ابنة عم أبى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    ابنة عم أبى

    ابنة عم أبى
    1
    نتكوم كالفراخ فى هذه العلبة الكرتونية .. منا من يتخشب فوق الدكة الخشبية الجرداء .. ومنا من يفترش له مكانا تحت عرش والدي النيكل المصقول ، اللامع دائما ، ذى الداير المشغول ، و الناموسية التى تجعل منه شيئا مقدسا !!!
    لما كنت أكبر الأولاد ، أبى على والدي النوم فى أحضان نعمة و هدى .. كانت الدكة فى مواجهة العرش العالي .. وكان من عادتي دفن وجهي فى الحائط ؛ اتقاء لهذه النظرات الغضبى ، التى يسددها إلى أبى كلما كانت عيناى مفتوحة الأجفان !!!
    انتابتني وخزة قلق ، سبقتني فيها عيناى ، نحو العرش ؛ لتصطدم بأبي العاري الجسد ، و تخرق أذني أصوات لهاث وآهات ، وما هي إلا ثوان حتى مزق صراخ أمي العليلة – منذ زمن – ليل جحرنا الكئيب !!

    2
    أتت تتهادى فى ثوبها الفضفاض ، وقرطها الكبير ، ينحر نظرات العيون ، و المشاءالله تتألق كنهر تصب فيه الشمس عصيرها، وتحتضن هضبتى النهدين ..ووجهها الخمرى الشاب متدفق أليف ، و عيناها الزرقاوان تحملان الكثير من الدهاء و الحزين الرزين ، وعجيزتها المنتصبة خلفها تحكى أهازيج من حنان و هدهدة محببة .
    كم تمنينا أن تكون أمنا مثلها ، لكن المرض اللعين ، وحياة المدينة الشقية ، كانا يمتصان من عودها عصيره ؛ فيبدو جافا ممصوصا !
    قال أبى مبتهجا :" هذه ابنة عمى من البلدة جاءت .. هيا سلموا عليها ".
    شملتنا برعاية وحب ، فتربعت على أبسطة قلوبنا ، وصدورنا ، و أفئدتنا ، و بطوننا التي تهضم الزلط .. تحلقناها ، و نظراتنا مسددة إلى سبتها الثقيل الزاخر بالحلوى ، و الفاكهة ، و الخبز الطازج !
    راحت تغذى همهمة الحرمان ، و قعقعة البطون ، و تطبطب على أكتافنا ، و نحن نلعق افرازاتنا تشوقا .
    عندما بسطت محتويات ( سبتها ) ، و التففنا حول الطبلية ، كانت ثمة نبرة و إيماءة ، و نظرة تخترق عيداننا ، سعيا إلى حيث كان والدي ، مفعما على غير عادته !

    3
    التم الجيران .. وجيران الجيران، و اختنقت الحجرة لحد الموت .. و انتفض أبى عاريا :" بلد بنت .... ما تصدقوا تجدوا مصيبة .. وتشبعوا فيها لطما .. كل واحد حر فى بيته .. ايه ياوليه يامعتوهة .. أتغارين من ضرتك ؟!! ".
    و كان قد حاصرها ، وراح يكيل لها الضربات باليدين و القدمين .. شاتما .. مفتتا هذا النوع من الغل الكريه .. أطاح بنا .. ونحن نصرخ .. نصرخ ممسكين بتلابيبه ما استطعنا .. محاولين الزود عن أمنا !!
    4
    تحاملت أمي على نفسها .. لم تصدر عنها آهة ألم واحدة ، اللهم إلا هذا الصوت الذي تعكسه لكمة قوية عند إصابتها قربة مملوءة بالماء .
    عندما أغلقت عيني الحائرتين ، ما بين النعاس ، ومتابعة العرش ، كانت أمي تنتبذ لها مكانا ، خارج الحجرة ،ظلت ساكنة فيه سنينا طويلة ؛ حتى أننا ما استطعنا تحديد اليوم أو الساعة التي صعدت فيها روحها كسحابة متلاشية عبر الفضاء !!!
    sigpic
  • مصلح أبو حسنين
    عضو أساسي
    • 14-06-2008
    • 1187

    #2
    أيها الأديب الرائع

    نتشرف بأن نكون أول من عانق الإبداع هنا

    وأيمة ألم الصغار هذه القصة

    " يهب الملك لمن يشاء وينزع الملك ممن يشاء "

    شكرا لك

    ورحم الله والدة بطل هذه القصة

    سلم قلمك
    [align=center][SIGPIC][/SIGPIC][SIZE=4][FONT=Arial][COLOR=#0000ff]هذا أنا . . سرقت شبابي غربتي[/COLOR][/FONT][/SIZE]
    [SIZE=4][FONT=Arial][COLOR=#0000ff]وتنكـرت لي . . أعـين ٌ وبيــوتُ[/COLOR][/FONT][/SIZE]
    [SIZE=4][FONT=Arial][COLOR=#0000ff]* *[/COLOR][/FONT][/SIZE][/align]

    زورونا على هذا الرابط
    [URL]http://almoslih.net[/URL]

    تعليق

    • مريم محمود العلي
      أديب وكاتب
      • 16-05-2007
      • 594

      #3
      الأستاذ ربيع عقب الباب
      قصة مؤثرة كتبت بسردية متقنة
      كل الشكر والتقدير لك

      تعليق

      • جلال فكرى
        أديب وكاتب
        • 11-08-2008
        • 933

        #4
        المبدع الا قرب الى القلب أستاذنا ربيع:
        إنى لم أعد معجب باعمالك بل متعصب لها
        ما هذه الواقعية ؟ السرد الجميل
        مشاعر مكثفة أنيقة
        العجب كل العجب
        انه من المستحيل أن يصيبك الملل
        وانت تقرأ للرائع ربيع عقب الباب
        من الصعب التوقف فهناك حالة شديدة
        من التأثير الوجدانى والتعاطف مع الأم
        والطفل لم يجرح هذا التعاطف لغة معقدة
        أو أى حالة استعراض للأسلوب والمحسنات
        اللغة سلسة والتقسيم مفيد الى حد رائع
        انها أنموزج رائع للقصة القصيرة يصلح لتعليم
        الهواه والمتخصصين
        أشكرك وأدعوا الله بدوامك ودوام ما تحب
        بالحب نبنى.. نبدع .. نربى ..نسعد .. نحيا .. نخلد ذكرانا .. بالحقد نحترق فنتلاشى..

        sigpicجلال فكرى[align=center][/align]

        تعليق

        • حماد الحسن
          سيد الأحلام
          • 02-10-2009
          • 186

          #5
          مساء الخير أستاذي ربيع
          أسجل مروري واستمتاعي, بصدق اقولها لك, أحياناً لا أجد كلمات تليق بالقصة, وربما تغور بين يدي الصور,ولكن لابد لي من تسجيل المرور
          ودمتم بمودة واحترام بالغين

          تعليق

          • أسماء رمرام
            أديب وكاتب
            • 29-07-2008
            • 470

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة







            4

            عندما أغلقت عيني الحائرتين ، ما بين النعاس ، ومتابعة العرش ، كانت أمي تنتبذ لها مكانا ، خارج الحجرة ،ظلت ساكنة فيه سنينا طويلة ؛ حتى أننا ما استطعنا تحديد اليوم أو الساعة التي صعدت فيها روحها كسحابة متلاشية عبر الفضاء !!!
            أتوقع كيف كانت حالة هذه الأم التي تلقت طعنة من زوجها،حد بقائها ساكنة ....دون أن تحرك ساكنا أو تعبر عن غضبها،،كم سيكون حجم الألم كبيرا في قلبها لدرجة أن تكتم بكل صبر العالم.
            لابد أن روحها صعدت كانفجار أخير لاانفجار بعده.....انفجار يؤدي إلى الموت مباشرة.

            شكرا على القصة المشحونة بالعواطف.

            تقديري الكبير.

            تعليق

            • مكي النزال
              إعلامي وشاعر
              • 17-09-2009
              • 1612

              #7
              قرأت

              سجلت الثناء والإعجاب في عشرات الأماكن، ولم أنس بضعة اعتراضات، ثم وصلت إلى تساؤل رهيب: لماذا يظلم رجالنا زوجاتهم لمجرد أن يتزوجوا من ثانية؟ المهم أن ربيع هذا ساحر فهو يجرنا خلفه، ثم يدفعنا للاتجاه الذي يريد فيتركنا هناك وهو يضحك.
              تحية من القلب لك ولإبداعك..،
              أستاذ ربيع عقب الباب.

              .

              واستـُشهدَ الأملُ الأخيرُ

              تعليق

              يعمل...
              X