شمــــــــــــــس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ادريس الحديدوي
    أديب وكاتب
    • 06-10-2013
    • 962

    شمــــــــــــــس

    أمام طبق من عدس و قطع من بصل ظلت يداه ترتجفان، تفكيره معلق كمسمار مغروس في جدران بيته المترهل الآيل للسقوط في أية لحظة.

    ــ كل يا أبي، لا تفكر كثيرا فالشمس الحقيقية ستشرق لا محالة.
    نظر إليها - شابة مهذبة صبوحة الوجه، مشرقة الجبين - وعيناه تغرقان في الدموع.
    ــ كيف لي ألا أفكر وأنا أشبه الطائر المجروح، المنتوف الريش و أنت في عمر الزواج.. كيف لي ألا أحزن و لا أرتجف وأنا مثخن بالشقوق كهذا السقف اللعين الذي لا يتوقف عن السيلان كلما هطلت الأمطار.
    ضمته إلى صدرها و هي تداعب ظهره المقوس لعلها تخفف عنه القليل من الحمل الثقيل و تزيح عنه غيوم الحزن التي أصبغت على وجهه بقعا من الرماد و مشطته تقلبات الزمن الانساني الرديء؛ فالمعمل الذي طرد منه لكبر سنه لم يحفظ له ماء وجهه الذي ذهب زهاء سنوات من الشغل الشاق، فعندما علمت زوجته بالخبر سقطت أرضا فكانت رحلتها الأخيرة.
    بعد هنيهة، نظر في وجهها قائلا :" أنت الروح التي تنير طريقي بل أنت النجمة المضيئة، فعندما تبتسمين يتحول هذا القبو إلى قصر يتلألأ كالمرجان في بحر مظلم ، وأصير أنا مثل السلطان.
    قبلت يداه بحرارة و هي تردد بصوت منخفض :" أريد أن ..." قاطعها بقوة مستعطفا إياها أن تلغي فكرة العمل من ذهنها لأن الذئاب مركونة في كل زوايا الحي تقتات من سرقات الهواتف و تستمتع بهتك عرض الشرفاء البسطاء و لأنهم لصوص جبناء لا يسرقون إلا الضعفاء و لا يستعرضون قوتهم إلا على أخير الناس.
    أرادت أن تشرح له أن اليد الواحدة لا تصفق خاصة إذا شاخت وملئت بالجراح و الخيبات؛ فجائحة كورونا سقتهما الحنظل، فواتر الماء و الضوء متراكمة ، دفتر "لكريدي" ممتلئ عند البقال و معونة الدولة كنقطة ماء في بحر، ولكنها تراجعت لأنها تعلم مدى صلابة رأيه و في نفس الوقت تقدر خوفه الشديد وأنها بالنسبة إليه كالماء .
    مرت تلك الليلة و الأفق يغوص في كآبة داجنة، النجوم شاحبة، المدينة منهكة تغوص في صمت رهيب ..
    استيقظت عائشة مفزعة من سريرها - كانت الساعة تشير إلى السابعة صباحا – وكأنها سمعت صوتا مألوفا يناديها، هرعت نحو غرفة أبيها فوجدته لا يستطيع التنفس. لبست ملابسها فخرجت مسرعة تبحث عن سيارة أجرة صغيرة و لحسن الحظ وجدتها بالقرب من الحي.
    بشجاعة لا توصف نجحت في نقل والدها إلى المستشفى دون أن تصرخ أو تبكي لأنها تعلم أن الصراخ مجرد مضيعة للوقت. أظهرت التحاليل أنه مصاب بفيروس كورونا فحجزوه في غرفة صغيرة من زجاج وعلى رأسه جهاز التنفس الاصطناعي بينما هي وضعوها تحت المراقبة في غرفة مجاورة.
    كانت ترفع يديها في كل وقت وحين نحو السماء وهي تدعو له بالشفاء العاجل وأن يعيده سالما إليها فهي لن تطيق العيش لوحدها بدونه إلى أن تمددت على السرير مبتسمة ثم غابت عن الوعي فرأت نفسها وسط أرض خضراء مليئة بالسنابل والأزهار ماسكة بيد والدها و هما يبتسمان، الشمس كانت كالنور لا يشعران بحرارتها مهما اقتربا منها فصرخت بقوة "ألم أقل لك يا أبي أن الشمس الحقيقية ستشرق لا محالة".
    التعديل الأخير تم بواسطة ادريس الحديدوي; الساعة 24-04-2021, 09:48.
    ما أجمل أن يبتسم القلم..و ما أروعه عندما تنير سطوره الدرب..!!
يعمل...
X