شيخٌ.. وكرسيّ ٌ.. ودموع\محمود عادل بادنجكي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمود عادل بادنجكي.
    أديب وكاتب
    • 22-02-2008
    • 1021

    شيخٌ.. وكرسيّ ٌ.. ودموع\محمود عادل بادنجكي

    شيخٌ.. وكرسيّ ٌ.. ودموع



    في زيارة إحدى اللجان إلى دار المسنّين، استقبلهم القائمون عليها وقد هيأوا للعيد أدواته، بعدما نشروا بعض الأوراق الملوّنة،

    كزينة على جدران ذات لون فضيّ داكن، تقشـّرت عن زُرقةٍ أقرب للكُحليّ، يتخلّلها ضوء النهار المتسلّل من بين أوراق الأشجار الكثيفة.

    يساعد بزيادة كآبتها مصباح أبيض ضعيف لغرفة كبيرة، يفوق عمرها أعمار نزلائها، ويتدلى من سقفها المرتفع، المدعّم بجسور حديديّة صدئة،

    بضع عناكب استوطنت الزوايا المسودّة.


    في البهوالداكن اجتمع تسعة رجال مسنيّن حول طاولة احتوت الكعك المحلى، والعصائر، وحلوى اللوز، وقد ارتدى واحدهم أحدث (بيجاماته)،

    التي يعود أغلبها لسنوات مضت. تملأ الأجواء موسيقى تصدر من مسجّل عتيق يُكمل الصورة بتناغمٍ مع محيطه.

    اقترب أحد أعضاء اللجنة، من العمّ (صابر)على كرسيّه، وبادره:"كل عام وأنت بخير يا عم"، ففاجأه (صابر) -بعدما فاضت عيناه بدمعٍ اعتاد طريقه-

    بغمرةٍ أقوى من أن تصدر من جسم أنهكته التجارب الثمانينيّة، فطوّقت يداه رقبة محدّثه، كأنّما وقع على فلذة كبده بعد فراق مئة عام،

    وتخضّب وجهه الأبيض بحُمرة الانفعال، مردّداً ذات العبارة: "وأنت بخير يا ولدي.. وأنت بخير" على باقي أعضاء اللجنة، الذين قدموا هدايا رمزيّة،

    دون أن يسألوا الموظّف المسؤول عن قصّته... بعدما روتها تلك الدموع بأبلغ من الكلمات.

    دنا بعضهم من نزيل آخر، وكما فعل مع مَن قبلهم.. طفق يشرح لهم، عن أهميّته كمدير عام سابق لمؤسّسة كبرى.. وإجادته التحدّث بستّ لغات..

    والتحاقه بدورات مختلفة في عدة دول أجنبيّة. بلسان حال يقول: "لقد كنتُ مهمّاً ذات يوم".

    في ركن قصيّ أطرق ثالث غير عابيء بما يدور حوله، وكأنّه بأجواء فرحٍ طفوليّ حلّ في غير مكانه،

    على شخص لم يكن الاحتفال مدرجاً على قاموس حياته.

    وآخر يلتهم الحلوى بعد حرمان بغرض الحِمية. بينما يتفقـّد زميلاه الهديّة المتواضعة باهتمام.

    صرّح أحدهما، أنها المرة الأولى في حياته، التي يتلقى فيها هديّة من أحد.

    في إحدى الزوايا، ما زال شيخ يهزّ رأسه مُطرقاً بصيغة ندم، وكأنه يعُضّ على ذكريات لا يريد لها بوحاً،

    وبدا كمن يرى في مآله قصاصاً عادلاً فيما قدّمت يداه.

    غادرت اللجنة دار المسنّين، وقد سجلت ذاكراتهم صوراً لن يمحوها تقادم السنين، باعتبارها خبرة مؤثـّرة ببصمة أبديّة.

    عادت اللجنة في العام اللاحق، كان كرسيّ العم (صابر) فارغاً، ينتظر معمّراً آخر، ليذرف فوقه دموعاً أخرى، تروي حكاياتٍ بدون كلام.


    محمود عادل بادنجكي
    ستبقـى حروفنــــا.. ونذهـــــبُ
    مدوّنتي
    http://mahmoudadelbadinjki.ektob.com/
    تفضـّلوا بزيارة صفحتي على فيسس بوك
    www.facebook.com/badenjki1
    sigpic
    إهداء من الفنّان العالميّ "سامي برهان"
  • مها راجح
    حرف عميق من فم الصمت
    • 22-10-2008
    • 10970

    #2
    الاستاذ المبدع محمود عادل

    في قصصك رؤى مدهشة ....لغة خضراء...معان بليغة....
    قرأتها كثيرا وما زلت
    دام حبرك الانيق
    رحمك الله يا أمي الغالية

    تعليق

    • جمال الجلاصي
      عضو الملتقى
      • 27-10-2008
      • 25

      #3
      صديق محمود عادل:

      لأول مرّة أقرأ لك قصة غير ق.ق جدا

      سعدت بهذا الاكتشاف

      نفسك دائما طاغ وروحك القاصة استطاعت أن تخلق مناخا خاصا

      محبتي وتقديري

      تعليق

      • محمود عادل بادنجكي.
        أديب وكاتب
        • 22-02-2008
        • 1021

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة مها راجح مشاهدة المشاركة
        الاستاذ المبدع محمود عادل

        في قصصك رؤى مدهشة ....لغة خضراء...معان بليغة....
        قرأتها كثيرا وما زلت
        دام حبرك الانيق
        الأخت مها

        شكراً على القراءة.. والشكر مستمرّ.
        تحيّاتي الطيّبات
        ستبقـى حروفنــــا.. ونذهـــــبُ
        مدوّنتي
        http://mahmoudadelbadinjki.ektob.com/
        تفضـّلوا بزيارة صفحتي على فيسس بوك
        www.facebook.com/badenjki1
        sigpic
        إهداء من الفنّان العالميّ "سامي برهان"

        تعليق

        • سمية البوغافرية
          أديب وكاتب
          • 26-12-2007
          • 652

          #5
          شخصيا تعجبني القصص أو الأعمال الإبداعية التي تلقي الضوء على عتمة بعض زوايا واقعنا المظلم...
          أحييك الأستاذ محمود عادل بادنجكي على هذه الإلتفاتة الجميلة
          دمت مبدعا جميلا

          تعليق

          • محمود عادل بادنجكي.
            أديب وكاتب
            • 22-02-2008
            • 1021

            #6
            رد: شيخٌ.. وكرسيّ ٌ.. ودموع\محمود عادل بادنجكي

            المشاركة الأصلية بواسطة جمال الجلاصي مشاهدة المشاركة
            صديق محمود عادل:

            لأول مرّة أقرأ لك قصة غير ق.ق جدا

            سعدت بهذا الاكتشاف

            نفسك دائما طاغ وروحك القاصة استطاعت أن تخلق مناخا خاصا

            محبتي وتقديري
            الجمال العزيز
            كما أسعدتني سعادتك.
            تحيّاتي الطيّبات
            ستبقـى حروفنــــا.. ونذهـــــبُ
            مدوّنتي
            http://mahmoudadelbadinjki.ektob.com/
            تفضـّلوا بزيارة صفحتي على فيسس بوك
            www.facebook.com/badenjki1
            sigpic
            إهداء من الفنّان العالميّ "سامي برهان"

            تعليق

            • محمود عادل بادنجكي.
              أديب وكاتب
              • 22-02-2008
              • 1021

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة سمية البوغافرية مشاهدة المشاركة
              شخصيا تعجبني القصص أو الأعمال الإبداعية التي تلقي الضوء على عتمة بعض زوايا واقعنا المظلم...
              أحييك الأستاذ محمود عادل بادنجكي على هذه الإلتفاتة الجميلة
              دمت مبدعا جميلا
              أختي سميّة
              أحيّيك على تحيّتكِ
              بتحيّاتي الطيّبات
              ستبقـى حروفنــــا.. ونذهـــــبُ
              مدوّنتي
              http://mahmoudadelbadinjki.ektob.com/
              تفضـّلوا بزيارة صفحتي على فيسس بوك
              www.facebook.com/badenjki1
              sigpic
              إهداء من الفنّان العالميّ "سامي برهان"

              تعليق

              • إيمان الدرع
                نائب ملتقى القصة
                • 09-02-2010
                • 3576

                #8
                الأخ الفاضل محمود عادل بادنجكي : يا أديبنا الرائع :
                منذ زمنٍ لم أقرأ لك.
                اشتقنا لهذا القلم السخيّ المبدع
                دموع شتاء العمر فيها ما يكفي لأن نذوق مرارتها ، قبل أن نصل إليها
                إنها قاسية ، قاسية .
                أبعدها الله عن كلّ من نحبّهم
                وصفت فأجدت باقتدارٍ لغويّ ٍ أخّاذ
                دمت متالّقاً
                تحيّاتي......

                تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

                تعليق

                • عائده محمد نادر
                  عضو الملتقى
                  • 18-10-2008
                  • 12843

                  #9
                  الزميل القدير
                  محود عادل
                  وكم تحزنني قصص هؤلاء الناس
                  هم آباء ربما كانوا محبين لأبنائهم وربما لا
                  لايهم المهم أنهم من أوصانا الله بهم
                  كيف يستطيع ابن أن يترك ذويه أو أحدهم
                  نص مؤلم زميلي
                  تحياتي ومودتي
                  الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                  تعليق

                  يعمل...
                  X