[read]من أول الـســطر.
أنظر.. كيف جرت الأمور على نحو غـير متوقع! تراها بوادر كسادك الأولى منذرة في الأفق؟ أم دب سوس عارض يمتص الرحيق.فما عادت رغباتك الخالصة محضرة لديك؟ ها أنت ترى بأم عينك ما حدق بك. انقضى نصف ساعة شطبت خلاله خمسة أسطر على ورقة عريضة. لم ينج من سن قلمك سوى نصف سطر!..
- نصف سطر بنصف ساعة !؟.. لا.! لا!.. أنا كاتب فاشل بكل المقاييس.
قلتَ ذلك بعصبية فيها حنق. لو لا حرص شديد بدا عليك، وقد حسمت أمرا تعلق بنشر ما ستكتب بمبجلة أنــوثة. لاسترداد مزاج، تنظر إلى المنحوتة الساكنة على يسار مكتبك ؛ بين الفينة والأخرى، تمرر أناملك على تعرجات شكلها الأنثوي ووجهها الوضاء. ثم تسيح...أليس لكل هذه الفتنة من طيبة ترجى ووفاء يذكر؟ لولا تواطؤ حصل بين أزميل وفنان، لما تمّ هذا ، ولا أمكن للفتنة أن تـنـفث سحرها إلى أغوار الناظر إليها. وإلا ما سر هذا الــحَجـَر الذي سكـنت به أنثى ، تضع الذّكـَـرَ في متناول ألف رغبة للعثور عليها ؟...
تتدارك غرضك، تضغط من جديد على القلم. تدير شريطا قديـما في الجهاز. تنسكب أغـنية عاشرتك أعواما.. تسعفك كلما انتهت بك حال إلى فشل.تفرغ شحنة مفتوحة...جملة مرتبة السياق.. تهلل! تطاوعك فقرة جديدة، تتماسك. في حين تحدق في الحروف، فــتبدو متزحلقة لا تستـقر فوق السطور..
خشخشة محسوسة في الورقة. بطل الأحجية ينطح البياض. يصـر على النفاذ خارج الجمود.. يرغب في حق وجود، وقد يجد حيلة يفتك بها خلاصه. من يدري لعله يكفـر عـن ذنب ما ؟..
يتحرر من نعوتك، يتسلق نزوة من نزواته. ينط خارج الورقة هازئا منك ومن عدميته الأولى وحياد غـير مــبرر. كالـريح يصعق دفـّة الباب خلفه.. يدلف زحمة شارع حـاشـد كـزكام.
إيقاع المدينة يضبطه بندول ساعة الساحة المتأخر عن الوقت بربع ساعة. هو ذا يشتم صباحا رائحة البحر، الباعة والخضروات. ينفـلت من صخب إلى زقاق لا يعلم عنه شيئا. مسمّيات ،وأحلام قـديـمة استفاقت تشحذ طوافه بالمدينة. ذاكرته تـُـبرم تحالفــاتها.. تعرضه على جغرافيا فضاءات جابها من قبل. خــبر أحداثها حتّى. بـه رغبة لاسـتـنطاق فحولته، وإقحامها في المعــترك ،وهو يعقد على شيء ما؛ بـعد أن جابه فكرة سقوط حر، وخـيبات فعلن ما فعلن فيه.. تلكم خصومه القدامى!...
بدوائر ماضيه تنفخ ريح فتعلق شوكة بحلقه. يشتد به غـيظ، يـحفز كل نقطة من كيانه على ما يرسم. يمضي وعينه على المارة، ترصد ملامحها عبـر وجوه النسوة، عـساه يعثر عليها بينهن. وصلته بشأنها أخبار فتحت بصدره فوهة تفور. رسكَـلتْ لديه استعدادات لا تقاوم ومشاعر لا توصف،حاجة لترميم أضرار شطبت دفـئا حـسودا.. نسفت أماني وتركت أيامه قفـرا يعـوي. الزحمة، الضجيج، تعرجات الســير وأشياء أخرى مكنت لـلإعـياء من أن ينال منه.. يـربكه. انزاح قليلا عن شارع مزدحم، حتى يرتب نفـسا عـاقـه تشويش أحاط برأسه. انزوى إلى مقعـد حديقة صوفـــيا.* جلس يفـتش عن نفـسه. علـِق من حيث لم يشعر بهالة مشعة من حول زوجـين برفقة طفلهما، يوزعان السعادة بمقدار!.. جذبه مغناطيس الـحبور..تـاه بيـن شوارع أيامه وأبوابها الخلفية... تدحرج...
... انفتحت له باب أوصدتها رياح.. راح يسـترق السمع... نحنحة أب حنون وخيال أم تونون بأغنية لحـفيد يغالبه النعاس. السقف الذي يؤويهم لا يخفي بعض مخاوف. لولا طموح يقف في وجه وساوس؛ حـِرصُ الوالدين، ووحيدهما صاحب الطموح الكبــير، جعل إيقاع البيت لا يخلو من نغـمة تفاؤل، لئلا يتسلل للزوجة نشاز – لا قدر الله- فتنقطع عن استقبال أغنيات، ظل يغزلها لها دون سواها. لكن قوسها ظلت تنحو خارج مدار أمانيه، تــمتد وترا لريح صماء. حتى انفرطت حبات العـقد !..
المدينة تـمور.. ابتلعـته ككل الأشياء. تعرج في الأزقة. التوى. خفض في الإيقاع. صعد شارع ديـدُوشْ .* حدث نفـسه بعقل مثــقف :
-حافظ على توازنك بمحيط ما عادت به توازنات، واثبت أيـها الـ....
السـير على رصيف هذا الشارع له ضوابط مستوردة. الراجلون ينسلون لا يدري من أين ،الأيادي مثقلة بأكياس وحاويات ذات طراز رفيع.. الألوان الصاخبة تزرع ألف فضول. المحلات، بواجهاتها المغـرية تبطل حسن السـير. المعـروضات فخمة والأثمان بـاهظة. زبائن هذا الشارع مُلهمون.. لا يفـقـدون توازنات. أنـاقة النسوة والرجال ملفوفة في الأكياس لا يقبلون تنازلات عنها. ديـدوش..*اليوم يلهج بلغة مستهجنة ويتْـقَـمْـقمْ * بلباس لا يشبه تاريخ هذا البلد في شيء.وهو في سكرته بين المتناقضات، تغشاه أصناف من العطر والصندل الموقظ للفـتنة، تسـمّر ليس يدري لماذا؟ ينظر إلى الرصيف المقابل وقشعـريرة تـسري في بدنه. قاعة الشاي المزركشة بروادها تعيش طقوسها. أمام باحتها المبلطة، وقـفت هي بلا حركة. زائـغا ينظر إليها.. مشدوهة تحملق في وجهه ! تطايـرت الأوراق...
هــــو :
من سيصدق بأنني أفرغت يدي من كل شيء؟ ومحتمل أيضا بأنني خسرت ما تبقى من فضول أدّى بي إلى ما أنا عليه الآن . رأيتكِ حينما صادفتكِ بشارع الحيـاة، شفـيفة ندية ومغرية. غرقت في ينابــيعك سـرّا وعلانية. بدا لي العالم وقـتـذاك أجمل مما كان. رفعت رأسي لقبة السماء كأنما أبحث عن توصية حتى لا أخسر شعوري الظامئ للهوى والجمال؛ ولربما حرصت على اختزال الطريق الشـّـاق ، بدفع قدمي في كل الجهات. كنتُ جبـينا يتـفصّد.. رأسـا تتسلق الآمال. قلبا يستـبق خُضر الأماني الدفــيئة. ونشرت خطوي أزرع الحلم بعزمي والآمال تكـبر أكـثر ، حتى بِـتّ ُ أعلـقك ألماسة على صدري مثلما يفعل الــجندي الإغريقي بـألماسته، تـبركـا بنصر مأمول في معركة. بنيت العش، أمّـرتكِ على أقطار القلب. وقلتُ لولا تَــبرين بوالـديّ. وهويتِ من عليائك، لأن السفح ظل غوايتك ومرتع نزقك!.. واكتويتُ وحيدا بوجع هذا الأمل.. كبعض شمس في الماء البارد!.. فهل لا يزال هناك شبه وهـم ٍ يُـبيح انصياعي لكذا التزامات أخرى كائنا ما كانت؟
هــي :
- ذا أنا أعــترف بعد فوات الأوان، بأنني امرأة استهوتها مغامرة خسيسة شنيعة العواقب، على إثرها خسرتْ رَجلَ قدرها الجميل. فهل أدعي اليوم بأنني لست محظوظة، أم تراني جانبت الحظ بمحض إرادتي، وأنا أدري بأنك أول وآخر رجل أحبني وخـذلته. ليتكَ تسامحني عن كل تشويه أصابك بسببي؛ أو على الأحرى ليت بمقــدوري أتسلل إلى دواخلك حتى أرمم ما انكسر وأنسحبُ بلا ضجيج !.. لستَ في حاجة لإخبار. لقد امتص رحيقي ذلك المقاول ودفع بي إلى الشارع ليلا وبلا شفــقة. يـحق لمثلك أن لا يهتم لأمري، بعد أن تخليتُ على الجنة التي قـدمتَها لي طوعـا، لأظـلّ أستعـر بجحيمه هُـــوَ وغطرسته..في كل الأحوال، مـُنفـتح ُ ُوضعي الآن على التلاشي و.. المتاهة.
-لم أعهد لك عادة شرب الشاي بكل هذا التلـذذ!
-لا تستقر الدنيا كما ترين على حال.
بينما كان يتفرسها منذ أن جلسا إلى طاولة أنيقة، تموضعت بإحدى زوايا القـاعة السانحة لرؤية الباحة الخارجية، يرشها انسياب موسيقى حالم . تساءل بغرابة مندهشــا:
-كم تغــيرت ملامحها،وكم تلونت بتلوين هنـدامها.!
- ما هذه المصادفة التي رمت بك حـــدّ ديدوش ؟
- مهما تحايل الناس فالعالم صغـير. وهو يجيبها عـن سؤالها، لم تحتمل عدم اكـتراثها أكثر من ذلك، اندفعت في لهفة تستـفسرُ عن صبيها الذي تركته بمحض إرادتها له وخرجت من الـجنة طوعا.
-كيف هو حال ابننا مراد؟ وقد غالبتها غصة ابتلعت عمق صوتها.
-مراد؟.. قـاوم اشتياقه إليك ولم يحتمل الفراق إلى أن انتهى.
- مـات ؟!..متى ولـمَ لمْ تخــبرني؟ جحظ فيها ولم يعلق. في حين توقــفت سيارة فـارهة أمام صالون الشاي. أشار إليها أحدهم، وقـفت دون استئذان. ظل هو يراقبها من مكـانه، وفي رأسه تتسابق التكهنات.
شديدة الارتباك رجعت مشتتة الأفكار لتأخذ مكانها من جديد، لكنه طلب الانصراف .
تذكر وهو في طريق العودة أن والدته، أوصتهُ بأن يقتنيَ لعبة لابنه مـراد.. ففعل بغبطة لا متناهية.
في نهار الغـد قــرأ في الصحف: تمّ إلــقاء القبض على عصابة تتـاجر بالمخـدرات، ضمنهم امرأة هي زوجة لأحد المقاولين الكبـــار.
...............................
كان يمشي تحت المطر، أشفـقت عليه ،وقد قررت أن تمنحه مطـرية وتستدرجه للداخل، غـيـر أنه بلغ منطقة التجاوز، فلم يقبل، ورفض تمكينك َمن سحبه إلى منطقة ورقـــتكَ العريضة.
تـمت.
..........................................
حـديقة صوفيــا : حديقة بالجزائر العاصمة
ديـــــــــدوش : البطل الشهيد ديدوش مراد.
يتــْقــَمــْقـــم بتسكين حرف التاء، جزائرية محكية بمعنى يظهر الأبهة.[/read]
أنظر.. كيف جرت الأمور على نحو غـير متوقع! تراها بوادر كسادك الأولى منذرة في الأفق؟ أم دب سوس عارض يمتص الرحيق.فما عادت رغباتك الخالصة محضرة لديك؟ ها أنت ترى بأم عينك ما حدق بك. انقضى نصف ساعة شطبت خلاله خمسة أسطر على ورقة عريضة. لم ينج من سن قلمك سوى نصف سطر!..
- نصف سطر بنصف ساعة !؟.. لا.! لا!.. أنا كاتب فاشل بكل المقاييس.
قلتَ ذلك بعصبية فيها حنق. لو لا حرص شديد بدا عليك، وقد حسمت أمرا تعلق بنشر ما ستكتب بمبجلة أنــوثة. لاسترداد مزاج، تنظر إلى المنحوتة الساكنة على يسار مكتبك ؛ بين الفينة والأخرى، تمرر أناملك على تعرجات شكلها الأنثوي ووجهها الوضاء. ثم تسيح...أليس لكل هذه الفتنة من طيبة ترجى ووفاء يذكر؟ لولا تواطؤ حصل بين أزميل وفنان، لما تمّ هذا ، ولا أمكن للفتنة أن تـنـفث سحرها إلى أغوار الناظر إليها. وإلا ما سر هذا الــحَجـَر الذي سكـنت به أنثى ، تضع الذّكـَـرَ في متناول ألف رغبة للعثور عليها ؟...
تتدارك غرضك، تضغط من جديد على القلم. تدير شريطا قديـما في الجهاز. تنسكب أغـنية عاشرتك أعواما.. تسعفك كلما انتهت بك حال إلى فشل.تفرغ شحنة مفتوحة...جملة مرتبة السياق.. تهلل! تطاوعك فقرة جديدة، تتماسك. في حين تحدق في الحروف، فــتبدو متزحلقة لا تستـقر فوق السطور..
خشخشة محسوسة في الورقة. بطل الأحجية ينطح البياض. يصـر على النفاذ خارج الجمود.. يرغب في حق وجود، وقد يجد حيلة يفتك بها خلاصه. من يدري لعله يكفـر عـن ذنب ما ؟..
يتحرر من نعوتك، يتسلق نزوة من نزواته. ينط خارج الورقة هازئا منك ومن عدميته الأولى وحياد غـير مــبرر. كالـريح يصعق دفـّة الباب خلفه.. يدلف زحمة شارع حـاشـد كـزكام.
إيقاع المدينة يضبطه بندول ساعة الساحة المتأخر عن الوقت بربع ساعة. هو ذا يشتم صباحا رائحة البحر، الباعة والخضروات. ينفـلت من صخب إلى زقاق لا يعلم عنه شيئا. مسمّيات ،وأحلام قـديـمة استفاقت تشحذ طوافه بالمدينة. ذاكرته تـُـبرم تحالفــاتها.. تعرضه على جغرافيا فضاءات جابها من قبل. خــبر أحداثها حتّى. بـه رغبة لاسـتـنطاق فحولته، وإقحامها في المعــترك ،وهو يعقد على شيء ما؛ بـعد أن جابه فكرة سقوط حر، وخـيبات فعلن ما فعلن فيه.. تلكم خصومه القدامى!...
بدوائر ماضيه تنفخ ريح فتعلق شوكة بحلقه. يشتد به غـيظ، يـحفز كل نقطة من كيانه على ما يرسم. يمضي وعينه على المارة، ترصد ملامحها عبـر وجوه النسوة، عـساه يعثر عليها بينهن. وصلته بشأنها أخبار فتحت بصدره فوهة تفور. رسكَـلتْ لديه استعدادات لا تقاوم ومشاعر لا توصف،حاجة لترميم أضرار شطبت دفـئا حـسودا.. نسفت أماني وتركت أيامه قفـرا يعـوي. الزحمة، الضجيج، تعرجات الســير وأشياء أخرى مكنت لـلإعـياء من أن ينال منه.. يـربكه. انزاح قليلا عن شارع مزدحم، حتى يرتب نفـسا عـاقـه تشويش أحاط برأسه. انزوى إلى مقعـد حديقة صوفـــيا.* جلس يفـتش عن نفـسه. علـِق من حيث لم يشعر بهالة مشعة من حول زوجـين برفقة طفلهما، يوزعان السعادة بمقدار!.. جذبه مغناطيس الـحبور..تـاه بيـن شوارع أيامه وأبوابها الخلفية... تدحرج...
... انفتحت له باب أوصدتها رياح.. راح يسـترق السمع... نحنحة أب حنون وخيال أم تونون بأغنية لحـفيد يغالبه النعاس. السقف الذي يؤويهم لا يخفي بعض مخاوف. لولا طموح يقف في وجه وساوس؛ حـِرصُ الوالدين، ووحيدهما صاحب الطموح الكبــير، جعل إيقاع البيت لا يخلو من نغـمة تفاؤل، لئلا يتسلل للزوجة نشاز – لا قدر الله- فتنقطع عن استقبال أغنيات، ظل يغزلها لها دون سواها. لكن قوسها ظلت تنحو خارج مدار أمانيه، تــمتد وترا لريح صماء. حتى انفرطت حبات العـقد !..
المدينة تـمور.. ابتلعـته ككل الأشياء. تعرج في الأزقة. التوى. خفض في الإيقاع. صعد شارع ديـدُوشْ .* حدث نفـسه بعقل مثــقف :
-حافظ على توازنك بمحيط ما عادت به توازنات، واثبت أيـها الـ....
السـير على رصيف هذا الشارع له ضوابط مستوردة. الراجلون ينسلون لا يدري من أين ،الأيادي مثقلة بأكياس وحاويات ذات طراز رفيع.. الألوان الصاخبة تزرع ألف فضول. المحلات، بواجهاتها المغـرية تبطل حسن السـير. المعـروضات فخمة والأثمان بـاهظة. زبائن هذا الشارع مُلهمون.. لا يفـقـدون توازنات. أنـاقة النسوة والرجال ملفوفة في الأكياس لا يقبلون تنازلات عنها. ديـدوش..*اليوم يلهج بلغة مستهجنة ويتْـقَـمْـقمْ * بلباس لا يشبه تاريخ هذا البلد في شيء.وهو في سكرته بين المتناقضات، تغشاه أصناف من العطر والصندل الموقظ للفـتنة، تسـمّر ليس يدري لماذا؟ ينظر إلى الرصيف المقابل وقشعـريرة تـسري في بدنه. قاعة الشاي المزركشة بروادها تعيش طقوسها. أمام باحتها المبلطة، وقـفت هي بلا حركة. زائـغا ينظر إليها.. مشدوهة تحملق في وجهه ! تطايـرت الأوراق...
هــــو :
من سيصدق بأنني أفرغت يدي من كل شيء؟ ومحتمل أيضا بأنني خسرت ما تبقى من فضول أدّى بي إلى ما أنا عليه الآن . رأيتكِ حينما صادفتكِ بشارع الحيـاة، شفـيفة ندية ومغرية. غرقت في ينابــيعك سـرّا وعلانية. بدا لي العالم وقـتـذاك أجمل مما كان. رفعت رأسي لقبة السماء كأنما أبحث عن توصية حتى لا أخسر شعوري الظامئ للهوى والجمال؛ ولربما حرصت على اختزال الطريق الشـّـاق ، بدفع قدمي في كل الجهات. كنتُ جبـينا يتـفصّد.. رأسـا تتسلق الآمال. قلبا يستـبق خُضر الأماني الدفــيئة. ونشرت خطوي أزرع الحلم بعزمي والآمال تكـبر أكـثر ، حتى بِـتّ ُ أعلـقك ألماسة على صدري مثلما يفعل الــجندي الإغريقي بـألماسته، تـبركـا بنصر مأمول في معركة. بنيت العش، أمّـرتكِ على أقطار القلب. وقلتُ لولا تَــبرين بوالـديّ. وهويتِ من عليائك، لأن السفح ظل غوايتك ومرتع نزقك!.. واكتويتُ وحيدا بوجع هذا الأمل.. كبعض شمس في الماء البارد!.. فهل لا يزال هناك شبه وهـم ٍ يُـبيح انصياعي لكذا التزامات أخرى كائنا ما كانت؟
هــي :
- ذا أنا أعــترف بعد فوات الأوان، بأنني امرأة استهوتها مغامرة خسيسة شنيعة العواقب، على إثرها خسرتْ رَجلَ قدرها الجميل. فهل أدعي اليوم بأنني لست محظوظة، أم تراني جانبت الحظ بمحض إرادتي، وأنا أدري بأنك أول وآخر رجل أحبني وخـذلته. ليتكَ تسامحني عن كل تشويه أصابك بسببي؛ أو على الأحرى ليت بمقــدوري أتسلل إلى دواخلك حتى أرمم ما انكسر وأنسحبُ بلا ضجيج !.. لستَ في حاجة لإخبار. لقد امتص رحيقي ذلك المقاول ودفع بي إلى الشارع ليلا وبلا شفــقة. يـحق لمثلك أن لا يهتم لأمري، بعد أن تخليتُ على الجنة التي قـدمتَها لي طوعـا، لأظـلّ أستعـر بجحيمه هُـــوَ وغطرسته..في كل الأحوال، مـُنفـتح ُ ُوضعي الآن على التلاشي و.. المتاهة.
-لم أعهد لك عادة شرب الشاي بكل هذا التلـذذ!
-لا تستقر الدنيا كما ترين على حال.
بينما كان يتفرسها منذ أن جلسا إلى طاولة أنيقة، تموضعت بإحدى زوايا القـاعة السانحة لرؤية الباحة الخارجية، يرشها انسياب موسيقى حالم . تساءل بغرابة مندهشــا:
-كم تغــيرت ملامحها،وكم تلونت بتلوين هنـدامها.!
- ما هذه المصادفة التي رمت بك حـــدّ ديدوش ؟
- مهما تحايل الناس فالعالم صغـير. وهو يجيبها عـن سؤالها، لم تحتمل عدم اكـتراثها أكثر من ذلك، اندفعت في لهفة تستـفسرُ عن صبيها الذي تركته بمحض إرادتها له وخرجت من الـجنة طوعا.
-كيف هو حال ابننا مراد؟ وقد غالبتها غصة ابتلعت عمق صوتها.
-مراد؟.. قـاوم اشتياقه إليك ولم يحتمل الفراق إلى أن انتهى.
- مـات ؟!..متى ولـمَ لمْ تخــبرني؟ جحظ فيها ولم يعلق. في حين توقــفت سيارة فـارهة أمام صالون الشاي. أشار إليها أحدهم، وقـفت دون استئذان. ظل هو يراقبها من مكـانه، وفي رأسه تتسابق التكهنات.
شديدة الارتباك رجعت مشتتة الأفكار لتأخذ مكانها من جديد، لكنه طلب الانصراف .
تذكر وهو في طريق العودة أن والدته، أوصتهُ بأن يقتنيَ لعبة لابنه مـراد.. ففعل بغبطة لا متناهية.
في نهار الغـد قــرأ في الصحف: تمّ إلــقاء القبض على عصابة تتـاجر بالمخـدرات، ضمنهم امرأة هي زوجة لأحد المقاولين الكبـــار.
...............................
كان يمشي تحت المطر، أشفـقت عليه ،وقد قررت أن تمنحه مطـرية وتستدرجه للداخل، غـيـر أنه بلغ منطقة التجاوز، فلم يقبل، ورفض تمكينك َمن سحبه إلى منطقة ورقـــتكَ العريضة.
تـمت.
..........................................
حـديقة صوفيــا : حديقة بالجزائر العاصمة
ديـــــــــدوش : البطل الشهيد ديدوش مراد.
يتــْقــَمــْقـــم بتسكين حرف التاء، جزائرية محكية بمعنى يظهر الأبهة.[/read]
تعليق