سُطور

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد فطومي
    رئيس ملتقى فرعي
    • 05-06-2010
    • 2433

    سُطور

    سُـــطــــور

    عاد إلى بيتِه خائر القُوى بعد يوم عملٍ شاق توجّب عليه فيه لقاء أناسٍ يحتجّون على الدّوام ضدَّ كلِّ شيء تقريبا، كما كان عليه ملــء استمارات بدا له عدد خاناتها غير معقول. لم يُزعِجه ذلك أكثر من اضطراره إلى كتابة الأجوبة داخل سيّارة لا تكُفُّ عن الاهتزاز في طُرقات ريفيّة مُزرية، لا سيّما أنّه كان من فئة البشر المولَعين بالنّظام، فعدا عن كونِه يكرَه التخاطُب باللهجة العاميّة في تراسُلِه الخطّي أو الرّقمي، فقد كان مهووسا بتفادي أخطاء الرّسم وتصريف الأفعال كأنّهُ يُمتَحَن.
    سيطر عليه إحساسٌ بالهزيمة وهو يعبُر الرّدهة مُتّجها نحو مكتبه المنزلي الصّغير ليتخفّف من أشيائه الصّغيرة التي باتت الآن تُشكّل دليلا على ضياعِه. شعُر كأنّه أمضى الساعات الثمانية الماضية في ارتكاب الشرِّ. غيَّرَ ملابِسَه، لكن ولأنّ الوقتَ لم يكن قد تجاوَز الخامسة مساءً من أيّام شهر ماي، فقد قرّر إرجاء صلاة يوم بأكمله حتّى يحين موعد صلاة العشاء حتّى لا يُضطَرَّ إلى تكرار الوضوء، مُتطلِّعا إلى لحظات هدوء خالية من أيِّ واجب أرضي أو سماوي، يلتقي فيها بنفسه المُهمَلَة ليكتُب ردودا على ما ورده من تعاليق خاصّة بمنشورِه الصباحي، ثمَّ كي يُشارك العالم -كما كان يتوهّم- بعضا من خواطِرِه الخالية من الأخطاء. إلاّ أنّه كان يتعذّبُ بسبب لوحة مفاتيح اللغة العربيّة في هاتفه الجوّال، إذ لم تكن مُجهّزة بالهمزة المرسومة على الياء، ما جعلَهُ مُضطرّا إلى استدعاء كلمة «رائعة» التي تفطّن إلى أنّ هاتفه كان يُسعِفُه بها حالما يلمس حرف الرّاء. عندها يبقى أن يستبدل أحرفا بأخرى مُحافظا على همزتِه، فعلى سبيل المثال يحدُث أن يكتُب (ما زلتُ رائعة..) قبل تحويلِها إلى (ما زلتُ حائرا)، أو أن يكتُبَ (كافّة رائعة..) ثمَّ يُعدّل الكلمة لتصبح (كافّة العائلة). هكذا كان في كلّ مرّة يجدُ نفسَه مُجبَرا على تفتيت كلمة «رائعة» حتّى لا يقعَ في فداحة استخدامٍ مُخزٍ للهمزة.
    تحقَّق حُلُمُه المسائي الصّغير لكن ليس من دون تضحيات. فقد اضطُرَّ إلى تلقين ابنه درسَ القراءة ومدح خال زوجته لكي تتركه في سلام. فتح حسابَهُ الافتراضيّ وراح يكتُب الرّدود وينثُر جُملا طويلة لم يُترَك فيها رسمُ الهمزة للصّدفة رغم الجهود المُضنية التي كان عليه القيام بها جرّاء الحرف المفقود.
    دبّ إليه الملل وضاقَ صدرُه بمُطاردة الهمزة على ذلك النّحو الرّتيب، في تلك اللّحظة تلقّى رسالة من إحدى زميلاته في العمل. كان يُكنُّ لها ضغينة عميقة لأنّ لها مِشيَةً فاتنة ووجها جميلا. كانت تُبالِغُ في إثارة الإعجاب من حولها مُعَدّدة مناقب زوجها وبطولاته الخارقة، ولم تكن فوق ذلك كُلِّه تُبادر أحدا بالكلام. كان على يقين أنّها تتعمّدُ إغواء الرّجال لتُساوي بينهم كأعواد الثّقاب قبل أن تحرق رؤوسهم جميعا. كان سبيلُه الوحيد لينجو من سُخريتها القاتلة هو أن يزدريها. اتَّضح أنّ الرّسالة كانت بيانا نقابيّا جافّا يدعو إلى إضراب عن العمل. لم تُضف المرأة على البيان حرفا واحِدا. استشاط غيظا مكتوما وعزم على أن يكتُب لها «أنتِ دائما هكذا، لا شُغلَ لك سوى مُحاربة الشّغل». ضغط بإصبعه المُنهَك الذي لم يعد يتحمَّلُ المزيد من العراقيل على أولى أحرف جملته وكان عليه ليكتُب كلمة «دائما» أن يستدعِيَ كلمة «رائعة» أوّلا، فَعَلَ غير مُتشكّك فيما عزم عليه. قرأ على شاشة هاتفه (أنت رائعة). تردّد لحظة ثمَّ بعث بالرّسالة قائلا في سرِّه: «لا بأس! هذه أيضا صحيحة».
    ***
    محمد فطومي
    تونس


    مدوّنة

    فلكُ القصّة القصيرة
  • البكري المصطفى
    المصطفى البكري
    • 30-10-2008
    • 859

    #2
    أكيد أنها لم تعرف من جملة " أنت رائعة " هل الرجل يمدحها أم يذمها .؟؟
    قصة جميلة ومشوقة بأسلوبها الانسيابي الذي عهدناه منك أخي محمد فطومي .
    رمضان مبارك

    تعليق

    • فوزي سليم بيترو
      مستشار أدبي
      • 03-06-2009
      • 10949

      #3
      وعزم على أن يكتُب لها «أنتِ دائما هكذا،.
      لا شُغلَ لك سوى مُحاربة الشّغل


      تردّد لحظة ثمَّ بعث بالرّسالة قائلا في سرِّه:
      لا بأس! هذه أيضا صحيحة


      أصبت .. هذه أيضا صحيحة . وربما هي الأنسب
      فالرسالة يا صديقي محمد فطومي قد وصلت ولا
      تحتاج ألى" سطور " للشرح والتوضيح . هي كلمة
      في موقعها الصح .


      ذكرتني " رائعة ودائما " بلوحة مفاتيح جهاز الحاسوب
      الذي أملكه . كان حرف ال " ف " لا يعمل . كنت كلما احتجت
      حرف الفاء في كلمة ما ـ أذهب إلى نص قديم واختار كلمة
      موجود به حرف الفاء . عندها أقوم بنسخ الحرف وإلصاقه
      في الكلمة المرادة ... طبعا إلى أن قمت بإصلاح الجهاز .


      تحياتي
      فوزي بيترو

      تعليق

      • محمد فطومي
        رئيس ملتقى فرعي
        • 05-06-2010
        • 2433

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة البكري المصطفى مشاهدة المشاركة
        أكيد أنها لم تعرف من جملة " أنت رائعة " هل الرجل يمدحها أم يذمها .؟؟
        قصة جميلة ومشوقة بأسلوبها الانسيابي الذي عهدناه منك أخي محمد فطومي .
        رمضان مبارك
        سلاما أخي البكري.
        أشرق المتصفح بوجودك. لا أملك سوى أن أعبّر لك عن تقديري لك واعتزازي بقراءتك.
        هو في الواقع واحد من بين نصوص "نادرة" في هذا الحجم الذي يناسبُ الملاحق الثقافية في الصحف، ولم أشأ أن أثقل على رواد الملتقى المتابعين للقصة بنصوص تُعتَبَرُ طويلة على قارئ من شاشة الحاسوب.
        أحييك صديقي وأتمنى لك رمضان مبارك.
        مدوّنة

        فلكُ القصّة القصيرة

        تعليق

        • محمد فطومي
          رئيس ملتقى فرعي
          • 05-06-2010
          • 2433

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة فوزي سليم بيترو مشاهدة المشاركة
          وعزم على أن يكتُب لها «أنتِ دائما هكذا،.
          لا شُغلَ لك سوى مُحاربة الشّغل


          تردّد لحظة ثمَّ بعث بالرّسالة قائلا في سرِّه:
          لا بأس! هذه أيضا صحيحة


          أصبت .. هذه أيضا صحيحة . وربما هي الأنسب
          فالرسالة يا صديقي محمد فطومي قد وصلت ولا
          تحتاج ألى" سطور " للشرح والتوضيح . هي كلمة
          في موقعها الصح .


          ذكرتني " رائعة ودائما " بلوحة مفاتيح جهاز الحاسوب
          الذي أملكه . كان حرف ال " ف " لا يعمل . كنت كلما احتجت
          حرف الفاء في كلمة ما ـ أذهب إلى نص قديم واختار كلمة
          موجود به حرف الفاء . عندها أقوم بنسخ الحرف وإلصاقه
          في الكلمة المرادة ... طبعا إلى أن قمت بإصلاح الجهاز .


          تحياتي
          فوزي بيترو
          أهلا د.فوزي
          تحيّة ملؤها المحبّة
          شكرا لزيارتك الجميلة التي أضفت جمالا وطرافة على المتصفح
          قد يبدو النصّ خفيفا وأقرب للنّكتة لكن في الحقيقة، آلمني كثيرا أن تُقرّر الأساليب الرّغبات، أو أن تقرّر الوسائط التي ابتكرها الإنسان ما يُريدُه الإنسان، أو أن نحرّف حقيقة الأشياء بحسب المتاحُ. هذا خطير لأنّ على الأسلوب (الوسيلة عموما) أن تقرّر النّتائج في أفضل الحالات لا أن تحدّد ما نرغبُ في القيام به أصلا.
          تقديري لك.
          مدوّنة

          فلكُ القصّة القصيرة

          تعليق

          • جمال عمران
            رئيس ملتقى العامي
            • 30-06-2010
            • 5363

            #6
            مرحبا صديقى واخى محمد بك فطومى. معنونة باتقان،، ومكتوبة بحرفية وتحمل مضامين. أسعدنى مطالعة هذه البليعة سطور. مودتى
            *** المال يستر رذيلة الأغنياء، والفقر يغطي فضيلة الفقراء ***

            تعليق

            • محمد فطومي
              رئيس ملتقى فرعي
              • 05-06-2010
              • 2433

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة جمال عمران مشاهدة المشاركة
              مرحبا صديقى واخى محمد بك فطومى. معنونة باتقان،، ومكتوبة بحرفية وتحمل مضامين. أسعدنى مطالعة هذه البليعة سطور. مودتى
              دمتَ يا صديقي العزيز، سُررتُ لأنّ النص حاز على إعجابك، لعلمي أنّ ذوقَك راق وشفيف للغاية.
              محبتي.
              مدوّنة

              فلكُ القصّة القصيرة

              تعليق

              • رياض القيسي
                محظور
                • 03-05-2020
                • 1472

                #8
                قصة جميلة… سلمت يداك
                الاستاذ محمد فطومي

                تعليق

                • محمد فطومي
                  رئيس ملتقى فرعي
                  • 05-06-2010
                  • 2433

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة رياض القيسي مشاهدة المشاركة
                  قصة جميلة… سلمت يداك
                  الاستاذ محمد فطومي
                  سلاما أخي قيس.
                  أشكرك جزيل الشكر لتواصلك وتفاعلك مع النص. يسرني أنّه لاقى استحسانك.
                  القصّة كما قلتُ خفيفة من النوع الذي ترحّب به الملاحق الثقافيّة. لكنّي سأغامر يوما بنشر قصّة قد تتطلّب انتباها وسعة صدر.
                  تحيّاتي أيّها الرّجل النّبيل.
                  مدوّنة

                  فلكُ القصّة القصيرة

                  تعليق

                  • رياض القيسي
                    محظور
                    • 03-05-2020
                    • 1472

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة محمد فطومي مشاهدة المشاركة
                    سلاما أخي قيس.
                    أشكرك جزيل الشكر لتواصلك وتفاعلك مع النص. يسرني أنّه لاقى استحسانك.
                    القصّة كما قلتُ خفيفة من النوع الذي ترحّب به الملاحق الثقافيّة. لكنّي سأغامر يوما بنشر قصّة قد تتطلّب انتباها وسعة صدر.
                    تحيّاتي أيّها الرّجل النّبيل.
                    ممتن جدا.. سوف اتابع معكم👍

                    تعليق

                    يعمل...
                    X