[align=justify]
[align=center]
[/align]إن الأدب بصفة عامة هو نتاج للواقع الذي يعيشه الفرد و تمثيل لبيئته يكشف عن مكنون ذاته ويؤرخ لتطور حضارته ويهبنا سجلاً مفصلاً عن أخباره...
وأدب الحرب في حد ذاته هو من أقدم صنوف الآداب فهو متزامن مع عمر البشرية ووجودها على سطح الأرض بل يمكننا أن نذهب به إلى أبعد من ذلك إذا ما أشرنا إلى الحرب بين الخير والشر لنجد أنفسنا نقف عند حرب الشيطان التي أعلنها ضد آدم وبنيه
وقد حادثنا القرآن الكريم عن ذلك في أكثر من موضع حيث يقول الله تعالى:
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) سورة البقرة
وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168) سورة البقرة
إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ ... من الآية (91) سورة المائدة
يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (27) سورة الأعراف
قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) سورة ص
وهناك من آيات الذكر الحكيم الكثير ما ينبئنا عن تلك الحرب إذا ما تناولناها بوجهها العقائدي ... وهي نقطة بالغة الأهمية حتى وإن بدت بعيدة عن قلب الموضوع ومنها ننطلق إلى أن حياة الإنسان على الأرض كانت نتيجة لحرب و معركة دارت حيث لا أرض ولا سماء كالتي نعرفها...
لكن القصد هنا أن الصراع وفق ما اقتضته حكمة البارئ عز وجل كان مسبباً لهبوط الإنسان إلى الأرض فجاء يحمل بين طيات أفكاره هذا الصراع مع عدوه الأول الشيطان ... ثم لم يلبث أن نقله بينه وبين إخوته من بني آدم في أول حادث لصراع بين بني البشر تمخض عن أول جريمة وسفك دم يذكره القرآن الكريم في قوله عز وجل:
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ العَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخَاسِرِينَ (30)
فالخلاف أوجد الصراع، والصراع أورد بن آدم إلى الاقتتال ... وهكذا جرى الأمر
وإن عاودنا ما خلفه أسلافنا القدماء من بني آدم لوجدنا تاريخاً مسجلاً يروي لنا صراع الإنسان وحروبه مع الطبيعة من حوله و سعيه إلى تحقيق السيطرة وبسط يده على ما كان يكفل له العيش والبقاء سواء مع الحيوان أو الانسان ... بل وتخطى مرحلة السعي إلى البقاء إلى مرحلة متقدمة أخرى وهي الحصول على مكاسب ومغانم تضمن له السيطرة والقوة في حياته المستقبلية والأدلة على ذلك عديدة منها ما حفظته جدران الكهوف أو حفر على جدران المعابد أو تناقلته أساطير الأولين وحكايات السابقين
والإنسان العربي لم يخرج عن هذا النسق ولم يشذ عن تلك الطبيعة التي جبل عليها البشر..
إن أدب الحرب في مجمله هو وعاء يشمل كل ما أفرزته قريحة الإنسان من نتاج إبداعي وفكري سواء كان مقروءاً أو شفهياً وسواء جاء عبر منظوم شعر أو نصوص نثر
وما يميز هذا الفن من الآداب عن غيره أنه معني في المقام الأول بفكرة الصراع والحرب وأخبارها وتاريخها وله في ذلك بعض سمات وخصائص بل يمكننا القول أن له لغة خاصة متفردة، فالتجربة التي يتناولها هذا النوع من الأدب تختلف عن أي تجربة أخرى في كونها تجربة مصيرية مرهون بها أقدار الجماعات البشرية
وما يمتاز به أيضاً أدب الحرب أنه من النادر أن تجد من يملك مقاليد تناوله إلا أوتي حظاً وفيراً من دراسة عميقة للحروب وتاريخها و معرفة عميقة بأصولها وجذورها ومسبباتها ونتائجها وأحداثها
فقد يمكن للشاعر الوجداني أن يدغدغ أحاسيسنا بقصيدة تروي عن عشقه وولهه لمحبوبة اصطفاها من بين بنات أفكاره فخلع عليها من خياله فيضاً من الجمال وأغدق عليها من سبلاً من شعوره ... أو قد نجد روائياً يستطيع أن يترك لخياله العنان فيمزج بين واقع التجربة وخيال التفصيل وهكذا
أما صاحب أدب الحرب فأنى له أن يدون السجال والطعان والضراب ويرسم اللوحات بلون الدماء ويخضبها بآهات الجرحى إن لم يكن قد خاض التجربة أو على أوتي بشأنها علماً غزيراً .. ولا نريد هنا أن نختص من خاضوا المعارك فقط فنزج إليهم بأمر تناول هذا الصنف من الأدب وإنما نقول أن من يستشعر التجربة ويعايشها و يتعمق في أحداثها ويستطيع تناولها فله في ذلك ميزة فلا كل محارب له من ملكات الإبداع ما يمكنه من تناول التجربة الحربية ولا كل كاتب له من القدرة ما يجعله ينتقل بدواته وأوراقه فيقعد في خندق الخيال يرقب ويسجل الأحداث و يحكي عن المشاعر و الآثار[/align]
[align=justify]
[align=center]
[/align]
ربما يجوز لنا القول أنه كل ساعة قد تقع عين الشاعر على من تلهمه أو يجد الناثر حدثاً يثير قلمه أو يقف الروائي أو القاص على تجربة تلهب قريحته أما الحرب فهي ليست بالحدث الاعتيادي ولا بالموقف المتكرر ضمن النشاط الحياتي
كذا فتأثير الحرب يمتد ويمتد لأجيال عديدة بخلاف صنوف الأحداث الأخرى والتي قد تقصر في بعض الأحيان على تجارب شخصية أو محدودة أو وقتية
إننا إذا تحدثنا عن أدب الحرب في الأدب العربي فإن ذلك يدفعنا إلى وضع نوع من التقسيم البسيط يمكننا أن نعبر عنه من خلال مناقشة النقطتين التاليتين ( مع ملاحظة أن هذا التقسيم هو محض تيسير وليس تناولاً علمياً لتلك الفترات فهذا يحتاج إلى تفصيل أكثر و دراسة أعمق)
أدب الحرب في العصور القديمة وهذا يشمل الفترة بداية من قبل الأدب الجاهلي وحتى العصر الحديث، وأدب الحرب في العصر الحديث بداية من القرن التاسع عشر الميلادي
أعود فأقول أن تاريخ أدب الحرب في الأدب العربي يعود بنا إلى نشأة العرب وبداية تاريخهم ويحادثنا عن حياتهم ويرسم لنا صورة لواقعهم ويخبرنا عن مناقبهم ...
فرغم ندرة ما وصلنا عن تاريخ العرب قبل الإسلام إلا أن ما بلغنا منه يخبرنا عن عدم وجود كيان انضوت تحت لوائه قبائل العرب المختلفة وشعابها المتعددة بقدر ما يخبرنا عن النزعة القبلية لدى هذه التجمعات وما أوجدته طبيعة حياتهم من صراعات على المراعي وموارد المياه وما نتج عن سعيهم لبسط نفوذهم و إثبات قوتهم و شدة بأسهم وأسباب أخرى كثيرة تتعلق بالاعتزاز بالنفس والكرامة و غير ذلك من القيم العربية... ولعل تلك الندرة مرجعها كون العرب أميين فلم يستطيعوا تسجيل تاريخهم القديم إلا عبر ما وصلنا من آداب تناقلوها مشافهة
لكن ذلك لم يمنع أن تصلنا بعض آثارهم وأقوالهم.. وفيها يتجسد اهتمامهم بالحروب وأخبارها حتى أنهم أسموها " أياماً" وفي ذلك إشارة إلى المنزلة التي أنزلوها لمثل هذه الأحداث من تاريخهم و استوجبت أن تسجل في صحائف تاريخهم وأيامهم كحرب كأيام البسوس التيى دارت بين قبائل ربيعة و أيام عدنان وقحطان وأيام مضر و يوم ذي قار وغيرها
ومما سطره العرب الأوائل ما جاء بشعرهم في قول عمرو بن كلثوم
[align=center]نشق بها رؤوس القوم شقاً
ونختلب الرقاب فتختلينا
وإن الضغن بعد الضغن يبدو
عليك ويخرج الداء الدفينا
نجذ رؤوسهم في غير بر
فما يدرون ماذا يتقونا [/align]
وقول عنترة بن شداد
[align=center]يدعون عنترة والرماح كأنها
أشطان بئر في لبان الأدهم
مازلت أرميهم بثغرة نحره
ولبانه حتى تسربل بالدم
وأزور من وقع القنا بلبانه
وشكى إليّ بعبرة وتحمحم
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى
ولكان لو علم الكلام مكلم
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر
للحرب دائرة على إبني ضمضم
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما
والناذرين إذا لقيتهما دم [/align]
وقول عمرو بن معدِ يكرب
[align=center]كم من أخ لي صالح
بوأته بيدي لحدا
ما إن جزعت ولا هلع
تُ ولا يرد بكاي زندا [/align]
وقول زهير بن أبي سلمى
[align=center]يمينا لنعم السيدان وجدتما
على كل حال من سحيل ومبرم
تداركتما عبسا وذبيان بعدما
تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
وقد قلتما أن ندرك السلم واسعا
بمال ومعروف من الأمر نسلم
فأصبحتما منهما على خير موطن
بعيدين فيها من عقوق ومآثم
فمن مُبلغ الأحلاف عني رسالة
وذبيان هل أقسمتم كل مقسم
فلا تكتمن الله ما في نفوسكم
ليخفى وما يكتم الله يعلم[/align]
وهناك من الأمثلة الكثير والكثير
لكن ما يعنينا هنا هو أن نخلص إلى ما حملته هذه النماذج من تصوير وتأريخ للحرب ففي هذه النماذج نجد الشاعر العربي يحادثنا عن الحالة النفسية للمقاتل وكذا أدواته و يصور لنا ساحة المعركة والمشاعر المسيطرة على أجوائها ويحادثنا عن مغبة الحرب وثمنها و مدى قبحها .....
وفي ذلك تصوير بليغ وسجل كامل يضع بين أيادينا نماذجاً لهذا الصنف من الآداب
فلو راجعنا ما وصلنا من آداب العرب الأقدمين بشأن الحرب لوجدنا أنه لا يقف عند شعر الحماسة وشحذ الهمم أو شعر الوصف و تفصيل الوقائع أو شعر الفخر و الزهو بالانتصار بل هو سجل يحكي لنا عن هذه الحروب ويعطينا صورة عن أدواتها وأسلحتها و خططها [/align]
[align=center]

وأدب الحرب في حد ذاته هو من أقدم صنوف الآداب فهو متزامن مع عمر البشرية ووجودها على سطح الأرض بل يمكننا أن نذهب به إلى أبعد من ذلك إذا ما أشرنا إلى الحرب بين الخير والشر لنجد أنفسنا نقف عند حرب الشيطان التي أعلنها ضد آدم وبنيه
وقد حادثنا القرآن الكريم عن ذلك في أكثر من موضع حيث يقول الله تعالى:
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) سورة البقرة
وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168) سورة البقرة
إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ ... من الآية (91) سورة المائدة
يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (27) سورة الأعراف
قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) سورة ص
وهناك من آيات الذكر الحكيم الكثير ما ينبئنا عن تلك الحرب إذا ما تناولناها بوجهها العقائدي ... وهي نقطة بالغة الأهمية حتى وإن بدت بعيدة عن قلب الموضوع ومنها ننطلق إلى أن حياة الإنسان على الأرض كانت نتيجة لحرب و معركة دارت حيث لا أرض ولا سماء كالتي نعرفها...
لكن القصد هنا أن الصراع وفق ما اقتضته حكمة البارئ عز وجل كان مسبباً لهبوط الإنسان إلى الأرض فجاء يحمل بين طيات أفكاره هذا الصراع مع عدوه الأول الشيطان ... ثم لم يلبث أن نقله بينه وبين إخوته من بني آدم في أول حادث لصراع بين بني البشر تمخض عن أول جريمة وسفك دم يذكره القرآن الكريم في قوله عز وجل:
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ العَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخَاسِرِينَ (30)
فالخلاف أوجد الصراع، والصراع أورد بن آدم إلى الاقتتال ... وهكذا جرى الأمر
وإن عاودنا ما خلفه أسلافنا القدماء من بني آدم لوجدنا تاريخاً مسجلاً يروي لنا صراع الإنسان وحروبه مع الطبيعة من حوله و سعيه إلى تحقيق السيطرة وبسط يده على ما كان يكفل له العيش والبقاء سواء مع الحيوان أو الانسان ... بل وتخطى مرحلة السعي إلى البقاء إلى مرحلة متقدمة أخرى وهي الحصول على مكاسب ومغانم تضمن له السيطرة والقوة في حياته المستقبلية والأدلة على ذلك عديدة منها ما حفظته جدران الكهوف أو حفر على جدران المعابد أو تناقلته أساطير الأولين وحكايات السابقين
والإنسان العربي لم يخرج عن هذا النسق ولم يشذ عن تلك الطبيعة التي جبل عليها البشر..
إن أدب الحرب في مجمله هو وعاء يشمل كل ما أفرزته قريحة الإنسان من نتاج إبداعي وفكري سواء كان مقروءاً أو شفهياً وسواء جاء عبر منظوم شعر أو نصوص نثر
وما يميز هذا الفن من الآداب عن غيره أنه معني في المقام الأول بفكرة الصراع والحرب وأخبارها وتاريخها وله في ذلك بعض سمات وخصائص بل يمكننا القول أن له لغة خاصة متفردة، فالتجربة التي يتناولها هذا النوع من الأدب تختلف عن أي تجربة أخرى في كونها تجربة مصيرية مرهون بها أقدار الجماعات البشرية
وما يمتاز به أيضاً أدب الحرب أنه من النادر أن تجد من يملك مقاليد تناوله إلا أوتي حظاً وفيراً من دراسة عميقة للحروب وتاريخها و معرفة عميقة بأصولها وجذورها ومسبباتها ونتائجها وأحداثها
فقد يمكن للشاعر الوجداني أن يدغدغ أحاسيسنا بقصيدة تروي عن عشقه وولهه لمحبوبة اصطفاها من بين بنات أفكاره فخلع عليها من خياله فيضاً من الجمال وأغدق عليها من سبلاً من شعوره ... أو قد نجد روائياً يستطيع أن يترك لخياله العنان فيمزج بين واقع التجربة وخيال التفصيل وهكذا
أما صاحب أدب الحرب فأنى له أن يدون السجال والطعان والضراب ويرسم اللوحات بلون الدماء ويخضبها بآهات الجرحى إن لم يكن قد خاض التجربة أو على أوتي بشأنها علماً غزيراً .. ولا نريد هنا أن نختص من خاضوا المعارك فقط فنزج إليهم بأمر تناول هذا الصنف من الأدب وإنما نقول أن من يستشعر التجربة ويعايشها و يتعمق في أحداثها ويستطيع تناولها فله في ذلك ميزة فلا كل محارب له من ملكات الإبداع ما يمكنه من تناول التجربة الحربية ولا كل كاتب له من القدرة ما يجعله ينتقل بدواته وأوراقه فيقعد في خندق الخيال يرقب ويسجل الأحداث و يحكي عن المشاعر و الآثار[/align]
[align=justify]
[align=center]

ربما يجوز لنا القول أنه كل ساعة قد تقع عين الشاعر على من تلهمه أو يجد الناثر حدثاً يثير قلمه أو يقف الروائي أو القاص على تجربة تلهب قريحته أما الحرب فهي ليست بالحدث الاعتيادي ولا بالموقف المتكرر ضمن النشاط الحياتي
كذا فتأثير الحرب يمتد ويمتد لأجيال عديدة بخلاف صنوف الأحداث الأخرى والتي قد تقصر في بعض الأحيان على تجارب شخصية أو محدودة أو وقتية
إننا إذا تحدثنا عن أدب الحرب في الأدب العربي فإن ذلك يدفعنا إلى وضع نوع من التقسيم البسيط يمكننا أن نعبر عنه من خلال مناقشة النقطتين التاليتين ( مع ملاحظة أن هذا التقسيم هو محض تيسير وليس تناولاً علمياً لتلك الفترات فهذا يحتاج إلى تفصيل أكثر و دراسة أعمق)
أدب الحرب في العصور القديمة وهذا يشمل الفترة بداية من قبل الأدب الجاهلي وحتى العصر الحديث، وأدب الحرب في العصر الحديث بداية من القرن التاسع عشر الميلادي
أعود فأقول أن تاريخ أدب الحرب في الأدب العربي يعود بنا إلى نشأة العرب وبداية تاريخهم ويحادثنا عن حياتهم ويرسم لنا صورة لواقعهم ويخبرنا عن مناقبهم ...
فرغم ندرة ما وصلنا عن تاريخ العرب قبل الإسلام إلا أن ما بلغنا منه يخبرنا عن عدم وجود كيان انضوت تحت لوائه قبائل العرب المختلفة وشعابها المتعددة بقدر ما يخبرنا عن النزعة القبلية لدى هذه التجمعات وما أوجدته طبيعة حياتهم من صراعات على المراعي وموارد المياه وما نتج عن سعيهم لبسط نفوذهم و إثبات قوتهم و شدة بأسهم وأسباب أخرى كثيرة تتعلق بالاعتزاز بالنفس والكرامة و غير ذلك من القيم العربية... ولعل تلك الندرة مرجعها كون العرب أميين فلم يستطيعوا تسجيل تاريخهم القديم إلا عبر ما وصلنا من آداب تناقلوها مشافهة
لكن ذلك لم يمنع أن تصلنا بعض آثارهم وأقوالهم.. وفيها يتجسد اهتمامهم بالحروب وأخبارها حتى أنهم أسموها " أياماً" وفي ذلك إشارة إلى المنزلة التي أنزلوها لمثل هذه الأحداث من تاريخهم و استوجبت أن تسجل في صحائف تاريخهم وأيامهم كحرب كأيام البسوس التيى دارت بين قبائل ربيعة و أيام عدنان وقحطان وأيام مضر و يوم ذي قار وغيرها
ومما سطره العرب الأوائل ما جاء بشعرهم في قول عمرو بن كلثوم
[align=center]نشق بها رؤوس القوم شقاً
ونختلب الرقاب فتختلينا
وإن الضغن بعد الضغن يبدو
عليك ويخرج الداء الدفينا
نجذ رؤوسهم في غير بر
فما يدرون ماذا يتقونا [/align]
وقول عنترة بن شداد
[align=center]يدعون عنترة والرماح كأنها
أشطان بئر في لبان الأدهم
مازلت أرميهم بثغرة نحره
ولبانه حتى تسربل بالدم
وأزور من وقع القنا بلبانه
وشكى إليّ بعبرة وتحمحم
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى
ولكان لو علم الكلام مكلم
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر
للحرب دائرة على إبني ضمضم
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما
والناذرين إذا لقيتهما دم [/align]
وقول عمرو بن معدِ يكرب
[align=center]كم من أخ لي صالح
بوأته بيدي لحدا
ما إن جزعت ولا هلع
تُ ولا يرد بكاي زندا [/align]
وقول زهير بن أبي سلمى
[align=center]يمينا لنعم السيدان وجدتما
على كل حال من سحيل ومبرم
تداركتما عبسا وذبيان بعدما
تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
وقد قلتما أن ندرك السلم واسعا
بمال ومعروف من الأمر نسلم
فأصبحتما منهما على خير موطن
بعيدين فيها من عقوق ومآثم
فمن مُبلغ الأحلاف عني رسالة
وذبيان هل أقسمتم كل مقسم
فلا تكتمن الله ما في نفوسكم
ليخفى وما يكتم الله يعلم[/align]
وهناك من الأمثلة الكثير والكثير
لكن ما يعنينا هنا هو أن نخلص إلى ما حملته هذه النماذج من تصوير وتأريخ للحرب ففي هذه النماذج نجد الشاعر العربي يحادثنا عن الحالة النفسية للمقاتل وكذا أدواته و يصور لنا ساحة المعركة والمشاعر المسيطرة على أجوائها ويحادثنا عن مغبة الحرب وثمنها و مدى قبحها .....
وفي ذلك تصوير بليغ وسجل كامل يضع بين أيادينا نماذجاً لهذا الصنف من الآداب
فلو راجعنا ما وصلنا من آداب العرب الأقدمين بشأن الحرب لوجدنا أنه لا يقف عند شعر الحماسة وشحذ الهمم أو شعر الوصف و تفصيل الوقائع أو شعر الفخر و الزهو بالانتصار بل هو سجل يحكي لنا عن هذه الحروب ويعطينا صورة عن أدواتها وأسلحتها و خططها [/align]
تعليق