ابنة عم أبى
1
نتكوم كالفراخ فى هذه العلبة الكرتونية .. منا من يتخشب فوق الدكة الخشبية الجرداء .. ومنا من يفترش له مكانا تحت عرش والدي النيكل المصقول ، اللامع دائما ، ذى الداير المشغول ، و الناموسية التى تجعل منه شيئا مقدسا !!!
لما كنت أكبر الأولاد ، أبى على والدي النوم فى أحضان نعمة و هدى .. كانت الدكة فى مواجهة العرش العالي .. وكان من عادتي دفن وجهي فى الحائط ؛ اتقاء لهذه النظرات الغضبى ، التى يسددها إلى أبى كلما كانت عيناى مفتوحة الأجفان !!!
انتابتني وخزة قلق ، سبقتني فيها عيناى ، نحو العرش ؛ لتصطدم بأبي العاري الجسد ، و تخرق أذني أصوات لهاث وآهات ، وما هي إلا ثوان حتى مزق صراخ أمي العليلة – منذ زمن – ليل جحرنا الكئيب !!
2
أتت تتهادى فى ثوبها الفضفاض ، وقرطها الكبير ، ينحر نظرات العيون ، و المشاءالله تتألق كنهر تصب فيه الشمس عصيرها، وتحتضن هضبتى النهدين ..ووجهها الخمرى الشاب متدفق أليف ، و عيناها الزرقاوان تحملان الكثير من الدهاء و الحزين الرزين ، وعجيزتها المنتصبة خلفها تحكى أهازيج من حنان و هدهدة محببة .
كم تمنينا أن تكون أمنا مثلها ، لكن المرض اللعين ، وحياة المدينة الشقية ، كانا يمتصان من عودها عصيره ؛ فيبدو جافا ممصوصا !
قال أبى مبتهجا :" هذه ابنة عمى من البلدة جاءت .. هيا سلموا عليها ".
شملتنا برعاية وحب ، فتربعت على أبسطة قلوبنا ، وصدورنا ، و أفئدتنا ، و بطوننا التي تهضم الزلط .. تحلقناها ، و نظراتنا مسددة إلى سبتها الثقيل الزاخر بالحلوى ، و الفاكهة ، و الخبز الطازج !
راحت تغذى همهمة الحرمان ، و قعقعة البطون ، و تطبطب على أكتافنا ، و نحن نلعق افرازاتنا تشوقا .
عندما بسطت محتويات ( سبتها ) ، و التففنا حول الطبلية ، كانت ثمة نبرة و إيماءة ، و نظرة تخترق عيداننا ، سعيا إلى حيث كان والدي ، مفعما على غير عادته !
3
التم الجيران .. وجيران الجيران، و اختنقت الحجرة لحد الموت .. و انتفض أبى عاريا :" بلد بنت .... ما تصدقوا تجدوا مصيبة .. وتشبعوا فيها لطما .. كل واحد حر فى بيته .. ايه ياوليه يامعتوهة .. أتغارين من ضرتك ؟!! ".
و كان قد حاصرها ، وراح يكيل لها الضربات باليدين و القدمين .. شاتما .. مفتتا هذا النوع من الغل الكريه .. أطاح بنا .. ونحن نصرخ .. نصرخ ممسكين بتلابيبه ما استطعنا .. محاولين الزود عن أمنا !!
4
تحاملت أمي على نفسها .. لم تصدر عنها آهة ألم واحدة ، اللهم إلا هذا الصوت الذي تعكسه لكمة قوية عند إصابتها قربة مملوءة بالماء .
عندما أغلقت عيني الحائرتين ، ما بين النعاس ، ومتابعة العرش ، كانت أمي تنتبذ لها مكانا ، خارج الحجرة ،ظلت ساكنة فيه سنينا طويلة ؛ حتى أننا ما استطعنا تحديد اليوم أو الساعة التي صعدت فيها روحها كسحابة متلاشية عبر الفضاء !!!
1
نتكوم كالفراخ فى هذه العلبة الكرتونية .. منا من يتخشب فوق الدكة الخشبية الجرداء .. ومنا من يفترش له مكانا تحت عرش والدي النيكل المصقول ، اللامع دائما ، ذى الداير المشغول ، و الناموسية التى تجعل منه شيئا مقدسا !!!
لما كنت أكبر الأولاد ، أبى على والدي النوم فى أحضان نعمة و هدى .. كانت الدكة فى مواجهة العرش العالي .. وكان من عادتي دفن وجهي فى الحائط ؛ اتقاء لهذه النظرات الغضبى ، التى يسددها إلى أبى كلما كانت عيناى مفتوحة الأجفان !!!
انتابتني وخزة قلق ، سبقتني فيها عيناى ، نحو العرش ؛ لتصطدم بأبي العاري الجسد ، و تخرق أذني أصوات لهاث وآهات ، وما هي إلا ثوان حتى مزق صراخ أمي العليلة – منذ زمن – ليل جحرنا الكئيب !!
2
أتت تتهادى فى ثوبها الفضفاض ، وقرطها الكبير ، ينحر نظرات العيون ، و المشاءالله تتألق كنهر تصب فيه الشمس عصيرها، وتحتضن هضبتى النهدين ..ووجهها الخمرى الشاب متدفق أليف ، و عيناها الزرقاوان تحملان الكثير من الدهاء و الحزين الرزين ، وعجيزتها المنتصبة خلفها تحكى أهازيج من حنان و هدهدة محببة .
كم تمنينا أن تكون أمنا مثلها ، لكن المرض اللعين ، وحياة المدينة الشقية ، كانا يمتصان من عودها عصيره ؛ فيبدو جافا ممصوصا !
قال أبى مبتهجا :" هذه ابنة عمى من البلدة جاءت .. هيا سلموا عليها ".
شملتنا برعاية وحب ، فتربعت على أبسطة قلوبنا ، وصدورنا ، و أفئدتنا ، و بطوننا التي تهضم الزلط .. تحلقناها ، و نظراتنا مسددة إلى سبتها الثقيل الزاخر بالحلوى ، و الفاكهة ، و الخبز الطازج !
راحت تغذى همهمة الحرمان ، و قعقعة البطون ، و تطبطب على أكتافنا ، و نحن نلعق افرازاتنا تشوقا .
عندما بسطت محتويات ( سبتها ) ، و التففنا حول الطبلية ، كانت ثمة نبرة و إيماءة ، و نظرة تخترق عيداننا ، سعيا إلى حيث كان والدي ، مفعما على غير عادته !
3
التم الجيران .. وجيران الجيران، و اختنقت الحجرة لحد الموت .. و انتفض أبى عاريا :" بلد بنت .... ما تصدقوا تجدوا مصيبة .. وتشبعوا فيها لطما .. كل واحد حر فى بيته .. ايه ياوليه يامعتوهة .. أتغارين من ضرتك ؟!! ".
و كان قد حاصرها ، وراح يكيل لها الضربات باليدين و القدمين .. شاتما .. مفتتا هذا النوع من الغل الكريه .. أطاح بنا .. ونحن نصرخ .. نصرخ ممسكين بتلابيبه ما استطعنا .. محاولين الزود عن أمنا !!
4
تحاملت أمي على نفسها .. لم تصدر عنها آهة ألم واحدة ، اللهم إلا هذا الصوت الذي تعكسه لكمة قوية عند إصابتها قربة مملوءة بالماء .
عندما أغلقت عيني الحائرتين ، ما بين النعاس ، ومتابعة العرش ، كانت أمي تنتبذ لها مكانا ، خارج الحجرة ،ظلت ساكنة فيه سنينا طويلة ؛ حتى أننا ما استطعنا تحديد اليوم أو الساعة التي صعدت فيها روحها كسحابة متلاشية عبر الفضاء !!!
تعليق