوني وقصيدته " أبو تمام وعروبة اليوم "






    عبد الله البردوني
    شاعر اليمن
    وقف يصفق له نزار قباني وذهب إلى المنصة فقبله واحتضنه...
    الشاعر الذي نال جائزة أبي تمام بالموصل عام 1971

    ............................
    قبل أكثر من خمسين عاما تقريبا في بغداد تثاءب بعض الحضور في قاعة (ملتقى المربد الشعري)!!
    وأوشك آخرون على مغادرتها!
    لمّا قام شاعر يمني (كفيف البصر )
    بشعره الأجعد
    وآثار (الجدري) تكسو وجهه
    وسار بهدوء
    وهو يمسك بالرجل الذي يقوده
    وصعد إلى المنبر
    وهو يمسح أنفَه بِكُمِّ معطفِه
    مما أثار بعضا من اللغط والدهشة في القاعة التي كانت تغصُّ بجمهور حساس محب للشعر..
    تنحنحَ (عبد الله البردوني) ثم بدأ يقرأ قصيدته
    (أبو تمام وعروبة اليوم)
    والتي يعارض بها قصيدة الشاعر العباسي (حبيب بن أوس) الشهير (بأبي تمام) التي يقول في مطلعها:
    السيف أصدق إنباءً من الكتب
    في حده الحد بين الجد واللعب
    فألقى (البردوني) قصيدته بصوت أخَّاذ، جميل، وبأداء تستحقه تلك القصيدة الجميلة،فقال:
    ما أصدقَ السيف إنْ لم ينْضِهِ الكذِبُ
    وأكذبَ السيف إن لم يصدق الغضبُ
    أدهى من الجهل ، عِلْمٌ يطمئنُّ إلى
    أنصافِ ناسٍ طغوا بالعلم واغتصَبوا
    قالوا همُ البَشَرُ الأرقَى، وما أكلوا
    شيئاً ، كما أكلوا الإنسانَ أو شربوا
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    وأدهشت المفاجأة الجميع!
    ووقف الحاضرون إعجاباً وفي القوم فطاحل الشعراء أمثال: نزار قباني والبياتي وغيرهما...
    إذ لم يكن من المتوقع أنَّ رجلا كفيفا بمثل تلك الهيئة يمكن أن يُفاجئ القاعة بمثل هذه الأبيات!!!!
    وسجل (البردوني) إبداعه بأحرف من نور وهو يخاطب (أبا تمام) بقوله:
    (حبيب) وافيتٌ من صنعاء يحملني * نسرٌ وخلف ضلوعي يلهثٌ العربُ
    وعندما نزل عن المنبر ظل التصفيق يتوالى، ثم التفَّ حوله العشرات، في القاعة وفي صالة فندق الإدارة المحلية، وظل يستقبل العشرات من المعجبين، وهم يُشيدون بقصيدته، لأنه كان بحق نجمَ المهرجان.
    وبهذه القصيدة التي لم تزل حتى اليوم عالقةً في الأذهان، فتحَ الشاعر (عبد الله البردوني) أولَ باب لشهرته في المحافل الأدبية العربية وبين قراء الشعر وعشاقه...

    أترككم مع القصيدة...
    ............
    ما أَصْدَقَ السَّيْفَ! إِنْ لَمْ يُنْضِهِ الكَـذِبُ
    وَأَكْذَبَ السَّيْفَ إِنْ لَمْ يَصْـدُقِ الغَضَـبُ
    بِيضُ الصَّفَائِـحِ أَهْـدَى حِيـنَ تَحْمِلُهَـا
    أَيْـدٍ إِذَا غَلَبَـتْ يَعْلُـو بِهَـا الغَـلَـبُ
    وَأَقْبَـحَ النَّصْرِ..نَصْـرُ الأَقْوِيَـاءِ بِـلاَ
    فَهْمٍ. سِوَى فَهْمِ كَمْ بَاعُوا وَكَمْ كَسَبُـوا
    أَدْهَى مِنَ الجَهْـلِ عِلْـمٌ يَطْمَئِـنُّ إِلَـى
    أَنْصَـافِ نَاسٍ طَغَوا بِالعِلْـمِ وَاغْتَصَبُـوا
    قَالُوا: هُمُ البَشَرُ الأَرْقَـى وَمَـا أَكَلُـوا
    شَيْئَاً كَمَا أَكَلُـوا الإنْسَـانَ أَوْ شَرِبُـوا
    مَاذَا جَرَى.. يَـا أَبَـا تَمَّـامَ تَسْأَلُنِـي؟
    عَفْوَاً سَـأَرْوِي .. وَلا تَسْأَلْ .. وَمَا السَّبَبُ
    يَدْمَـى السُّـؤَالُ حَيَـاءً حِيـنَ نَسْأَلُـُه
    كَيْفَ احْتَفَتْ بِالعِدَى «حَيْفَا» أَوِ «النَّقَـبُ»
    مَنْ ذَا يُلَبِّـي؟ أَمَـا إِصْـرَارُ مُعْتَصِـمٍ؟***
    كَلاَّ وَأَخْزَى مِنَ « الأَفْشِينَ » مَـا صُلِبُـوا
    اليَوْمَ عَـادَتْ عُلُـوجُ «الـرُّومِ» فَاتِحَـةً
    وَمَوْطِـنُ العَرَبِ المَسْلُـوبُ وَالسَّلَـبُ
    مَاذَا فَعَلْنَـا؟ غَضِبْنَـا كَالرِّجَـالِ وَلَـمْ
    نصدُق وَقَدْ صَـدَقَ التَّنْجِيـمُ وَالكُتُـبُ
    وَقَاتَلَـتْ دُونَنَـا الأَبْــوَاقُ صَـامِـدَةً
    أَمَّا الرِّجَالُ فَمَاتُـوا ثَـمَّ أَوْ هَرَبُـوا
    حُكَّامُنَا إِنْ تَصَـدّوا لِلْحِمَـى اقْتَحَمُـوا
    وَإِنْ تَصَدَّى لَـهُ المُسْتَعْمِـرُ انْسَحَبُـوا
    هُمْ يَفْرُشـُونَ لِجَيْـشِ الغَـزْوِ أَعْيُنَهُـمْ
    وَيَدَّعُـونَ وُثُـوبَـاً قَـبْـلَ أَنْ يَثِـبُـوا
    الحَاكِمُونَ و«وَاشُنْـطُـنْ» حُكُومَتُـهُـمْ
    وَاللامِعُـونَ .. وَمَـا شَعَّـوا وَلا غَرَبُـوا
    القَاتِلُـونَ نُبُـوغَ الشَّـعْـبِ تَرْضِـيَـةً
    لِلْمُعْتَدِيـنَ وَمَـا أَجْدَتْـهُـمُ الـقُـرَبُ
    لَهُمْ شُمُـوخُ «المُثَنَّـى» ظَاهِـرَاً وَلَهُـمْ
    هَـوَىً إِلَـى «بَابَـك الخَرْمِـيّ» يُنْتَسَـبُ
    مَاذَا تَرَى يَا «أَبَـا تَمَّـامَ» هَـلْ كَذَبَـتْ
    أَحْسَابُنَـا؟ أَوْ تَنَاسَـى عِرْقَـهُ الذَّهَـبُ؟
    عُرُوبَـةُ اليَـوَمِ أُخْـرَى لا يَنِـمُّ عَلَـى
    وُجُودِهَـا اسْـمٌ وَلا لَـوْنٌ وَلا لَـقَـبُ
    تِسْعُونَ أَلْفَـاً « لِعَمُّـورِيَّـة َ» اتَّـقَـدُوا
    وَلِلْمُنَجِّـمِ قَـالُـوا: إِنَّـنَـاالشُّـهُـبُ
    قِيلَ: انْتِظَارَ قِطَافِ الكَرْمِ مَـا انْتَظَـرُوا
    نُضْـجَ العَنَاقِيـدِ لَكِـنْ قَبْلَهَـا الْتَهَبُـوا
    وَاليَـوْمَ تِسْعُـونَ مِلْيونَـاً وَمَـا بَلَغُـوا
    نُضْجَـاً وَقَدْ عُصِـرَ الزَّيْتُـونُ وَالعِنَـبُ
    تَنْسَى الرُّؤُوسُ العَوَالِـي نَـارَ نَخْوَتِهَـا
    إِذَاامْتَطَاهَـا إِلَـى أَسْـيَـادِهِ الـذَّنَـبُ
    «حَبِيبُ» وَافَيْتُ مِـنْ صَنْعَـاءَ يَحْمِلُنِـي
    نَسْرٌ وَخَلْفَ ضُلُوعِـي يَلْهَـثُ العَـرَبُ
    مَاذَا أُحَدِّثُ عَـنْ صَنْعَـاءَ يَـا أَبَتِـي ؟
    مَلِيحَـةٌ عَاشِقَاهَـا :السِّـلُّ وَالـجَـرَبُ
    مَاتَـتْ بِصُنْـدُوقِ «وَضَّاحٍ» بِـلا َثَمَـنٍ
    وَلَمْ يَمُتْ فِي حَشَاهَا العِشْـقُ وَالطَّـرَبُ
    كَانَتْ تُرَاقِبُ صُبْـحَ البَعْـثِ فَانْبَعَثَـتْ
    فِي الحُلْمِ ثُمَّ ارْتَمَـتْ تَغْفُـو وَتَرْتَقِـبُ
    لَكِنَّهَا رُغْمَ بُخْـلِ الغَيْـثِ مَـابَرِحَـتْ
    حُبْلَى وَفِي بَطْنِهَـا «قَحْطَـانُ» أَوْ «كَرَبُ»
    وَفِـي أَسَـى مُقْلَتَيْهَـا يَغْتَلِـي «يَمَـنٌ»
    ثَانٍ كَحُلْـمِ الصِّبَـا...يَنْـأَى وَيَقْتَـرِبُ
    «حَبِيبُ» تَسْأَلُ عَنْ حَالِي وَكَيْـفَ أَنَـا؟
    شُبَّابَـةٌ فِـي شِفَـاهِ الرِّيـحِ تَنْتَـحِـبُ
    كَانَتْ بِلاَدُكَ «رِحْلاً»، ظَهْـرَ «نَاجِيَـةٍ»
    أَمَّـا بِـلاَدِي فَلاَ ظَهْـرٌ وَلاَ غَـبَـبُ
    أَرْعَيْـتَ كُـلَّ جَدِيـبٍ لَحْـمَ رَاحِلَـةٍ
    كَانَتْ رَعَتْـهُ وَمَـاءُ الـرَّوْضِ يَنْسَكِـبُ
    وَرُحْتَ مِنْ سَفَـرٍ مُضْـنٍ إِلَـى سَفَـرٍ
    أَضْنَـى لأَنَّ طَرِيـقَ الرَّاحَـةِ التَّـعَـبُ
    لَكِنْ أَنَا رَاحِـلٌ فِـي غَيْـرِ مَـا سَفَـرٍ
    رَحْلِي دَمِي وَطَرِيقِي الجَمْرُ وَالحَطَـبُ
    إِذَا امْتَطَيْـتَ رِكَابَـاً لِلـنَّـوَى فَـأَنَـا
    فِي دَاخِلِي أَمْتَطِـي نَـارِي وَاغْتَـرِبُ
    قَبْرِي وَمَأْسَـاةُ مِيـلاَدِي عَلَـى كَتِفِـي
    وَحَوْلِـيَ العَـدَمُ المَنْفُـوخُ وَالصَّخَـبُ
    «حَبِيبُ» هَـذَا صَدَاكَ اليَـوْمَ أَنْشُـدُهُ
    لَكِـنْ لِمَـاذَا تَـرَى وَجْهِـي وَتَكْتَئِـبُ؟
    مَاذَا ؟ أَتَعْجَـبُ مِنْ شَيْبِي عَلَى صِغَـرِي؟
    إِنِّي وُلِدْتُ عَجُـوزَاً .. كَيْـفَ تَعْتَجِـبُ؟
    وَاليَـوْمَ أَذْوِي وَطَيْـشُ الفَـنِّ يَعْزِفُنِـي
    وَالأَرْبَعُـونَ عَلَـى خَــدَّيَّ تَلْتَـهِـبُ
    كَـذَا إِذَا ابْيَـضَّ إِينَـاعُ الحَيَـاةِ عَلَـى
    وَجْـهِ الأَدِيـبِ أَضَـاءَ الفِكْـرُ وَالأَدَبُ
    وَأَنْتَ مَنْ شِبْتَ قَبْـلَ الأَرْبَعِيـنَ عَلَـى
    نَـارِ «الحَمَاسَـةَ »تَجْلُوهَـا وَتَنْتَـحِـبُ
    وَتَجْتَـدِي كُـلَّ لِـصٍّ مُتْـرَفٍ هِـبَـةً
    وَأَنْتَ تُعْطِيـهِ شِعْـرَاً فَـوْقَ مَـا يَهِـبُ
    شَرَّقْتَ غَرَّبْتَ مِنْ «وَالٍ» إِلَـى «مَلِـكٍ»
    يَحُثُّـكَ الفَقْـرُ ... أَوْ يَقْتَـادُكَ الطَّلَـبُ
    طَوَّفْتَ حَتَّى وَصَلْتَ « الموصِلِ » انْطَفَأَتْ
    فِيـكَ الأَمَانِـي وَلَـمْ يَشْبـعْ لَهَـا أَرَبُ
    لَكِـنَّ مَـوْتَ المُجِيـدِ الفَـذِّ يَـبْـدَأه
    وِلادَةً مِـنْ صِبَاهَـا تَرْضَـعُ الحِقَـبُ
    «حَبِيبُ» مَـا زَالَ فِـي عَيْنَيْـكَ أَسْئِلَـةً
    تَبْـدُو... وَتَنْسَـى حِكَايَاهَـا فَتَنْتَـقِـبُ
    وَمَا تَـزَالُ بِحَلْقِـي أَلْــفُ مُبْكِـيَـةٍ
    مِنْ رُهْبـَةِ البَوْحِ تَسْتَحْيِـي وَتَضْطَـرِبُ
    يَكْفِيـكَ أَنَّ عِدَانَـا أَهْـدَرُوا دَمَـنَـا
    وَنَحْـنُ مِـنْ دَمِنَـا نَحْسُـو وَنَحْتَلِـبُ
    سَحَائِـبُ الغَـزْوِ تَشْوِينَـا وَتَحْجِبُـنَـا
    يَوْمَاً سَتَحْبَلُ مِـنْ إِرْعَادِنَـا السُّحُـبُ؟
    أَلاَ تَـرَى يَـا أَبَـا تَمَّـامَ بَارِقَـنَـا
    (إِنَّ السَّمَـاءَ تُرَجَّـى حِيـنَ تُحْتَجَـبُ)

    _________________
    التعديل الأخير تم بواسطة الطيب سيد أحمد الشنهوري; الساعة 10-11-2020, 15:01.
    حتى وإن ضاعت خطانا .. وافترقنا
    سنظل نذكر أننا ... في الحب يومًا .. قد غرقنا
    وأن الله ما شاء اقترابًا ... فابتعـــدنا
  • حسين ليشوري
    طويلب علم، مستشار أدبي.
    • 06-12-2008
    • 8016

    #2
    تحفة والله تحفة، شكرا أستاذ الطيب على هذا العرض الطيب.
    تحياتي إليك.

    sigpic
    (رسم نور الدين محساس)
    (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

    "القلم المعاند"
    (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
    "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
    و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

    تعليق

    • فاطمة الزهراء العلوي
      نورسة حرة
      • 13-06-2009
      • 4206

      #3
      شكرا أستاذ على الرفد الرائع
      ولابد من حضور ثان وثالث للاستماع والاستمتاع بهذا القصيد العميق
      تقديري لك وللشاعر الرحمة والغفران رحمه الله وغفر له
      لا خير في هاموشة تقتات على ما تبقى من فاكهة

      تعليق

      • فاطمة الزهراء العلوي
        نورسة حرة
        • 13-06-2009
        • 4206

        #4
        وهنا بتقنية الفيديو
        لا خير في هاموشة تقتات على ما تبقى من فاكهة

        تعليق

        • د/ أحمد الليثي
          مستشار أدبي
          • 23-05-2007
          • 3878

          #5
          وها هي ترجمتي لهذه القصيدة بالإنجليزية
          قصيدة عبد الله البردوني: أبو تمام وعروبة اليوم ألقاها على الحضور في الموصل عام 1971 ==== طريقة ترجمتي لهذه القصيدة مرت بثلاثة مراحل، الأولة هي ترجمتها نثرًا، ثم التعامل مع الترجمة الإنجليزية النثرية وتحويلها إلى شعر دون الالتزام ببحر شعري معين، ومع هذا The phrasing and line lengths vary slightly across stanzas, creating a
          د. أحمد الليثي
          رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
          ATI
          www.atinternational.org

          تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.
          *****
          فعِش للخيرِ ، إنَّ الخيرَ أبقى ... و ذكرُ اللهِ أَدْعَى بانشغالِـي.

          تعليق

          يعمل...
          X