أمير القلم واللسان "هؤلاء علموني"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • بنت الشهباء
    أديب وكاتب
    • 16-05-2007
    • 6341

    أمير القلم واللسان "هؤلاء علموني"

    [frame="7 80"]أمير القلم واللسان


    أهل التطور والفكرة الإنسانية أهل عزيمة وجدّ , تسوقهم أحلامهم إلى الكمال , وجراحاتهم تدفعهم للإبداع , وآمالهم تسوقهم للتحدي والصمود ...لن يعرفوا الجمود ورقود الأقلام , بل نذروا حياتهم على أن تكون بواعث للنهضة الفكرية , وآمال الشعوب الخائبة , ورجاء الأجيال القادمة ..
    وحديثنا اليوم عن أمير الأدباء , وسيد الفصاحة والبلغاء , وصاحب الكلمة البديعة الغنّاء , وأهل الشعور الدافق الذي يسيل من بين ألفاظه ماء الغدق المنساب من روابي الحكمة , وسحرها الوضّاء

    ذكاؤه يشع في مرمي صفحاته , ومداد قلمه يأتلق من سمو وجمال روحه , فكان بحقّ أميراً للقلم واللسان سيبقى معلما وذخرا للأجيال عبر التاريخ والزمان
    إنه الكاتب المبدع, وأديب العربية الأكبر :

    ( مصطفى صادق الرافعي ولد في قرية بهتيم , محافظة القليوبية في مصر أوائل محرم 1291 هـ/حزيران 1880 )
    وفد جده الشيخ عبد القادر الرفاعي من الشام إلى مصر مع طائفة كبيرة من آل الرافعي في منتصف القرن الثالث عشر الهجري
    وقد اشتغلوا في القضاء على مذهب الإمام : أبي حنيفة النعمان .. حتى أوشكت المحاكم ووظائف القضاء في مصر أن تكون حكرًا لعائلتهم ..
    وقد عرف عن والده الشدة في الحق , والورع الشديد , والعلم الوافر الغزير ..
    كان يؤم إلى منزله كبار العلماء من كلّ حدب وصوب .. وقد زخرت مكتبته بأزاهير العلم ونفائس الكتب ..
    أمه تنتمي إلى أصول حلبية وهي ابنة الشيخ الطوخي , والدها كان يسير بقوافله ما بين الشام ومصر , وقد أقام في قرية بهتيم ..
    تزوج من ابنة عائلة البرقوقي عام 1904م من مدينة المنصورة، وعاش معها حياة زوجية نموذجية..
    حفظ القرآن قبل العاشرة من عمره , وحصل على الشهادة الابتدائية من مدرسة المنصورة الأميرية وعمره سبع عشرة سنة ..ترك التعليم في المدارس بعدما أصابه مرض لم يتركه حتى أضعف سمعه , وفي سن الثلاثين أضحى أصّما تماما لكن فكره لامعا مميزا مادامت أمام عينيه مكتبة والده الزاخرة بكلّ علوم الأدب والعلم لينهل ويرتوي من مشاربها ومنابعها..
    وفي عام 1899 م عمل ككاتب محكمة في محكمة طلخا ثم محكمة طنطا وانتقل بعدها إلى المحكمة الأهلية , ولقي وجه ربه يوم الاثنين العاشر من أيار لعام 1937 بعدما كان يجلس يتلو القرآن بعد صلاة الفجر عن عمر يناهز سبعة وخمسون عاما ..

    قبل بلوغه العشرين عامًا كان له بدايات مع الشعر, وقد أصدر ديوانه الأول في عام 1903م و كان له صدىً كبيرا بين كبار شعراء مصر البارودي والكاظمي وحافظ إبراهيم , وتنبّأ له الشيخ محمد عبده , وزعيم مصر- مصطفى كامل- مستقبلا باهرًا ذاخرًا بالأدب..
    سجّل لنا من ألوان الأدب العربي الأصيل ما يميّزه عن غيره من أرباب الشعر , وأصحاب اللغة والأدب ..
    فكان أغرودة الأمل الباسم في فم أدبنا العتيق , وسرّ النشاط الروحي في نهضتنا المرجوة , وصورة معاناة الحبيب الذي يأبى إلاّ أن يترجم لحبيبته مشاعره الدافقة , وآلام جراحه اللاعجة وهو يرمض الحشا , ويذيب لفائف قلبه بالحزن والألم ....

    أدبه يمتاز بفيض الشعور , وعفو البديهة , وقوة العزيمة الشابّة الدافقة ..
    فكره مستقيمًا لا ينحرف , سطور كلماته لا اعوجاج فيها ولا زيغ..
    وهنا يكمن سرّ الإبداع ..
    في كلّ واد نجد له صرخة حية , وفي كل أرض رفعت له راية شامخة , وفي كل مكان دوّن له تاريخ أدب عريق ..
    يفجّر بصوته ينابيع فصاحة لغتنا العربية التي كادت أن تتيه وتقول لأهلها أين هو الطريق !!؟؟..
    وراء كل كتاب أتى به إلينا كان له فيه قصة ..
    وقد جمعني بكتبه نبض الحنين لطرق حِسان شعره ونثره , وأحببت منذ صغري أن ألج واحة بديع صفحاته , بعد أن تهاوت مواكب أقزام الأدب , وتهويم زيف مواسم الفهم والعلم .
    وسألت النفس كيف بي أن أنهض وأحدو العزيمة والهمة !!؟؟..
    ومن أين لي أن أشهد الفن والإبداع لأهذّب سطوري ولسان قلمي !!؟؟..
    وأنا منذ طفولتي هائمة في البحث عن تاريخ الأجداد وأدب الأدباء ..
    حقا والله لم أجد أمامي سوى كتابه

    وحي القلم , لأنهل من سطوره نفحة البيان , ودفْقة السحر في الكلم ..
    أثار كياني, وهاجت من بين سطوره فيض خواطري وأحزاني , ليأتي لساني هاويًا يردد كيف لي أن لا أشهد هذا الفنّ البديع الذي أثار أطياف مشاعري !!؟؟..
    حملني وحي القلم لحسّ مرهفٍ متدفق ما زال حيّا صارخًا في وجداني , وأنا أتجول بين كلّ قصة ومقالة بين جنبات صفحاته ..
    وقد أجمع الأدباء والنقاد على أنّ وحي القلم كتابه لهو أبدع ما كُتِب في الأدب العربي الحديث والقديم الذي بدأ بنشر ما كتبه في مجلة الرسالة عام 1934 ومن ثم جمعها في كتابه وحي القلم..

    وناداني كتابه المساكين لمواقع الألم والحزن , وكيف كان يعيش العامل المسكين في ظل الحرب العالمية الأولى التي لم تعرف سوى إراقة الدماء والخراب والدمار..
    يصور فيه ضحايا الجوع والفقر والبؤس في مختلف أشكاله وألوانه , وعينيه تكاد تحتبس الدمع وهو يردّد:
    ( حكيمٌ أنتَ يا رب ! ليتهم وليتني ... ليتهم يعلمون شيئا من حكمة الله في شيء من أغلاظ الناس ! .. كل شيء في هذا الكون العظيم يجري على قدَر منك وتدبير حكمتك !)

    ودعاني حديث القمر الذي كتبه في لبنان عام 1912م لمشاعر الشاعر الهيمان , وهو يحاول أن يضبط النسبة ما بين الحلم والخيال , ويمازج القلب بضعف صناعة الحب , وقوة سحر البيان في أسلوب رمزي تربّع على ضرب من النثر الشعري لصفة الملهم البارع الفنان..
    وهو يناجي القمر بأحلام تطرح أشعتها على قلبه بمعان رقيقة , و يستلطف حبيبته – مي زيادة - التي عرفها في ربوة من لبنان بأن لا تدع قلبه في لجج الهم, وتتركه قطعة مثلمة من الأحزان الدفينة بعد أن كشف لها سر قلبه..
    فكانت قصة حب استفرغت من نفسه كل خواطر الحب المتكبر لتداعبه في أحلامه , وتغشاه في خلوته , ولم يفرغ من تلك الحادثة التي أصابت صميم قلبه إلا أن يملأها بالشعر والحكمة , وبديع اللفظ والبيان ..

    وقذفني أوراق الورد لرسائل الحب الذي أسمعنا فيها بحنو ورفق لحن العاشق الولهان , وهو يصف لنا وقار اليأس في الهجر وقسوة الحرمان , ولم أجد بين سطوره إلاّ ظلالا تمتد بوارف حُسن بديعها وهي تبحث عن صمت قلب الحب الهائم المتألّم ..
    ورغم أن الرافعي كان يفهم شخصية تلك الفتاة التي جذبته بسحرها الأدبي الفكري النبيل لكنه كان يعلم بأنها لا تبادله نفس المشاعر والحسّ , ومع ذلك فمن وراء قصة حبه هذا استطاع أن ينتج لنا أدبًا دافقًا غزيرًا حيّا بمشاعر الحب والشوق والهيام ..

    وتجولت مع السحاب الأحمر لأتلمس فيه أعنف سيرة حبّ زينّها قلب الكاتب العاشق , وهو يحاول أن يجاهد بخطرات فكره , ويروي لنا قصة وحي فلسفة الحب , وطيش البعد, وهجر الأحبّة عنه والخلاّن ...

    تناولت بعدها كتابه رسائل الأحزان الذي أنشأه بعد اثنتي عشرة سنة 1924م من ذكريات أيقظها في قلبه, وهو يستطرد معها معاني البغض وقسوة الهجر , والكبرياء وعزة النفس بأسلوب عنيف :

    ( أيها الجميل الذي يحسب كلّ شيء مَوْطِئَ قدميه.
    أن ذلَ لك الحي بدموعه لم يذلّ لك الأموات العظماء الذين استودعوا لألئ كبريائهم الكريمة في الأصداف من عظامه تحت الأمواج الجيّاشة من دمه الحر , ومن لمْ تُعِزّه نفسه فلا يَصلُح إلا أن يكون رجلاً لا يصلُح ..)
    رسائل الأحزان ص 136

    ما أشد جراحات لواعجه وهو يسترحم حبيبته أن لا تدعه مع آلام الهجر والحرمان, وتمطر عليه بوابل الألم وقسوة الأحزان ...
    ونجده وهو يتنقل بين رسائله كأنّه طير محموم من أثر الجروح الذي أصابته من صاحبته , ومع ذلك بقي مسحورا بكلّ بعض بعضها ,لا ينفك عن سحر هوى حبها ..
    ( قلت لك إنها شاعرة تملأ سماءً من السموات فتكاد لا ترى فيها من جهات الأرض شيئا , كأنما تركت المادة الإنسانية في أبويها وخرجت من ذلك الحطب والروق .. مخرجَ الزهرة الناعمة , بنيّة من اللون وجسماً من العطر ونسيجاً متماسكاً من الشعاع ) ..
    رسائل الأحزان ص65

    ومن ثمّ أوقفني كتابه تحت راية القرآن لمنطق حكمه وسداد رأيه في معركته التي دارت بين القديم والجديد , وهو يتحدث عن أصالة التاريخ العربي الأصيل الشامخ في ردّه على كتاب الشعر الجاهلي لطه حسين هذا المائل المعوّج المجازف المحتال الذي استعمله الاستعمار ليكون أداة له يسعى إلى إفساد أخلاق الأمة وإبعادها عن الدين والقيم والمبادئ التي فطرها الله عليها ...وسخريته من نبي الله الكريم وأجدادنا وعلماء الأمة ,ودعوته إلى إفساد التاريخ وحرقه , ونقل الأخلاق الفاحشة من الغرب إلى الشرق بهدف التحرر ..فيقول :
    ( كفرا بالله وسخرية بالناس , فكذّب الأديان وسفّه التاريخ وكثر غلظه وجهله , فلم تكن في الطبيعة قوة تعينه على حمل كلّ ذلك والقيام به إلاّ المكابرة واللجاجة , فمرّ يهذي في دروسه , ولا هو يثبت الحقيقة الخيالية ولا يترك الحقيقة الثابتة , وأراد أن يسلب أهل العلم ما يعلمون كما يسلبك النص ما تملك بالجرأة لا بالحق وبالحيلة ولا بالإقناع , وعن غفلة لا عن بينة .. )
    تحت راية القرآن ص 8

    وأوصلني تاريخ الأدب العربي لجلال المعاني وإشراق اللفظ العربي الأصيل ,ونزاهة الهدى وصدق اللسان وهو يدعو للتجديد في أعلى وأرفع صور أساليب الشعر الجاهلي ..فكان بحقٍّ مكتملاً في عدته , وغزيراً في مادته , ونقاء صفاء ذوقه , وحدّة ذكاء فهمه ..

    وإعجاز القرآن أرشدني لواضحات لألئ آيات كتاب الله العزيز الحكيم ,
    فعرف كيف يصنع من الفنّ قالباً حيّاً , وهو يتصرف بمفردات اللغة بكل ألوان الطيف الملهم المبدع الفنان ..
    وقد جاء على لسان سعد زغلول في تعليقه على كتابه إعجاز القرآن فقال :
    ( ولكنّ أقواما أنكروا هذه البداهة وحاولوا سَترها , فجاء كتابكم إعجاز القرآن مصدّقا لآياتها , مكذّبا لإنكارهم , وأيّد بلاغة القرآن وإعجازها بأدلة مشتقةٍ من أسرارها , في بيان مستمد من روحها , كأنه تنزيل من التنزيل , أو قبس من نور الذكر الحكيم )
    إعجاز القرآن ص 7

    فكان حقا والله من عباقرة العلم والأدب , وأصحاب البيان الملهم والفكر المنير الذي اكتسبها من البيئة التي لم تعرف سوى الأدب والعلم والتعلّم لتهذيب المسلم الإنسان العربيّ ..
    ستبقى كلماته و لن تموت بل ستروي عطش الأرض الجرداء , وستورث الحب والوفاء لمن أراد أن يستظلّ بوارف تاريخ الأدب والأجداد , لأنه حقا والله كان أميراً للقلم واللسان ...


    [align=justify]بقلم : ابنة الشهباء[/align]
    [/frame]
    التعديل الأخير تم بواسطة بنت الشهباء; الساعة 25-03-2008, 22:48.

    أمينة أحمد خشفة
  • د. جمال مرسي
    شاعر و مؤسس قناديل الفكر و الأدب
    • 16-05-2007
    • 4938

    #2
    ستبقى كلماته و لن تموت بل ستروي عطش الأرض الجرداء , وستورث الحب والوفاء لمن أراد أن يستظلّ بوارف تاريخ الأدب والأجداد , لأنه حقا والله كان أميراً للقلم واللسان ...

    نعم و الله أختي الكريمة بنت الشهباء .. و هذه هي الحقيقة التي لم يستطيع تزييفها مدعو الأدب في عصر تكاد أن تختفي فيه كل معالم الأدب .
    مصطفى صادق الرافعي كان أنوذجاً حياً للأديب المفكر الواعي الذي ورث للمكتبة العربية كتباً لن تنساها الأجيال
    و لكن أين قراؤها الآن في خضم هذه الترهات التي تعرض علينا ليل نهار إما مقروءة أو مرئية أو مسموعة .
    لله درك أيتها الأديبة المتأدبة الأمينة المؤتمنة
    أقدرك و أحترمك و أسعى لقراءة كل حروفك
    فقط جاء في مقالتك طخا و هي طلخا إحدى مدن الدقهلية ( المنصورة )
    و جاء أيضا الزعيم مصطفى كمال و الصحيح مصطفى كامل
    محبتي و تقديري
    sigpic

    تعليق

    • اسلام المصرى
      عضو أساسي
      • 16-05-2007
      • 784

      #3
      اختى فى الله امينة موضوعاتك قيمة رائعة حفظكى الله


      الرافعي".. جوته وهوجو وشكسبير العرب




      ولد مصطفى صادق الرافعي على ضفاف النيل في قرية بهتيم من قرى مدينة القليوبية بمصر في يناير عام 1880م. لأبوين سوريَّين؛ حيث يتصل نسب أسرة والده بعمر بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم في نسب طويل من أهل الفضل والكرامة والفقه في الدين. وقد وفد من آل الرافعي إلى مصر طائفة كبيرة اشتغلوا في القضاء على مذهب الإمام الأكبر أبي حنيفة النعمان حتى آل الأمر أن اجتمع منهم في وقت واحدٍ أربعون قاضياً في مختلف المحاكم المصرية؛ وأوشكت وظائف القضاء أن تكون حِكراً عليهم، وقد تنبه اللورد كرومر لذلك وأثبتها في بعض تقارير إلى وزارة الخارجية البريطانية.

      أما والد الرافعي الشيخ عبد الرزاق سعيد الرافعي فكان رئيساً للمحاكم الشرعية في كثير من الأقاليم المصرية، وقد استقر به المقام رئيساً لمحكمة طنطا الشرعية، وهناك كانت إقامته حتى وفاته، وفيها درج مصطفى صادق وإخوته لا يعرفون غيرها، ولا يبغون عنها حولاً.

      أما والدته فهي من أسرة الطوخي وتُدعى " أسماء " وأصلها من حلب، سكن أبوها الشيخ الطوخي في مصر قبل أن يتصل نسبهم بآل الرافعي. وهي أسرة اشتهر أفرادها بالاشتغال بالتجارة وضروبها.

      ثقافته وأدبه
      لهذه الأسرة المورقة الفروع ينتمي مصطفى صادق وفي فنائها درج، وعلى الثقافة السائدة لأسرة أهل العلم نشأ؛ فاستمع من أبيه أول ما استمع إلى تعاليم الدين، وجمع القرآن حفظاً وهو دون العاشرة، فلم يدخل المدرسة إلا بعدما جاوز العاشرة بسنة أو اثنتين، وفي السنة التي نال فيها الرافعي الشهادة الابتدائية وسنه يومئذٍ 17 عاماً أصابه مرض التيفوئيد فما نجا منه إلا وقد ترك في أعصابه أثراً ووقراً في أذنيه لم يزل يعاني منه حتى فقد حاسة السمع وهو بعد لم يجاوز الثلاثين.

      وكانت بوادر هذه العلة هي التي صرفته عن إتمام تعليمه بعد الابتدائية. فانقطع إلى مدرسته التي أنشأها لنفسه وأعد برامجها بنفسه؛ فكان هو المعلم والتلميذ، فأكبَّ على مكتبة والده الحافلة التي تجمع نوادر كتب الفقه والدين والعربية؛ فاستوعبها وراح يطلب المزيد، وكانت علته سببًا باعد بينه وبين مخالطة الناس، فكانت مكتبته هي دنياه التي يعيشها وناسها ناسه، وجوها جوه وأهلها صحبته وخلانه وسمّاره، وقد ظل على دأبه في القراءة والاطلاع إلى آخر يوم في عمره، يقرأ كل يوم 8 ساعات لا يكل ولا يمل كأنه في التعليم شادٍ لا يرى أنه وصل إلى غاية.


      نتاجه الأدبي والفكري

      استطاع الرافعي خلال فترة حياته الأدبية التي تربو على خمسٍ وثلاثين سنة إنتاج مجموعة كبيرة ومهمة من الدواوين والكتب أصبحت علامات مميزة في تاريخ الأدب العربي.

      (1) دواوينه الشعرية:

      كان الرافعي شاعراً مطبوعاً بدأ قرض الشعر وهو في العشرين، وطبع الجزء الأول من ديوانه في عام 1903 وهو بعد لم يتجاوز الثالثة والعشرين، وقد قدّم له بمقدمة بارعة فصّل فيها معنى الشعر وفنونه ومذاهبه وأوليته. وتألق نجم الرافعي الشاعر بعد الجزء الأول واستطاع بغير عناء أن يلفت نظر أدباء عصره، واستمر على دأبه فأصدر الجزأين الثاني والثالث من ديوانه. وبعد فترة أصدر ديوان النظرات، ولقي الرافعي حفاوة بالغة من علماء العربية وأدبائها قلّ نظيرها، حتى كتب إليه الإمام محمد عبده قائلاً: " أسأل الله أن يجعل للحق من لسانك سيفاً يمحق الباطل، وأن يقيمك في الأواخر مقام حسان في الأوائل ".

      (2) كتبه النثرية:

      قلّ اهتمام الرافعي بالشعر عما كان في مبتدئه؛ وذلك لأن القوالب الشعرية تضيق عن شعوره الذي يعبر عن خلجات نفسه وخطرات قلبه ووحي وجدانه ووثبات فكره، فنزع إلى النثر محاولاً إعادة الجملة القرآنية إلى مكانها مما يكتب الكتاب والنشء والأدباء، أيقن أن عليه رسالة يؤديها إلى أدباء جيله، وأن له غاية هو عليها أقدر، فجعل هدفه الذي يسعى إليه أن يكون لهذا الدين حارساً يدفع عنه أسباب الزيغ والفتنة والضلال، وينفخ في هذه اللغة روحاً من روحه، يردّها إلى مكانها ويرد عنها فلا يجترئ عليها مجترئ، ولا ينال منها نائل، ولا يتندر بها ساخر إلا انبرى له يبدد أوهامه ويكشف دخيلته. فكتب مجموعة من الكتب تعبر عن هذه الأغراض عُدت من عيون الأدب في مطلع هذا القرن. وأهمها:

      1. تحت راية القرآن: المعركة بين القديم والجديد: وهو كتاب وقفه –كما يقول- على تبيان غلطات المجددين الذي يريدون بأغراضهم وأهوائهم أن يبتلوا الناس في دينهم وأخلاقهم ولغتهم، وهو في الأصل مجموعة مقالات كان ينشرها في الصحف في أعقاب خلافه مع طه حسين الذي احتل رده على كتاب " في الشعر الجاهلي " معظم صفحات الكتاب.

      2. وحي القلم: وهو مجموعة من مقالاته النقدية والإنشائية المستوحاة من الحياة الاجتماعية المعاصرة والقصص والتاريخ الإسلامي المتناثرة في العديد من المجلات المصرية المشهورة في مطلع القرن الماضي مثل: الرسالة، والمؤيد والبلاغ والمقتطف والسياسة وغيرها.

      3. تاريخ الأدب العربي: وهو كتاب في ثلاثة أجزاء، الأول: في أبواب الأدب والرواية والرواة والشواهد الشعرية، والثاني: في إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، وأما الثالث: فقد انتقل الرافعي إلى رحمة ربه قبل أن يرى النور؛ فتولى تلميذه محمد سعيد العريان إخراجه؛ غير أنه ناقص عن المنهج الذي خطه الرافعي له في مقدمة الجزء الأول.

      4. حديث القمر: هو ثاني كتبه النثرية وقد أنشأه بعد عودته من رحلة إلى لبنان عام 1912؛ عرف فيها شاعرة من شاعرات لبنان ( مي زيادة ) ، وكان بين قلبيهما حديث طويل، فلما عاد من رحلته أراد أن يقول فكان " حديث القمر ".

      5. كتاب المساكين: وهو كتاب قدّم له بمقدمة بليغة في معنى الفقر والإحسان والتعاطف الإنساني، وهو فصول شتى ليس له وحدة تربطها سوى أنها صور من الآلام الإنسانية الكثيرة الألوان المتعددة الظلال. وقد أسند الكلام فيه إلى الشيخ علي الذي يصفه الرافعي بأنه: " الجبل الباذخ الأشم في هذه الإنسانية التي يتخبطها الفقر بأذاه "، وقد لقي هذا الكتاب احتفالاً كبيراً من أهل الأدب حتى قال عنه أحمد زكي باشاً: " لقد جعلت لنا شكسبير كما للإنجليز شكسبير وهيجو كما للفرنسيين هيجو وجوته كما للألمان جوته ".

      6. رسائل الأحزان: من روائع الرافعي الثلاثة؛ التي هي نفحات الحب التي تملكت قلبه وإشراقات روحه، وقد كانت لوعة القطيعة ومرارتها أوحت إليه برسائل الأحزان التي يقول فيها " هي رسائل الأحزان لا لأنها من الحزن جاءت؛ ولكن لأنها إلى الأحزان انتهت؛ ثم لأنها من لسان كان سلماً يترجم عن قلب كان حرباً؛ ثم لأن هذا التاريخ الغزلي كان ينبع كالحياة وكان كالحياة ماضياً إلى قبر ".

      7ـ. السحاب الأحمر: وقد جاء بعد رسائل الأحزان، وهو يتمحور حول فلسفة البغض، وطيش القلب، ولؤم المرأة.

      8. أوراق الورد رسائله ورسائلها: وهو طائفة من خواطر النفس المنثورة في فلسفة الحب والجمال، أنشأه الرافعي ليصف حالةً من حالاته ويثبت تاريخاً من تاريخه، كانت رسائل يناجي بها محبوبته في خلوته، ويتحدث بها إلى نفسه أو يبعث بها إلى خيالها في غفوة المنى، ويترسل بها إلى طيفها في جلوة الأحلام.

      9. على السَّفُّود: وهو كتاب لم يكتب عليه اسم الرافعي وإنما رمز إليه بعبارة إمام من أئمة الأدب العربي؛ وهو عبارة عن مجموعة مقالات في نقد بعض نتاج العقاد الأدبي.

      الرافعي ومعاركه الأدبية
      كان الرافعي ناقداً أدبياً عنيفاً حديد اللسان والطبع لا يعرف المداراة، ولا يصطنع الأدب في نضال خصومه، وكانت فيه غيرة واعتداد بالنفس، وكان فيه حرص على اللغة كما يقول: " من جهة الحرص على الدين إذ لا يزال منهما شيء قائم كالأساس والبناء لا منفعة بأحدهما إلا بقيامهما معاً ". وكان يهاجم خصومه على طريقة عنترة، يضرب الجبان ضربة ينخلع لها قلب الشجاع، فكانت له خصومات عديدة مع شخصيات عنيدة وأسماء نجوم في الأدب والفكر والثقافة في مطلع القرن، فكانت بينه وبين المنفلوطي خصومة ابتدأها هذا الأخير بسبب رأي الرافعي في شعراء العصر. وكانت له صولات مع الجامعة المصرية حول طريقة تدريس الأدب العربي، وجولات أخرى مع عبد الله عفيفي وزكي مبارك. على أن أكثر معاركه شهرةً وحدة هو ما كان بينه وبين طه حسين، وبينه وبين العقاد، بل لعلها أشهر وأقسى ما في العربية من معارك الأدب.

      خصومته مع طه حسين:

      كانت هذه الخصومة بسبب كتاب طه حسين " في الشعر الجاهلي " الذي ضمّنه رأيه في أن جُلّ الشعر الجاهلي منحول، وهي مقولة خطيرة تنبه لها الرافعي؛ فحمل عليه حملة شعواء في الصحافة المصرية واستعدى عليه الحكومة والقانون وعلماء الدين، وطلب منهم أن يأخذوا على يده وأن يمنعوه من أن تشيع بدعته بين طلاب الجامعة، وترادفت مقالاته عاصفة مهتاجة تفور بالغيظ والحميّة الدينية والعصبيّة للإسلام والعرب، كأن فيها معنى من معاني الدم، حتى كادت هذه الحملة تذهب بـ " طه " وشيعته؛ إذ وقف معقود اللسان والقلم أمام قوة قلم الرافعي وحجته البالغة، وقد أسرّ " طه " هذا الموقف للرافعي، فما سنحت له سانحة ينال بها من الرافعي إلا استغلها كي يرد له الصاع صاعين. غير أن الرافعي كان يقارعه حجة بحجة ونقداً بنقد حتى توفي رحمه الله.

      خصومته مع العقاد:

      وكان السبب فيها كتاب الرافعي " إعجاز القرآن والبلاغة القرآنية " إذ كان العقاد يرى رأياً مخالفاً لما يرى الرافعي، وقد نشبت بينهما لذلك خصومة شديدة تجاوزت ميدانها الذي بدأت فيه، ومحورها الذي كانت تدور عليه إلى ميادين أخرى؛ جعلت كلا الأديبين الكبيرين ينسى مكانه، ويغفل أدبه ليلغو في عرض صاحبه، ويأكل لحمه من غير أن يرى ذلك مَعابة عليه، وكان البادئ الرافعي في مقالاته " على السفود " التي جمعها له في كتاب صديقه إسماعيل مظهر، وتوقفت المعركة بينهما فترة وجيزة ما لبثت أن اشتعل أوارها مرة أخرى عندما نشر العقاد ديوانه " وحي الأربعين " فكتب الرافعي نقداً لديوانه، تلقفه العقاد بالسخرية والتهكم والشتم والسباب، ولم تزل بينهما الخصومات الأدبية حتى توفي الرافعي رحمه الله.

      وفاته:

      توفي الرافعي في مايو سنة 1937 عن عمر يناهز 57 عاماً وكان الرافعي إذ ذاك ما يزال يعمل كاتباً ومحصلاً مالياً في محكمة طنطا، وهو العمل الذي بدأ به حياته العملية عام 1900م.

      المصادر:

      حياة - الرافعي: محمد سعيد العريان

      - مصطفى صادق الرافعي "الأديب الناقد": إبراهيم الكوفي .
      [color=#00008B][size=7][align=center]"واإسلاماه"[/align][/size][/color]

      [align=center][img]http://www.almolltaqa.com/vb/image.php?u=46&dateline=1179777823[/img][/align]
      [CENTER][SIZE="5"][COLOR="Black"]دعائكم لى بالشفاء[/COLOR][/SIZE][/CENTER]

      تعليق

      • بنت الشهباء
        أديب وكاتب
        • 16-05-2007
        • 6341

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة د. جمال مرسي مشاهدة المشاركة
        ستبقى كلماته و لن تموت بل ستروي عطش الأرض الجرداء , وستورث الحب والوفاء لمن أراد أن يستظلّ بوارف تاريخ الأدب والأجداد , لأنه حقا والله كان أميراً للقلم واللسان ...

        نعم و الله أختي الكريمة بنت الشهباء .. و هذه هي الحقيقة التي لم يستطيع تزييفها مدعو الأدب في عصر تكاد أن تختفي فيه كل معالم الأدب .
        مصطفى صادق الرافعي كان أنوذجاً حياً للأديب المفكر الواعي الذي ورث للمكتبة العربية كتباً لن تنساها الأجيال
        و لكن أين قراؤها الآن في خضم هذه الترهات التي تعرض علينا ليل نهار إما مقروءة أو مرئية أو مسموعة .
        لله درك أيتها الأديبة المتأدبة الأمينة المؤتمنة
        أقدرك و أحترمك و أسعى لقراءة كل حروفك
        فقط جاء في مقالتك طخا و هي طلخا إحدى مدن الدقهلية ( المنصورة )
        و جاء أيضا الزعيم مصطفى كمال و الصحيح مصطفى كامل
        محبتي و تقديري

        الأديب الراقي
        أخي الكريم
        الدكتور جمال مرسي
        مرورك دائمًا أعتز وأتباهى به ... وخاصة حينما ترشدني إلى بعض الهنات في النص
        فهذا والله يسعدني دائمًا ... لأنه أولًا وأخيرًا هومن باب الحرص والوفاء على أن تكون نصوصي دائمًا خالية من الشوائب اللفظية , والأخطاء النحوية
        وأعود إلى أديبنا ومعلمنا أمير القلم واللسان
        مصطفى صادق الرافعي - رحمه الله -
        لا أعلم والله حينما كنت في الصف الأول الثانوي كيف لي أن حصلت على مجموعته وحي القلم
        وكان لي معها جلسات طويلة وطويلة.... أحببت كلماته , عشت في ربوع أدبه .... وعشقت سطور صفحاته
        بعدها قررت أن أجمع كل مجموعته في مكتبتي .....
        وبدأت معها رحلة جميلة من أجمل رحلات عمري ... وخاصة مع رسائله الأدبية البديعة في الوصف والبلاغة والبيان ......
        ولا يمكن لنا أن نرى لمثل هذا الأديب في زماننا هذا والله .....

        جزيل الشكر والاحترام والتقدير
        لمروركَ الطيب

        أمينة أحمد خشفة

        تعليق

        • بنت الشهباء
          أديب وكاتب
          • 16-05-2007
          • 6341

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة اسلام المصرى مشاهدة المشاركة
          اختى فى الله امينة موضوعاتك قيمة رائعة حفظكى الله


          الرافعي".. جوته وهوجو وشكسبير العرب




          ولد مصطفى صادق الرافعي على ضفاف النيل في قرية بهتيم من قرى مدينة القليوبية بمصر في يناير عام 1880م. لأبوين سوريَّين؛ حيث يتصل نسب أسرة والده بعمر بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم في نسب طويل من أهل الفضل والكرامة والفقه في الدين. وقد وفد من آل الرافعي إلى مصر طائفة كبيرة اشتغلوا في القضاء على مذهب الإمام الأكبر أبي حنيفة النعمان حتى آل الأمر أن اجتمع منهم في وقت واحدٍ أربعون قاضياً في مختلف المحاكم المصرية؛ وأوشكت وظائف القضاء أن تكون حِكراً عليهم، وقد تنبه اللورد كرومر لذلك وأثبتها في بعض تقارير إلى وزارة الخارجية البريطانية.

          أما والد الرافعي الشيخ عبد الرزاق سعيد الرافعي فكان رئيساً للمحاكم الشرعية في كثير من الأقاليم المصرية، وقد استقر به المقام رئيساً لمحكمة طنطا الشرعية، وهناك كانت إقامته حتى وفاته، وفيها درج مصطفى صادق وإخوته لا يعرفون غيرها، ولا يبغون عنها حولاً.

          أما والدته فهي من أسرة الطوخي وتُدعى " أسماء " وأصلها من حلب، سكن أبوها الشيخ الطوخي في مصر قبل أن يتصل نسبهم بآل الرافعي. وهي أسرة اشتهر أفرادها بالاشتغال بالتجارة وضروبها.

          ثقافته وأدبه
          لهذه الأسرة المورقة الفروع ينتمي مصطفى صادق وفي فنائها درج، وعلى الثقافة السائدة لأسرة أهل العلم نشأ؛ فاستمع من أبيه أول ما استمع إلى تعاليم الدين، وجمع القرآن حفظاً وهو دون العاشرة، فلم يدخل المدرسة إلا بعدما جاوز العاشرة بسنة أو اثنتين، وفي السنة التي نال فيها الرافعي الشهادة الابتدائية وسنه يومئذٍ 17 عاماً أصابه مرض التيفوئيد فما نجا منه إلا وقد ترك في أعصابه أثراً ووقراً في أذنيه لم يزل يعاني منه حتى فقد حاسة السمع وهو بعد لم يجاوز الثلاثين.

          وكانت بوادر هذه العلة هي التي صرفته عن إتمام تعليمه بعد الابتدائية. فانقطع إلى مدرسته التي أنشأها لنفسه وأعد برامجها بنفسه؛ فكان هو المعلم والتلميذ، فأكبَّ على مكتبة والده الحافلة التي تجمع نوادر كتب الفقه والدين والعربية؛ فاستوعبها وراح يطلب المزيد، وكانت علته سببًا باعد بينه وبين مخالطة الناس، فكانت مكتبته هي دنياه التي يعيشها وناسها ناسه، وجوها جوه وأهلها صحبته وخلانه وسمّاره، وقد ظل على دأبه في القراءة والاطلاع إلى آخر يوم في عمره، يقرأ كل يوم 8 ساعات لا يكل ولا يمل كأنه في التعليم شادٍ لا يرى أنه وصل إلى غاية.


          نتاجه الأدبي والفكري

          استطاع الرافعي خلال فترة حياته الأدبية التي تربو على خمسٍ وثلاثين سنة إنتاج مجموعة كبيرة ومهمة من الدواوين والكتب أصبحت علامات مميزة في تاريخ الأدب العربي.

          (1) دواوينه الشعرية:

          كان الرافعي شاعراً مطبوعاً بدأ قرض الشعر وهو في العشرين، وطبع الجزء الأول من ديوانه في عام 1903 وهو بعد لم يتجاوز الثالثة والعشرين، وقد قدّم له بمقدمة بارعة فصّل فيها معنى الشعر وفنونه ومذاهبه وأوليته. وتألق نجم الرافعي الشاعر بعد الجزء الأول واستطاع بغير عناء أن يلفت نظر أدباء عصره، واستمر على دأبه فأصدر الجزأين الثاني والثالث من ديوانه. وبعد فترة أصدر ديوان النظرات، ولقي الرافعي حفاوة بالغة من علماء العربية وأدبائها قلّ نظيرها، حتى كتب إليه الإمام محمد عبده قائلاً: " أسأل الله أن يجعل للحق من لسانك سيفاً يمحق الباطل، وأن يقيمك في الأواخر مقام حسان في الأوائل ".

          (2) كتبه النثرية:

          قلّ اهتمام الرافعي بالشعر عما كان في مبتدئه؛ وذلك لأن القوالب الشعرية تضيق عن شعوره الذي يعبر عن خلجات نفسه وخطرات قلبه ووحي وجدانه ووثبات فكره، فنزع إلى النثر محاولاً إعادة الجملة القرآنية إلى مكانها مما يكتب الكتاب والنشء والأدباء، أيقن أن عليه رسالة يؤديها إلى أدباء جيله، وأن له غاية هو عليها أقدر، فجعل هدفه الذي يسعى إليه أن يكون لهذا الدين حارساً يدفع عنه أسباب الزيغ والفتنة والضلال، وينفخ في هذه اللغة روحاً من روحه، يردّها إلى مكانها ويرد عنها فلا يجترئ عليها مجترئ، ولا ينال منها نائل، ولا يتندر بها ساخر إلا انبرى له يبدد أوهامه ويكشف دخيلته. فكتب مجموعة من الكتب تعبر عن هذه الأغراض عُدت من عيون الأدب في مطلع هذا القرن. وأهمها:

          1. تحت راية القرآن: المعركة بين القديم والجديد: وهو كتاب وقفه –كما يقول- على تبيان غلطات المجددين الذي يريدون بأغراضهم وأهوائهم أن يبتلوا الناس في دينهم وأخلاقهم ولغتهم، وهو في الأصل مجموعة مقالات كان ينشرها في الصحف في أعقاب خلافه مع طه حسين الذي احتل رده على كتاب " في الشعر الجاهلي " معظم صفحات الكتاب.

          2. وحي القلم: وهو مجموعة من مقالاته النقدية والإنشائية المستوحاة من الحياة الاجتماعية المعاصرة والقصص والتاريخ الإسلامي المتناثرة في العديد من المجلات المصرية المشهورة في مطلع القرن الماضي مثل: الرسالة، والمؤيد والبلاغ والمقتطف والسياسة وغيرها.

          3. تاريخ الأدب العربي: وهو كتاب في ثلاثة أجزاء، الأول: في أبواب الأدب والرواية والرواة والشواهد الشعرية، والثاني: في إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، وأما الثالث: فقد انتقل الرافعي إلى رحمة ربه قبل أن يرى النور؛ فتولى تلميذه محمد سعيد العريان إخراجه؛ غير أنه ناقص عن المنهج الذي خطه الرافعي له في مقدمة الجزء الأول.

          4. حديث القمر: هو ثاني كتبه النثرية وقد أنشأه بعد عودته من رحلة إلى لبنان عام 1912؛ عرف فيها شاعرة من شاعرات لبنان ( مي زيادة ) ، وكان بين قلبيهما حديث طويل، فلما عاد من رحلته أراد أن يقول فكان " حديث القمر ".

          5. كتاب المساكين: وهو كتاب قدّم له بمقدمة بليغة في معنى الفقر والإحسان والتعاطف الإنساني، وهو فصول شتى ليس له وحدة تربطها سوى أنها صور من الآلام الإنسانية الكثيرة الألوان المتعددة الظلال. وقد أسند الكلام فيه إلى الشيخ علي الذي يصفه الرافعي بأنه: " الجبل الباذخ الأشم في هذه الإنسانية التي يتخبطها الفقر بأذاه "، وقد لقي هذا الكتاب احتفالاً كبيراً من أهل الأدب حتى قال عنه أحمد زكي باشاً: " لقد جعلت لنا شكسبير كما للإنجليز شكسبير وهيجو كما للفرنسيين هيجو وجوته كما للألمان جوته ".

          6. رسائل الأحزان: من روائع الرافعي الثلاثة؛ التي هي نفحات الحب التي تملكت قلبه وإشراقات روحه، وقد كانت لوعة القطيعة ومرارتها أوحت إليه برسائل الأحزان التي يقول فيها " هي رسائل الأحزان لا لأنها من الحزن جاءت؛ ولكن لأنها إلى الأحزان انتهت؛ ثم لأنها من لسان كان سلماً يترجم عن قلب كان حرباً؛ ثم لأن هذا التاريخ الغزلي كان ينبع كالحياة وكان كالحياة ماضياً إلى قبر ".

          7ـ. السحاب الأحمر: وقد جاء بعد رسائل الأحزان، وهو يتمحور حول فلسفة البغض، وطيش القلب، ولؤم المرأة.

          8. أوراق الورد رسائله ورسائلها: وهو طائفة من خواطر النفس المنثورة في فلسفة الحب والجمال، أنشأه الرافعي ليصف حالةً من حالاته ويثبت تاريخاً من تاريخه، كانت رسائل يناجي بها محبوبته في خلوته، ويتحدث بها إلى نفسه أو يبعث بها إلى خيالها في غفوة المنى، ويترسل بها إلى طيفها في جلوة الأحلام.

          9. على السَّفُّود: وهو كتاب لم يكتب عليه اسم الرافعي وإنما رمز إليه بعبارة إمام من أئمة الأدب العربي؛ وهو عبارة عن مجموعة مقالات في نقد بعض نتاج العقاد الأدبي.

          الرافعي ومعاركه الأدبية
          كان الرافعي ناقداً أدبياً عنيفاً حديد اللسان والطبع لا يعرف المداراة، ولا يصطنع الأدب في نضال خصومه، وكانت فيه غيرة واعتداد بالنفس، وكان فيه حرص على اللغة كما يقول: " من جهة الحرص على الدين إذ لا يزال منهما شيء قائم كالأساس والبناء لا منفعة بأحدهما إلا بقيامهما معاً ". وكان يهاجم خصومه على طريقة عنترة، يضرب الجبان ضربة ينخلع لها قلب الشجاع، فكانت له خصومات عديدة مع شخصيات عنيدة وأسماء نجوم في الأدب والفكر والثقافة في مطلع القرن، فكانت بينه وبين المنفلوطي خصومة ابتدأها هذا الأخير بسبب رأي الرافعي في شعراء العصر. وكانت له صولات مع الجامعة المصرية حول طريقة تدريس الأدب العربي، وجولات أخرى مع عبد الله عفيفي وزكي مبارك. على أن أكثر معاركه شهرةً وحدة هو ما كان بينه وبين طه حسين، وبينه وبين العقاد، بل لعلها أشهر وأقسى ما في العربية من معارك الأدب.

          خصومته مع طه حسين:

          كانت هذه الخصومة بسبب كتاب طه حسين " في الشعر الجاهلي " الذي ضمّنه رأيه في أن جُلّ الشعر الجاهلي منحول، وهي مقولة خطيرة تنبه لها الرافعي؛ فحمل عليه حملة شعواء في الصحافة المصرية واستعدى عليه الحكومة والقانون وعلماء الدين، وطلب منهم أن يأخذوا على يده وأن يمنعوه من أن تشيع بدعته بين طلاب الجامعة، وترادفت مقالاته عاصفة مهتاجة تفور بالغيظ والحميّة الدينية والعصبيّة للإسلام والعرب، كأن فيها معنى من معاني الدم، حتى كادت هذه الحملة تذهب بـ " طه " وشيعته؛ إذ وقف معقود اللسان والقلم أمام قوة قلم الرافعي وحجته البالغة، وقد أسرّ " طه " هذا الموقف للرافعي، فما سنحت له سانحة ينال بها من الرافعي إلا استغلها كي يرد له الصاع صاعين. غير أن الرافعي كان يقارعه حجة بحجة ونقداً بنقد حتى توفي رحمه الله.

          خصومته مع العقاد:

          وكان السبب فيها كتاب الرافعي " إعجاز القرآن والبلاغة القرآنية " إذ كان العقاد يرى رأياً مخالفاً لما يرى الرافعي، وقد نشبت بينهما لذلك خصومة شديدة تجاوزت ميدانها الذي بدأت فيه، ومحورها الذي كانت تدور عليه إلى ميادين أخرى؛ جعلت كلا الأديبين الكبيرين ينسى مكانه، ويغفل أدبه ليلغو في عرض صاحبه، ويأكل لحمه من غير أن يرى ذلك مَعابة عليه، وكان البادئ الرافعي في مقالاته " على السفود " التي جمعها له في كتاب صديقه إسماعيل مظهر، وتوقفت المعركة بينهما فترة وجيزة ما لبثت أن اشتعل أوارها مرة أخرى عندما نشر العقاد ديوانه " وحي الأربعين " فكتب الرافعي نقداً لديوانه، تلقفه العقاد بالسخرية والتهكم والشتم والسباب، ولم تزل بينهما الخصومات الأدبية حتى توفي الرافعي رحمه الله.

          وفاته:

          توفي الرافعي في مايو سنة 1937 عن عمر يناهز 57 عاماً وكان الرافعي إذ ذاك ما يزال يعمل كاتباً ومحصلاً مالياً في محكمة طنطا، وهو العمل الذي بدأ به حياته العملية عام 1900م.

          المصادر:

          حياة - الرافعي: محمد سعيد العريان

          - مصطفى صادق الرافعي "الأديب الناقد": إبراهيم الكوفي .

          جميلة هذه الاضافة الثرية التي نقلتها لنا
          أخي الكريم اسلام مصري

          عن عملاق من عمالقة الأدب العربي
          مصطفى صادق الرافعي - رحمه الله -

          فهو بحق والله من أئمة الابداع العربي , ولا نرى له مثيلًا
          وما زال وسيبقى أمير القلم واللسان

          ألف شكر وتقدير لكَ أخي اسلام

          أمينة أحمد خشفة

          تعليق

          • بنت الشهباء
            أديب وكاتب
            • 16-05-2007
            • 6341

            #6

            أحببت أن أنقل لكم ما جاء على لسان قلم أمير القلم واللسان في كتابه إعجاز القرآن , وهل من سبيل إلى ترجمته حرفيا إلى باقي اللغات الأخرى ..


            .

            [frame="7 80"][align=center]وإنك لتحار إذا تأملت تركيب القرآن ونظم كلماته في الوجوه المختلفة التي يتصرف فيها , وتقعد بك العبارة إذا أنت حاولت أن تمضي في وصفه حتى لا ترى اللغة كلها أدلّ على غرضك وأجمعَ لما في نفسك وأبينَ لهذه الحقيقة , غير الإعجاز .
            وما عسى أن تقول في كلام ترى للفظ من الألفاظ فيه معنى , ثم ترى كأن لهذا المعنى في التركيب معنى آخر , هو الذي يفيض على النفس ويتصل بها فكأنه كلام مداخلٌ وكأن اللغة فيه لغتان .
            ثم ما أنت قائلٌ في كلامٍ جاء من الإبداع في التأليف ومن وجوه التفنن في تلوين المعاني بحيث نفى العرب جميعاً عن لغتهم وهم في أرقى ما اتفق لهم من الصور اللغوية , واستبد بها دونهم واستغرق كل ما جاء به من محاسن البيان حتى لم يدع لمن يقابل بينه وبين كلامه إلا حُكماً واحداً تنتهي إليه المقالة من أيّ جهاتها سلك , وهو أن العرب أوجدوا اللغة مفردات فانية , وأوجدها القرآن تراكيب خالدة .
            ثم ماذا يبلغ القول من صفة هذا التركيب العجيب , وأنت ترى أن أعجب منه مجيئه على هذا الوجه الذي يستنفد كلّ ما في العقول البيانية من الفكر , وكل ما في القوى من أسباب البحث , كأنما ركب على مقادير العقول والقوى وآلات العلوم وأحوال العصور المغيّبة , فتراه يتخير من الألفاظ على درجات ليس معنى العجب فيها أن يقع التخير عليها , ولكن العجب أن تستجيب ألفاظه على هذا الوجه المعجز الذي لا يكون في اللغة إلا عن قدرة هي عين القدرة التي ألهمت أهلها الوضع والتعبير وتشقيق الكلام , حتى حصلت لغتهم كاملة في كل ذلك , أيّ معنى أعجب من أن تتجاذبك معاني الوضع في ألفاظ القرآن فترى اللفظ قاراً في موضعه لأنه الأليق في النظم , ثم لأنه مع ذلك الأوسع في المعنى , ومع ذلك الأقوى في الدلالة , ومع ذلك الأحكم في الإبانة , ومع ذلك الأبدع في وجه البلاغة , ومع ذلك الأكثر مناسبة لمفردات الآية مما يتقدمه أو يترادف عليه , حتى خرج بذلك كله في تركيب قصرٌ معارضته أن تنتهيَ إليه بعينه , ولا مثلَ له إلا ما يتردد منه على لسان قارئه , وحتى خرج التعبير عن معانيه بألفاظٍ أخرى من نفس اللغة العربية مخرج الترجمة إلى غيرها من اللغات إذ لم تحمل لغة من لغات الأرض حقيقة ما تعيّنه ألفاظه على تركيبها المعجز بل هو في ذلك يُعجزها جميعاً ويخرج عن طوق أهلها وإن تساندوا فيه , وإنما هو جهد ما تبلغه تلك اللغات أن تجيء بشبه معانيه , قصداً في بعضها ومقاربة في بعضها مع الاستعانة بالشرح المبسوط والعبارة الملونة , وعلى أنه ليس ضرباً من ضروب الصناعات اللفظية التي لا يتفق فيها أن تنقل من لغة إلى لغة ( 1 ).
            وإن من أعجب ما يحقق الإعجاز أن معاني هذا الكتاب الكريم لو ألبست ألفاظاً أخرى من نفس العربية , ما جاءت في نمطها , وسمتها والإبلاغ عن ذات المعنى لا في حكم الترجمة , ولو تولى ذلك أبلغ بلغائها ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً , فقد ضاقت اللغة عنده على سعتها , حتى ليس فيها لمعانيه غير ألفاظه بأعيانها وتركيبها , ومتى كانت المعارضة والترجمة سواء إلا في المعجز الذي يساوي بين القوى في المعجز وهي بعد في ذات بينها مختلفات ؟
            [/align]

            [/frame][align=center]إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ص 246-247-248
            مصطفى صادق الرافعي


            (1 ) لذلك حرموا الترجمة القرآن إلى اللغات , فإن الترجمة لا تؤديه ألبتة , ولو هي أدت معانيه كما يفهم أهل عصر , بقي منها ما ستفهمه العصور الأخرى وأشهر وأدق ترجمة للقرآن في اللغة الفرنسية ترجمت فيها هذه الآية " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنت لباس لهن " فكانت الترجمة هكذا هن بنطلونات لكم وأنتم بنطلونات لهن ... وكيف لعمري يمكن أن يترجم هذه الكتابة الدقيقة وجه من وجوه إعجاز القرآن للغات العالم كافة
            [/align]
            .

            أمينة أحمد خشفة

            تعليق

            يعمل...
            X