حبر سماوي / جمال الجلاصي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • جمال الجلاصي
    عضو الملتقى
    • 27-10-2008
    • 25

    حبر سماوي / جمال الجلاصي

    حبر سماوي



    تدخل الشمس وتخرج من بين مراكب السحب العائمة في السماء الزرقاء. تتلوى الطريق كنهر من سراب بنّي بلطخات خضراء تحت القناطر الظليلة. أحيانا تأوهات وتأوهات من شجرة سرو لأخرى، مع حركة سريعة. تختفي الشمس تماما خلف غمامة على شكل طائرة ورقية، وتغمر غلالة عروس الضباب المنازل..
    ذهبا للسباحة. كان ظل الأشجار يلطّخ أخضر الأعشاب المنساب في هدوء وتكاسل...
    وقفت في ظل ضيعة لتشاهد قطاف البرتقال ترسم أيدي القاطفات أمام الأوراق البرّاقة، بحركات راقصات، تصعد، تنزل، تتلاقى بجنون، كأنها تداعب الشجرة، كأنها تفتح أزرار قميصها.
    أحاط خصرها بذراعه وهو يقودها عبر ممرّ مثقل بنعاس الأشجار الدافئ. يشعران برأسيهما وجذعيهما، لكن البقية، الأرجل والأيادي، تطفو معهما، بين الأزهار والحشائش اللامعة، في الظلال التي تتحول إلى عسل غامق اللون، بينما يغوصان في الخضرة النباتية، نشمّ جسمها تحت الفستان الرقيق، كما نشم، تحت الأوراق الرقيقة للذرة، الحبّة الطرية، النديّة الحليبيّة. تتلاعب الريح بشعرها. تنام الشمس في الماء. حضورات لا مرئية تتراقص بين نبات التبغ المحيط بهما ، قبل الانفصال لتغيير الملابس تبادلا قبلة.
    أحسّ كل واحد منهما بين همسات القصب، مفترقين أنه مضحك. تنظر بركة صغيرة إلى وجهه وهو ينزع ملابسه في عجلة فتيّة. آه! أن تكون رجلا عوض أن تكون شجرة، غيمة، يعسوبا، فقّاعة، دوّامة!
    أطلقت صيحة وهي تحس الماء البارد على ساقيها، الخطوة الأولى، صيحة أخرى في الثانية، وأخرى أعلى في الثالثة، وأعلى في الرابعة و... طاف!... انتفخ قميصها مثل منطاد، مثل كرة، لكن الماء شربها بسرعة، وانطبع على القماش ذي الألوان الزاهية، الزرقاء والصفراء والخضراء، جسمها: النهدان والبطن الصلبة، الانحناءة الخفيفة للخصر، رقّة الظهر، الكتفان نحيلان بعض الشيء. بعد غطستها وظهورها على السطح ارتبكت. كان صمت القصب السائل متواطئا مع شخص موجود هناك، روح غريبة تحوم هناك حول الشاطئ، فراشة عملاقة، نورس نزق. لكنها سمعت صوت رجلها ينادي أنا قادم، فأحسّت بالأمان.
    يقفز الماء معهما كحيوان فرح. نرى ظلالهما كنسيج رقيق، تنعكس على الأمواج الشفافة بين الانعكاسات الضوئية. كان المناخ مشحونا بالروائح، بالحضور الغائب للبراكين، طراوة بطون الأسماء، الغيرة، تنفّس الخراف التي ترضع المراعي التي تحوّلت إلى سائل أبيض، برودة الشلالات التي تولد ضاحكة، الطيران المضطرب للذباب الأخضر. حجاب غير ملموس لراء غير منطوقة، الغناء المغرّد لعصفور، تحليق آخر... كل هذه الروعة كانت تغلّفهما...
    بالكاد يفتح عينيه، كانت شمس جريئة تدخل دون خفر من بلور النافذة...
    أعاد إغماضهما داعيا بكل جوارحه أن يعود للنوم كي يستمرّ الحلم إلى الأبد
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2

    المبدع الكاتب
    جمال الجلاصي
    أخذني نصك معه .. كنت أتخيل أشجار البرتقال والأيدي القاطفة..الماء والأشجار .. ثم الحب.
    نص حقيقة فيه من الأبداع الشيء الكثير .
    أبصم لك عليه بالعشرة زميلي.
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    يعمل...
    X