ذهـب مع الريح
عندما قررت إدارة " جامعة الآداب والعلوم الإنسانية " بالبيضاء في بداية التسعينيات ,اختتام الأسبوع الثقافي المدرج كل سنة , بعرض فيلم"حلاق درب الفقراء " للمخرج "محمد الركاب". تعمدت حضور كل اللقاءات , والمحاضرات ، أترقب وصوله بفارغ الصبر.
ومن خلف أعمدة تخيلات كثيرة ، وضعت " الرجل " في عدة صور..أكثرها إبداعا في المخيلة نظارة سوداء ، و" ليموزين" فارهة بمساحة حي بالمدينة "القديمة" ، وجملة من رجالات النظارات السوداء ، والنظرات الثاقبة التي تبعدك أمتارا عن رجلهم المحمي " الستار"..
هكذا تخيلته...
امتلأ المدرج عن آخره ذلك المساء ، ولفحات ديسمبر الباردة تتجمع في المكان دفئا جميلا ،بين كل الأحبة والأساتذة ،وكل الأطر الذين حضروا نهاية هذا العرس الثقافي الجميل.
أخذت مقعدا أماميا منذ إشراقة الضحى , حتى أتفرس بإمعان وجه " محمد الركاب" ، مصحوبة بكاميرا صغيرة ، صورة للذكرى ودفترا خاصا لتوقيعه عليه. وأيضا ليسهل علي اللحاق به متى انتهى العرض.
انطفأتِ الأضواءُ وأسدلت الستائر وبدأ العرض..ومابين الفينة والفينة حين تنفرج صورة لمشهد, ما , تقترب مني صورته رويدا رويدا..
أعلنتِ التصفيقاتُ الحارة بداية المناقشة وأشْعـِلـَتْ من جديد كل أضواء المدرج
ها هو "محمد الركاب" بكامل صورته..طيب وبسيط للغاية..
تحاملت عليه أسئلة ..فتتت كل جوانب الفيلم لم أكن راضية على بعض المشاهد .رفعت صوتي عنوة ، فاخترق جدارات الصالة..طلبوا مني إبعاد " الميكرفون " نهائيا بحجة أ:ن الصوت واضح.
كان يكتب شيئا على الورقة دون أن يرفع رأسه إلي.. وتوالت الأسئلة والأجوبة والنقاش
وتلتها تصفيقات ثم توزيع الشاي والحلويات ..وأخذ صور للذكرى
وأنا أستعد للخروج سمعت صوته :
"آنستي ..هل تعملين في حقل الإعلام ؟ الصحافة" هل أنت في الميدان الفني السينمائي..؟
" أنا؟..لا لا
قلت مرتجفة..فقط لدي ميول للنقد..
" طيب هذا عنواني ..أتمنى أن تزوريني ..لدي أشياء كثيرة أود مناقشتكـِ فيها.. إلى اللقاء.
كدت أقول له طبعا سأكون حتى قبل الموعد..
ولكنني أحجمت عن ذلك وتعمدت الرزانة
"إلى اللقاء أستاذ .. إن شاء الله..
كدتُ أطير من الفرح . أخبرتُ الجميعَ وطلبت من صديقتي أن ترافقني / ربما أردت أن تحضر معي لحظة " تاريخية " ستسجلني شيئا آخر..
ذهبت وصديقتي إليه...
كان بيته تحفة فنية رائعة .مصمم بروعة المبدع وبريشة تماوجت ألوانها وهندستها في اختيار الألوان واللوحات الرائعة ، مع بساطة منقطعة النظير
تبادلنا التحية وشربنا شاي اللقاء
"اسمعي " فاطمة " أريدك أن تعملي معنا في الحقل السينمائي..لديك قدرة على استخراج ما لا تستطيعه الصورة أحيانا...لدي بعض الأصدقاء في الصحف المحلية ..سَأدرِجُ اسمكـِ وستتعرفين عليهم..ستكتبين مقالاتكـْ في ركن خاص بالفن السابع..
تمتمتُ تقريبا.. أريد كأس ماء سيدي من فضلكـَ ...
"طيب لك أسبوع كامل لتستشيري نفسكـِ , إذا كنت قادرة على ذلك..ونوقع العقد "
شكرته وخرجت تحملني كلمات صديقتي المشجعة
ثم الاتفاق بعد أسبوع ..وأرْسـِلَ ملفي إلى إدارة الهيئة الفنية, بالمدينة , في انتظار تسليم العقد وإمضاء المعنيين..
لم أنم ..طوال أسبوع لم أنم
رأيتُ كل الأفلام ..استمعتُ ألف مرة إالى تسجيلات الصحفيين..سجلت صوتي عبر مسجل صغير ..كرهت صوتي حد الحب وأحببته حد الكره.. وكثير من إحساسات متناقضة أتذكرها الآن ..بنفس تلك التناقضات
وجاء اليوم الموعود وذهبت
كنت أصعد السلالم أربع أربع..وحين وصلت ُ باب الشقة ، أخذت نفسا عميقا ورتبت هندامي ، ثم رسمت ابتسامة لقاءوأنا اطرق الباب
للمرة الثانية والثالثة..لم أعد اذكر كم من مرة...
حين
انفتح باب الجار من هناك في الواجهة المقابلة
" سيدتي..الأستاذ ليس موجودا ..نـُقـِل البارحة إلى المستشفى ..إثر نوبة قلبية..توفي هناكـ..
كان رجلا...
نزلت السلالم ، هذه المرة واحدة واحدة ، وصوت الجار يـُتـِم الحكايةَ ، وحلم احتضر في أروقة زمن رديء وقـَدر يضيق الخناق
جاءتني رسالة من الهيئة السينمائية بمدينتي تعلنني عضو وتخبرني حب واحترام الأستاذ " الركاب"..
لكنني كنت قد رحلت من البلاد بأكملها ..
زهراء :ذات سنة فات فيها الميعاد ُ
عندما قررت إدارة " جامعة الآداب والعلوم الإنسانية " بالبيضاء في بداية التسعينيات ,اختتام الأسبوع الثقافي المدرج كل سنة , بعرض فيلم"حلاق درب الفقراء " للمخرج "محمد الركاب". تعمدت حضور كل اللقاءات , والمحاضرات ، أترقب وصوله بفارغ الصبر.
ومن خلف أعمدة تخيلات كثيرة ، وضعت " الرجل " في عدة صور..أكثرها إبداعا في المخيلة نظارة سوداء ، و" ليموزين" فارهة بمساحة حي بالمدينة "القديمة" ، وجملة من رجالات النظارات السوداء ، والنظرات الثاقبة التي تبعدك أمتارا عن رجلهم المحمي " الستار"..
هكذا تخيلته...
امتلأ المدرج عن آخره ذلك المساء ، ولفحات ديسمبر الباردة تتجمع في المكان دفئا جميلا ،بين كل الأحبة والأساتذة ،وكل الأطر الذين حضروا نهاية هذا العرس الثقافي الجميل.
أخذت مقعدا أماميا منذ إشراقة الضحى , حتى أتفرس بإمعان وجه " محمد الركاب" ، مصحوبة بكاميرا صغيرة ، صورة للذكرى ودفترا خاصا لتوقيعه عليه. وأيضا ليسهل علي اللحاق به متى انتهى العرض.
انطفأتِ الأضواءُ وأسدلت الستائر وبدأ العرض..ومابين الفينة والفينة حين تنفرج صورة لمشهد, ما , تقترب مني صورته رويدا رويدا..
أعلنتِ التصفيقاتُ الحارة بداية المناقشة وأشْعـِلـَتْ من جديد كل أضواء المدرج
ها هو "محمد الركاب" بكامل صورته..طيب وبسيط للغاية..
تحاملت عليه أسئلة ..فتتت كل جوانب الفيلم لم أكن راضية على بعض المشاهد .رفعت صوتي عنوة ، فاخترق جدارات الصالة..طلبوا مني إبعاد " الميكرفون " نهائيا بحجة أ:ن الصوت واضح.
كان يكتب شيئا على الورقة دون أن يرفع رأسه إلي.. وتوالت الأسئلة والأجوبة والنقاش
وتلتها تصفيقات ثم توزيع الشاي والحلويات ..وأخذ صور للذكرى
وأنا أستعد للخروج سمعت صوته :
"آنستي ..هل تعملين في حقل الإعلام ؟ الصحافة" هل أنت في الميدان الفني السينمائي..؟
" أنا؟..لا لا
قلت مرتجفة..فقط لدي ميول للنقد..
" طيب هذا عنواني ..أتمنى أن تزوريني ..لدي أشياء كثيرة أود مناقشتكـِ فيها.. إلى اللقاء.
كدت أقول له طبعا سأكون حتى قبل الموعد..
ولكنني أحجمت عن ذلك وتعمدت الرزانة
"إلى اللقاء أستاذ .. إن شاء الله..
كدتُ أطير من الفرح . أخبرتُ الجميعَ وطلبت من صديقتي أن ترافقني / ربما أردت أن تحضر معي لحظة " تاريخية " ستسجلني شيئا آخر..
ذهبت وصديقتي إليه...
كان بيته تحفة فنية رائعة .مصمم بروعة المبدع وبريشة تماوجت ألوانها وهندستها في اختيار الألوان واللوحات الرائعة ، مع بساطة منقطعة النظير
تبادلنا التحية وشربنا شاي اللقاء
"اسمعي " فاطمة " أريدك أن تعملي معنا في الحقل السينمائي..لديك قدرة على استخراج ما لا تستطيعه الصورة أحيانا...لدي بعض الأصدقاء في الصحف المحلية ..سَأدرِجُ اسمكـِ وستتعرفين عليهم..ستكتبين مقالاتكـْ في ركن خاص بالفن السابع..
تمتمتُ تقريبا.. أريد كأس ماء سيدي من فضلكـَ ...
"طيب لك أسبوع كامل لتستشيري نفسكـِ , إذا كنت قادرة على ذلك..ونوقع العقد "
شكرته وخرجت تحملني كلمات صديقتي المشجعة
ثم الاتفاق بعد أسبوع ..وأرْسـِلَ ملفي إلى إدارة الهيئة الفنية, بالمدينة , في انتظار تسليم العقد وإمضاء المعنيين..
لم أنم ..طوال أسبوع لم أنم
رأيتُ كل الأفلام ..استمعتُ ألف مرة إالى تسجيلات الصحفيين..سجلت صوتي عبر مسجل صغير ..كرهت صوتي حد الحب وأحببته حد الكره.. وكثير من إحساسات متناقضة أتذكرها الآن ..بنفس تلك التناقضات
وجاء اليوم الموعود وذهبت
كنت أصعد السلالم أربع أربع..وحين وصلت ُ باب الشقة ، أخذت نفسا عميقا ورتبت هندامي ، ثم رسمت ابتسامة لقاءوأنا اطرق الباب
للمرة الثانية والثالثة..لم أعد اذكر كم من مرة...
حين
انفتح باب الجار من هناك في الواجهة المقابلة
" سيدتي..الأستاذ ليس موجودا ..نـُقـِل البارحة إلى المستشفى ..إثر نوبة قلبية..توفي هناكـ..
كان رجلا...
نزلت السلالم ، هذه المرة واحدة واحدة ، وصوت الجار يـُتـِم الحكايةَ ، وحلم احتضر في أروقة زمن رديء وقـَدر يضيق الخناق
جاءتني رسالة من الهيئة السينمائية بمدينتي تعلنني عضو وتخبرني حب واحترام الأستاذ " الركاب"..
لكنني كنت قد رحلت من البلاد بأكملها ..
زهراء :ذات سنة فات فيها الميعاد ُ
تعليق