_لحظة من فضلكِ .
قالها لي ، وبدت في عينيه حيرة واضطراب .
_نعم .. تفضل . قلت له
_ هل أنتِ نجوى ..؟
عيناه شعتا خيوط النور ، برقت ، وأرعد صوته في أذني :
من نجوى تلك ...؟
هل يعرف فتاة غيري اسمها نجوى ..؟
ارتعدت مفاصلي السفلى ، واختلط الغضب بالكبرياء
_ لستُ نجوى .وأدرت وجهي
_ إنكِ تشبهينها كثيراً ... نسخة طبق الأصل .
لقد أراد للحديث أن يطول ، لكني أبيت ،
كنت أراه يومياً .عيناه تلاحقننى ،
وفيهما نظرة إعجاب ، بل نظرة حب ،
وكنت أفكر فيه ، وأسأل نفسي يومياً عن معنى تلك النظرات ، ونحن ننتظر في محطة الباص ، صباح كل يوم .
لا أدري إن كنا نستمتع أحياناً بتلك التأخيرات ، التي يهدينا إياها سائق الحافلة ، في بعض الصباحات ... لا أدري !
واليوم تأخر الباص كثيراً .. كثيراً ، فجاء ....، وفاجأنى بقصة نجوى تلك ....!
_ هل تعلمين ..؟
_ ماذا ...؟
قلت بصوت ، كأنه حد السيف :
_ إنكِ تشبهينها ، وكأنكِ أختها ، كأنكِ هي نفسها .
قلت بتجاهل ولا مبالاة :
_ من هي ؟
_نجوى .
_ من هي نجوى ..؟
_ فتاة قروية جاءت إلى المدينة ، وعاشت حياة الريف ، وسط المدينة .كانت ضعيفة وقوية ، ريفية ومدنية في آن واحد ، و جميلة مثلكِ تماماً .
نبرة صوته صادقة ، ولكن لماذا يتحدث إلي ، ومن هو كي يتحدث إلي بهذه الطلاقة :
_ ولكن لماذا تحدثني عنها ؟
_ لأنكِ هي ..!
_ كيف ... ماالذي تقوله .؟!
إنها بطلة لقصة كتبتها ، في السابعة عشرة من عمري ،
بطلة اخترقت عالمي بسرعة البرق ، أراها تسكن في قلبي أبداً ،
كنت أبحث عنها ، عن ملامحها الجميلة ، أراها في حلمي ، في قصصي ، ألهمتني الشعر والحب ، منحتني الحياة والحب ..
بحثت عنها دون قنوط ، كنت واثقاً من أني سألتقيها يوماً ، وها أنذا أتحدث إليها . ااااااااه ماأسعدني .........ّّ!
_ وهل يكفي أن تجد بطلة قصتك كيما تعيش سعيداً .....؟
_ طبعاً لا ، سأقدم لها نفسي ، سأقدم لأبيها نفسي ، ثم ....
_ ثم ماذا ...؟
_ نتزوج !
_ وهل تسير الحياة بهذه البساطة ، ألا توجد حواجز .....؟!
_ بل هناك منها الكثير ، لقد ظلت نجوى تنتظر حبيبها سنين طويلة ،
وامتنعت عن الزواج ، وآثرت حبيبها على كل الرجاااااااااال
_ ثم .....؟
_ تزوجا ؟
_ منْ ؟
_ أنا وأنتِ !
لا أدري ماذا جرى ، كان مجنونًا ، لكنه يسير واثق الخطا ، شاعري العيون ، فارع الطول ، واسع النظرات .
عدت إلى البيت بعد أسبوع ، وجدته في بيتي ،
قدمني أبي إليه .
والتقت عينانا .. هل أحبه .....؟!!
سألني أبي الرأي ، فطلبت مهلة .
أريد أن أفكر . جاءنى بعد أيام ،
صافحني بحرارة ، قال لي :
_ نجوى !
_ لستُ نجوى
_ بل إنكِ هي ، شعركِ المنساب ، وعيناك اللامعتان ، ورشاقتكِ ، ووووو .. لقد وصفتكِ كما أنتِ في حكاية عمري . مارأيكِ ...؟
_ بماذا ....؟
_ بما جئتُ من أجله ...؟
_ ماذا تتوقع أن أقول ...؟
_ أريد أن أسمع ماتقولين .
_ هل تحبني ؟
_ ابتسم ، ورد علي بعينيه ..لا بلسانه .
صدقته ؛ فقد كانت أنوثتي لا تخطىء أن تحزر مصداقية رجل .
_ إذن ؟
_ ماذا إذن ؟
_إذن أنا نجوى !
هبطت كلمتي عليه ، وكأن نجمة من السماء هبطت عليه ، واستقرت بين يديه :
_ أنتِ موافقة ؟
_ ........
_ سنتزوج .
عدت إلى البيت ، وأخبرت أبي بموافقتي ..إنه أبي الحنون ..
قبلني ، وراح يمسح دموعه ؛ سيخلو البيت من بعدي ، فأنا ابنته الوحيدة .
بعد أسبوع تزوجنا ، لا أدري لماذا .. أسبوع فقط .
كنت أفكر فيه " هل أحبه حقا ؟!""
كان قد شدني إلى صومعة غريبة ، كان مرحاً ، رجلاً بمعنى الكلمة ؛
لكنه كان غامضاً مبهماً ، مثل أسرار الغروب ،
كان وحيداً في حياته .. بيت مبعثر ،
يحتاج إلى امرأة مثلي .
دخلت البيت ، ورتبت كل الغرف ، إلا واحدة ..!
كان لا يحب أن أدخلها ، كان يختلي بها ساعة أو أكثر ،
كل يوم بحجة الكتابة ، وكنت أصدقه ؛ لأن مقالاته التي تنشرها
الصحف ، تثبت لي مايدور في الغرفة .
يوما ما دخلت عليه الغرفة " صومعته "؛ فاضطرب . وجدتُ فيها مكتبة كبيرة ، مليئة بكتبٍ كثيرة ، ومكتب قديم وأثاث مبعثر .
قام من فوره ، أخذني في أحضانه ؛كأنه يريد أن يخفي رأسي ؛كى لا أرى معالم الغرفة ..كان غريباً ، فى هذا اليوم ، شعرت أنني لا أثق فيه ....؟ لكنه أصبح زوجي .
جلسنا على مائدة الطعام . فقال لي :
_ نجوى
_ نعم
_غرفة المكتبة يا نجوى
_ مابها ... تحتاج إلى تنظيف .
_ لا
_ ماذا إذن ؟
_ إنها صومعتي ... هل يمكن أن تكون الشيء الوحيد ، في هذا البيت الذي يخصني دونك ...؟
ارتسمت هالة الحزن في وجهي ، ودون أن أسأل لماذا ، قلت له
_ بالتأكيد
لم أنم تلك الليلة ، رغم أنه أحاطني برومانسية خاصة ، وبالغ في تدليلي .
كنت أشعر إنه يخبيء فيها شيئا ، لا أدري ماهو ، لكنه يؤرق ليلي .
متى سأدخل صومعته ، وأفتشها ، أبعثرها ، بل أحرق كل ما فيها ، متى ....؟
أدرك وساوس نفسي ، إنه رجل ذكي ، فعرض علي السفر .
_ إلى أين ...؟؟؟
_ إلى أي مكان يذكرنا بأننا حبيبان .
سافرنا إلى الشمال ،كنا نصعد الجبال سوية ، نأكل الفستق الأخضر،
نغمس أرجلنا في شلالات المصيف .
هنا نسيت أمر الغرفة ، ولم يعد تعنينى .
مرت السنون ، شعرت بألم ، ذهبت الى الطبيب ، فأخبرني
بأني سأكون أماً .
_ ستكون أباً . قلت له
_ حقاً .. ؟ وأمسك يدي بكلتا يديه كأنه لايصدق .
_ نعم
لم أر معنى السعادة في عينيه ، قدر ما رأيت هذا اليوم ؛
حين أبلغته إنه سيكون أباً.
_ يارب ..أريدها أنثى .
اندهشت :
_ كل الأباء يطلبون ذكراً ؟!
_ لا .. لا ... أريدها أنثى ، أريدها نجوى .
ابتسمت .
جاءت نجوى بعد تسعة شهور ، كانت تشبهني .
طار أبوها فرحاً ، أصبحت نجوى هي همه الوحيد .
كبرت نجوى ، صارت صبية ، وأبوها يعيش بأنفاسها ،
يمنحها كل ماتريد ، كان حبه لها حباً عظيماً ، أقوى من حبه لي ..
ترى هل يحرك هذا الشعور غيرتي ؟
لا .. من السذاجة أن أغار على زوجي ، من حبه لابنتنا .
رغم حبه لنجوى ، لم يكن يسمح لها ، أن تدخل غرفة المكتبة ،
كان ينظفها بنفسه ، ويختلي بها ساعة أو أكثر يومياً .
امتدت بنا السنون ، وزحف الشيب ..
صارت نجوى شابة ، جميلة كأمها ، تحظى بحب أبيها وحنان أمها ..
مرض زوجي فجأة ، ذهبنا إلى الطبيب ، عدنا الى البيت مساءً .
نام بهدوء ، استيقظ في منتصف الليل :
_ نجوى . قال لي
_ نعم
_ اقتربي
اقتربت منه .. قال لي :
_ اقتربي أكثر . اقتربت .
_ ضميني .
ضممته .. بكى بمرارة
كفكفت دموعه ، قلت : لماذا تبكي حبيبي .. لماذا كل هذا البكاء ؟
_ سأموت
_ لا ... لا تقل هذا .
_ سأفارق نجوتين اثنتين .
_ لا أرجوك .. لاتقل ذلك .
- نادها .. نادي نجوى الصغيرة .
ذهبت إلى غرفة الابنة ، عندها سمعت صوتاً ، كأنه جسد يسقط ؛ فأسرعت إليه .
كان قد وقف ليتبعني ؛ فلم يستطع .
حاولت أن أحمله إلى السرير ، لكنه آبى ، قال :
_ قدري أن لا أرى نجوى ، قدري أن أموت ولا أراها ،
دعيها تنام ، واخبريها ، أنها آخر طيف ، مر على خيالي قبل الموت .
بدأت انتحب بصمت . قال وقد أصبحت نبراته ضعيفة :
_ أرجوكِ يازوجتي الحبيبة .. أرجوكِ لا تفتحي غرفة المكتبة
ا ..... ر...... جو ...........كِ .
ومات !
هنا شهقت ، أطلقت صرختي ، فاستيقظت نجوى ؛ لتجد أمها وجثة أبيها الهامدة .
مرت الأيام ، وتزوجت نجوى ، أصبحت وحيدة ، فاستدعيت أبي ليعيش معي ، فكان سلواي في الدنيا . ثم مات أبي ،
وتركني أعيش الوحدة مرة أخرى .
مرت خمس سنين على موت زوجي العزيز ،
وأنا لا أفكر في وصيته .
في يوم ما تذكرت لحظة وفاته ، وتذكرت غرفة المكتبة ؟
لقد أوصاني ؟
لكنها تحتاج إلى تنظيف ، لم يكن يرغب بدخولي إليها ، قد تتآكل كتب زوجي الحبيب .
اصطنعت الأعذار ، أحضرت مفاتيحها ، أدرت المفتاح ، دخلت الغرفة .
رائحة التراب والغبار تفوح منها ،
رأ يت الغرفة خالية من أي شيء مريب ؟
بحثت بين الكتب ،فلم أجد إلا مفتاحاً عتيقاً لا أهمية له ، فتركته في مكانه .
جلست على المكتب ، كما كان يجلس ، فتحت الأدراج .. الأول ..الثاني ..الثالث ..و ..
الرابع كان مقفولاً .
بدأ الشك يساورني ، تذكرت المفتاح العتيق ، فأسرعت ، وفتحت الدرج .
ماذا رأيت : مجموعة أوراق ،
لكنها رسائل ، نعم كانت رسائل .
رفعت الرسائل أقرأها ، كانت رسائل تفوح برائحة الحب ،
وتاريخها قديم ... قديم جداً .
ثم وجدت ظرفاً أصفر ، في نهاية الدرج ،
حملته بسرعة ، فسقطت منه صورة !
صورة زوجي وأنا ، ولكن لحظة ،
هل هذه صورتي ؟
إنها تشبهني ، إنها أنا ..لا ....
إنها ليست أنا ، لكنها نسخة طبق الأصل مني .
أدرت الصورة بذهول فقرأت عليها بخط زوجي
أُحبكِ نجوى !!
قالها لي ، وبدت في عينيه حيرة واضطراب .
_نعم .. تفضل . قلت له
_ هل أنتِ نجوى ..؟
عيناه شعتا خيوط النور ، برقت ، وأرعد صوته في أذني :
من نجوى تلك ...؟
هل يعرف فتاة غيري اسمها نجوى ..؟
ارتعدت مفاصلي السفلى ، واختلط الغضب بالكبرياء
_ لستُ نجوى .وأدرت وجهي
_ إنكِ تشبهينها كثيراً ... نسخة طبق الأصل .
لقد أراد للحديث أن يطول ، لكني أبيت ،
كنت أراه يومياً .عيناه تلاحقننى ،
وفيهما نظرة إعجاب ، بل نظرة حب ،
وكنت أفكر فيه ، وأسأل نفسي يومياً عن معنى تلك النظرات ، ونحن ننتظر في محطة الباص ، صباح كل يوم .
لا أدري إن كنا نستمتع أحياناً بتلك التأخيرات ، التي يهدينا إياها سائق الحافلة ، في بعض الصباحات ... لا أدري !
واليوم تأخر الباص كثيراً .. كثيراً ، فجاء ....، وفاجأنى بقصة نجوى تلك ....!
_ هل تعلمين ..؟
_ ماذا ...؟
قلت بصوت ، كأنه حد السيف :
_ إنكِ تشبهينها ، وكأنكِ أختها ، كأنكِ هي نفسها .
قلت بتجاهل ولا مبالاة :
_ من هي ؟
_نجوى .
_ من هي نجوى ..؟
_ فتاة قروية جاءت إلى المدينة ، وعاشت حياة الريف ، وسط المدينة .كانت ضعيفة وقوية ، ريفية ومدنية في آن واحد ، و جميلة مثلكِ تماماً .
نبرة صوته صادقة ، ولكن لماذا يتحدث إلي ، ومن هو كي يتحدث إلي بهذه الطلاقة :
_ ولكن لماذا تحدثني عنها ؟
_ لأنكِ هي ..!
_ كيف ... ماالذي تقوله .؟!
إنها بطلة لقصة كتبتها ، في السابعة عشرة من عمري ،
بطلة اخترقت عالمي بسرعة البرق ، أراها تسكن في قلبي أبداً ،
كنت أبحث عنها ، عن ملامحها الجميلة ، أراها في حلمي ، في قصصي ، ألهمتني الشعر والحب ، منحتني الحياة والحب ..
بحثت عنها دون قنوط ، كنت واثقاً من أني سألتقيها يوماً ، وها أنذا أتحدث إليها . ااااااااه ماأسعدني .........ّّ!
_ وهل يكفي أن تجد بطلة قصتك كيما تعيش سعيداً .....؟
_ طبعاً لا ، سأقدم لها نفسي ، سأقدم لأبيها نفسي ، ثم ....
_ ثم ماذا ...؟
_ نتزوج !
_ وهل تسير الحياة بهذه البساطة ، ألا توجد حواجز .....؟!
_ بل هناك منها الكثير ، لقد ظلت نجوى تنتظر حبيبها سنين طويلة ،
وامتنعت عن الزواج ، وآثرت حبيبها على كل الرجاااااااااال
_ ثم .....؟
_ تزوجا ؟
_ منْ ؟
_ أنا وأنتِ !
لا أدري ماذا جرى ، كان مجنونًا ، لكنه يسير واثق الخطا ، شاعري العيون ، فارع الطول ، واسع النظرات .
عدت إلى البيت بعد أسبوع ، وجدته في بيتي ،
قدمني أبي إليه .
والتقت عينانا .. هل أحبه .....؟!!
سألني أبي الرأي ، فطلبت مهلة .
أريد أن أفكر . جاءنى بعد أيام ،
صافحني بحرارة ، قال لي :
_ نجوى !
_ لستُ نجوى
_ بل إنكِ هي ، شعركِ المنساب ، وعيناك اللامعتان ، ورشاقتكِ ، ووووو .. لقد وصفتكِ كما أنتِ في حكاية عمري . مارأيكِ ...؟
_ بماذا ....؟
_ بما جئتُ من أجله ...؟
_ ماذا تتوقع أن أقول ...؟
_ أريد أن أسمع ماتقولين .
_ هل تحبني ؟
_ ابتسم ، ورد علي بعينيه ..لا بلسانه .
صدقته ؛ فقد كانت أنوثتي لا تخطىء أن تحزر مصداقية رجل .
_ إذن ؟
_ ماذا إذن ؟
_إذن أنا نجوى !
هبطت كلمتي عليه ، وكأن نجمة من السماء هبطت عليه ، واستقرت بين يديه :
_ أنتِ موافقة ؟
_ ........
_ سنتزوج .
عدت إلى البيت ، وأخبرت أبي بموافقتي ..إنه أبي الحنون ..
قبلني ، وراح يمسح دموعه ؛ سيخلو البيت من بعدي ، فأنا ابنته الوحيدة .
بعد أسبوع تزوجنا ، لا أدري لماذا .. أسبوع فقط .
كنت أفكر فيه " هل أحبه حقا ؟!""
كان قد شدني إلى صومعة غريبة ، كان مرحاً ، رجلاً بمعنى الكلمة ؛
لكنه كان غامضاً مبهماً ، مثل أسرار الغروب ،
كان وحيداً في حياته .. بيت مبعثر ،
يحتاج إلى امرأة مثلي .
دخلت البيت ، ورتبت كل الغرف ، إلا واحدة ..!
كان لا يحب أن أدخلها ، كان يختلي بها ساعة أو أكثر ،
كل يوم بحجة الكتابة ، وكنت أصدقه ؛ لأن مقالاته التي تنشرها
الصحف ، تثبت لي مايدور في الغرفة .
يوما ما دخلت عليه الغرفة " صومعته "؛ فاضطرب . وجدتُ فيها مكتبة كبيرة ، مليئة بكتبٍ كثيرة ، ومكتب قديم وأثاث مبعثر .
قام من فوره ، أخذني في أحضانه ؛كأنه يريد أن يخفي رأسي ؛كى لا أرى معالم الغرفة ..كان غريباً ، فى هذا اليوم ، شعرت أنني لا أثق فيه ....؟ لكنه أصبح زوجي .
جلسنا على مائدة الطعام . فقال لي :
_ نجوى
_ نعم
_غرفة المكتبة يا نجوى
_ مابها ... تحتاج إلى تنظيف .
_ لا
_ ماذا إذن ؟
_ إنها صومعتي ... هل يمكن أن تكون الشيء الوحيد ، في هذا البيت الذي يخصني دونك ...؟
ارتسمت هالة الحزن في وجهي ، ودون أن أسأل لماذا ، قلت له
_ بالتأكيد
لم أنم تلك الليلة ، رغم أنه أحاطني برومانسية خاصة ، وبالغ في تدليلي .
كنت أشعر إنه يخبيء فيها شيئا ، لا أدري ماهو ، لكنه يؤرق ليلي .
متى سأدخل صومعته ، وأفتشها ، أبعثرها ، بل أحرق كل ما فيها ، متى ....؟
أدرك وساوس نفسي ، إنه رجل ذكي ، فعرض علي السفر .
_ إلى أين ...؟؟؟
_ إلى أي مكان يذكرنا بأننا حبيبان .
سافرنا إلى الشمال ،كنا نصعد الجبال سوية ، نأكل الفستق الأخضر،
نغمس أرجلنا في شلالات المصيف .
هنا نسيت أمر الغرفة ، ولم يعد تعنينى .
مرت السنون ، شعرت بألم ، ذهبت الى الطبيب ، فأخبرني
بأني سأكون أماً .
_ ستكون أباً . قلت له
_ حقاً .. ؟ وأمسك يدي بكلتا يديه كأنه لايصدق .
_ نعم
لم أر معنى السعادة في عينيه ، قدر ما رأيت هذا اليوم ؛
حين أبلغته إنه سيكون أباً.
_ يارب ..أريدها أنثى .
اندهشت :
_ كل الأباء يطلبون ذكراً ؟!
_ لا .. لا ... أريدها أنثى ، أريدها نجوى .
ابتسمت .
جاءت نجوى بعد تسعة شهور ، كانت تشبهني .
طار أبوها فرحاً ، أصبحت نجوى هي همه الوحيد .
كبرت نجوى ، صارت صبية ، وأبوها يعيش بأنفاسها ،
يمنحها كل ماتريد ، كان حبه لها حباً عظيماً ، أقوى من حبه لي ..
ترى هل يحرك هذا الشعور غيرتي ؟
لا .. من السذاجة أن أغار على زوجي ، من حبه لابنتنا .
رغم حبه لنجوى ، لم يكن يسمح لها ، أن تدخل غرفة المكتبة ،
كان ينظفها بنفسه ، ويختلي بها ساعة أو أكثر يومياً .
امتدت بنا السنون ، وزحف الشيب ..
صارت نجوى شابة ، جميلة كأمها ، تحظى بحب أبيها وحنان أمها ..
مرض زوجي فجأة ، ذهبنا إلى الطبيب ، عدنا الى البيت مساءً .
نام بهدوء ، استيقظ في منتصف الليل :
_ نجوى . قال لي
_ نعم
_ اقتربي
اقتربت منه .. قال لي :
_ اقتربي أكثر . اقتربت .
_ ضميني .
ضممته .. بكى بمرارة
كفكفت دموعه ، قلت : لماذا تبكي حبيبي .. لماذا كل هذا البكاء ؟
_ سأموت
_ لا ... لا تقل هذا .
_ سأفارق نجوتين اثنتين .
_ لا أرجوك .. لاتقل ذلك .
- نادها .. نادي نجوى الصغيرة .
ذهبت إلى غرفة الابنة ، عندها سمعت صوتاً ، كأنه جسد يسقط ؛ فأسرعت إليه .
كان قد وقف ليتبعني ؛ فلم يستطع .
حاولت أن أحمله إلى السرير ، لكنه آبى ، قال :
_ قدري أن لا أرى نجوى ، قدري أن أموت ولا أراها ،
دعيها تنام ، واخبريها ، أنها آخر طيف ، مر على خيالي قبل الموت .
بدأت انتحب بصمت . قال وقد أصبحت نبراته ضعيفة :
_ أرجوكِ يازوجتي الحبيبة .. أرجوكِ لا تفتحي غرفة المكتبة
ا ..... ر...... جو ...........كِ .
ومات !
هنا شهقت ، أطلقت صرختي ، فاستيقظت نجوى ؛ لتجد أمها وجثة أبيها الهامدة .
مرت الأيام ، وتزوجت نجوى ، أصبحت وحيدة ، فاستدعيت أبي ليعيش معي ، فكان سلواي في الدنيا . ثم مات أبي ،
وتركني أعيش الوحدة مرة أخرى .
مرت خمس سنين على موت زوجي العزيز ،
وأنا لا أفكر في وصيته .
في يوم ما تذكرت لحظة وفاته ، وتذكرت غرفة المكتبة ؟
لقد أوصاني ؟
لكنها تحتاج إلى تنظيف ، لم يكن يرغب بدخولي إليها ، قد تتآكل كتب زوجي الحبيب .
اصطنعت الأعذار ، أحضرت مفاتيحها ، أدرت المفتاح ، دخلت الغرفة .
رائحة التراب والغبار تفوح منها ،
رأ يت الغرفة خالية من أي شيء مريب ؟
بحثت بين الكتب ،فلم أجد إلا مفتاحاً عتيقاً لا أهمية له ، فتركته في مكانه .
جلست على المكتب ، كما كان يجلس ، فتحت الأدراج .. الأول ..الثاني ..الثالث ..و ..
الرابع كان مقفولاً .
بدأ الشك يساورني ، تذكرت المفتاح العتيق ، فأسرعت ، وفتحت الدرج .
ماذا رأيت : مجموعة أوراق ،
لكنها رسائل ، نعم كانت رسائل .
رفعت الرسائل أقرأها ، كانت رسائل تفوح برائحة الحب ،
وتاريخها قديم ... قديم جداً .
ثم وجدت ظرفاً أصفر ، في نهاية الدرج ،
حملته بسرعة ، فسقطت منه صورة !
صورة زوجي وأنا ، ولكن لحظة ،
هل هذه صورتي ؟
إنها تشبهني ، إنها أنا ..لا ....
إنها ليست أنا ، لكنها نسخة طبق الأصل مني .
أدرت الصورة بذهول فقرأت عليها بخط زوجي
أُحبكِ نجوى !!
تحياتي
ر
ووو
ح
ووو
ح
تعليق