تويت
المشرد
اعتاد الاستاذ عبد اللطيف الذهاب إلى مكتبه الكائن بشارع التحرير بسيارته المرسيدس من صباح كل يوم الساعة السابعة صباحا ، لا يستطيع التأخر والتخلف عن الميعاد لملاقاة موكليه وزبائنه ، للوقوف والترافع عنهم بدلا منهم أمام المحكمة . في ذلك اليوم خرج بسيارته كالعادة يشق طريقه حيث مكتبه ، قبل أن يغمر الزحام الشارع ويتأخر عن موكليه ، ضغط على البنزين بقدمه وأعطى السيارة غيارا لزيادة السرعة لكن أشعة الشمس غشت عينيه فاسدل ستارة تحجبها عنه وقبل أن تأخذ السيارة سرعتها فأجأته إشارة المرور بالتوقف ، لتسمح للمقابل للسير في الاتجاه المعاكس في الطريق ، تقدم إليه رجلا ذو ثياب رثة ولحية مبعثرة ووجه شاحب وعينين غائرتين ، يحمل حقيبة رثة على كتفه وقف بجوار زجاج النافذة وطرق عليه بأصابعه ،وهو يتمتم ببعض الكلمات التي لم يفهمها أو بسمعها جيدا منه نظرا لضوضاء المحركات الهادرة . نظر الاستاذ عبد اللطيف عليه ووضع يده في سترته ليخرج له بعض ما تيسر له ،لكن أدركته إشارة المرور للسير ، ظن عبد اللطيف أنه أحد المتسولين الذين يسألون الناس الحافا ...! ، لكن عدم تمكنه من إعطاءه الصدقه جعل صورته عالقة في رأسه، بالرغم من انشغاله بالمكتب ، احس أن صورة الرجل تلاحقه ، كلما حاول طرحها من أمام عينيه راودته أكثر وضوحا ...كانت الساعة قد تجاوزت الخامسة مساء حين عاد إلى شقته بعد أن قضى النهار مع الصورة والقضاه في المحكمة ، دخل شقته وألقى بحقيبته وأسند ظهره ورفع رأسه إلى السماء كأنه يبحث في سقف الحجرة عن شيء يفتقده أو غاب عنه ...
لا حظت ذلك السيدة هدى زوجته ، لكنها تجاهلت ذلك وأتت له بفنجان القهوة الذي اعتاد عليه كل يوم بعد عودته من عمله ، نظرت هدى إليه وتبسمت قائلة : ماذا بك يا عبد اللطيف ؟. عبد اللطيف :لا شئ .. هدى: لا تخفي عني وقل ماذا بك ؟.. فليس كعادتك .. عبد اللطيف : وماهي عادتي ؟ ، هدى :لا تخبئ عني شيئا ..!؛
تنهد عبد اللطيف تنهيدا كبيرة وأخذ نفسا عميقا وقال:الموضوع تافه لكنه علق براسي ..
هدى : تكلم يا عبد اللطيف أقلقتني ..
عبد اللطيف :في الصباح وانا ذاهب إلى المكتب تقدم رجلا بثياب رثة ولحية طويلة وطرق على زجاج السيارة وقال بعض الكلمات التي لم أفهمها منه دون أن أفتح الزجاج له ووضعت يدي في جيبي كي أخرج له بعض النقود لكن الحظ لم يسعفني , فقد فتحت أشارة المرور ولم أتمكن من إعطاءه النقود ،تبسمت هدى وقالت :فقط هذا يا عبد اللطيف ...!, قال :نعم فقط هذا .. قالت :يا لك من رجل عاطفي وقلب حنون أحمد الله أنك لم تفتح زجاج سيارتك له فهؤلاء أغلبهم مصابون بأمراض واوبئة .. لا عليك .. مر يومين وفي قرار نفس عبد اللطيف أنه سوف يقابله ظنا منه إنه متسولا ،جاء اليوم الثالث ولم ينس عبد اللطيف صورة الرجل ، وفي أثناء خروجه من المحكمة اتجه إلى سيارته ووضع المفتاح في ثقب بابها ورفع رأسه فإذا بالرجل مقبلا عليه ، أحس عبد اللطيف بسرور في داخله لآنه سوف يعطيه ما لم يستطع إعطاءه له في المرة السابقة ، دخل السيارة ووضع يده في جيبه وأخرج بعض ما تيسر له ، وقبل أن يمد يده إليه كانت يد الرجل أسرع إلى الأستاذ عبد اللطيف وهو يقول له لا ..! ويمسك بيده ويمنعه من أخراجها ، وقبل أن يتكلم الاستاذ عبد اللطيف بادره الرجل بصوت خفيف فيه من حياء ، أأنت الأستاذ عبد اللطيف المحامي ؟ .. دهش عبد اللطيف وقال :نعم أنا عبد اللطيف المحامي .. قال الرجل : وزوجتك :اسمها هدى ، قال عبد اللطيف :نعم وهو مندهش منه ، هنا خرج الأستاذ عبد اللطيف من سيارته وقال له :أتعرفني ؟.. قال الرجل :نعم أعرفك منذ فترة قليلة .. عبد اللطيف :كيف عرفتني ؟ ... الرجل: سألت عنك وعن زوجتك حتى عثرت عليك لأقابلك ، عبد اللطيف :لماذا تقابلني ؟...
أنزل الرجل حقيبته من على كتفه وفتحها وأخرج لفافة من الأوراق الثبوتية منها وقال له :,أقرأ...!, لبس الأستاذ عبد اللطيف نظارته وراح يقرأ وينظر للرجل في اندهاش وتعجب ثم قال: أأنت والد هدى زوجتي ؟.. الرجل: نعم أنا خضر الجبلاوي ، هل وجدت في الأوراق غير ذلك ؟.. قال عبد اللطيف :وجدت أنك أبيها ، لكن هدى قالت لي هي وامها إنك مت منذ أن كانت هدى صغيرة ، قال الرجل :لا يا أستاذ عبد اللطيف ..!، بل كنت ميتا وانا على قيد الحياة ، عبد اللطيف:لقد قالت لي هدى إنك مت وتركتها وهي صغيرة حتى أنها طلبت زيارة قبرك لكن أمها قالت:لها انها تاهت ونسيت أين يوجد قبرك بين القبور ... قال الرجل : خذني معك أرى أبنتي .. ركب خضر السيارة مع عبد اللطيف وقال :
سأحكي لك قصتي .... دفعتني الحاجة للبحث عن عمل وكانت هدي صغيرة لم تتعد العامين واوقعني القدر في شباك عصابة للمخدرات فأبتزوني وهددوني بعد أن أوقعوني في شباكهم دون أن أدري فلما عرفوا واحسوا إنني غير راغب في العمل معهم دبروا لي قضية أخذت على أثرها حكما عشرون عاما ،وأعتقد أن فاطمة أم هدى أرادت تنشأ هدى يتيمة أفضل من نشأتها في كنف رجل أرباب سجون .. ها أنا أمامك وكما قرات أنا السيد خضر الجبلاوي والد هدى خضر الجبلاوي ... ، أنطلق عبد اللطيف إلى اتجاه أخر بدلا من أن ينطلق به إلى شقته أنطلق به إلى أحد الفنادق وحجز له حجرة وأحضر له حلاقا ليهندم له لحيته الرثة ، اشترى له ملابسات جديده وراح بهيئة لملاقاة بنته الوحيدة .. اتصلت هدى بعبد اللطيف لتأخره عن الوصول ، قال: لا تقلقي وسوف تعود فلدى جلسة مسائية في النيابة مع أحد الزبائن ،
أنهى عبد اللطيف اعداد حماه لمقابلة ابنته ، عاد عبد اللطيف ولم يدخل كالعادة ويفتح الشقة بمفتاحه ، بل راح يطرق على باب الشقة حتى جاءت هدى وفي ظنها أن الطارق ربما يكون من عمال الزبالة أو محصلين الكهرباء او غير ذلك ، فتحت الباب فإذا هي بعبد اللطيف وضيف معه ، كانت نظرت هدى نظرة استغراب فلم تتعود مع عبد اللطيف أن تفتح له والأغرب أنه جعلها تفتح له الباب ومعه رجل غريب عنها ،
ارتدت هدى للخلف تريد أن تتوارى لكن عبد اللطيف أمسك يدها قبل أن تهرب قائلا وهو يبتسم :اليوم أحضرت لك مفاجأة ...! ، وشدها إليه يقربها منه وأمسك باليد الأخرى يد حماه ثم ألصقهما ببعض وهي ذهول وهي تريد تفلت يدها وتهرب ، لكن عبد اللطيف ينطق بابتسامة عريضة على شفتيه وسعادة تخر من عينيه وهو يقول :هدى حبيبيتي أنه أبيك حضر الجبلاوي الذي قلت لي أنه مات وأنتي صغيرة ، أنه أبيك يا هدى ويضع بطاقته الثبوتية في يدها لآخر مغشيا عليها وينكب خضرا باكيا فوق وجهها حاضنا لها وعبد اللطيف يبكي من الفرحة فوقهم
بقلم : سيد يوسف مرسي
اعتاد الاستاذ عبد اللطيف الذهاب إلى مكتبه الكائن بشارع التحرير بسيارته المرسيدس من صباح كل يوم الساعة السابعة صباحا ، لا يستطيع التأخر والتخلف عن الميعاد لملاقاة موكليه وزبائنه ، للوقوف والترافع عنهم بدلا منهم أمام المحكمة . في ذلك اليوم خرج بسيارته كالعادة يشق طريقه حيث مكتبه ، قبل أن يغمر الزحام الشارع ويتأخر عن موكليه ، ضغط على البنزين بقدمه وأعطى السيارة غيارا لزيادة السرعة لكن أشعة الشمس غشت عينيه فاسدل ستارة تحجبها عنه وقبل أن تأخذ السيارة سرعتها فأجأته إشارة المرور بالتوقف ، لتسمح للمقابل للسير في الاتجاه المعاكس في الطريق ، تقدم إليه رجلا ذو ثياب رثة ولحية مبعثرة ووجه شاحب وعينين غائرتين ، يحمل حقيبة رثة على كتفه وقف بجوار زجاج النافذة وطرق عليه بأصابعه ،وهو يتمتم ببعض الكلمات التي لم يفهمها أو بسمعها جيدا منه نظرا لضوضاء المحركات الهادرة . نظر الاستاذ عبد اللطيف عليه ووضع يده في سترته ليخرج له بعض ما تيسر له ،لكن أدركته إشارة المرور للسير ، ظن عبد اللطيف أنه أحد المتسولين الذين يسألون الناس الحافا ...! ، لكن عدم تمكنه من إعطاءه الصدقه جعل صورته عالقة في رأسه، بالرغم من انشغاله بالمكتب ، احس أن صورة الرجل تلاحقه ، كلما حاول طرحها من أمام عينيه راودته أكثر وضوحا ...كانت الساعة قد تجاوزت الخامسة مساء حين عاد إلى شقته بعد أن قضى النهار مع الصورة والقضاه في المحكمة ، دخل شقته وألقى بحقيبته وأسند ظهره ورفع رأسه إلى السماء كأنه يبحث في سقف الحجرة عن شيء يفتقده أو غاب عنه ...
لا حظت ذلك السيدة هدى زوجته ، لكنها تجاهلت ذلك وأتت له بفنجان القهوة الذي اعتاد عليه كل يوم بعد عودته من عمله ، نظرت هدى إليه وتبسمت قائلة : ماذا بك يا عبد اللطيف ؟. عبد اللطيف :لا شئ .. هدى: لا تخفي عني وقل ماذا بك ؟.. فليس كعادتك .. عبد اللطيف : وماهي عادتي ؟ ، هدى :لا تخبئ عني شيئا ..!؛
تنهد عبد اللطيف تنهيدا كبيرة وأخذ نفسا عميقا وقال:الموضوع تافه لكنه علق براسي ..
هدى : تكلم يا عبد اللطيف أقلقتني ..
عبد اللطيف :في الصباح وانا ذاهب إلى المكتب تقدم رجلا بثياب رثة ولحية طويلة وطرق على زجاج السيارة وقال بعض الكلمات التي لم أفهمها منه دون أن أفتح الزجاج له ووضعت يدي في جيبي كي أخرج له بعض النقود لكن الحظ لم يسعفني , فقد فتحت أشارة المرور ولم أتمكن من إعطاءه النقود ،تبسمت هدى وقالت :فقط هذا يا عبد اللطيف ...!, قال :نعم فقط هذا .. قالت :يا لك من رجل عاطفي وقلب حنون أحمد الله أنك لم تفتح زجاج سيارتك له فهؤلاء أغلبهم مصابون بأمراض واوبئة .. لا عليك .. مر يومين وفي قرار نفس عبد اللطيف أنه سوف يقابله ظنا منه إنه متسولا ،جاء اليوم الثالث ولم ينس عبد اللطيف صورة الرجل ، وفي أثناء خروجه من المحكمة اتجه إلى سيارته ووضع المفتاح في ثقب بابها ورفع رأسه فإذا بالرجل مقبلا عليه ، أحس عبد اللطيف بسرور في داخله لآنه سوف يعطيه ما لم يستطع إعطاءه له في المرة السابقة ، دخل السيارة ووضع يده في جيبه وأخرج بعض ما تيسر له ، وقبل أن يمد يده إليه كانت يد الرجل أسرع إلى الأستاذ عبد اللطيف وهو يقول له لا ..! ويمسك بيده ويمنعه من أخراجها ، وقبل أن يتكلم الاستاذ عبد اللطيف بادره الرجل بصوت خفيف فيه من حياء ، أأنت الأستاذ عبد اللطيف المحامي ؟ .. دهش عبد اللطيف وقال :نعم أنا عبد اللطيف المحامي .. قال الرجل : وزوجتك :اسمها هدى ، قال عبد اللطيف :نعم وهو مندهش منه ، هنا خرج الأستاذ عبد اللطيف من سيارته وقال له :أتعرفني ؟.. قال الرجل :نعم أعرفك منذ فترة قليلة .. عبد اللطيف :كيف عرفتني ؟ ... الرجل: سألت عنك وعن زوجتك حتى عثرت عليك لأقابلك ، عبد اللطيف :لماذا تقابلني ؟...
أنزل الرجل حقيبته من على كتفه وفتحها وأخرج لفافة من الأوراق الثبوتية منها وقال له :,أقرأ...!, لبس الأستاذ عبد اللطيف نظارته وراح يقرأ وينظر للرجل في اندهاش وتعجب ثم قال: أأنت والد هدى زوجتي ؟.. الرجل: نعم أنا خضر الجبلاوي ، هل وجدت في الأوراق غير ذلك ؟.. قال عبد اللطيف :وجدت أنك أبيها ، لكن هدى قالت لي هي وامها إنك مت منذ أن كانت هدى صغيرة ، قال الرجل :لا يا أستاذ عبد اللطيف ..!، بل كنت ميتا وانا على قيد الحياة ، عبد اللطيف:لقد قالت لي هدى إنك مت وتركتها وهي صغيرة حتى أنها طلبت زيارة قبرك لكن أمها قالت:لها انها تاهت ونسيت أين يوجد قبرك بين القبور ... قال الرجل : خذني معك أرى أبنتي .. ركب خضر السيارة مع عبد اللطيف وقال :
سأحكي لك قصتي .... دفعتني الحاجة للبحث عن عمل وكانت هدي صغيرة لم تتعد العامين واوقعني القدر في شباك عصابة للمخدرات فأبتزوني وهددوني بعد أن أوقعوني في شباكهم دون أن أدري فلما عرفوا واحسوا إنني غير راغب في العمل معهم دبروا لي قضية أخذت على أثرها حكما عشرون عاما ،وأعتقد أن فاطمة أم هدى أرادت تنشأ هدى يتيمة أفضل من نشأتها في كنف رجل أرباب سجون .. ها أنا أمامك وكما قرات أنا السيد خضر الجبلاوي والد هدى خضر الجبلاوي ... ، أنطلق عبد اللطيف إلى اتجاه أخر بدلا من أن ينطلق به إلى شقته أنطلق به إلى أحد الفنادق وحجز له حجرة وأحضر له حلاقا ليهندم له لحيته الرثة ، اشترى له ملابسات جديده وراح بهيئة لملاقاة بنته الوحيدة .. اتصلت هدى بعبد اللطيف لتأخره عن الوصول ، قال: لا تقلقي وسوف تعود فلدى جلسة مسائية في النيابة مع أحد الزبائن ،
أنهى عبد اللطيف اعداد حماه لمقابلة ابنته ، عاد عبد اللطيف ولم يدخل كالعادة ويفتح الشقة بمفتاحه ، بل راح يطرق على باب الشقة حتى جاءت هدى وفي ظنها أن الطارق ربما يكون من عمال الزبالة أو محصلين الكهرباء او غير ذلك ، فتحت الباب فإذا هي بعبد اللطيف وضيف معه ، كانت نظرت هدى نظرة استغراب فلم تتعود مع عبد اللطيف أن تفتح له والأغرب أنه جعلها تفتح له الباب ومعه رجل غريب عنها ،
ارتدت هدى للخلف تريد أن تتوارى لكن عبد اللطيف أمسك يدها قبل أن تهرب قائلا وهو يبتسم :اليوم أحضرت لك مفاجأة ...! ، وشدها إليه يقربها منه وأمسك باليد الأخرى يد حماه ثم ألصقهما ببعض وهي ذهول وهي تريد تفلت يدها وتهرب ، لكن عبد اللطيف ينطق بابتسامة عريضة على شفتيه وسعادة تخر من عينيه وهو يقول :هدى حبيبيتي أنه أبيك حضر الجبلاوي الذي قلت لي أنه مات وأنتي صغيرة ، أنه أبيك يا هدى ويضع بطاقته الثبوتية في يدها لآخر مغشيا عليها وينكب خضرا باكيا فوق وجهها حاضنا لها وعبد اللطيف يبكي من الفرحة فوقهم
بقلم : سيد يوسف مرسي
