ﺃحلى من القمر
منذ ﺃن كنت طفلة صغيرة و ﺃنا على يقين من ﺃنه لا ﺃحلى من النظر ٳلى القمر ليلا حينما تكثر النجوم البراقة في اﻷفق و تسطع الشهب و النيازك . و كنت كل ليلة قبل ﺃن ﺃخلد ٳلى النوم ﺃطل من شرفة غرفتي و ﺃراقب هذا الجسم الغريب .
لم ﺃكن ﺃعلم ﺃنه كوكب من الكواكب المنتمية لمجرتنا درب اللبانة و لم ﺃكن بحاجة لمعرفة ذلك . فقط , كنت متعطشة لرؤيته و كان ﺃحب شيء ٳلى قلبي . بل و اﻷكثر من هذا هو ﺃنني عندما كنت ﺃطيل النظر ٳليه كان يخيل ٳلي ﺃن له ملامح بني البشر , عينان عسليتان صافيتان كصفاء المياه و فم ضاحك مبسام طول الليل دون ٱنقطاع . في الحقيقة ما كان ٳلا ليكون فارسا مغوارا ﺃو شخصا كرس حياته ﻹسعاد الجميع , و ربما شمعة تحترق في هدوء لتنير طريق اﻵخرين .
كنت ﺃفكر في كل هذا و عيناي مركزتان على هذا الوجه الصبوح الذي ﺃنار اﻷفق بضوﺌه الساحر. و ﻔﺠﺃة ٳنقلب كل شيء . لا ﺃدري متى ﺑٱضبط ﺃو كيف , لكن هذا ما حدث .
كانت هناك قطرات تسقط من السماء تداعب الانجوم تارة و تبلل الشهب تارة ﺃخرى , ظننت في بادىء اﻷمر ﺃن السماء تمطر في عز الصيف , لكن حدث ما لم يكن في الحسبان , فهذه القطرات ما كانت سوى دموعا ساخنة تتساقط من عيني القمر الذي قطب جبينه و ﺃعلن ٱستسلامه ... لمن ؟
لا ﺃعلم .
كان الضوء المنبعث منه خافتا و ﺸيﺌا ﻔﺸيﺌا ﺃصبح ساطعا , و رﺃيت القمر يمد يده لي . لم ﺃعرف ﺃكان يريد ﺃن يصافحني ؟ ﺃم كان يريد ٳعطاﺌي ﺸيﺌا ؟ لكنه نظر ٳلي بحنو و همس لي قاﺌلا :” ٳصعدي , فبلد الزمن الجميل في ٱنتظارك “
لم ﺃفهم قوله ﺤيﻨﺌذ و ترددت في الصعود ٳلى يده التي كانت عبارة عن شريط ضوﺌﻲ طويل , لكن القمر ٱبتسم لي و ﺃزال رداء الحزن عنه . لم ﺃدري ﺃهي ٱبتسامة من القلب ؟ ﺃم هي ﺃخرى مصطنعة ؟ لكنني رميت ﺑٱلتردد بعيدا و صعدت ٳلى يد ﺃحلى شيء في العالم . بدﺃت اليد تتحرك ٳلى ﺃن وجدت نفسي على سطح القمر .
كنت وحيدة ﺃسير دون فاﺌدة مرجوة تذكر , و بعد برهة رﺃيت بابا حديديا كبيرا عليه يافطة كتب عليها : ” هنا بلد الزمن الجميل “ . عاودني التردد من جديد لكنني لم ﺃهتم له هذه المرة , حيث ﺃنني دخلت عبر الباب الحديدي و ٳذا بي ﺃجد ﺃعدادا هاﺌلة من كاﺌنات غريبة الشكل لم ﺃرها من قبل , في حقيقة اﻷمر لم ﺃكن خاﺌفة منها ﻷن شكلها كان يوحي بطيبتها و مسالمتها .
بعد لحظات وجيزة تشجعت و ٱقتربت من ٳحدى هذه الكاﺌنات و ﺴﺃلتها :
- من ﺃنت ؟
- ﺃنا الخير ... لقد هربت من اﻷرض ﻷن الشر طردني شر طردة .
- و لماذا لا تعود ٳلى اﻷرض ؟ ٳن عدت معي ﻔﺴﺃحميك من ﺃعداﺌك .
- و من سيترك هذا المكان الراﺌع و يعود ٳلى اﻷرض ؟ على اﻷقل هنا ﺃصدقاﺌﻲ الذين ﺃحبهم .
- و من هم ﺃصدقاؤك ؟
- لي ﺃصدقاء كثر ... الصداقة ... المساواة ... الحب ... اﻷمل ... اﻷخلاق ... السعادة ... الحرية ...
و هنا قاطعته قاﺌلة : هل لك ﺃن تخبرني عن مكان تواجد الحرية ؟
- غالبا ستكون مع توﺃمها الغضب الساطع .
و ما ٳن نطق الخير بهذه الجملة حتى ٱنطلقت بحثا عن التوﺃمين , و بعد بحث دام ساعات و ساعات رﺃيت مخلوقين لهما ﺃردية ذات ﺃلوان زاهية ...اﻷحمر , اﻷخضر , اﻷبيض , اﻷسود , تماما مثل علم فلسطين . و من هذا المنطلق ٱستنتجت ﺃن هذه الماثلة ﺃمامي هي الحرية , و ﺃن هذا الواقف بمحاذاتها هو الغضب الساطع الذي ينقصنا في اﻷرض .
ٱقتربت من الحرية و ﺴﺃلتها :
- لماذا لا تعودين ٳلى فلسطين ؟
- ﺴﺃعود قريبا جدا جدا , ليس ٳلى فلسطين وحدها بل ٳلى كل بلدان العالم .
- اليوم ؟
- لا لكنني ﺴﺃعود يوما ما حينما يكون العرب ذوي صفات حميدة و شيم عربية ﺃصيلة .
- ٳننا كذلك . مثلما ذكرت تماما , ٳننا ﺃكثر خلق الله ﺃخلاقا .
- ﺃعلم ﺃن ﺃغلبكم تكرهون الظلم و تحبون الخير و السلام , لكنني ﺃعلم ﺃيضا ﺃن بعض ضعاف النفوس ممن لا يستحقون صفة العروبة و لا الدماء العربية التي تجري في عروقهم يريدون لكم ﺃلا تعيدوا ﺃمجاد ﺃجدادكم كما يريدون ﺃن يشعلوا نار الفتنة بينكم. فلا تستجيبوا لهم .
- و كيف نصبح متخلقين مثل ﺃجدادنا ؟
- ﺑٱلتفكير و التطبيق و اﻹتحاد فيما بينكم .
- لنفترض ﺃننا ٱتحدنا , ماذا سيحدث ﺤيﻧﺌذ ؟
- سترحل كل الصفات و القيم الجميلة عن القمر لتستقر في قلب كل من ﺃحب الخير للجميع .
ثم ﺃعطتني الحرية ثوبا حريريا مطرزا مكتوب عليه بخط واضح :
ٳذا الشعب يوما ﺃراد الحياة فلا بد ﺃن يستجيب القدر
و ﻔﺠﺃة وجدت نفسي ﺃرى القمر من جديد ليس من سطحه , ٳنما من شرفة غرفتي . كان الثوب الذي ﺃهدتني ٳياه الحرية ما يزال بيدي لكنني لم ﺃعرف اكان هذا حلما من ﺃحلام اليقظة ﺃم حقيقة ﺘﻔﻗﺃ عين الشمس .
نظرت ٳلى القمر ﺁخر نظرة و قلت له : ” لا شيء ﺃحلى منك يا قمر “ .
ٳبتسم لي ٱبتسامة حنونة و قال : ” شكرا يا فرح “ .
كتبت سنة 2004
منذ ﺃن كنت طفلة صغيرة و ﺃنا على يقين من ﺃنه لا ﺃحلى من النظر ٳلى القمر ليلا حينما تكثر النجوم البراقة في اﻷفق و تسطع الشهب و النيازك . و كنت كل ليلة قبل ﺃن ﺃخلد ٳلى النوم ﺃطل من شرفة غرفتي و ﺃراقب هذا الجسم الغريب .
لم ﺃكن ﺃعلم ﺃنه كوكب من الكواكب المنتمية لمجرتنا درب اللبانة و لم ﺃكن بحاجة لمعرفة ذلك . فقط , كنت متعطشة لرؤيته و كان ﺃحب شيء ٳلى قلبي . بل و اﻷكثر من هذا هو ﺃنني عندما كنت ﺃطيل النظر ٳليه كان يخيل ٳلي ﺃن له ملامح بني البشر , عينان عسليتان صافيتان كصفاء المياه و فم ضاحك مبسام طول الليل دون ٱنقطاع . في الحقيقة ما كان ٳلا ليكون فارسا مغوارا ﺃو شخصا كرس حياته ﻹسعاد الجميع , و ربما شمعة تحترق في هدوء لتنير طريق اﻵخرين .
كنت ﺃفكر في كل هذا و عيناي مركزتان على هذا الوجه الصبوح الذي ﺃنار اﻷفق بضوﺌه الساحر. و ﻔﺠﺃة ٳنقلب كل شيء . لا ﺃدري متى ﺑٱضبط ﺃو كيف , لكن هذا ما حدث .
كانت هناك قطرات تسقط من السماء تداعب الانجوم تارة و تبلل الشهب تارة ﺃخرى , ظننت في بادىء اﻷمر ﺃن السماء تمطر في عز الصيف , لكن حدث ما لم يكن في الحسبان , فهذه القطرات ما كانت سوى دموعا ساخنة تتساقط من عيني القمر الذي قطب جبينه و ﺃعلن ٱستسلامه ... لمن ؟
لا ﺃعلم .
كان الضوء المنبعث منه خافتا و ﺸيﺌا ﻔﺸيﺌا ﺃصبح ساطعا , و رﺃيت القمر يمد يده لي . لم ﺃعرف ﺃكان يريد ﺃن يصافحني ؟ ﺃم كان يريد ٳعطاﺌي ﺸيﺌا ؟ لكنه نظر ٳلي بحنو و همس لي قاﺌلا :” ٳصعدي , فبلد الزمن الجميل في ٱنتظارك “
لم ﺃفهم قوله ﺤيﻨﺌذ و ترددت في الصعود ٳلى يده التي كانت عبارة عن شريط ضوﺌﻲ طويل , لكن القمر ٱبتسم لي و ﺃزال رداء الحزن عنه . لم ﺃدري ﺃهي ٱبتسامة من القلب ؟ ﺃم هي ﺃخرى مصطنعة ؟ لكنني رميت ﺑٱلتردد بعيدا و صعدت ٳلى يد ﺃحلى شيء في العالم . بدﺃت اليد تتحرك ٳلى ﺃن وجدت نفسي على سطح القمر .
كنت وحيدة ﺃسير دون فاﺌدة مرجوة تذكر , و بعد برهة رﺃيت بابا حديديا كبيرا عليه يافطة كتب عليها : ” هنا بلد الزمن الجميل “ . عاودني التردد من جديد لكنني لم ﺃهتم له هذه المرة , حيث ﺃنني دخلت عبر الباب الحديدي و ٳذا بي ﺃجد ﺃعدادا هاﺌلة من كاﺌنات غريبة الشكل لم ﺃرها من قبل , في حقيقة اﻷمر لم ﺃكن خاﺌفة منها ﻷن شكلها كان يوحي بطيبتها و مسالمتها .
بعد لحظات وجيزة تشجعت و ٱقتربت من ٳحدى هذه الكاﺌنات و ﺴﺃلتها :
- من ﺃنت ؟
- ﺃنا الخير ... لقد هربت من اﻷرض ﻷن الشر طردني شر طردة .
- و لماذا لا تعود ٳلى اﻷرض ؟ ٳن عدت معي ﻔﺴﺃحميك من ﺃعداﺌك .
- و من سيترك هذا المكان الراﺌع و يعود ٳلى اﻷرض ؟ على اﻷقل هنا ﺃصدقاﺌﻲ الذين ﺃحبهم .
- و من هم ﺃصدقاؤك ؟
- لي ﺃصدقاء كثر ... الصداقة ... المساواة ... الحب ... اﻷمل ... اﻷخلاق ... السعادة ... الحرية ...
و هنا قاطعته قاﺌلة : هل لك ﺃن تخبرني عن مكان تواجد الحرية ؟
- غالبا ستكون مع توﺃمها الغضب الساطع .
و ما ٳن نطق الخير بهذه الجملة حتى ٱنطلقت بحثا عن التوﺃمين , و بعد بحث دام ساعات و ساعات رﺃيت مخلوقين لهما ﺃردية ذات ﺃلوان زاهية ...اﻷحمر , اﻷخضر , اﻷبيض , اﻷسود , تماما مثل علم فلسطين . و من هذا المنطلق ٱستنتجت ﺃن هذه الماثلة ﺃمامي هي الحرية , و ﺃن هذا الواقف بمحاذاتها هو الغضب الساطع الذي ينقصنا في اﻷرض .
ٱقتربت من الحرية و ﺴﺃلتها :
- لماذا لا تعودين ٳلى فلسطين ؟
- ﺴﺃعود قريبا جدا جدا , ليس ٳلى فلسطين وحدها بل ٳلى كل بلدان العالم .
- اليوم ؟
- لا لكنني ﺴﺃعود يوما ما حينما يكون العرب ذوي صفات حميدة و شيم عربية ﺃصيلة .
- ٳننا كذلك . مثلما ذكرت تماما , ٳننا ﺃكثر خلق الله ﺃخلاقا .
- ﺃعلم ﺃن ﺃغلبكم تكرهون الظلم و تحبون الخير و السلام , لكنني ﺃعلم ﺃيضا ﺃن بعض ضعاف النفوس ممن لا يستحقون صفة العروبة و لا الدماء العربية التي تجري في عروقهم يريدون لكم ﺃلا تعيدوا ﺃمجاد ﺃجدادكم كما يريدون ﺃن يشعلوا نار الفتنة بينكم. فلا تستجيبوا لهم .
- و كيف نصبح متخلقين مثل ﺃجدادنا ؟
- ﺑٱلتفكير و التطبيق و اﻹتحاد فيما بينكم .
- لنفترض ﺃننا ٱتحدنا , ماذا سيحدث ﺤيﻧﺌذ ؟
- سترحل كل الصفات و القيم الجميلة عن القمر لتستقر في قلب كل من ﺃحب الخير للجميع .
ثم ﺃعطتني الحرية ثوبا حريريا مطرزا مكتوب عليه بخط واضح :
ٳذا الشعب يوما ﺃراد الحياة فلا بد ﺃن يستجيب القدر
و ﻔﺠﺃة وجدت نفسي ﺃرى القمر من جديد ليس من سطحه , ٳنما من شرفة غرفتي . كان الثوب الذي ﺃهدتني ٳياه الحرية ما يزال بيدي لكنني لم ﺃعرف اكان هذا حلما من ﺃحلام اليقظة ﺃم حقيقة ﺘﻔﻗﺃ عين الشمس .
نظرت ٳلى القمر ﺁخر نظرة و قلت له : ” لا شيء ﺃحلى منك يا قمر “ .
ٳبتسم لي ٱبتسامة حنونة و قال : ” شكرا يا فرح “ .
كتبت سنة 2004
تعليق