أيها المسافرون إلى الغياب
رسالة الى شبابنا الذين يفكرون بالهجرة من فلسطين .. بالله رويدكم .. الزخم المتصاعد لموجة هجرة الشباب يثير الريبة ويطلق الكثير من الأسئلة.. ألا ترون أن الأمر غير عادي... لقد تجاوز الأمر المستوى العادي.. وذلك يشير إلى اللاعبين المختبئين خلف الستار.
بهائي راغب شراب
29 -08-2023
..
أيها المسافرون إلى الغياب
تمهلوا...
راجعوا أخر ما كتبتم في كراسكم المُهْمَلِ في الظلال
واسألوا أنفسَكُم ..
هل اكتملت خطتكم للخروج الأخير بنجاح ؟
هل ستهاجرون إلى الأبد.. بلا عودة إلى حلمكم القديم ؟
وهل السفر إلى المجهول هو الحل الأخير للخروج من المآزق المتراكمة المستحقة للوطن؟،
ولماذا تحاصرون مخكم المتضائل بفكرة القالب الوحيد؟،
ولماذا لا تستخدمون مخكم وأنتم تنحتون في صخر الاحتلال المُدَوّي،
تستكشفون طريقكم إلى النور..
يقبع وحيداً في الجهة المقابلة لنصف مخكم الآخر المشلول.
وكيف تتحررون من رَسْفِ القيود ؟
*
أيها المسافرون بلا تاريخ، وبلا قطارات، وبلا طائرات، وبلا أهداف، تُؤَمِنَ لكم الوصولَ المُريحِ إلى مَحَطَتِكم الأخيرةِ .. دون خريطة الدليل إلى الرجوع.
أيها المسافرون المهاجرون، المُتَقَلِبونَ، المُنْقَلبونَ، المُتَلَوِنونَ،
هل راجعتم حساباتِ مُعامِلِ البقاءِ، ترابطون في ، أجلِّ الثغور،
بدون أن تخسروا فلسطين مزرعة الزهور؟
وهل ذكرتم ولاءكم للتين والزيتون؟،
وهل جَدَدْتُمَ العهدَ بالوفاءِ، وأنكم ستواجهون المُحاصِرينَ وحِصارَهم الملعون؟
واخبرونا ..
هل أنتم مِنّا ؟ إِذَنْ ..
لماذا تَطْرُدونَ الوطنَ مِنْ قلوبِكم؟
لماذا تُنكِرونَ مكانَ ولادتِكُم المعزولِ أمام أبواب الجنة تنتظرون الدخول ؟ ،
وتَنْسَوْنَ سعادةَ الأهلِ والجيران عند حضوركم الميمون.
ولماذا تُنْكِرونَ علينا أنْ نُحِبُكم إلى الأبد ، بلا ثمنٍ ، ولا اسْتِعبادٍ ، ولا جُنون؟..
*
أيها المسافرون إلى الغياب ..
ماذا ستأخذون معكم؟
ماذا ستتركون؟
هنا كان حَبْوَكُم وتَعَثُر خطواتِكم وأنتم تحاولون السير مسرعين إلى أحضان آبائكم،
وهنا آثار تخريبكم الألعاب وأوراق الدراسة والمزاهر والأكواب والصحون،
وهنا كسرتم البيض، ونثرتم الدقيق على الأرض وفيه تتمرغون،
هنا كل شيء،..
البدايات والنهايات ، الأفراح والأحزان ، وولادة النجوم،
وهنا الارتقاء والصعود.
*
أنتم اليوم تسافرون ، إذَنْ ..
خذوا معكم بعض الذكريات،
واحملوا في عيونكم صور الوسائد والأَسِرَّةِ وموائدِ الطعام،
وخذوا تسجيلات أصوات بكائكم وضحككم والجدالات العقيمة ،
وأنتم تلعبون مع أقرانكم، بلا خوف وبلا حساب،
واكتبوا عناوين بيوتكم، واسماء الشوارع والدكاكين الصغيرة، وباعة الخضار،
ولا تنسوا المدارس ومن علموكم الكلام.
خذوا تاريخكم كله
احفظوه في صدوركم من الضياع،
أنتم ما زلتم تجهلون اتجاهات البوصلة
لمْ تقيسوا طولَ المسافات،
ولم تَحْسِبوا عددَ الشهورِ والأعوام.
تحتاجون لكل شيء تركتموه ورائكم...
وجوه آبائكم واخوانكم وأصدقائكم ...
وأمواج بحركم الحنون.
وتَذَكَروا أنكم..
مِنْ هنا ولستم مِنْ هناك.
وأن العِشْرَة لا تهون.
*
أنتم المسافرون إلى الغروب
في طريقكم بحرٌ مُظْلمٌ يحكُمَهُ الطغيان،
تُبْحِرون فيه بلا شِراعٍ وبلا رُبّان.
أنتم الهاربون من كوابيسكم المُهْتَرِئةِ،
ومن سهر الليل الطويل مع دُخانِ سَجائِرِكُم المُخَدِرة..
سافروا،
اذهبوا بعيدا،
لن أطلب منكم ألّا تنظروا خلفكم وأنتم تغادرون البيت والأحباب.
ولن يمنعكم أحد ،
فأنتم الأحرار كما تظنون وكما أخبرتكم الشائعات ،
أنتم تقررون مصيركم
وأنه قد آن الأوان..
أن تغيروا اسماءكم وعناوين بيوتكم ووجوهكم ،
وتُسْقِطونَ حروفَ الجمال اليتيم من أمانيكم الحائرة،
سافروا وابعدوا ما استطعتم..
ولن تقدروا..
سيظل منكم شيء وراءكم
يبوح بأسراركم وأمنياتكم المُحَلِقَةِ في السحاب،
أن تكونوا أبطالا تقودون جحافل الجيوش ،
تخترقون حدود الصمت والانتظار،
تحررون القدس والأقصى ،
تستكملون الشروق،
وتعلنون الانتصار
*
سيظل منكم حُلمٌ طُفولي يضيءَ سماءَكم،
يستنفر من نام الدهور والأعوام.
وآثار خطواتكم تبقى شاهدة..
وأنتم تقعون وتحجلون، ولا تيأسون،
وهي تكبر وتتسع يوما بعد يوم وعاما بعد عام..
تصنعون البزوغ..
تهزمون الانشطار.
*
أيها المسافرون في الضباب،
تَفِرونَ إلى السراب،
لا تغادروا البلاد،
لا تورثونا اليباب والخراب،
لا تتركونا وحدنا
أنتم حقٌ لنا،
أنتم الصباح والمساء،
وأنتم المآذنُ والصلاةُ والتهجدُ والدعاء،
أنتم الحب والشوق، ولواءُ العِزِّ يَمْخُرَ عباب البحر وفي الفضاء،
وأنتم قبل كل أمر،
وبعد كل أمرٍ ..
الفرسان الفاتحين، وسيفنا البتّار.
نضرب بكم رقاب الاحتلال ،
ورقاب من خانوا ومن باعوا ومن شَرْعَنوا اغتصابه للجبال والشواطئ وبيارات البرتقال،
وبكم.. نصنع المُحَال
أيها المسافرون إلى الغياب..
**
تعليق