تعريف الدين.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسين ليشوري
    طويلب علم، مستشار أدبي.
    • 06-12-2008
    • 8016

    تعريف الدين.

    يطيب لي أن أنقل إلى الإخوة و الأخوات المهتمين بهذا لموضوع الخطير المقالة القيمة التي يتناول فيها كاتبها تعريف الدين لغة و اصطلاحا و مفهموما عساهم يستفيدون منها للخروج من "أزمة" مفهوم الدين و "إشكالية" صفة الدينية.
    و المقالة موجودة في الرابط التالي و لم أتدخل فيها إلا بتقليص المساحات بين الفقرات ووضع علامات الترقيم العربية المناسبة (،)، وحذف العلامات الإفرنجية (,)، كما أنني وضعت [كذا] للدلالة أنني هكذا وجدت الكلمة مكتوبة ولم أتدخل بتصحيحا.
    http://www.alagidah.com/vb/showthread.php?t=572
    و قراءة ممتعة و مفيدة إن شاء الله تعالى.
    -=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-

    بسم الله الرحمن الرحيم

    التعريف بمصطلح الدين
    المطلب الأول:
    المعنى اللغوي لكلمة الدين:
    الدين بكسر الدال المهملة، له معاني [كذا] واستعمالات كثيرة في اللغة، أهمها:
    1 ـ الجزاء والمكافئة والحساب: تقول: دنته بفعله ديناً أي جزيته، وفي الحديث: (كما تدين تدان)[1]. أي: كما تفعل يفعل بك. و من هذا قول الله تعالى: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)[2]، و قوله تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ)[3]، وقوله تعالى: (أَئِنَّا لَمَدِينُونَ)[4] أي مجزيون محاسبون، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليدين للجماء من ذات القرن" أي: يقتص ويجزي.[5] وفي الجزاء قوله: (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)[6] أي ذلك الحساب الصحيح والعدد المستوي.
    وقوله صلى الله عليه وسلم: (الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ).[7]
    2ـ العادة و الشأن والحال: تقول العرب" ما زال ذلك ديني وديدني"، و فسر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الكيس من دان نفسه" بمن عود نفسه وبالعمل والطاعة، لاحتمال ذلك في اللغة.
    أما عن الحال قال النظر بن شميل: "سألت أعرابيا عن شيء فقال: لو لقيتني على دين غير هذه الحالة لأخبرتك"[8].
    3 ـ الذل والانقياد والطاعة والعبادة والخضوع: يقال دنته ودنت له أي: أطعته ويقال: دان بكذا ديانة وتدين به فهو ديـِّن ومتدين.[9] وهو أصل المعنى وبهذا سميت الشريعة دينا، ومن هذا قول اله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ)[10] وقوله تعالى: (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[11]، وقوله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)[12]؛ قال الزبيدي: "فإن ذلك لا يكون في الحقيقة إلا بالإخلاص والإخلاص لا فيه الإخلاص".[13]
    4 ـ ويطلق الدين على الإسلام[14]: و من هذا قول الله تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ)[15] يعني الإسلام، و قول الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ)[16]، وقول الله تعالى: (وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ)[17] وقوله تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ)[18]، و منه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد"[19]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فدينهم واحد، هو عبادة الله وحده لا شريك له، وهو يعبد في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت، وذلك هو دين الاسلام في ذلك الوقت"[20]؛ ومن هذا ذهب محمود شاكر رحمه الله إلى أنه لا يجوز إطلاق كلمة (الدين) على ما سوى الإسلام، قال: "فصار بيناً بعد هذا أن الله سبحانه وتعالى لا يرضى لنا أن نسمي شيئا من الملل، من نصرانية و يهودية وغيرهما ديناً سوى ملة ابراهيم عليه السلام وملة أنبيائه جميعاً و هي الإسلام دين الله الذي لا يقبل من عبادة ديناً سواه، والذي أرسل به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليبطل الملل كلها، ولا يكون شيئا منها يسمى ديناً سوى الإسلام، وإذا فقول المسلم مثلاً: "الأديان السماوية" قول مخالف لعقيدة أهل الإسلام في حقيقة هذه الملل.[21]
    5) القضاء: ومنه قوله تعالى: (مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ)[22].
    6) السياسة والملك: تقول دنته: أي سسته وملكته، قال ابن منظور: "ومنه سمي المصر مدينة".[23]

    المطلب الثاني:
    مفهوم الدين عند الباحثين المسلمين:
    قبل البدء في تعريف الدين عند الباحثين المسلمين لا بد أن نعرف أن الذين تطرقوا لتعريف الدين سواء مسلمين [كانوا] أو غير مسلمين انقسموا إلى قسمين:
    1 ـ القسم الأول: حاولوا أن يعرفوا الدين بالمعنى الاصطلاحي العام ليشمل جميع الأديان، سواء الإسلام، أو السماوية المحرفة مثل: النصرانية واليهودية، أو من لهم شبهة كتاب مثل المجوسية، أو الأديان الوضعية مثل: البراهمية والهندوسية وغيرهما؛ وأصحاب هذا القسم انقسموا إلى فريقين:
    الفريق الأول: عرف الدين بشكل عام يشمل جميع الديانات التي لها إلـه تعبده وتتقرب إليه.
    والفريق الثاني: عرف الدين بشكل يشمل أي فئة لها طقوس ونظم تعبدية لا يخرج عنها الفرد داخل الجماعة وإن لم يكن لها إلـه محدد.
    2 ـ القسم الثاني: حاول تعريف الدين بشكل اصطلاحي يشمل زاوية معينة، فمنهم من عرف الدين بشكل لا يدخل فيه إلا الإسلام و النصرانية واليهودية، ومنهم من قصر في تعريف الدين على الديانات الوضعية ومنهم من فسر الدين بالاعتقاد دون العمل إلى غير ذلك، مما يرجع إلى تصور صاحب التعريف، فكلٌ عرف الدين بما يتصوره عن الدين، فالاختلاف في تعريف الدين راجع إلى اختلاف الاتجاهات والمشارب.
    والباحثون المسلمون عندما عرفوا الدين انقسموا كغيرهم لهذين القسمين، لذا سأجعل الكلام عن مفهوم الدين عند الباحثين المسلمين في مسألتين:
    المسألة الأولى: تعريف الدين في الاصطلاح الإسلامي،
    والمسألة الثانية: تعريف الدين في الاصطلاح العام.
    المسألة الأولى: تعريف الدين في الاصطلاح الإسلامي:
    اختلف في تعريف الدين بالاصطلاح الإسلامي، فمنهم من فسره بالإسلام، ومنهم من فسره بملة ابراهيم الحنيفية، ومنهم من فسره بالعبادة على أقوال:
    1) الدين معناه الإسلام.
    2) قال الألوسي: الإقرار بوحدانية الله تعالى والتصديق بها.[24]
    3) الدين هو التوحيد قاله الفيروز آبادي.[25]
    أما التعريف الأول هو تفسير الدين بالإسلام فهذا ما يدل عليه المعنى اللغوي والمعنى الشرعي.
    أما اللغة فقد سبق أن أحد المعاني اللغوية للدين الاسلام، وأما القرآن فقوله تعالى (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[26]، وهذا المراد به الاسلام العام الذي هو دين الأنبياء جميعاً.
    وكذلك يدل على تفسير الدين بالإسلام قوله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ).[27]، وقوله (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ).[28]
    أما الثاني والثالث فكلاهما الإقرار بوحدانية الله تعالى فهو المتفرد بالخلق والمنفرد بالعبادة فلا يعبد مع الله أحد، وهو المتفرد بأسمائه وصفاته وأفعاله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[29]، فلا بد من الإقرار بالتوحيد والإيمان بذلك والعمل بمقتضاه وهذا هو الدين، وهذا تدل له اللغة والقرآن كذلك، فقد سبق أنه أحد معاني اللغة الذل والانقياد والطاعة والعبادة والخضوع؛ ومن القرآن قوله تعالى: (وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ)[30] وقوله تعالى: (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)[31]، وقوله تعالى: (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)[32].
    4) الدين هو: التسليم والاستسلام لله تعالى وحده وعبادته بما شرع ( بوحيه) أو على لسان أنبيائه من العقائد والأحكام والآداب وكل شؤون المعاش[33]، فهذا في الدين العام الذي هو دين جميع الأنبياء، فالأصول واحدة وأما الشرائع مختلف (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً ومِنْهَاجًا).[34]
    5) ما شرعه الله على لسان نبيه [صلّى الله عليه وسلّم] من الأحكام[35]، وهذا تعريف البيجوري في "تحفة المريد" وهذا التعريف في الحقيقة تعريفا قاصرا [كذا] ليس كسابقه، فقوله ما شرعه الله على لسان نبيه من الأحكام، لا يدخل في هذا القرآن، وهذا غير مراد قطعاً، وأما قوله: "من الأحكام"، فعلى هذا تخرج جميع الأخبار مما أخبر الله به عن نفسه وأخبر عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من أسمائه وصفاته وأفعاله، كذلك يخرج الإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر من عذاب القبر ونعيمه و يوم القيامة وأحوالها والجنة و النار وسائر الغيبيات، هذا إذا أريد هنا بأحكام الشريعة ككل، أما إذا أريد بالأحكام مسائل الفروع فيخرج بهذا أصول الإيمان كلها أو مسائل الاعتقاد، فلا يسمى دعاء الله دينا ولا التصديق بالشهادتين دينا ولا الإيمان بالرسل دينا.لهذا لا يصلح هذا التعريف للدين فليس بجامع ولا مانع.
    6) التصديق والاعتقاد بما جاء من عند الله تعالى واتخاذه منهجاً للحياة.[36]
    7) التسليم لله والانقياد له، والدين هو ملة الإسلام عقيدة التوحيد التي هي دين جميع المرسلين من لدن آدم ونوح إلى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم.[37]
    المسألة الثانية: تعريف الدين بالاصطلاح العام:
    1) وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم إياه إلى الصلاح في الحال، والفلاح في المآل[38]، وهذا التعريف لا يشمل إلا الديانات السماوية، فيخرج بهذا التعريف جميع الديانات الوضعية، وأيضا لا يدخل في هذا التعريف إلا الديانات التي تتضمن نظم [كذا] تشريعية وطقوس [كذا] تعبدية، أم الديانات الوضعية أو الديانات المحرفة فنظمها التشريعية لا يشمل [كذا] جوانب الحياة خصوصا في العلاقات بين الأفراد، وما وجد منها فلا يشمل جميع الجوانب.
    2) الدين هو جملة من المبادئ التي تدين بها أمة من الأمم اعتقادا وعملاً.[39]
    3) وعرف أبو الفيض المنوفي الدين بأنه: "ناموس أبدي مطلق، كامنة بذوره في كل نفس حية مدركة، وهو يشمل في محيطه الواسع بذور كل ديانة وملة قديمة أو حديثة".[40] و هذا التعريف لم يسلم من اعتراضين:
    الاعتراض الأول: أن بهذا التعريف يعمم اعتناق الدين لكل الناس ولا يمكن بهذا أن تكون هناك وجودية أو ماركسية أو غيرها من التي لا تدين بدين وإنما تقدس المادة.
    والاعتراض الآخر: أن هذا التعريف لا يصور الدين ويعرفه إنما غايته ما فيه إشارة إلى أن التدين أمر فطري في الإنسان سواء اعتنق الدين الحق أم اعتنق دين الباطل، وهذا لازم في هذا التعريف.
    4) عرف أبو الأعلى المودودي الدين بأنه: "نظام للحياة يذعن فيه المرء لسلطة علياء لكائن ماء [كذا]، ثم يقبل طاعته وأتباعه ويتقيد في حياته بحدوده وقواعده وقوانينه، ويرجوا [كذا] في طاعته العزة والترقي في الدرجات وحسن الجزاء، ويخشى في عصيانه الذل والخزي وسوء العقاب[41]، وهذا التعريف أقرب للنظام والتشريع من الدين، فقوله في التعريف "نظام للحياة ... " لا يشمل الاعتقاد، وكذلك هذا في الناحية العملية فقط، ثم قوله في آخر التعريف "ويرجوا [كذا] في طاعته العزة والترقي... ويخشى في عصيانه الذل والخزي". هذا لا يشمل كل الديانات فمن الديانات الهندية من يعبد أفرادها آلهتهم خشية دون الرغبة و وهناك العكس أيضا.[42]
    5) ويعرف الدين أحد الباحثين بأنه:
    الاعتقاد بوجود موجود أعلى، والسلوك بناء على هذا الاعتقاد، كذلك هذا التعريف لا يسلم من النقد [43]، وقوله" الاعتقاد بوجود موجود أعلى: محتمل أن يكون علو ذات، والمراد به الله، فهذا التعريف يخرج به جل الديانات، فكم من ديانة لا يعبد الله فيها، وكم من ديانة معبودها في الأرض، وأيضا بهذا القيد يخرج أكثر المسلمون، فعلو الذات لله جل وعلا لا يقر به ولا يقوله إلا أهل السنة والجماعة من المسلمين، والاحتمال الأخر: أن يكون هذا العلو علو قدر ومنزلة وهذا يشترك فيه خلق عالية منازلهم ولا يعبدهم من علو في أنفسهم عبادة خضوع وذل وتعبد، وقوله في التعريف: الاعتقاد بوجود موجود أعلى.......ينقص هذا التعريف أهم ركن من أركان المعبود وهو القداسة فعلو المكانة لا يلزم فيها القداسة، قوله في التعريف: "والسلوك" بناء على هذا الاعتقاد عبارة مجملة لا تحدد أساسا واضحا، هل يدخل في هذا السلوك الاعتقادت ثم العبادات المبنية عليها؟ وبقية نظم الديانة هل هي داخلة في السلوك المبني على الاعتقاد؟
    6) وعرِّف الدين أيضا بأنه: الاعتقاد بوجود ذات ـ أو ذوات ـ غيبية علوية لها شعور واختيار، ولها تصرف وتدبير للشؤون التي تعني الإنسان اعتقادا في شأنه أن يبعث على مناجاة تلك الذات السامية في رغبة ورهبة وفي خضوع وتمجيد [44]، وأيضا هذا التعريف غير شامل لجميع الأديان، فقوله "الاعتقاد بوجود ذات غيبية": يخرج به عباد البقر والشجر وغيرهم، وقوله: "علوية" يخرج بع [كذا] جميع الديانات التي تدين بإله في الأرض.
    7) رجح بعض الباحثين بأن أدق تعريف للدين هو: اعتقاد قداسة ذات، ومجموعة السلوك الذي يدل على الخضوع لتلك الذات ذلاً وحباً، رغبة ورهبة [45]، قال: "فهذا التعريف فيه شمول للمعبود سواء كان معبودا حقا، وهو الله عز وجل، أو معبودا باطلا وهو ما سوى الله عز وجل، كما يشمل أيضا العبادات التي يتعبد الناس بها لمعبوداتهم سواء كانت سماوية صحيحة كالإسلام، أو لها أصل سماوي ووقع فيه التحريف والنسخ كاليهودية والنصرانية، أو كانت وضعية غير سماوية الأصل كالهندوسية، والبوذية،, والوثنية وعموم الوثنيات، كما يبرز التعريف حال العابد إذ لابد أن يكون العابد متلبسا بالخضوع ذلا وحبا للمعبود حال العبادة، إذ أن ذلك من أهم معاني العبادة؛ ويبين التعريف أيضا هدف العابد من العبادة، وهو إما رغبة أو رهبة، أو رغبة ورهبة معا، لأن ذلك هو مطلب بني آدم من العبادة.[46]
    8) وعرف الدين بأنه: جملة المبادئ التي تدين بها أمة من الأمم، اعتقادا وعملاً.[47]
    وعرف أيضا الدين بالاصطلاح العام: ما يعتنقه الإنسان و يعتقده ويدين به من أمور الغيب والشهادة.[48]

    المطلب الثالث:
    مفهوم الدين عند النصارى والغربيين: عندما نعرض أقوال الغربيين نصارى أو علمانيين أو حتى مستشرقين ليس لأنهم قدوات أو يُعتبر بأقوالهم كلا وحاشا أن يكون هؤلاء قدوة للمسلمين أو أن يكونوا معلمون [كذا] لهم، بل عندما يعرض قول لأحدهم فهو إما تأكيدا لصحة كلام الباحث أو لبيان ضلالهم وتخبطهم، وعندما تدَّعي أن هذا هو مذهب القوم لا بد أن تثبت هذا من كلامهم أنفسهم، وقد قيل: ومن فيك أدينك بما فيك.
    وفي دراستنا هذه بيان لمعنى الدين فبعد أن بحث معنى الدين عند المسلمين يقارن بمفهومه عند الباحثين الغربيين ليقذف الباطل بالحق فإن الباطل زهوقا.
    أما معنى الدين عند النصارى والغربيين فقد يصعب في هذه العجالة التمييز بين المتدين بالنصرانية منهم من النابذ للدين وراء ظهره، فهذا يتطلب النظر في تراجمهم، وقد تكون هذه التراجم بلغات متعددة، وهذا قد يصعب في هذا الوقت القصير.
    والمجتمع الغربي خصوصا في قارة أوروبا دخلته النصرانية محرفة حتى جاءت الثورة الفرنسية و نشأت التيارات الفكرية الإلحادية، والمذاهب المادية، فعاشت أوروبا في تخبط فكري حتى خرج منهم جيل أصبحت حياتهم وفكرهم مستمدة من الشهوات والهوى وأثر هذا على بحوثهم وتحليلاتهم التي يزعمون فيها التجرد والحياد، وهو في حقيقة الأمر تجرد لما تشتهيه أنفسهم إلا الندرة منهم [49]، لذلك عندما ينظر الباحث إلى تعريفات هؤلاء الغربيين للدين يجد من التفاوت والاختلاف ما يثير العجب، فلا غرو في ذلك، لأنه كلٌ ركب هواه وقال بما يتصوره عن الدين، ومن هذه الآراء التي عندهم عن الدين تكشف للباحث نظرة الغرب للدين فإما أن تجدها علمانية إقصائية للدين عن مجالات الحياة، أو تجدها نظرة ازدراء وأنها عائق، أو تجد نظرتهم للدين أنها سبب للحيرة والاضطراب وذلك شاهد حي على رفض النفوس للنصرانية المحرفة وأنها تخالف العقول السليمة.
    وفيما يلي سأعرض أقوال بعض الغربيين عن معنى الدين دون نقاش، لأن الغرض من إيرادها معرفة نظرتهم للدين، ومعرفة تخبطهم الفكري وفقدانهم المرجعية العلمية الصحيحة التي يجتمعون عليها:
    يقول الفرنسي جيبو: "إن الدين لا علاقة له بشؤون المعاش".
    ويقول فولتير وروسو[كذا]: "إن الدين من صنع الدهاة الماكرين، من الكهنة والقساوسة لعلاج أمراض المجتمع بكل حيلة".[50]
    1) يعرف الباحث الغربي "كانت" الدين، بأنه: "الاعتراف بواجباتنا كأوامر إلهية".[51]
    وهذا التعريف لا يتجاوز الناحية الأخلاقية.
    2) ويعرف سبنسر الدين بأنه "الإحساس الذي نشعر به حينما نغوص في بحر الأسرار".[52]
    3) وقريبا من تعريف سبنسر تعريف ريفلي وهو بأن "الدين تحقيق الحياة الإنسانية بواسطة الإحساس بأن رابطا يصل الروح الإنسانية بالنفس الخفية التي تعترف الأولى بما لها من سلطان على العالم وعليها، والتي يجب أن تكون شاعرة بالاتصال بها دائما".[53]
    4) وكثيرا [كذا] من المعاجم الغربية تعرف الدين بأنه: "المبادئ التي يبني عليه الفرد رأيه أو تصرفه فلسفيا أو سياسيا".[54]
    5) ويعرف ماكس ميلر الدين بأنه: "محاولة تصور مالا يمكن تصوره، والتعبير عما لا يمكن التعبير عنه".[55] وهذا راجع لدينه الذي يحارب العقل ويلغيه ويزرع في نفوس معتنقيه الحيرة وهي النصرانية المحرفة.
    6) ويعرف الدينَ روبرت سبنسر بأنه "الإيمان بقوة لا يمكن تصور نهايتها الزمانية ولا المكانية".[56] فهذا غاية ما فهمه روبرت سبنسر من الدين.
    7) بينما سالد مون رينا يعرف الدين بأنه: "مجموعة من التورعات التي تقف حاجزاً أمام الحرية المطلقة لتصرفاتنا".[57]
    8) ويعرف جون ستيوان مل الدين بأنه: "جوهر الاتجاه القوي المتحمس للعواطف والرغبات نحو هدف مثالي".[58]
    9) ويعرف وليم جمس الدين بأنه: "الطريقة التي تظهر بها ردود أفعال الإنسان تجاه الحياة حينما تكون ردود الأفعال هذه منبعثة من سمو نفس متأثر بسحر قوة أعظم من الإنسان نفسه".[59]
    10) هوفدنج يعرف الدين بأنه: "الإيمان ببقاء القيم أو بالحفاظ عليها".[60]
    11) هيجل يعرف الدين بأنه "معرفة تكتسبها النفس المحدودة بجوهرها كروح مطلقة". [61]
    12) ادوار كونز يعرف الدين بأنه "مجموعة من المطامع الروحية التي ترفض الانصياع والخضوع للعالم الحسي وتزيل البواعث والضغوط التي تشدنا إليه شداً". [62]، وهذه تشبه وحدة الشهود التي يزعمها الصوفية.
    13) شيلر ماخر يقول: "الدين هو أن نطلب وأن تجد اللانهائي القديم في كل ما يحيا ويتحرك، وفي كل نمو وكينونة، وفي كل عمل ومعاناة، وأن تملك وتعرف الحياة نفسها عن طريق إحساسك المباشر بهذا الموجود". [63]، وهذه هي الوجودية وهي بعينها وحدة الوجود التي عند غلاة الصوفية الدجالين المخرفين.
    -------------------------------------------------------------
    [1] ـ روي هذا الحديث مرفوعا ً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، انظر فتح الباري لابن حجر ( 12/284) .
    [2] ـ سورة البقرة آية 4
    [3] ـ سورة الحجر آية رقم 35
    [4] ـ سورة الصافات آية رقم 53
    [5] ـ لسان العرب ( 13/164)
    [6] ـ سورة التوبة آية رقم 36
    [7] ـ أخرجه الترمذي كتاب صفة القيامة والورع ( 2383) .
    [8] ـ لسان العرب ( 13/165) .
    [9] ـ لسان العرب (13/164).
    [10] ـ النساء أية رقم 125
    [11] ـ سورة غافر أية 65 .
    [12] ـ سورة البقرة آية 256
    [13] ـ تاج العروس (37/414)
    [14] ـ لسان العرب ( 13/165)، والقاموس المحيط ( 4/227)، والعجم الوسيط( 1/307) .
    [15] ـ سورة آل عمران أية رقم 83 .
    [16] ـ سورة التوبة آية رقم 33
    [17] ـ التوبة أية رقم 29
    [18] ـ سورة آل عمران آية رقم 83
    [19] ـ أخرجه البخاري، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى (واذكر في الكتاب مريم إذا انتبذت من أهلها) ( 3187)
    [20] ـ اقتضاء الصراط المستقيم ( 2/848)
    [21] ـ أباطيل وأسمار لمحمود شاكر ( 2/550-551)
    [22] ـ سورة يوسف آية رقم 76
    [23] ـ لسان العرب ( 13/165)
    [24] ـ روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للألوسي (4/227) .
    [25] ـ القاموس المحيط ( 4/227) .
    [26] ـ سورة البقرة آية رقم 132
    [27] ـ سورة آل عمران آية رقم 19
    [28] ـ سورة الشورى آية رقم 13
    [29] ـ سورة الشورى أية رقم 11
    [30] ـ سورة التوبة آية رقم 29
    [31] ـ سورة الأعراف أية رقم 29
    [32] ـ سورة يونس آية رقم 22
    [33] ـ الموسوعة الميسرة( 2/1057) .
    [34] ـ سورة المائدة الآية رقم 48
    [35] ـ تحفة المريد بشرح جوهرة التوحيد للبيجوري ص 12 .
    [36] ـ علم الملل ومناهج العلماء فيه ص 18 .
    [37] ـ الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة د. ناصر القفاري ، د. ناص العقل ص 10
    [38] ـ كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (2/141)
    [39] ـ الموسوعة الميسرة ( 2/1057)
    [40] ـ الدين والفلسفة والعلم لأبي الفيض المنوفي ص24
    [41] ـ المصطلحات الأربعة في القرآن لأبي الأعلى المودودي ص 126
    [42] ـ انظر الأديان القديمة في الشرق رؤوف شلبي ص 32
    [43] ـ الإنسان والأديان د. محمد كمال جعفر ص 15
    [44] ـ الدين د. محمد عبدالله دراز ص 66
    [45] ـ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية د. سعود الخلف ص 12
    [46] ـ المرجع السابق ص 12-13
    [47] ـ انظر الدين لدراز ص63
    [48] ـ الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة ص 10
    [49] ـ انظر الأديان القديمة في الشرق لرؤوف شلبي ص 39 .
    [50] ـ الموسوعة الميسرة ( 2/1058)
    [51] ـ الإنسان والأديان د. محمد كمال جعفر ص 16
    [52] ـ نشأة الدين د. على سامي النشار ص 20
    [53] ـ المرجع السابق ص 22 ـ 23
    [54] ـ المعين في مصطلحات الفلسفة والعلوم الإنسانية د. محمد عزيز الحبابي (1/604)
    [55] ـ الدين د. عبدالله دراز ص 64
    [56] ـ المرجع السابق ، نفس الصفحة .
    [57] ـ المرجع السابق ص 66 .
    [58] ـ الإنسان والأديان ص 16
    [59] ـ المرجع السابق ص 17
    [60] ـ المرجع السابق ص 18
    [61] ـ المرجع السابق ص 18
    [62] ـ المرجع السابق ص 19
    [63] ـ المرجع السابق ص 19
    http://www.alagidah.com/vb/showthread.php?t=572
    sigpic
    (رسم نور الدين محساس)
    (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

    "القلم المعاند"
    (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
    "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
    و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

  • حسين ليشوري
    طويلب علم، مستشار أدبي.
    • 06-12-2008
    • 8016

    #2
    مفهوم الدين (بعث بعد مكث)

    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على من بعث بخير دين ختمت به الديانات.
    إرتأيت بعث هذا الموضوع من مرقده عساه يفيد من يهمه.
    وتجدر الإشارة أن هذه المشاركة قد نشرت أول مرة
    هنا
    قراءة ممتعة إن شاء الله تعالى ومفيدة.

    sigpic
    (رسم نور الدين محساس)
    (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

    "القلم المعاند"
    (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
    "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
    و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

    تعليق

    يعمل...
    X