انتظــــار..
"...وانا قابع انتظر..اراقب تلك الانابيب الموصلة برقبتك بدلا من اوردة يدك التى فرت من عذاب الابر الطويلة ذات الطرف المدبب..اتابع هذه السوائل الشفافة التى تنساب داخلك فى محاولة اخيرة لأبقائك حية..قبل هذا لم افكر بك..ولم يخطر ببالى قط انى سأكون هنا بجوارك..ولم تكن المقدمات لتؤدى للنتائج لولا لعبة قدرية محزنة..فماذا فى ضرس مؤلم؟..كل الضروس تؤلم..والآف من اطباء الاسنان يعولون اسرهم من خلال ازالة هذه الآلام ..إذن ما الجديد؟..تذهبين الى واحد منهم فينصحك بتركه على حاله والاكتفاء ببعض المسكنات..لم تقتنعى لعدم ثقتك بهذا الطبيب..ما الجديد؟..اليس للأنسان ان يمارس حقه فى الثقة وعدم الثقة..تذهبين بصفتك طالبة جامعية تطلبين العلاج فى المستشفى الخاص بجامعتك..لا اعلم ان كنت فعلت هذا توفيرا للنفقات..او ممارسة لحقوقك..او لضمان الحصول على افادة طبية سليمة بشأن حالتك..ايا كان الصحيح من هذه الاحتمالات فإنه لا يدينك ..ولا يحملك اى مسئولية فى الذى حدث..تذهبين لقسم الاسنان وتسلمين نفسك لأول شخص قابلك عارضا عليك المساعدة..تلك الفتاة التى اراحك وجهها المبتسم فانقدت خلفها معتقدة انها طبيبة ولك الحق..لك الحق فى الاعتقاد ان هذا المكان المختص بمعالجة الضروس التى تؤلم بالضرورة كل من يقدمون المساعدة فيه من الاطباء..لم تعلمى ان هذا القسم يعج بالمتدربين الفشلة والناجحين الساعين الى التعلم..الى التجربة..الى ارضاء اساتذتهم ومشرفيهم..وكانت هى من هؤلاء..قادتك الى غرفة غير جيدة التجهيز وشرعت فى التعلم وهذا من حقها ..فلا استطيع لومها على فرض اخبروها ان عليها انجازه لتنال درجتها..فى الحقيقة يا فتاة مسألتك محيرة ..مسألة تضارب حقوق..مسألة يصعب فيها القاء اللوم على طرف واحد بالتحديد..حقنتك بمخدر الاسنان وبدأت مهمتها..تعثرت فاستدعت زملائها المتدربين لمساعدتها فالتفوا حولك معملين فيك ادواتهم المعقمة والغير جيدة التعقيم حتى ظفروا بالضرس.
زال الضرس ولم يزل الالم بل تضاعف..الم ..فتورم فى الرقبة..ثم جحوظ للعينين فاعوجاج للفك..تضارب فى تشاخيص الاطباء المتضاربة
تخصصاتهم..كنت انا اثناء ذلك لا زلت اتجول فى عالمى الذى ظننته شديد البعد عن عالمك ..الى ان جاء هذا اليوم..يوم استقر بك الحال هنا..فى هذا المبنى العلاجى المتهدم ذا الخدمة المجانية المتخصص فى علاج الاورام..هذا المبنى الذى حفظت جدرانه اسمى..فأنا هنا سجل حافل وحكايا تروى بين الاروقة والجنبات تمتزج فيها الحقائق بالاساطير..يرانى البعض سيد المكان نظرا لتاريخى الطويل فيه ولاقتران اسمى بإسمه فى اغلب الاحيان..لحظة وضعوك على احد مضاجع الالم الممتلئة ثنياته بصرخات توجع من كان قبلك انتبهت لوجودك..وشعرت بهذا الانجذاب نحوك ..انجذابى من عالمى الى عالمك وانجذابك من عالمك الى عالمى لتصير المسافة بين العالمين هى تلك المسافة القصيرة التى تفصل بيننا..من يومها وانا هنا انتظر..اراقب تطور حالتك ..من الجحوظ الى العمى التام ..من التورم الى الشلل النصفى..التشخيص النهائى.."ورم كامن جرى تنشيطه اثناء خلع الضرس ..حالة نادرة لن يجدى العلاج معها نفعا"..هكذا اخبر والديك..امك تهذى ..ابوك يولول معلنا للجمع الزائر من الاقارب ان ايامك فى الدنيا معدودة..يطلبون الدخول عليك فيؤذن لهم فرادى..اراقبهم وانا جالس بقربك..اعلم تفاصيل قصتك من شفاههم التى يتقلب بعضها فى الم مصطنع..بعضهم يواسى امك الراقدة بجوارك من فرط الارهاق..بعضهم يقف واجما كصنم..وبعضهم يحاول النطق فيخرج الكلام غير مرتب لا معنى له..قليل منهم من ذرف دموعا حقيقية..ثم انصرفوا غير عابئين بألمك..يثرثرون..يطلقون النكات..يتضاجعون على اسرتهم ذات الاغطية المتسخة..يبيعون ويشترون ..يقومون بكل الهراء الضرورى لاستمرار الحياة..كل الاشياء التافهة التى تستلزمها صفة البشرية الملتصقة بهم.
سارت ايامك على هذا المنوال ..جمع يأتى وآخر يذهب..ام تهذى واب يعلن وفاتك مقدما..وانا صامت ..اراقب ..انتظر..نقلوك آخر الامر الى تلك الغرفة المليئة بالاجهزة ذات التكتكات المنتظمة ..والتى يعنى خبر انتقالك اليها معنى يختلف باختلاف المستوى المستقبل لهذا الخبر..فبالنسبة لأبويك انتقالك هو يأس مشوب بالأمل ..وبالنسبة لمعالجيك من ذوى المعاطف البيضاء فإن انتقالك هو بمثابة نفض ايدى
الطب من حالة والقاءمسئولية ابقائها فى الحياة على عدة اجهزة تتدلى منها خراطيم..وبالنسبة للسجلات الادارية فإن انتقالك يعنى قرب الاعلان عن خلو سرير..وبالنسبة لمريض يتألم فإن انتقالك يعنى امل فى احتلال سرير ينتظر خلوه منذ شهور ليتلقى علاجه المؤجل..اما بالنسبة لى فإن انتقالك لا يعنى شيئا..فأنا خارج دائرة النسبة والتناسب..انا فقط انتظر هنا بجوارك..ادخلوك واوصلوك بهذه الخراطيم واضعين كمامة التنفس على انفك مانعين ايا من كان من الدخول ..الا امك التى اصرت..وانا..خرجت امك بعد فترة وظللت انا..سهرت ليلة اضنتها تلك التكتكة الرتيبة محصية دقات قلبك المتبقية ..تشرق آخر شموسك فأستعيد كامل انتباهى ناظرا ناحية الجهاز..الاحظ انحدار معدل التكتكات وتباعد الزمن بين كل تكة واخرى..اقترب منك لأتأملك اذرعك الدقيقة تأثرت بكثرة الوخز فتلونت بعدد من الكرات الزرقاء الداكنة..اعينك مغلقة كستار اسدل معلناانتهاء مسرحية من فصل واحد..جسدك مستكين فى استسلام لا يشوبه الا تسارع فتحتى الانف فى عب الهواء الاصطناعى فى محاولة اخيرة للتعلق بأهداب الحياة التى تفر..تزداد التكتكة تباطأويقل التنفس تدريجيا..يرتسم هذا الخط الطويل وتصدر هذه الصافرة معلنة توقف القلب..اريد ان ابكيك..ابكى برائتك التى لم يشبها شئ من دنس الحياة..لكن..ليس للموت ادمعا..اتسللك بهدوء معلنا دخولك عالمى اليقينى..كاشفا لك الحقيقة الغائبة عن المتعبدين لصنم الحياة.."ماسلب الموت حياة من اجساد..انما تتخلى الحياة عن الاجساد"..تلك هى الحقيقة مجردة ايتها العذراء.
----------------------------------------------------
الى فايزة..
الزهرة التى تخلت عنها الحياة..
زال الضرس ولم يزل الالم بل تضاعف..الم ..فتورم فى الرقبة..ثم جحوظ للعينين فاعوجاج للفك..تضارب فى تشاخيص الاطباء المتضاربة
تخصصاتهم..كنت انا اثناء ذلك لا زلت اتجول فى عالمى الذى ظننته شديد البعد عن عالمك ..الى ان جاء هذا اليوم..يوم استقر بك الحال هنا..فى هذا المبنى العلاجى المتهدم ذا الخدمة المجانية المتخصص فى علاج الاورام..هذا المبنى الذى حفظت جدرانه اسمى..فأنا هنا سجل حافل وحكايا تروى بين الاروقة والجنبات تمتزج فيها الحقائق بالاساطير..يرانى البعض سيد المكان نظرا لتاريخى الطويل فيه ولاقتران اسمى بإسمه فى اغلب الاحيان..لحظة وضعوك على احد مضاجع الالم الممتلئة ثنياته بصرخات توجع من كان قبلك انتبهت لوجودك..وشعرت بهذا الانجذاب نحوك ..انجذابى من عالمى الى عالمك وانجذابك من عالمك الى عالمى لتصير المسافة بين العالمين هى تلك المسافة القصيرة التى تفصل بيننا..من يومها وانا هنا انتظر..اراقب تطور حالتك ..من الجحوظ الى العمى التام ..من التورم الى الشلل النصفى..التشخيص النهائى.."ورم كامن جرى تنشيطه اثناء خلع الضرس ..حالة نادرة لن يجدى العلاج معها نفعا"..هكذا اخبر والديك..امك تهذى ..ابوك يولول معلنا للجمع الزائر من الاقارب ان ايامك فى الدنيا معدودة..يطلبون الدخول عليك فيؤذن لهم فرادى..اراقبهم وانا جالس بقربك..اعلم تفاصيل قصتك من شفاههم التى يتقلب بعضها فى الم مصطنع..بعضهم يواسى امك الراقدة بجوارك من فرط الارهاق..بعضهم يقف واجما كصنم..وبعضهم يحاول النطق فيخرج الكلام غير مرتب لا معنى له..قليل منهم من ذرف دموعا حقيقية..ثم انصرفوا غير عابئين بألمك..يثرثرون..يطلقون النكات..يتضاجعون على اسرتهم ذات الاغطية المتسخة..يبيعون ويشترون ..يقومون بكل الهراء الضرورى لاستمرار الحياة..كل الاشياء التافهة التى تستلزمها صفة البشرية الملتصقة بهم.
سارت ايامك على هذا المنوال ..جمع يأتى وآخر يذهب..ام تهذى واب يعلن وفاتك مقدما..وانا صامت ..اراقب ..انتظر..نقلوك آخر الامر الى تلك الغرفة المليئة بالاجهزة ذات التكتكات المنتظمة ..والتى يعنى خبر انتقالك اليها معنى يختلف باختلاف المستوى المستقبل لهذا الخبر..فبالنسبة لأبويك انتقالك هو يأس مشوب بالأمل ..وبالنسبة لمعالجيك من ذوى المعاطف البيضاء فإن انتقالك هو بمثابة نفض ايدى
الطب من حالة والقاءمسئولية ابقائها فى الحياة على عدة اجهزة تتدلى منها خراطيم..وبالنسبة للسجلات الادارية فإن انتقالك يعنى قرب الاعلان عن خلو سرير..وبالنسبة لمريض يتألم فإن انتقالك يعنى امل فى احتلال سرير ينتظر خلوه منذ شهور ليتلقى علاجه المؤجل..اما بالنسبة لى فإن انتقالك لا يعنى شيئا..فأنا خارج دائرة النسبة والتناسب..انا فقط انتظر هنا بجوارك..ادخلوك واوصلوك بهذه الخراطيم واضعين كمامة التنفس على انفك مانعين ايا من كان من الدخول ..الا امك التى اصرت..وانا..خرجت امك بعد فترة وظللت انا..سهرت ليلة اضنتها تلك التكتكة الرتيبة محصية دقات قلبك المتبقية ..تشرق آخر شموسك فأستعيد كامل انتباهى ناظرا ناحية الجهاز..الاحظ انحدار معدل التكتكات وتباعد الزمن بين كل تكة واخرى..اقترب منك لأتأملك اذرعك الدقيقة تأثرت بكثرة الوخز فتلونت بعدد من الكرات الزرقاء الداكنة..اعينك مغلقة كستار اسدل معلناانتهاء مسرحية من فصل واحد..جسدك مستكين فى استسلام لا يشوبه الا تسارع فتحتى الانف فى عب الهواء الاصطناعى فى محاولة اخيرة للتعلق بأهداب الحياة التى تفر..تزداد التكتكة تباطأويقل التنفس تدريجيا..يرتسم هذا الخط الطويل وتصدر هذه الصافرة معلنة توقف القلب..اريد ان ابكيك..ابكى برائتك التى لم يشبها شئ من دنس الحياة..لكن..ليس للموت ادمعا..اتسللك بهدوء معلنا دخولك عالمى اليقينى..كاشفا لك الحقيقة الغائبة عن المتعبدين لصنم الحياة.."ماسلب الموت حياة من اجساد..انما تتخلى الحياة عن الاجساد"..تلك هى الحقيقة مجردة ايتها العذراء.
----------------------------------------------------
الى فايزة..
الزهرة التى تخلت عنها الحياة..
تعليق