معالم الحداثة في شعر منذر بشير الشفرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • اسمهان عتابي
    • 21-09-2008
    • 3

    معالم الحداثة في شعر منذر بشير الشفرة


    [align=justify][/align]
    معالم الحداثة لدى الشاعر منذر بشير الشفرة

    بقلم
    أسمهان عنابي


    صدرت بتونس المجموعة الشعرية الأولى للأديب القيرواني المنشأ منذر بشير الشفرة بعنوان يثير الانتباه ويحير في آن "أنامل وأقراص ليزر" وللوهلة الأولى اختلط في ذهن القاريء عمق الإحالة التراثية من خلال اللوحة الزيتية المرسومة على الغلاف وهي من إبداع الشاعر والتجاوب الحميمي ما بين الأصالة والمعاصرة. لقد شد انتباهنا إلى عمق تجربة الشفرة وتأصلها في كيان التراث ما كان قد صرح به الروائي السوري حنا مينة في زيارته للقيروان في ربيع 2006 أمام ابنه سعد مينة وثلة من مثقفي المدينة العريقة" شعر الشفرة كالماء في وجدان التراث,,," وما أقره الشاعر التونسي الدكتور محمد الغزي" شعر الشفرة يحيلنا الى أكوان التجلي وروح الوجد في حلية من الأنس والعشق...انه ينحت الحب حتى من حفار القبور وهي احدى قصائده المميزة"
    وحتى يتسنى لنا أن نلج الى أعماق هذه التجربة الأصيلة يمكننا العودة الى ما قاله شوقي بزيع في كتابة الشاعر منصف الوهايبي لأنه يمثل أحد الرموز الشعرية التي حددت ملامح تجربة كل من الشاعر فتحي النصري ومنذر بشير الشفرة وحافظ محفوظ و سلوى الرابحي ذلك بعيد نشره للمجموعة الأخير بدار النهضة.
    في مجموعته الجديدة «كتاب العصا وقصائد من فهرست الحيوان»، الصادرة عن دار النهضة العربية في بيروت،" تتجه قصيدة الوهايبي الى مزيد من التأمل في احوال الذات والعالم بقدر ما تنشغل بالكتابة نفسها كوسيلة وغاية في آن واحد. على ان العنوان الطويل الذي اختاره الشاعر لمجموعته يحمل بحد ذاته دلالات على مقاصد الوهايبي ومراميه. فالدلالات المتعلقة بالرمزية الدينية والجنسية والتأويلية للعصا تتكشف أبعادها في القصيدة الأولى مع تركيز واضح على الربط بين الدلالة السحرية لهذه الأداة التي استخدمها موسى لإثبات نبوته في وجه السحرة الماكرين وبين الدلالة اللغوية لها حيث يصبح حرف الألف المشابه لها رمزاً لفعل الكتابة نفسه بكل ما يحمله من عناصر الغواية والشغف والمتعة من جهة وعناصر القلق والريبة والشكوك الدائمة من جهة أخرى." وينطبق قول شوقي بزيع على تجربة الشفرة التي تذكرنا بتلوينات أنسي الحاج ومخيال يوسف الخال:قصيد الوهايبي هذا يشير الى حلم الشفرة وتوقه وكتابة تستنطق المز وتجلياته:


    "الكتابة مثلي ومثلك
    تحمل أمواتها في ثنايا الكلام
    والكلام لهم هؤلاء الذين ينامون في نومنا
    حيث نحن ننام:
    في منازلنا
    او على مقعد في الحديقةِ
    او في رخيص الفنادقِ
    مثلي ومثلك في حلمهم يحلمون"
    يكتب الشفرة في مجموعته "أنامل وأقراص ليزر" عن الوعي بالوجود والفرادة في الظهور. ولعله ذات الشغف الذي يتبدى لدى الوهايبي فإدراك الشفرة يدعو الظاهر لخيانة الباطن,
    "إدراك
    لم وجهي ينساب اليك
    ويراق احتفاء
    بين يديك
    عله الشوق الدفين
    أم ترى خجلي
    من وجنة حرى
    راحت عنها القبل"


    كتابة الشفرة تعود الى مرافيء الذكرى وتوقع استيطيقا جديدة لليد الممدودة كحقل من رؤى خصبة. إن السماء التي يطمح اليها الشاعر آبقة ولا ترتضي لنفسها سوى لغة العين والغوص في العناصر الأربعة التي أوردها باشلار وطور نحتها جان بيار ريشار في دراساته النقدية:

    بكفيك أينع عشب الذاكرة

    "وأحتاج همسي لأقبض شيا
    من العين ترنو اليا
    وأحرس سفري لعل المرايا
    باقراص ليزر ترددني حلمها الافتراضي...تشرعني
    ظلها...لا...
    أصير سويا
    أنامل من فيض حسي...وشمسي"

    كيف للقاريء أن لا يشعر بوقع الوجد وقوة الاختزال في حلم الحلم والسفر الأفتراضي . لقد قسم الشاعر منذر بشير الشفرة مجموعته الى ثلاثة أحلام متباينة ومتكاملة في آن,

    "حلم افتراضي 1 من أي قافية أتيت؟" ومن خلالها يتبين الوجود الانساني كبحث ما قبلي,
    "حلم افتراضي 2 كرميم النخل صمتي..."وهو ثقل التراث وكاهله,
    "حلم افتراضي 3 هل من شراع؟" البداية والنهاية بالسؤال وطيف الأمل,

    تقسيم يبين أفلاك الحداثة داخل أنساق من المخزون التراثي فالقطيعة المعلنة اثر الحداثة ما هي الا استبطان لخيط حنيني مرهف ولعب منطقي بمرجعية الفيلسوف "هويزنقا" كما تفضل بتبيانه الأستاذ حاتم النقاطي في مقالته عن منذر بشير الشفرة أو لاعبية الذات, فالقصائد تنبيء عن رمزية تنهل من روافد الفكر الصوفي الذي تميزت به مدرسة القيروان في الشعر من الشاذلى عطاء الله الى الناصر صدام فمحمد الغزي ومنصف الوهايبي. لا يمكن ولوج عوالم منذر بشير الشفرة دون العلم بسعة اطلاع هذا المبدع الملم بلغة الضاد ولغة فولتير في آن. هي موسيقى الفرادة والوحدة مع الذات:


    "ألسنة النشيد
    من صبوة كانت اغاريد الحصى والمجاري
    تقفو حروف الظل والكلمات
    لهبا من وسط شمس العين أرغت جنونا
    ما بال اغنية قد قدست لسني؟
    ما بال ركب البيد يغزو حينا ترديدا؟
    هذي شعور الكتب قد نتفت
    وانساب منها الحرف منتحبا
    غرا بدت خيل الكلام تعرت
    في الرمل قافية
    للفرح أقبية
    وفي سواد الهدب نشرا سابحا من صراخ
    نار الخطى قد جمعت شعر المسافات التي انتثرت
    حبا نما بعين زرقاء اليمامة
    ذراه سمع مظلم نارا
    فكر رحيب السعي
    قد ضاقت صحارى من عباراته
    فصار ورقا من ذبول
    واهتراء
    قل ينبت النضير من كفن الحاء
    وذي تمائمي بدت شيبا على خصلات أوراقي
    أعجاز نخل مثقل ذكريات
    حبلى بأطياف الصفير"
    يتبين لنا من خلال العملية الابداعية لدى الشفرة أن الجميل هو صنو المتعالي كما بين ذلك الفيلسوف كانط فالمتعالي خاص ولا يشبه الجميل في شيء. يتبدى الجميل دوما لنا بشكل محدد ويعطينا سمة اللامحدود, يتميز هذا العنصر وصنوه بطبيعتهم والمشاعر التي يولدانها.
    في مرحلة ما يتدفق النظري في الابداع ويكون اللسان العضو في البدن متكلما عن ذاته:
    اللسان الضرير
    حدث اللسان قال:
    هجع الألى بقلائدي وناموا,,,وسرت
    بلحمي رعشة
    ودنا باض العين من سوادي
    فدخلت آجام اللئام شريكا
    وشربت نبعا من حديث صمتي
    برح الندى فصرت
    أيكا بلا ماء ولا طير ولا حتى احتدام
    ينطوي زمن الحجارة
    ورقا يهوى الانحدار...."
    وفي سكون الحرف المارد تورق القدسية لدى الشاعر الشفرة كلمات من سحر وفيضا من سكون ولعل قصيده العتبة على ايجازه يكشف ستر الحياة ويعبر عن سر الداخل والخارج والباطن والمصرح به والسجن المحرروالحرية الآبقة:
    "العتبة
    من جاوز الباب كي يخرج مني
    لا تدعه يصارع
    فأنا البيت وأنا الشارع"
    إن الباحث المتأمل لكتابة الشفرة يلحظ جليا تأثيرات الشعر الفرنسي المعاصر من تجارب قييفيك وجامس ساكري وهنري ميشو كما تتبدى التلوينات البصرية والايقاعية صدى لشعر أدونيس وأمل دنقل وخليل حاوي فهو لملمة لممالك عدة في خط واحد يطغى عليه النفس الصوفي وهو الشي ذاته الذي يتبدى في ديوان الشفرة المخطوط بالفرنسية والذي نشر منه أجزاء عديدة في جريدة Le temps التونسية في الثمانينات من هذا القرن وقد عنون مجموعته كالتالي" لمن تدق أجراس القيروان؟"Pour qui sonnent les glas de Kairouan ? فالباحث في مخيال هذا الشاعر القيرواني المنشأ والعربي الانتماء يذهل لتعدد مشاربه وتنوع فضاءاته الرمزية كالذي يتبدى بقصيد" غادة الشانزيليزيه"

    "نفضت عن خصلتها نور الصباح
    وجدت حين دغدغ دخان السيجارة
    أهدابها المصطنعة
    وتسلل للشعر المسدل ألف شراع
    وجناحا دوران
    يحلم بالسبايا
    بطل يراوح ما بين الرشيد
    والأمين والمأمون
    بطل تغتاله الدنيا تنأى عنه العيون"
    كتابة تخترق المألوف وترحل بنا الى أكوان جديدة وتبين أن تونس الشابي والغزي والوهايبي يمكنها استبطان أصوات جديدة ذات مكامن عميقة وحروفية حرفية كالشفرة والنصري ومحفوظ وجميلة الماجري وغيرهم من آثر البحث خارج السرب للعودة اليه بكل الفخر والأنفة والاعتزاز.
    يقدم منذر الشفرة في كتابته مكاشفات الوجد والحلول, تجربته ورؤيته حول الكتابة الشعرية التي تكتسب أهمية خاصة كونها جاءت بعد رحلة سنوات من الكتابة النقدية والروائية متمثلة في تجسيد واقع القيروان وما أفسح منها من عوالم العرب عبر الاهتمام بالتفاصيل اليومية. يسجل الشاعرفي هذا الكتاب وعيه بالكتابة كمعطى معرفي وإبداعي يسعى إلى تسجيل العادي والمستهلك في نسق الحياة اليومية ليصبح ذا قيمة إنسانية كبرى. فمحور كتاب "أنامل وأقراص ليزر" هو الكتابة كعنصر إبداعي بالدرجة الأولى. لكن الكتابة عند الشفرة ليست مجرد كتابة مفرغة من الدلالة الموضوعية والفكرية، بل إنها رحلة تكتسب أهميتها من ارتباطها والتزامها بالتعبير عن قضايا بعينها. وليس غريباً أن تحمل تقاسيم الديوان عناوين طرفها الأول دائماً الكتابة: الكتابة والجنون، الكتابة والحلم، الكتابة والقيروان، الكتابة والسياج الاجتماعي، الكتابة والشكوى، الكتابة والهوس والتأمل. من خلال هذه العناوين يكشف الكاتب عن جدية العلاقة بين الكتابة والموضوعات الأخرى التي تشكل هاجساً ملحاً في كل عوالم الشاعر. وكأننا أمام ثنائيات طرفها الأول دائماً هو فعل الكتابة. فالكتابة بهذا المفهوم تضطلع بسلطة تفوق سيادة الواقع الذي يوازيها. ولا يمكن فهم هذا الجانب الرمزي إلا من خلال الكتابة كقناة تساعد على كشف الصراع الخفي بين الكاتب والتعبير عن عالمه. وليس غريباً أن نرى الشاعر في تبيان الفعل الملحمي والرومنسي يجادل كثيراً في تبيان أن الكتابة وفقاً للنهج الواقعي هي الأنسب ما دام أنها كتابة عن المدينة وصراع التحولات. إن المأزق الذي يواجهه الكاتب في أشعاره هو الموقف من الزمن وكتابة النسيان. فكتباته جميعا النقدية والقصصيةً تتمحور في نقطة زمنية ماضية ولكنها متعالية، وهي نادراً ما تشارف لحظة الزمن الحاضر. لكنها بطبيعة الحال ليست كتابة تاريخية أو كتابة عن التاريخ، بل إنها كتابة شعرية تشرب من السرد الرمزي عن ماض تخييلي في محصلته النهائية رغم أن مرجعيته القيروان الاسلامية أعمق وأثرى في بعدها التاريخي الحقيقي. إذاً فهي كتابة عن الماضي المتخيل تعكس إدانة ما للزمن الحاضر. وهذا ما ساق الشاعر إلى النبش في الماضي بصيغة متداعية يظهر فيها تهميش وتقبيح الزمن الحاضر كسلطة مضادة تسعى إلى إلغاء الزمن الماضي في تجلياته الاجتماعية والإنسانية. إن كتابات الشفرة لا تركن إلى أن ما يحدث هو نتاج تاريخ منخرط في تجارب الأدب ، بل إنها تجادل لصالح الزمن الماضي بوصفه النموذج الذي عليه أن يبقى إذا ما كان البقاء سيرسم للانسان صورة من رمز وقدسية تنتفي معها علامات التدنيس في الحاضر ويبدو هكذا الشعرفي نقاءه وصفاءه.










    المراجع والمصادر

    أنامل وأقراص ليزر,منذر بشيرالشفرة, شعر,تونس 2006
    ……….
    AQUIEN Michèle, La Versification appliquée aux textes, Nathan Université, coll. « 128 », 1993
    DESSONS Gérard, Introduction à la poétique – Approche des théories de la littérature, Dunod, 1995
    ARISTOTE, Poétique [IVe s. AC], Livre de poche, 1990
    BOILEAU Nicolas, Art poétique [1674]
    KRISTEVA Julia, La Révolution du langage poétique – L’avant-garde à la fin du XIXe siècle, Seuil, 1974
    Au choix : FOURCAUT Laurent, Lectures de la poésie française moderne et contemporaine, Nathan, 1997
    LEUWERS Daniel, Introduction à la poésie moderne et contemporaine, Dunod, 1990
    COHEN Jean, Structures du langage poétique, Flammarion, 1966
    RIFFATERRE Michael, Sémiotique de la poésie [1978] Seuil, trad. 1983
    CLAUDEL Paul, Réflexions sur la poésie, NRF, coll. « Idées », 1963
  • طارق الايهمي
    أديب وكاتب
    • 04-09-2008
    • 3182

    #2
    [frame="8 98"][frame="1 98"][read]
    [glow=000000][glint]عزيزتي اسمهان[/glint]

    يالروعة القيرواني
    والاروع من ذلك ماقدمتيه من جهد لنقل ذا الحرف الذي يستحق التامل
    والابحار في عمق خياله

    بوركت وسعيك مشكورا

    دمت بفرح

    تحياتي مع التقدير


    [glint]طائر الفرات[/glint][/glow]

    [/read][/frame][/frame]



    ربما تجمعنا أقدارنا

    تعليق

    • منذر بشير الشفرة
      عضو الملتقى
      • 19-09-2008
      • 34

      #3
      عيد سعيد

      عيد سعيد ومبارك للأخت اسمهان وحيا الله أخانا طارق على الكلمات الجميلة,,
      والله لقد فاجأتني الأخت أسمهان عنابي بدراستها الدقيقة التي تنبيء بمعرفة لأصول النقد الأدبي وأشكر اهتمامها بكتاباتي بالرغم من أني لم أهدها مجموعتي الشعرية لعدم معرفتي بها,,
      بقي لي عدد من النسخ ومن أراد أن أهديه واحدة فما عليه الا بعث عنوانه,,

      لعلنا نتواصل في هذا العالم الرحب,,,
      مع كل التمنيات بالتمتع بنفحات العيد السعيد والصحة الموفورة والعائلة المتناغمة على نسق التقوى والايمان
      mondherchafra@yahoo.fr

      تعليق

      يعمل...
      X