[align=center]
... ولم يكن ثاني اثنين لأبويه، ولا ثالث ثلاثة بين صديقيه، بل كان وحيدا منفردا يتيما دون الكثيرين ممن هم في سنه، ولم يكن أحد يعلم ما يضطرب في فؤاده ولا ما يتقلب في ذهنه سواه، ثم إنه كان كثيرا ما ينزوي داخل غرفته الصغيرة ليكتب على قصاصات من الورق الأبيض ما يشاء عن الأرض والسماء والبحر، وليرسم على مثيلاتها ما يريد عن ذات الأرض ونفس السماء وعين البحر ...
من يرى تلك القصاصات المتراكبة يحسب أن الكتابة لديه بحر لا ساحل له، ومد لا جزر له، وأفق لا مدى له، والذي يبصر نظيراتها المنثورة في غرفته على الطاولة الصغيرة، وفوق الرفوف، والملصقة على الجدران، يظن أن الرسم عنده سماء لا منتهى لها، وأرض لا حدود لها، وأما الذي يشاهده عن كثب وهو مشدود إلى ما يكتب، أو متعلق بما يرسم، فسيخيل إليه أن الماثل أمامه منشغل حينا بصنف من الإبحار غريب، وحينا مهتم بلون من الترحال عجيب، وحينا محتفل بضرب من التحليق قشيب ...
اعتاد الجميع رؤيته خارج البيت شاردا وهو يمشي قاصدا، أو غارقا في تفكيره وهو جالس، أو متأملا في صمت وهو قائم في مكانه شساعة الأرض وزخرفها، ومن وما يدب فوقها ويزحف، أو متدبرا في سكينة سعة السماء عندما تكون الشمس قد شرعت في شروقها، أو في الوقت الذي تميل إلى الغروب، أو متفكرا في عظمة البحر ساعة هدوئه وحين اضطرابه ...
وذات يوم أقبل رجل يسعى من أقصى الحي، فلما بلغ منتهاه أخرج صورة من جيبه، وبدأ يسأل كل من يصادفه: هل تغرف صاحب هذه الصورة؟...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com[/align]
عُزْلَةٌ
... ولم يكن ثاني اثنين لأبويه، ولا ثالث ثلاثة بين صديقيه، بل كان وحيدا منفردا يتيما دون الكثيرين ممن هم في سنه، ولم يكن أحد يعلم ما يضطرب في فؤاده ولا ما يتقلب في ذهنه سواه، ثم إنه كان كثيرا ما ينزوي داخل غرفته الصغيرة ليكتب على قصاصات من الورق الأبيض ما يشاء عن الأرض والسماء والبحر، وليرسم على مثيلاتها ما يريد عن ذات الأرض ونفس السماء وعين البحر ...
من يرى تلك القصاصات المتراكبة يحسب أن الكتابة لديه بحر لا ساحل له، ومد لا جزر له، وأفق لا مدى له، والذي يبصر نظيراتها المنثورة في غرفته على الطاولة الصغيرة، وفوق الرفوف، والملصقة على الجدران، يظن أن الرسم عنده سماء لا منتهى لها، وأرض لا حدود لها، وأما الذي يشاهده عن كثب وهو مشدود إلى ما يكتب، أو متعلق بما يرسم، فسيخيل إليه أن الماثل أمامه منشغل حينا بصنف من الإبحار غريب، وحينا مهتم بلون من الترحال عجيب، وحينا محتفل بضرب من التحليق قشيب ...
اعتاد الجميع رؤيته خارج البيت شاردا وهو يمشي قاصدا، أو غارقا في تفكيره وهو جالس، أو متأملا في صمت وهو قائم في مكانه شساعة الأرض وزخرفها، ومن وما يدب فوقها ويزحف، أو متدبرا في سكينة سعة السماء عندما تكون الشمس قد شرعت في شروقها، أو في الوقت الذي تميل إلى الغروب، أو متفكرا في عظمة البحر ساعة هدوئه وحين اضطرابه ...
وذات يوم أقبل رجل يسعى من أقصى الحي، فلما بلغ منتهاه أخرج صورة من جيبه، وبدأ يسأل كل من يصادفه: هل تغرف صاحب هذه الصورة؟...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com[/align]
تعليق