قراءة في قصيدة "روح الفجر" للشاعرة رشا السيد أحمد / بقلم د.زهور بن السيد
القصيدة:
روح الفجر
روح الفجر لي أنتَ
أيا روح الفجر الشهي
بعضكَ أنا وأنت َكُلي !!
كيف لقلبكَ أن يحتفظ بزهرة الخلود
خضراء تموج بقصص السماء ؟!
تقطف من الكتب السرية زهرات النرجس حين تريد
كيف تنضدُ داخلكُ
الهندسة الكونية الحكيمة بسلاسة الضوء ؟!
وتعبر المسارب البعيدة بطرفة عين
لو أعلم كيف ترصع المسافات بشلال فجر
بينما أنت تستريح على طرف الرؤى
لو كان يعلم كلكامش
ما تَعلمُهُ لما تَعنّى مشقة الطريق
لكن بعض القلوب
يزهر أمامها الكون حقولاً كونية !!
أيها القلب الفجر والفجر القلب !
عيناك تبث الكلمات في روحي طلقات حب
تهزأ من كل طلقات الحرب !!
كأن همس عِشقكَ الإلهي يدفق في أذني غدراناً
تَتدافقُ بدمي سلسبيلا
وأطالع قلبي الغارق بفجرِ كَأنُّكَ حتى أبعد الرؤى
فأبتهل لربي لبديع آيُ فيكَ انسكبت
تدهشني أيها الفجر
لا تنسى الله في قمة اللحظة !!
تقول هي من آيات ربي العظام لمن يفقه المعنى
أرشف بَيانُكَ
كؤوس سكينة و سكنى ومستقر
أيها القصي
مضرجة باللهفة أنا مرصعة بالحنين
و روحك تفاحة تغوني
فأحلق بين عيون النجوم قصياً
لأشاهد في داخلي ..
طاقة يحتويها قلب شاعرة
كيف تظل محتفظة بريحان الحب داخلها
لفجر باذخ النور من أمام الأمام أهلَّ
آراه رغم قصي المسافات
دردشاتك بأذني أقراط ترن
أحداها
تقول :
(( أنت فتنتي يا ألرشا ...........
هاقد كَدَمتِ الضِلع مني ضُلعَةً ونبثتِ في لبِّ الجنان هواكِ
قَد ثَلَّت الأيدي اللئمة ُ بقلبي معبدا وتيممت بدمي لَأم مأواك ))
وتقول ألرشا
"ما أنا إلا ضلعٌ مِنكَ ضُلِعتْ فكانتْ بِضعُكَ وكنت لي الكل
فسبحان من بالروح سَكبكَ وسُبحانَ من لأرضي مطرٌ سَواكَ
حللت بالروح فكنت منها سرَ السرورِ وكنت سُكنى تَلقاك َ "
ويتداعي الياسمين من أمامي !!!
وسيل زمرد من شعرُكَ بي يجري يفتح بوابات الكون السرية
ما القوة الجاذبة فيك رغم البعد
؟!
هي هبة السماء
يا سيدة المعبد فابتهلي
الله الله
ويح قلبي في بعدك كم يعاني .
درزدن / ألمانيا
الخميس
19. 10 . 2017
القراءة:
تطالعنا قصيدة الشاعرة رشا السيد أحمد بعنوان لا يمكن بأي حال تخطيه وتجاوزه دون تأمله وتحديد أبعاده, إذ يعتبر مفتاحا أساسيا لولوج عالم النص. لقد اختارت الشاعرة عنوانا له وقع خاص على القارئ لما يحمله من نفحات صوفية: "روح الفجر".
فالعنوان تركيب إضافي, أضيفت فيه كلمة "الفجر" إلى كلمة "روح" ما يدل على أن كلمة "روح" لها دلالة محورية في العنوان وفي القصيدة ككل, فالروح هي الجوهر والكينونة, هي أصل وسبب الحياة..
إن كلمة "روح" وإن كانت عصية على التحديد الدقيق بسبب غيبيتها وتجاوزها لحدود الإدراك العقلي البشري, انطلاقا من قول الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) إلا أنها أقرب الأشياء إلى الذوات, وتحيل إلى دلالات متعددة منها: الجوهر وسبب الحياة والنقاء والطهارة إضافة إلى دلالة الخلود بعد فناء الجسد, ومن خصائصها التجرد.
ترتبط الروح بالجسد, تمنحه الحياة, إلا أننا في عنوان القصيدة نجدها متعلقة بشيء آخر غير الجسد, فهي ترتبط وتحل بالفجر. وكلمة "الفجر" في معناها اللغوي: زمن بداية النهار وأوله وتحيلنا الكلمة إلى معنى مقدس, فهو الزمن المستحب للصلاة والدعاء .., ويرمز للنقاء والصفاء والولادة والتجديد...
وبهذا فالعنوان تعبير مجازي يحمل أبعادا رمزية قوية ذات دلالات صوفية عميقة. ولا تتأخر الشاعرة طويلا ليتأكد أننا بفضاء صوفي محض, حين تعلن منذ السطر الشعري الأول بنوع من البوح الشفيف عن حالة العشق التي تعيشها, هو عشق خاص وفريد من نوعه, يتبوأ فيه المعشوق مكانة عالية في النفس, وذلك حين تصفه بأنه هو روح الفجر بالنسبة لها. تقول في بداية القصيدة:
"روح الفجر لي أنت"
وهي بداية أيضا غير عادية, خاصة وأنها مرفقة بنداء كله ابتهالات صوفية:
أيا روح الفجر الشهي
بعضك أنا وأنت كلي
تبوئه مكانة الاكتمال, فهو المشتهى, هي بعضه وهو كلها, يتحقق التداخل الروحي, فلا وجود للنفس وللذات المستقلة عنه, هي الجزء وهو الكل.
ومن هنا يتضح منذ البداية أن الرؤية لا تتحقق بالحواس المعروفة وإنما بالروح, يدعمها الخيال.
الحبيب يبلغ المراتب العليا بما يتميز به عن الناس, فهو روح الفجر في نفس المحبوبة, يحتفظ بزهرة الخلود, يكتسب المعارف من الكتب السرية, يتحقق له أن يعبر المسارب البعيدة بطرفة عين, يستريح على طرف الرؤى, تأتيه المعارف طيعة بلا مشقة, ويتميز أيضا بأنه من القلوب الخاصة المصطفاة, تقول الشاعرة:
كيف لقلبكَ أن يحتفظ بزهرة الخلود
خضراء تموج بقصص السماء ؟!
تقطف من الكتب السرية زهرات النرجس حين تريد
كيف تنضدُ داخلكُ
الهندسة الكونية الحكيمة بسلاسة الضوء ؟!
وتعبر المسارب البعيدة بطرفة عين
لو أعلم كيف ترصع المسافات بشلال فجر
بينما أنت تستريح على طرف الرؤى
لو كان يعلم كلكامش
ما تَعلمُهُ لما تَعنّى مشقة الطريق
لكن بعض القلوب
يزهر أمامها الكون حقولاً كونية !!
وتعود الشاعرة للنداء بالمناجاة: (أيها القلب الفجر والفجر القلب) لافرق بين قلب العاشق والفجر, يتماهيان, وفي تماهيهما لا يكون إلا النور والصفاء والعذوبة.
الشاعرة تجلل هذا العشق وتعظمه ما يضفي عليه هالة من التقديس والروحانية, فهو منزه وراق فمصدره إلهي, هبة من الله. وهكذا ترتقي الشاعرة بتجربتها الوجدانية إلى مصاف العشق الصوفي النوراني, وهي راضية, والرضى غاية صوفية كبرى.
تقول:
عيناك تبث الكلمات في روحي طلقات حب
تهزأ من كل طلقات الحرب
كأن همس عشقك الإلهي يدفق في أذني غدرانا
تتدافق بدمي سلسبيلا
ولأن البطلة العاشقة حققت الإشباع الروحي بنور عشقها الذي يحيط بها ويملؤها, لم يتبق إلا الثناء والابتهال إلى الله بالشكر على هذا المعشوق الذي تمثلت فيه أية من آيات الله عز وجل, ترشف بيانه, فكان لها السكينة والسكنى والمستقر, تقول:
وأطالع قلبي الغارق بفجرِ كَأنُّكَ حتى أبعد الرؤى
فأبتهل لربي لبديع آيُ فيكَ انسكبت
تدهشني أيها الفجر
لا تنسى الله في قمة اللحظة !!
تقول هي من آيات ربي العظام لمن يفقه المعنى
أرشف بَيانُكَ
كؤوس سكينة و سكنى ومستقر
تعود بعد سكرة هذا العشق وتعلن معاناتها بسبب البعد والمسافة التي تفرق بينهما, تكابد الشوق والحنين, فروحه غوايتها, لذلك تحلق وتنتقي لنفسها مكانا قصيا بين النجوم يحقق لها المشاهدة الروحية والداخلية التي تختلف عن المشاهدة المباشرة السطحية. فالشاعرة تتميز عن العامة بقلبها العاشق الذي يحتوي طاقة عشقية هائلة تمكنها من إلغاء المسافة ومشاهدته عميقا في روحها. تقول الشاعرة:
أيها القصي
مضرجة باللهفة أنا مرصعة بالحنين
و روحك تفاحة تغوني
فأحلق بين عيون النجوم قصياً
لأشاهد في داخلي ..
أما هذا الوصل الفريد فيتحقق على عدة مستويات ومظاهر, ففجره باذخ النور تتحقق رؤيته على مسافة بعيدة جدا, وصوته مستقر في أذنيها لا يفارقها كالأقراط:
طاقة يحتويها قلب شاعرة
كيف تظل محتفظة بريحان الحب داخلها
لفجر باذخ النور من أمام الأمام أهلَّ
آراه رغم قصي المسافات
دردشاتك بأذني أقراط ترن
مستحضرة أحد حواراتهما العشقية الأخاذة, وختمت قصيدتها بمعاناتها في البعد, وكأن قدر العشاق هو البعد والمنعاناة والمكابدة, تقول:
الله الله
ويح قلبي في بعدك كم يعاني.
إن المعاني والدلالات الكامنة في القصيدة احتواها قالب فني أساسه اللغة الشعرية والتصوير, شكلتهما يد شاعرة متمكنة من أدوات التعبير الشعري.
تجعل الشاعرة من الزمن (الفجر) رمزا ومكونا دلاليا وجزءا من البناء الفني للصورة. إن خيال الشاعرة واسع, فقد تمكنت ببراعة إبداعية من أن تصهر في بوتقة الصورة مكونات وعناصر مختلفة, وخلقت لها فضاء تفاعلت فيه بشكل مذهل, فالصورة الشعرية المشكلة من مكونات الروح والخيال والمشاعر والنفحات الصوفية, تكتنز معان ودلالات خصبة تكشف عما يغمر النفس من مشاعر روحية عميقة.
تعبر الشاعرة رشا اهلا السيد أحمد عن تجربتها الذاتية الوجدانية بمقومات شعرية كبيرة, تتداخل فيها عناصر متعددة: العواطف والمشاعر واللغة والفكر والمعرفة المتنوعة والخيال, فالقصيدة تستبطن الذات من الداخل, موضوعها حالة عشقية فريدة وساطعة كالنور.
لقد أخذتنا الشاعرة إلى عالمها الشعري بسلاسة وتدرج في الإفصاح عن عشقها بمنتهى الروحانية والحلم, سالكة بنا سبيل التصوف والخيال والمعرفة, فكانت المتعة الفنية والروحية.
القصيدة:
روح الفجر
روح الفجر لي أنتَ
أيا روح الفجر الشهي
بعضكَ أنا وأنت َكُلي !!
كيف لقلبكَ أن يحتفظ بزهرة الخلود
خضراء تموج بقصص السماء ؟!
تقطف من الكتب السرية زهرات النرجس حين تريد
كيف تنضدُ داخلكُ
الهندسة الكونية الحكيمة بسلاسة الضوء ؟!
وتعبر المسارب البعيدة بطرفة عين
لو أعلم كيف ترصع المسافات بشلال فجر
بينما أنت تستريح على طرف الرؤى
لو كان يعلم كلكامش
ما تَعلمُهُ لما تَعنّى مشقة الطريق
لكن بعض القلوب
يزهر أمامها الكون حقولاً كونية !!
أيها القلب الفجر والفجر القلب !
عيناك تبث الكلمات في روحي طلقات حب
تهزأ من كل طلقات الحرب !!
كأن همس عِشقكَ الإلهي يدفق في أذني غدراناً
تَتدافقُ بدمي سلسبيلا
وأطالع قلبي الغارق بفجرِ كَأنُّكَ حتى أبعد الرؤى
فأبتهل لربي لبديع آيُ فيكَ انسكبت
تدهشني أيها الفجر
لا تنسى الله في قمة اللحظة !!
تقول هي من آيات ربي العظام لمن يفقه المعنى
أرشف بَيانُكَ
كؤوس سكينة و سكنى ومستقر
أيها القصي
مضرجة باللهفة أنا مرصعة بالحنين
و روحك تفاحة تغوني
فأحلق بين عيون النجوم قصياً
لأشاهد في داخلي ..
طاقة يحتويها قلب شاعرة
كيف تظل محتفظة بريحان الحب داخلها
لفجر باذخ النور من أمام الأمام أهلَّ
آراه رغم قصي المسافات
دردشاتك بأذني أقراط ترن
أحداها
تقول :
(( أنت فتنتي يا ألرشا ...........
هاقد كَدَمتِ الضِلع مني ضُلعَةً ونبثتِ في لبِّ الجنان هواكِ
قَد ثَلَّت الأيدي اللئمة ُ بقلبي معبدا وتيممت بدمي لَأم مأواك ))
وتقول ألرشا
"ما أنا إلا ضلعٌ مِنكَ ضُلِعتْ فكانتْ بِضعُكَ وكنت لي الكل
فسبحان من بالروح سَكبكَ وسُبحانَ من لأرضي مطرٌ سَواكَ
حللت بالروح فكنت منها سرَ السرورِ وكنت سُكنى تَلقاك َ "
ويتداعي الياسمين من أمامي !!!
وسيل زمرد من شعرُكَ بي يجري يفتح بوابات الكون السرية
ما القوة الجاذبة فيك رغم البعد
؟!
هي هبة السماء
يا سيدة المعبد فابتهلي
الله الله
ويح قلبي في بعدك كم يعاني .
درزدن / ألمانيا
الخميس
19. 10 . 2017
القراءة:
تطالعنا قصيدة الشاعرة رشا السيد أحمد بعنوان لا يمكن بأي حال تخطيه وتجاوزه دون تأمله وتحديد أبعاده, إذ يعتبر مفتاحا أساسيا لولوج عالم النص. لقد اختارت الشاعرة عنوانا له وقع خاص على القارئ لما يحمله من نفحات صوفية: "روح الفجر".
فالعنوان تركيب إضافي, أضيفت فيه كلمة "الفجر" إلى كلمة "روح" ما يدل على أن كلمة "روح" لها دلالة محورية في العنوان وفي القصيدة ككل, فالروح هي الجوهر والكينونة, هي أصل وسبب الحياة..
إن كلمة "روح" وإن كانت عصية على التحديد الدقيق بسبب غيبيتها وتجاوزها لحدود الإدراك العقلي البشري, انطلاقا من قول الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) إلا أنها أقرب الأشياء إلى الذوات, وتحيل إلى دلالات متعددة منها: الجوهر وسبب الحياة والنقاء والطهارة إضافة إلى دلالة الخلود بعد فناء الجسد, ومن خصائصها التجرد.
ترتبط الروح بالجسد, تمنحه الحياة, إلا أننا في عنوان القصيدة نجدها متعلقة بشيء آخر غير الجسد, فهي ترتبط وتحل بالفجر. وكلمة "الفجر" في معناها اللغوي: زمن بداية النهار وأوله وتحيلنا الكلمة إلى معنى مقدس, فهو الزمن المستحب للصلاة والدعاء .., ويرمز للنقاء والصفاء والولادة والتجديد...
وبهذا فالعنوان تعبير مجازي يحمل أبعادا رمزية قوية ذات دلالات صوفية عميقة. ولا تتأخر الشاعرة طويلا ليتأكد أننا بفضاء صوفي محض, حين تعلن منذ السطر الشعري الأول بنوع من البوح الشفيف عن حالة العشق التي تعيشها, هو عشق خاص وفريد من نوعه, يتبوأ فيه المعشوق مكانة عالية في النفس, وذلك حين تصفه بأنه هو روح الفجر بالنسبة لها. تقول في بداية القصيدة:
"روح الفجر لي أنت"
وهي بداية أيضا غير عادية, خاصة وأنها مرفقة بنداء كله ابتهالات صوفية:
أيا روح الفجر الشهي
بعضك أنا وأنت كلي
تبوئه مكانة الاكتمال, فهو المشتهى, هي بعضه وهو كلها, يتحقق التداخل الروحي, فلا وجود للنفس وللذات المستقلة عنه, هي الجزء وهو الكل.
ومن هنا يتضح منذ البداية أن الرؤية لا تتحقق بالحواس المعروفة وإنما بالروح, يدعمها الخيال.
الحبيب يبلغ المراتب العليا بما يتميز به عن الناس, فهو روح الفجر في نفس المحبوبة, يحتفظ بزهرة الخلود, يكتسب المعارف من الكتب السرية, يتحقق له أن يعبر المسارب البعيدة بطرفة عين, يستريح على طرف الرؤى, تأتيه المعارف طيعة بلا مشقة, ويتميز أيضا بأنه من القلوب الخاصة المصطفاة, تقول الشاعرة:
كيف لقلبكَ أن يحتفظ بزهرة الخلود
خضراء تموج بقصص السماء ؟!
تقطف من الكتب السرية زهرات النرجس حين تريد
كيف تنضدُ داخلكُ
الهندسة الكونية الحكيمة بسلاسة الضوء ؟!
وتعبر المسارب البعيدة بطرفة عين
لو أعلم كيف ترصع المسافات بشلال فجر
بينما أنت تستريح على طرف الرؤى
لو كان يعلم كلكامش
ما تَعلمُهُ لما تَعنّى مشقة الطريق
لكن بعض القلوب
يزهر أمامها الكون حقولاً كونية !!
وتعود الشاعرة للنداء بالمناجاة: (أيها القلب الفجر والفجر القلب) لافرق بين قلب العاشق والفجر, يتماهيان, وفي تماهيهما لا يكون إلا النور والصفاء والعذوبة.
الشاعرة تجلل هذا العشق وتعظمه ما يضفي عليه هالة من التقديس والروحانية, فهو منزه وراق فمصدره إلهي, هبة من الله. وهكذا ترتقي الشاعرة بتجربتها الوجدانية إلى مصاف العشق الصوفي النوراني, وهي راضية, والرضى غاية صوفية كبرى.
تقول:
عيناك تبث الكلمات في روحي طلقات حب
تهزأ من كل طلقات الحرب
كأن همس عشقك الإلهي يدفق في أذني غدرانا
تتدافق بدمي سلسبيلا
ولأن البطلة العاشقة حققت الإشباع الروحي بنور عشقها الذي يحيط بها ويملؤها, لم يتبق إلا الثناء والابتهال إلى الله بالشكر على هذا المعشوق الذي تمثلت فيه أية من آيات الله عز وجل, ترشف بيانه, فكان لها السكينة والسكنى والمستقر, تقول:
وأطالع قلبي الغارق بفجرِ كَأنُّكَ حتى أبعد الرؤى
فأبتهل لربي لبديع آيُ فيكَ انسكبت
تدهشني أيها الفجر
لا تنسى الله في قمة اللحظة !!
تقول هي من آيات ربي العظام لمن يفقه المعنى
أرشف بَيانُكَ
كؤوس سكينة و سكنى ومستقر
تعود بعد سكرة هذا العشق وتعلن معاناتها بسبب البعد والمسافة التي تفرق بينهما, تكابد الشوق والحنين, فروحه غوايتها, لذلك تحلق وتنتقي لنفسها مكانا قصيا بين النجوم يحقق لها المشاهدة الروحية والداخلية التي تختلف عن المشاهدة المباشرة السطحية. فالشاعرة تتميز عن العامة بقلبها العاشق الذي يحتوي طاقة عشقية هائلة تمكنها من إلغاء المسافة ومشاهدته عميقا في روحها. تقول الشاعرة:
أيها القصي
مضرجة باللهفة أنا مرصعة بالحنين
و روحك تفاحة تغوني
فأحلق بين عيون النجوم قصياً
لأشاهد في داخلي ..
أما هذا الوصل الفريد فيتحقق على عدة مستويات ومظاهر, ففجره باذخ النور تتحقق رؤيته على مسافة بعيدة جدا, وصوته مستقر في أذنيها لا يفارقها كالأقراط:
طاقة يحتويها قلب شاعرة
كيف تظل محتفظة بريحان الحب داخلها
لفجر باذخ النور من أمام الأمام أهلَّ
آراه رغم قصي المسافات
دردشاتك بأذني أقراط ترن
مستحضرة أحد حواراتهما العشقية الأخاذة, وختمت قصيدتها بمعاناتها في البعد, وكأن قدر العشاق هو البعد والمنعاناة والمكابدة, تقول:
الله الله
ويح قلبي في بعدك كم يعاني.
إن المعاني والدلالات الكامنة في القصيدة احتواها قالب فني أساسه اللغة الشعرية والتصوير, شكلتهما يد شاعرة متمكنة من أدوات التعبير الشعري.
تجعل الشاعرة من الزمن (الفجر) رمزا ومكونا دلاليا وجزءا من البناء الفني للصورة. إن خيال الشاعرة واسع, فقد تمكنت ببراعة إبداعية من أن تصهر في بوتقة الصورة مكونات وعناصر مختلفة, وخلقت لها فضاء تفاعلت فيه بشكل مذهل, فالصورة الشعرية المشكلة من مكونات الروح والخيال والمشاعر والنفحات الصوفية, تكتنز معان ودلالات خصبة تكشف عما يغمر النفس من مشاعر روحية عميقة.
تعبر الشاعرة رشا اهلا السيد أحمد عن تجربتها الذاتية الوجدانية بمقومات شعرية كبيرة, تتداخل فيها عناصر متعددة: العواطف والمشاعر واللغة والفكر والمعرفة المتنوعة والخيال, فالقصيدة تستبطن الذات من الداخل, موضوعها حالة عشقية فريدة وساطعة كالنور.
لقد أخذتنا الشاعرة إلى عالمها الشعري بسلاسة وتدرج في الإفصاح عن عشقها بمنتهى الروحانية والحلم, سالكة بنا سبيل التصوف والخيال والمعرفة, فكانت المتعة الفنية والروحية.
تعليق