الخطاب الموازي في رواية جارات أبي موسى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • يونس لشهب
    عضو الملتقى
    • 15-11-2008
    • 24

    الخطاب الموازي في رواية جارات أبي موسى

    السلام عليكم، يسرني أن أقترح عليكم، دراسة عجلى، تقوم مقام المدخل لدراسة الخطاب الموازي (le paratexte)، في رواية جارات أبي موسى للروائي المغربي د. أحمد التوفيق، وإليكم نصها:

    تمهيد:
    [align=justify][align=justify]يحاول النقد المعاصر أن يؤسس معرفة بالنصوص التي يقاربها ويخلخلها قوامها العلمية والشمولية. لذلك نجده يسلط الضوء على كل صغيرة وكبيرة قد تسعف في التأسيس لتلك المعرفة العلمية والشمولية؛ من هذا المنطلق تبوأ الخطاب الموازي، ويقصد به مجموع البنيات التي تسير بالموازاة مع النص/ المركز، بدءا من العنوان والصور... وانتهاء بإثبات اسم دار النشر وسعر العمل...تبوأ الخطاب الموازي مكانة مهمة في تحليل الخطاب الروائي، لأنه يلعب على الأقل – إذا جارينا رولان بارث – وظيفتين في علاقته بالنص / المركز وهما:[1]

    - وظيفة الترسيخ: حيث يقدم الخطاب الموازي دلالات متعددة ينتقي منها المتلقي بعضها ويهمل البعض الآخر حسب النص اللغوي الذي يوجه قراءة ذلك الخطاب.[/align]
    - وظيفة التدعيم: ترتبط بالنص / المركز الذي تنصهر فيه دلالة الخطاب الموازي في إطار وحدة كبرى.

    سنعمل في هذه المحاولة على مقاربة الخطاب الموازي في رواية جارات أبي موسى[2] مقتصرين على عنوان الرواية وصورة الغلاف، سعيا إلى تكثيف الجهد من جهة، وإلى تبيان ضرورة وخطورة الخطاب الموازي في توجيه دلالات العمل الروائي من جهة أخرى.





    تقديم الرواية:

    نستهل محاولتنا بتقديم الرواية: " جارات أبي موسى " رواية من الحجم الصغير للأديب والمؤرخ المغربي أحمد التوفيق. اعتمدنا الطبعة الصادرة عن دار القبة الزرقاء، سلسلة جوهرة الأدب -1-، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء. رقم الإيداع: 663/ 1997 م. تلفت انتباهنا في الغلاف الأمامي الخارجي لوحة تعبر عن قرص الشمس وسط فضاء بني اللون، في أعلاه نجد اسم المؤلف بلون أبيض فوق العنوان المكتوب بلون أزرق – وفي أسفله كتب اسم دار النشر، وأخيرا نقرأ في الغلاف الخلفي ورقة تعريفية بالمؤلف في النصف الأعلى، وفي النصف الأسفل نقرأ تقديما للعمل في صيغة أسئلة سبعة تستفز فكر وقريحة المتلقي أو القارئ ليحاول البحث عن أجوبة لها. وتتوسطهما دائرة بيضاء ملئت بزخارف من أوراق نباتية متشابكة ومتداخلة فيما بينها.

    خصص التوفيق الصفحة الثالثة للإهداء، ليبدأ بعدها وانطلاقا من الصفحة الخامسة إلى الصفحة الثانية والتسعين بعد المئة، في نسج وتشكيل خيوط عالمه الروائي اعتمادا على سبعة وثلاثين فصلا.

    تتمحور مضامين الرواية حول رجل صالح تتوزع إقامته بين مغارة مطلة على البحر شمال سلا، وفندق الزيت، يعيش وحيدا منقطعا للعبادة، لا يهتم بالأمور المادية إلا بمقدار ما يسد به رمقه. يعتبره الناس مهبولا )ص.92(. يكثر الحديث عنه بعد عودة الحجاج من أداء مناسك الحج، ويشيع خبر تواجده في البقاع المقدسة وهو لم يبرح مكانه. مما دفع العامل إلى استفتاء المفتي "يحي قولان" حول إمكانية وجود شخص واحد في مكانين متباعدين في وقت واحد )ص90(. وتكون فتواه بأن ذلك من كرامات الصالحين قبل الزمان الذي يعيشون فيه: زمن الجهر بالموبقات. تسوق الأقدار "شامة" وزوجها "عليا سانشو"، لمجاورة الرجل الصالح "أبي موسى" في فندق الزيت. بعدما اشتغلت خادمة عند القاضي "ابن الحفيد" الذي أنزلها وزوجته "الطاهرة" مكانة رفيعة. وبعدما تزوجت من " الجورائي" قاضي السلطان في حادثة طريقة، لتجد نفسها بين أحضان أسرة ابن الحفيد وقد توفيت "الطاهرة" وخارت همة القاضي. )ص 53( الذي اختار لها "عليا" زوجا. ومن هنا تتضاعف مجهودات العامل "جرمون" ومؤمراته للتفريق بين الزوجين، وقد تفاقمت تلك المؤامرات بعد وفاة القاضي "ابن الحفيد"، لتؤدي إلى إفلاس "علي"، يلجأ إلى جاره "أبي موسى"، حيث طلبت "شامة" منه اصطحاب زوجها في خرجاته للصيد (ص 96(، يتنبه الزوجان لكرامات الرجل ولبركته من خلال سلسلة من الأحداث ) مثلا.ص، 94-100-101(.

    لم تكن "شامة" المرأة الوحيدة التي جاورت "أبي موسى"، بل سبقتها "خوليا" ووالدها" بيدور" إضافة إلى اللقلاق الشيخ. ودس الــعامل "جرمون"، " تودة ")اللصقة( المرأة الفاسقة لزرع الفتنة وتعكير صفو العلاقة بين "علي" وزوجه، وستنجح في جر "خوليا" إلى عالم الفساد، فيرحل "بيدور" تجنبا للفضيحة.

    تسقط مدينة سلا فريسة لجفاف حاد، لم تجد معه تضرعات الأئمة والقضاة والفقهاء، فسر العلماء ذلك الجفاف بكثرة المناكر والمفاسد )ص 183(، يلجأ العامل إلى "أبي موسى" ويطلب منه أن يؤم الناس يوم الجمعة في صلاة الاستسقاء، عملا بنصيحة أحد الفجرة من جلسائه، يرفض " أبو موسى " فيتعرض للسجن، ليخرج أخيرا ضحى يوم الخميس مصطحبا جاراته إلى المصلى متضرعا باكيا مستسقيا، الأمر الذي أثار استنكار الفقهاء والناس، كما أثار استعطاف البعض الآخر، ويحدث أن يستجيب الله لأبي موسى وجاراته، فتعم أمطار الخير المدينة ليلة ذلك اليوم مستمرة حتى الغد، )ص 191(. الغد الذي أسلم فيه "أبو موسى" الروح تحت شجرة رمان. يحتكم الناس إلى شامة بعد خلاف حول مكان دفنه، وتقترح أن يدفنوه في مكان يطل على البحر.





    قراءة في العنوان:

    للعنوان دلالة خاصة لأنه يمثل مجموع النص الروائي ويحاول أن يجمل كل علائقه، ويعبر عن كل مكوناته، ويلخص مجمل موضوعاته، ويكشف عن الشكل الفني المتبنى في النص، فالعنوان حسب ياوس[3]، مستوى من مستويات السياق الداخلي لأفق الانتظار الذي يتشكل خلال احتكاكنا بالنص. وعليه: فما أفق الانتظار الذي نخرج به من قراءتنا للعنوان:"جارات أبي موسى"؟ وهل ثمة "تشاكل" بين العنوان والنص / المركز؟ ثم لماذا "جارات أبي موسى"؟

    نتوقف بداية عند الدلالة الرمزية للعنوان "جارات أبي موسى". "جارات"، جمع مؤنث سالم لجارة. وللجار مكانة متميزة في الدين الإسلامي، حيث أوجبت العديد من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة حسن معاملته بغض النظر عن دينه أو عرقه...

    "أبي موسى": يتكون من مضاف )أبي( ومضاف إليه )موسى(. يحيلنا الاسم على سيدنا موسى عليه السلام، النبي الذي بعثه الله تعالى إلى بني إسرائيل، صاحب معجزة العصا التي قهر بها سحرة فرعون، وشق بها البحر. ومعجزة إدخال اليد في الجيب وإخراجها بيضاء من غير سوء. وهو أيضا كليم الله. وقد أضاف الروائي )جارات( إلى )أبي موسى( ليخرجها من دائرة التنكير إلى مجال التعريف والتخصيص، وتسترعي انتباهنا هنا ثنائية: الرجل / المرأة، أو الذكر / الأنثى، العلاقة التاريخية المتناقضة من حيث أهدافها ونوعيتها حسب مجموعة من العوامل، "فأبو موسى" سيدخل في علاقة مع جارات له نسوة. وهذا يطرح العديد من الأسئلة حول طبيعتها وهدفها...ولكن، وانسجاما مع ما طرحناه من قبل، نعود للتذكير بطهر وعفة الرجل وعدم انزلاقه إلى الرذيلة، ويبدو أن هذا ما أراد الروائي تمريره حين اختار له اسم )موسى( الذي يتعذر جره بالكسرة الظاهرة في علاقته النحوية بما قبله، وكما تعذر جره بالكسرة الظاهرة نحويا يتعذر كذلك جره إلى الرذيلة أخلاقيا...

    قراءة في صورة الغلاف :

    تتألف من قرص أصفر متوهج، يقل توهجه ويشوبه اللون البني بحدة أكثر تكبر كلما ابتعدنا عن مركزه، حتى لا نكاد نرى إلا اللون البني عند أطراف القرص، فماذا يمثل ذلك القرص؟ وإلى ماذا يرمز محيطه البني؟ ولماذا خالف الفنان الطبيعة جاعلا لون المكان الذي لا تطاله أنوار الشمس بنيا؟ وهل ثمة علاقة بين دلالة اللوحة ودلالة الرواية؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه صدفة واختيارا عفويا؟

    انطلاقا من حسنا المشترك، يمكننا أن نقول إن ذلك القرص الأصفر يحيل إلى الشمس، والشمس منبع الضوء والحياة والحركة. ونربط عادة الضوء والنور بالطهارة والصفاء، خاصة وأن أطهر المخلوقات من نور، هم الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يومرون. وشأن الشمس التفاتي وإنكار الذات لخدمة الآخرين وطرد الظلام عنهم. وتكون الاستفادة من نورها حسب القرب منها أو البعد عنها؛ إذ ينال النصيب الأوفر من عطاءاتها اللامحدودة الأقرب فالأقرب، وهذا ما نلمسه في الصورة، فكلما ابتعدنا عن القرص الذهبي إلا وخفت نوره، لينعدم في الأطراف.

    أما فيما يخص المحيط البني، فيمكن القول أو التساؤل: لماذا اللون البني بدل الأسود للدلالة على الظلمة؟ معلوم أن الجهات التي لا تصلها أشعة الشمس تكون سوداء اللون؛ الحقيقة التي خالفتها وتجاهلتها الصورة. فجعلت تلك الجهات ذات لون بني. وكأن المبدع يريد أن يلفت انتباهنا إلى أنه لن يتطرق إلى ذلك التقابل بين الليل الأسود والنهار الأبيض، الليل المظلم والنهار المضيء...وإنما سيشكل التقابل بين قيمة الخير مجسدة في الشمس وضدها )الشر( مرموز لها باللون البني، أو بين عالم الروحانيات الطاهرة وبين درن المادة وشوائبها. ونعتقد أن الفنان توفق في التعبير عن مراده باللونين، فالأصغر يرتبط بالضوء والنور والصفاء والدفء... بينما يدل البني على التراب والمادة والدرن والطبيعة الإنسانية...

    إذا انفتحنا على النص الروائي نجده يرسخ ويدعم دلالة الصورة التي سبقت الإشارة إليها. فالقرص نجده حاضرا في صورة "أبي موسى"، رمز الطهارة والعفة والقناعة والفطرة ومثال قيمة الخير. وقد ألقى بأنواره على جاراته اللاتي تحولت حياتهن من ليل الفساد والظلم والخوف إلى نهار الصلاح والحق والطمأنينة. أما الفضاء البني فقد غرق فيه العامل "جرمون" وحاشيته، ولم ينلهم نصيب من نور وكرم "أبي موسى" فظلوا يتخبطون في مستنقع الرذيلة والظلم والمادة...

    من الخطاب الموازي إلى دلالات الرواية:

    نتبين بجلاء النقلة من محطة الخطاب الموازي إلى بناء دلالات الرواية من خلال خيط رفيع ما فتئت المناهج الحديثة وخاصة تلك الصادرة عن نظرية التلقي، توليه بالغ الاهتمام والعناية في تحليل الأعمال الأدبية والنفاذ إلى بنياتها الصلبة ونواها الدلالية العميقة، يتعلق الأمر بمفهوم أفق الانتظار.[4]

    انطلاقا مما سبق في محاولة تحليل الخطاب الموازي الذي اختزلناه في العنوان والصورة، نخرج بأفق الانتظار الآتي:

    يعد العنوان بالحديث عن علاقة مجاورة بين "أبي موسى" وجاراته، ومن خلال دلالات العنوان والصورة يمكن أن نتنبأ بأن شخصية "أبي موسى" ستكون منبعا للهداية والإرشاد والصلاح بالنسبة لجاراته خاصة ولسائر محيطة عامة. أما عن العلاقة بين العنوان والرواية فهي علاقة مطابقة، حيث يؤطر العنوان مجموع الرواية. "فأبو موسى" يمثل في الرواية صورة الرجل الصالح البسيط الذي يقنع بما تجود به الطبيعة )البحر + الأشجار( وعلاقته بالبحر علاقة حميمية وأساسية. وهذا ما يتجلى أيضا في العنوان الذي كتب بلون أزرق متموح. وأبو موسى منقطع للعبادة، بعيدا عن المؤثرات الحضارية، يذكرنا بالنماذج الصوفية، هذا السراج المنير سيؤثر في محيطه بنسب متفاوتة، حيث ستنال جاراته النصيب الأوفر من صلاحه وهدايته: "فشامة" وزوجها "علي" سيجدان فيه نعم الجار والسند. وباقي الجارات سيعدن بفضله إلى جادة الصواب. ولن ينحصر تأثيره على جيرانه فقط، بل نجد

    بركته نعم المدينة بأسرهها، إذ بفضل استسقائه وجاراته، رفع الله عن القوم الظالمين الجفاف وأمطرهم غيثا أحيى به الأرض والقلوب بعد موتها.

    وهكذا نكتشف من خلال الرواية أن علاقة "أبي موسى" بجاراته، ثم علاقته بباقي الشخصيات تؤكد ما ذهبنا إليه في قراءة الصورة والعنوان. وبالتالي يكون العنوان قد عبر عن محور الرواية ونواتها الصلبة.











    ----------------------------------------------------

    - رولان بارت ، بلاغة الصورة، تواصل ، عدد 4، 1964، ص44. [1]

    [2] - أحمد التوفيق، جارات أبي موسى، طبعة دار القبة الزرقاء، سلسلة جوهرة الأدب. 1 . مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء.

    [3] - الهاشمي أسمهر، مقالة جمالية التلقي، علامات، العدد 17 – السنة 2002، ص 123

    [4] - حول دور القارئ في تلقي النصوص ينظره أمبرتوإيكو، القارئ في الحكاية، التعاضد التأولي في النصوص الحكائية، ترجمة أنطوان أبو زيد، ط1/1996، المركز الثقافي العربي. ص 61. إلى 70 . و . ص 148 إلى 156. [/align]
يعمل...
X