"أحمر ولين".. محمد سلطان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد سلطان
    أديب وكاتب
    • 18-01-2009
    • 4442

    "أحمر ولين".. محمد سلطان

    "أحمر ولين"
    قصة قصيرة
    .................
    حالة من الهرج والمرج تنتاب الشارع العريض والشوارع المجاورة في نفس هذا التوقيت يوميا، مشهد ألفته العين واعتادته الطرق العريضة.. حتى الأزقة والزنقات الضيقة، ليس في قريتي فحسب، ولكن في جميع القرى والبلدان.. بل وفي الدول الكبرى والصغرى التي بها قرى تشبه قريتنا، أو تلك التي فازت بسباق التكنولوجيا وأنشأت مدناً ذات ناطحات شاهقة تفزع لرؤيتها القلوب، تلك التي حرمها الله من الترع والمصارف ونقيق الضفادع مع اقتراب الليل، كما حرمها من الباعة الجائلين.. المروجين لسلعهم وبضائعهم الطازجة والرطبة عبر الشوارع والحارات، فاستعاضوا حركة البيع والشراء من خلال المولات الضخمة والفارهة التي تحاسب الزبون من وقع الفيزا الكارت، وليس بالحوارات المطولة بين البائع والزبائن لاقتطاع ما يمكن من السعر الذي يعتبره الزبون دائما في قرانا باهظاً، وسيما لو كان الزبون امرأة، أو امرأة أنهت الطعام مبكرا وجلست على المصطبة قدام باب الدار، تتفحص المارة وتتمحص الواقع.. ترمي وتستقبل التحيات والسلامات بأحر الترحيبات والقبلات المسموعة ذات المصمصة والفرقعات.. لمن مررن أو جئن من الشوارع البعيدة على أطراف القرية لزيارة أقربائهن وتسديد واجب العزومات الموسمية، فكانت في استقبالهن تسد هي أيضا وبالضرورة واجب المضايفات الكاذبة.. المهم أن تطحن وقت فراغها، أو لتفرم الوقت المتبقي على انطلاق مدفع الإفطار مع حبات الفول النابت التي ألقمتها لمفرمتها العتيقة مع حبتين من البصل الأحمر وحزمة من الكرات الأخضر، لتطرده في النهاية المفرمة عجينا ذا نكهة خاصة ومميزة جاهزة قبل الآذان للارتماء في زيت طاستها، التي جلبتها مع أواني فرحها وسوَدتها الأيام ونصيبها الأغبر، فيسود بخت البائع الذي رماه نصيبه الأسود لحارتها، وأوقعه حظه النحس أمام مصطبتها، تفاضل بين الحبات السليمة والمعطوبة، وتفاصل معه للوصول لأدنى سعر ممكناً تعتبره صفقة أتممتها بحرفية بالغة.. بدلاً من السعر الذي تراه دائما غالياً مع كل الباعة، وفي النهاية تبتاع منه بعد مفاوضات متسعة، أو مقايضات ربما تتفق مع قناعة البائع ورضاه، أو لا يجد أمامه سوى قبولها للتخلص من وجع القلب الذي أحدثته بصدره، يقبض الثمن ويكون مضطراً أن يفي الكيل بنصف كيلو زيادة، وإلا سيستمر في وجع الدماغ..!
    في الأخير تثنى على بضاعته التي ذمتها في البداية، مع رجاء بالغ لمضايفته "تعال أعمل لك شاي" فيستعجب وتعلو باقي النسوة بالقهقهات لمضايفة كاذبة في نهار رمضان!!
    الفتاة التي جلست إلى جوار أمها على طبلية الإفطار مورودة الخد والوجنات يكاد وجهها يضيء ولو لم تمسسه نار.. لطالما فط ومط والدها عنقه حتى كادت ثعابين رقبته تلدغ البائع الذي تأخر بالشارع ولازال ينادي على بضاعته رغم مدفع الإفطار الذي انطلق، وأغاني بكار وفوازير مختلفة الإخراج والسيناريو..

    "أحمر ولين"

    يعود البائع ويكرر النداء.. والكل حول الموائد وطبلية الإفطار مندهشا لغرابته في توقيت لا بيع فيه ولا شراء..

    "أحمر ولين"

    يجدها الرجل فرصته ليشاكس ويعاكس الزوجة التي فهمت مرامه وإلى ما يرمي سؤاله الخبيث.. وابتسامته الأشد خبثا:

    ـ ايه دة اللي أحمر ولين؟

    تبتسم الزوجة وتطأطئ رأسها قليلا وهي تسر في نفسها قولتها المعتادة:

    ـ احنا لسه صايمين.. اللهم إني صايمة..
    فيرد عليها بنفس الخبث:
    ـ صايمين ايه ما خلاص شربنا المية وثبت الأجر.. بس برضه هو ايه دة اللي أحمر وطري ؟

    ابن السبع سنوات المنتبه جدا يصحح له:

    ـ أحمر ولين.. مش أحمر وطري!!

    لم تجد الفتاة بدا ولا مفرا من الانفجار والضحك.. بعدما كتمت كسوفها وانفك جمال وجهها المربوط في الخدود والوجنات، انطلق خرطوم شوربة الخضار من فمها كرشاش آلي، أغرقت به الوجوه التي التفتت إليها.. إلا الصغير ظل يبكي لما أحدثته المسكينة في وجهه وظل عالقا به..

    حالة الهرج والمرج لا زالت دائرة في الشارع وفي كل منزل حول طبلية رمضان.. في محاولات عصية للجواب على السؤال الماكر الذي ظل يأكل في رؤوس الصغار حتى ناموا... ويخرمش أفكار الرجال حتى انتفضوا!!
    إلا البائع بدا صوته يبتعد رويدا رويدا، وهو لازال على العهد مناديا...

    أحمر ولين
    أحمر وليـ..
    أحمر ولـ
    أحمر..
    أحم...
    أحح
    أح..
    أ..
    ...
    حتى ابتلعته الشوارع واختفى تماما..

    ...........
    محمد سلطان،،
    صفحتي على فيس بوك
    https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757
  • محمد فطومي
    رئيس ملتقى فرعي
    • 05-06-2010
    • 2433

    #2
    أهلا سلاما عطرا محمد
    مرحبا بالأديب الموهوب والصّديق العزيز
    سعيد لأنّنا بيننا من جديد من خلال هذا نصّ قصصي ينعش الخاطر ويملأ العين التي تكاد تيأس من العثور زهرة في هذا الحقل الكبير (أدب القصّة).
    دخلتُ لأسجّل إعجابي وأرحّب بك محمد سلطان، متمنيا أن يطول مكوثك في بيتك.
    مدوّنة

    فلكُ القصّة القصيرة

    تعليق

    • محمد فطومي
      رئيس ملتقى فرعي
      • 05-06-2010
      • 2433

      #3
      حقّا مثير للشّفقة هذا الإنسان،
      ضعيف وشحّاذ مسرّات صغيرة بائسة، إذا لم تطرق بابه خرج لاصطيادها في الهواء.
      القصّة القصيرة هي بامتياز الجنس الأدبي الذي يكاد يقتصر دوره على التذكير كم هو أنّ الإنسان مثير للشفقة غنيا كان أم فقيرا، قويّا كان أم عاجزا..
      سألني أحد أصدقائي ذات مرّة: لماذا تكتب القصّة القصيرة؟
      أجبت: ربّما هي محاولة منّي كي لا أحود أحد شخوصها يوما.
      طاب يومك محمد
      مدوّنة

      فلكُ القصّة القصيرة

      تعليق

      • منيره الفهري
        مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
        • 21-12-2010
        • 9870

        #4
        الأديب القدير و الأخ العزيز
        محمد سلطان
        أهلا و سهلا بك من جديد و أهلا بروائعك المميزة دائما
        قصة جميلة جدا تشد القارئ شدا
        أنا أيضا أرجو أن يطول مقامك بيننا في بيتك الأول الذي افتقدك
        تحياتي أستاذي الفاضل

        تعليق

        • محمد سلطان
          أديب وكاتب
          • 18-01-2009
          • 4442

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة محمد فطومي مشاهدة المشاركة
          أهلا سلاما عطرا محمد
          مرحبا بالأديب الموهوب والصّديق العزيز
          سعيد لأنّنا بيننا من جديد من خلال هذا نصّ قصصي ينعش الخاطر ويملأ العين التي تكاد تيأس من العثور زهرة في هذا الحقل الكبير (أدب القصّة).
          دخلتُ لأسجّل إعجابي وأرحّب بك محمد سلطان، متمنيا أن يطول مكوثك في بيتك.
          أستاذي الفاضل الأديب الجميل
          محمد فطومي
          نعم طال الغياب سنوات
          لكن ظل البيت يحتوي الجميع
          وبين أركانه وجدرانه ظلت الأطياف هائمة
          شكرا لتجديد الدعوة..
          وتحريك النهر الراكد في مجرى الشرايين منذ زمن طال..
          تحياتي وعظيم امتناني
          صفحتي على فيس بوك
          https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

          تعليق

          • سلمى الجابر
            عضو الملتقى
            • 28-09-2013
            • 859

            #6
            سرد جميل
            اهلا و سهلا بك أستاذنا الكريم
            محمد سلطان في ملتقى القصة
            كل التحية و الاحترام

            تعليق

            يعمل...
            X