مكانة اللغة العربية في الدراسات اللسانية المعاصرة*

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فؤاد بوعلي
    أديب وكاتب
    • 16-05-2007
    • 213

    مكانة اللغة العربية في الدراسات اللسانية المعاصرة*

    مدخل:
    تشيع في المجالين الثقافي والعلمي العربيين في العصر الحاضر كثير من المفاهيم التي تقف حاجزًا بين العرب والاستفادة من التقدم العلمي المعاصر. وأوضح ما تكون هذه المفاهيم في مجال الدراسات الإنسانية. ومن هذه المفاهيم الشائعة القول بأن العلوم الإنسانية في العصر الحاضر نشأت في ظروف غريبة عن الظروف العربية الإسلامية وفي سياق فكري مختلف، لذلك لا يمكن تعميم هذه العلوم على الحضارات الأخرى ومنها الحضارة العربية الإسلامية. ومن أجل ذلك كثيرًا ما نسمع عن بدائل مقترحة لهذه العلوم الغربية من حيث النشأة؛ فنجد من ينادي بعلم اجتماع عربي أو إسلامي أو بعلم اقتصاد عربي أو إسلامي أو بلسانيات عربية إلى غير ذلك.
    ولاشك أن الربط بين العلوم الإنسانية والظروف والسياقات الفكرية في المجتمعات الغربية التي تأسست فيها ليس قولاً باطلاً كله، فقد نشأت هذه العلوم أساسًا استجابة لظواهر وجدت في تلك المجتمعات. لكن الأمر الذي يجب أن يوضح هو أنه على الرغم من هذه الحقيقة فهذه العلوم قابلة للتطبيق في حضارات أخرى غير الحضارة الغربية. ويأتي إمكان التطبيق هذا من حقيقة أخرى لا يكثر الجدال حولها، تلك هي أن العلوم في تطورها تنفصل جزئيًّا عن المؤثرات الأساسية التي كانت نتيجة لها وتنحو نحو التعميم والشمول. فهي في تطورها لابد أن تتناول ظواهر لم تكن وجوه القرب بينها وبين الظواهر الأولى واضحة، ولابد لها ـ إن أرادت أن تصل إلى مرتبة النظريات العلمية ـ أن تنطبق في مجتمعات غير المجتمعات الأولى التي نشأت فيها، وذلك نتيجة للتجريد الذي يصاحب كل نظرية تَقصد إلى عمق التفسير والغوص وراء الظواهر الخادعة. ثم إن ما يدعى بعلوم إنسانية غربية ليست نتاجًا للغربيين وحدهم الآن وليست مطبقةً على مجتمعات غربية فقط؛ فالمشاركون في إنتاجها ينتمون إلى خلفيات حضارية متعددة والمجتمعات المدروسة تنتمي إلى حضارات متعددة أيضا. بل إن ما يدعى نتاجًا علميًّا غربيًّا مصوغًا على شكل نظريات دقيقة الآن يمكن مقارنته بما يوجد من ملاحظات وإسهامات في حضارات قديمة وغير غربية. وسنرى فيما بعد أن بعض تلك الحضارات القديمة تناولت الظواهر التي تدرسها العلوم الإنسانية في الغرب الآن بأساليب تقرب من الأساليب العلمية التي تدعى غربية الآن.
    وتمثِّل مثلُ هذه المفاهيم أساسًا لكثير من المفاهيم الفرعية التي ترى الشيءَ نفسَه في مجالات معينة. ولأنني مهتم بالدراسات اللسانية فلا بأس من إيراد بعض تلك المفاهيم. وأكثر المفاهيم رواجًا في هذا المجال أن دارس اللغة العربية، وخصوصًا النحو العربي، ليس بحاجة إلى معرفة العلوم اللسانية المعاصرة. ذلك أن النحوَ العربي نحوٌ خاصٌّ بهذه اللغة التي لا تشبهها لغة من اللغات، وهو علم عربي خالص لم يترك العرب فيه مزيدًا لمستزيد. وقد خلق هذا المفهوم هوة سحيقة بين دارسي اللسانيات في العالم العربي ودارسي النحو.
    ومن المفاهيم الرائجة المماثلة أنه كثيرًا ما يُتعجَّب من دراسة بعضِ المبتعثين العرب اللغةَ العربية نحوًا وأدبًا في الغرب. بل يصل الأمر إلى القول بأن دارس النحو العربي ليس بحاجة إلى معرفة أية لغة أجنبية إذ أن كل ما يحتاجه مكتوب باللغة العربية.
    وليست هذه المفاهيم الوحيدة، لكنها أسهمت إسهامًا كبيرًا في تأخر الدراسات اللسانية العربية. وقد سبق لبعض الباحثين الإشارة إلى الأثر السلبي المترتب على عدم الاهتمام بالاطلاع على الدراسات المعاصرة. ومن هؤلاء عبد السلام المسدي(1)، وعبد القادر الفاسي الفهري(2)، وكيس فريستيغ(3)، وحمزة المزيني(4)، وغيرهم.
    وسوف أحاول في هذا البحث أن أتناول جانبًا مهمًّا من هذه القضية، وهو جهل كثير من المتخصصين باللغة العربية في الوطن العربي بالأبحاث التي تنجز في الغرب عن اللغة العربية. ولست أريد لهذا البحث أن يكون وسيلة لدغدغة العواطف القومية وإشاعة الرضا في النفوس والزهو بهذا الاهتمام. بل قصدي أن أبين أنه لا يسع المتخصص في اللغة العربية اليوم إغفال هذه الدراسات. وعلى الرغم من أن هذه الجهود العلمية التي تُنجَز في الغرب تستوجب منا الاعتراف للقائمين بها بالفضل إلا أنني لا أقصد هنا أن يكون هذا البحث لغرض الثناء عليهم ـ وهم مستحقون له ـ كما أنني لا أقصد به التقليل من الأبحاث الجادة التي يكتبها بعض الباحثين العرب باللغة العربية.
    ولا أقصد كذلك الإلمامَ الكامل بكل ما يكتب في اللغات الغربية المتعددة. فهذا ما لا يستطيع أن يقوم به فرد في مثل هذا البحث المحدود. إن هدفي هو رسم صورة عامة لمدى الاهتمام الذي تَحوزُه اللغة العربية والدراسات العربية في الغرب. فقد أصبحت اللغة العربية تتصدر اللغات من حيث أخذها نموذجًا للتحليل اللساني، ومن حيث تقدير المتخصصين للدراسات العربية القديمة، كما حلتَّ مكانَ النظرة المتحيزة ضدها التي كانت تشيع في بعض الأوساط نظرةٌ موضوعية تنظر إليها ـ كسائر اللغات ـ لغة طبيعية أدت دورًا كبيرًا في الحضارة الإنسانية.
    مقدمة
    ينبع الشك والتخوف من الدراسات اللسانية المعاصرة في الوسط الثقافي العربي من أسباب وجيهة تاريخيّا. وأول هذه الأسباب سيطرةُ التوجه العِرقي على الدراسات اللغوية في القرن التاسع عشر. فقد كان هدف كثير من الدراسات التي تتناول لغات غير أوروبية أن تصل إلى نتيجة مفادها أن تلك اللغات أقل تطورًا من اللغات التي تنتمي إلى فصيلة اللغات الهندية الأوروبية(5). وولَّد هذا الموقف غير العلمي شعورًا لدى العرب بأن الدراسات الأوروبية كلها تصب في هذا الهدف. غير أن الفاحص المتأني سيكتشف أن هذا الموقف لم يكن يمثل النشاط العلمي الحقيقي المهتم باللغة العربية. فقد نُشر في تلك الفترة كثير من أمهات الكتب العربية في التاريخ والجغرافية والتفسير والفقه والشعر والأدب. وتواصل هذا التقليد في القرن العشرين فأثمر دراسات على جانب كبير من الجودة والموضوعية.
    على أن مما يَلفِت نظرَ كثير من الباحثين العرب بعضُ المقولات التي تتضمنها هذه الأعمال مما يمكن أن يصنَّف بأنه نقد لبعض الظواهر في الحضارة العربية الإسلامية. لكنْ يجب على القارئ المنصف أن يفهم هذا النقد على أنه أمر طبيعي من باحثين من خارج هذه الحضارة. فليس ضروريًّا أن تتطابق مواقفهم تمامًا مع ما نشعر به نحن. والموقف العلمي السليم أن يكون هذا النقد موضوعَ حوار بين الباحثين العرب والباحثين الغربيين. فإذا سلِمت النيّات وقُصدت الموضوعية فستكون نتائج هذا الحوار عنصرًا مهمًّا في تقدم معرفة الفريقين. ولاشك أن هذا الحوار سيكون مثمرًا مع العلماء، لا مع الكتّاب الذين تدفعهم روح التعصب ورغبة التشفي وعدم الممانعة في لعب دور الممهِّد لسيطرة الغرب الاقتصادية والسياسية وغير ذلك. وهؤلاء قلة في المجال الأكاديمي، على أية حال.
    وهناك سبب آخر للتخوف يتمثل في ارتباط كثير من الدراسات اللسانية الغربية للعربية بدراسة اللهجات(6) في فترة من الفترات. فقد كان هناك نشاط كبير في مختلف أنحاء العالم العربي في هذا المنحى. لكن هذا النشاط في دراسة اللهجات العربية يجب أن ينظر إليه من خلال طبيعة الدراسات اللسانية في الغرب نفسه في تلك الفترة. ويجد المتتبع للأمر أن الدراسة اللسانية كانت في الغرب طوال القرن التاسع عشر تاريخيةَ الطابَع. وكان من مميزات هذه الدراسة تتبع اللهجات المعاصرة ورصدها باعتبارها طورًا من أطوار اللغة يمكن أن ينير لنا شيئًا من تاريخها الماضي. لذلك قامت حركة من يسمَّون بالنحويين الجدد في ألمانيا وكان هدفها تسجيل اللهجات الألمانية وتتبُّع تاريخها ثم انتقلت هذه التقاليد إلى فرنسا وبريطانيا(7).
    واستمر هذا التقليد إلى الفترة المبكرة من القرن العشرين. لذلك لا نَعجَب إن ركَّز الدارسون الغربيون على دراسة اللهجات العربية في تلك الفترة. فقد كان ذلك تطبيقًا للتقاليد التي تعلموها أثناء الدراسة الجامعية على لغات غير أوروبية. وكان الهدف واضحًا أحينا؛ إذ استُخدمت هذه الدراسات أدلةً في البحث التاريخي المتعلق باللغة العربية.
    كما كان من أسباب الاهتمام باللهجات في القرن العشرين أن الدراسة اللسانية بتأثير من دي سوسور أَخذت تَجعل الأولوية في الدرس لما يقوله الناس فعلاً بدل الاهتمام بتاريخ اللغة أو الاهتمام باللغة الأدبية المكتوبة. لذلك اهتمت هذه الدراسات في تلك الفترة باللهجات العربية لأنها ما يقوله الناس فعلاً، وفي مواقف طبيعية.
    على أن هذه الدراسات العلمية ابتليت بأناس ليسوا علماء لغة أساسًا أو أن لهم أغراضًا ضيقة: استعمارية أو قطرية أو غير ذلك، استغلوا هذه التقاليد ليزعموا أن هذه اللهجات لا رابط بينها وأن الشقة واسعة بينها وبين اللغة العربية الفصحى، وأن كل قطر من أقطار العالم العربي يجب أن يستعمل لهجته بل ويكتب هذه اللهجة بالأبجديات الغربية(8). ومن هذا الصنف محاولات التخطيط اللغوي في مصر التي قام بها بعض المديرين الإنجليز لإحلال اللهجة المصرية محل اللغة العربية الفصحى، ومحاولات سلامة موسى وسعيد عقل وآخرين. والواقع أن هذه المحاولات أعطيت من الاهتمام أكبر مما تستحق. ويكفي أن يشار إلى أن العلماء الأوروبيين أنفسهم لم يأخذوا الفروق التي وجدوها بين اللهجات في أي قطر أوروبي حجة لإثارة ما أثير عن الفروق بين اللهجات العربية في العالم العربي. والدليل الآخر على سذاجة تلك المحاولات وعدم إمكانها علميًّا أن الفروق اللهجية بين مختلف الأصقاع في العالم العربي لم تمنع شيوع الثقافة وشيوع التقارب بين مستويي الفصحى والعاميات. فيجب إذن أن نعي أن التخوف من الدراسات اللسانية فيما يخص اللغة العربية لا يقوم على أساس صحيح.
    وسيتناول البحث في جزئه الأول الاهتمامَ باللغة العربية نموذجًا للتحليل مبيِّنًا مدى اتخاذ المدارس اللسانية المختلفة للغة العربية مجالاً للدراسة، وفي الجزء الثاني سأتناول الدراسات الغربية الحديثة التي اهتمت بإنجازات النحو العربي، وفي الجزء الأخير سأعرض للأعمال التي تردَّ على من يزعمون أن اللغة العربية تعاني من أوجه نقص كثيرة مما يجعلها لغة متخلفة. وسيختتم البحث بخاتمة تُجمل النتائج التي توصل إليها البحث بالإضافة إلى بعض الدروس التي يمكن أن نستفيد منها.

    الاهتمام باللغة العربية نموذجًا للتحليل:
    يجد المطلع على الدراسات اللسانية المعاصرة أن اللغة العربية كانت موضع اهتمام أكثر علماء اللسانيات تميزًا في هذا العصر. وتهتم دراسات هؤلاء بها من حيث إنها تتمثل لغة طبيعية يمكن أن تسهم في تقدم البحث اللساني النظري. فمن أعلام الدراسة اللسانية في هذا العصر الذين اهتموا باللغة العربية رومان جاكوبسون في مقال له عن الأصوات المفخمة في اللغة العربية(9) واستعمالها دليلاً على نظريته عن "الملامح التمييزية" في التحليل الصوتي للغة الإنسانية. كما كتب جوزف جرينبرج مقالاً عن نمط "الصرفيَّات الأصول" في اللغات السامية(10) اتخذ فيه العربية ممثلاً لهذه اللغات بسبب وفرة المعلومات المعجمية ومحافظتها النِّسبية في نظامها الصواتي(11). كما كتب زيلك هاريس ـ أستاذ تشومسكي ـ مقالاً عن "الصوتيات" في اللهجة المغربية(12) قَصد منه إيضاح ما كان يسمى "إجراءات الاكتشاف" في الدراسة اللسانية البنيوية في أمريكا(13). ومن هؤلاء اللساني البريطاني الشهير فيرث الذي كتب تحليلاً صوتيًّا للغة العربية يبين فيه تطبيقه لمنهجه في التحليل المسمى بالتحليل التطـريـزي Prosodic analysis(14).
    وكما يقول عالم اللسانيات الأمريكي المعاصر فْرِدْ هَوْس هُولْدر في تقديمه لمجموعة المقالات التي جمعها سلمان العاني وصدرت عن نادي اللسانيات في جامعة إنديانا بأمريكا ". . . عندما قرأت هذه المجموعة المختارة من المقالات ظَهرَ لي أن من الصعب أن تجِد أية مجموعة من المقالات أكثر تمثيلاً منها لمختلف فروع اللسانيات والمدارس اللسانية المتعددة. ذلك أنه يبدو من هذه المجموعة أن اللغة العربية تحوي مسائل لفتت انتباه أكثر العقول المهتمة باللسانيات تميُّزا، وتوضح أكثر المفاهيم اللسانية الأساسية. ولو سئل أي لساني (اليوم) أن يسمي عشرة من أشهر المبدعين في اللسانيات وأكثرهم أثرًا فيما بين 1940 و 1970م فمن غير المحتمل أبدًا أن لا يسمي رومان جاكوبسون وزيلك هاريس وجوزف جرينبرج وجورج تريجر. وتَظهَر هذه الأسماء كلّها في هذه المجموعة. وعلى الرغم من غياب فيرث وكينيث بايك وأندريه مارتينيه من هذه المجموعة إلا أنها تشمل تلاميذهم. وإنك لتجد في هذه المجموعة أقسام اللسانيات الكبرى جميعها تقريبًا ممثَّلة، وربما يكون تمثيلُها مكررًا مرات عديدة"(15). ولقد استمرت اللغة العربية في استقطابها لأكثر العقول تميُّزًا في اللسانيات فيما تلا التاريخ الذي ذكره هوس هولدر. وكان من أبرز المهتمين بها مايكل بريم؛ إذ كتب رسالته للدكتوراه في معهد ماساتشوستس في سنة 1970م(16). وقد اعتبرها الباحثون عملاً بارزًا استخدم فيه بريم دراسةَ التركيب الصواتي للغة العربية حجةً لتطبيق النظرية الصواتية التي اقترحها تشومسكي وهاله في كتابهما "نمط الأصوات في اللغة الإنجليزية"(17). وقد انتشرت هذه الرسالة في أقسام اللسانيات في أمريكا وغيرها واعتُمدت مرجعًا للدراسة الصواتية وظهرت الإشارة إليها في عدد كبير من الكتب والمقالات في تلك الفترة. ولا زالت الإشارة إليها تتكرر بوصفها عملاً كلاسيكيًّا في النظرية الصواتية وفي الدراسات العربية.
    ويبين مايكل بريم في مقدمة رسالته أن لعمله ذاك هدفين: أولاً: الإسهام في المعرفة التي تتزايد بشكل سريع عن النظرية الصواتية، وثانيًا: الإسهام في مجال اللسانيات السامية بمعالجة واحدة من اللغات السامية معالجة أعمق مما سبقها.
    ويبين أن الهدف الأول لا يتحقق إلا بمعالجة لغة واحدة تُختَبر بفحصها المقولاتُ النظرية في مجال الدراسة الصواتية. لذلك فقد فحص عددًا كبيرًا من القواعد الصواتية في اللغة العربية لكي يختبر كِفاية النظرية الصواتية التوليدية وليُحدِّد الجوانبَ التي ينبغي مراجعتها في تلك النظرية. ثم بيَّن عددًا من المقولات في هذه النظرية مما يمكن اللغة العربية أن تعد معيارًا في إمكانها أو عدم إمكانها. أما فيما يخص الهدف الثاني فيقول: "إنه يبدو أن اللسانيات السامية في وضعها الراهن مفلسة. فليس هناك إلى الآن أي وصف صواتي معاصر لأية لغة ساميَّة يتجاوز تحليل النحويين العرب القدماء. إنني أعتقد أن النحو العربي خاصة قد بلغ أدنى درجات الانحطاط على أيدي العلماء الغربيين. فلقد تجاهلت اللسانيات الغربية تجاهلاً يكاد يكون تامًّا كثيرًا من العمق والأصالة اللذين أورثناهما النحويون العرب. وسأعالج هذا الموضوع بالروح التي عالجه بها أولئك النحاة. ويصحُّ هذا في الأقل فيما يخص المسألة التي استرعت انتباههم، وهي مسألة تحديد "الأصل" أو "التمثيل العميق" للغة"(18).
    ويعالج بريم في رسالته بعض المقولات النظرية مثل الترتيب بين القواعد الصواتية ترتيبًا خَطِّيًّا linear ، وكذلك تطبيق القواعد الصواتية تطبيقًا دوريّا Cyclic ، وهما المقولتان اللتان شَغَلتا المنظِّرين الصواتيِّيْن منذ النموذج النظري الذي اقترحه تشومسكي وهاله سنة 1968م، ولا زال الانشغال بهما مستمرًّا إلى الآن. وقد وجد أن هناك ما يقرب من 38 قاعدة صواتية وشَرْطًا تحكم التركيب الصواتي للغة العربية النموذجية العصرية وتكوِّن نتيجةً للتشابك فيما بينها بنيةً صوتية متضامَّة تفسِّر الاطراد الموجود فيها. كما عَرض إلى البحث التاريخي في اللغات السامية. وعالج بعض المقولات النظرية في هذا المجال مستخدِمًا مادة لغوية من اللهجات العربية أو اللهجات التي تفرعت عنها مثل اللغة المالطية. ولم يكن الوحيدَ الذي عالج اللغة العربية بقصد الإسهام في النظرية اللسانية فقد كان هناك عدد كبير من الدراسات من هذا النوع لا يمكن حصرها هنا.
    وفي سنة 1979م أنهى جون مكارثي رسالته للدكتوراه في معهد ماساتشوستس وكانت بعنوان "قضايا شكلية في الصواتة والصرف الساميين"(19). واعتمد تحليلَ العبرية والعربية الفصحى ولهجتي دمشق والقاهرة في التدليل على بعض المقولات النظرية التي اقترحها. وفي هذه الرسالة أَسَّس مكارثي نظريةً جديدة في التحليل الصواتي.
    فقد كان المتَّبع في التحليل الصواتي الكلاسيكي أن يُنظَر إلى الكلمة بوصفها مركَّبةً من أجزاء متتابعة وهو ما يدعي بالتركيب السلسلي concatenative . وهذا التركيب هو الذي يسود في كثير من اللغات الحديثة بمختلف انتماءاتها الأُسرية. ويرى مكارثي بدلاً من ذلك ـ مستفيدًا من النظرية الصواتية ذات المستويات المستقلة Autosegmental Phonology ـ أن النظرية الصواتية المعيار الذي يمثلها كتاب تشومسكي وهاله لا يمكن تطبيقها على اللغات السامية. ذلك أن الصرفيات في هذه اللغات ليست متوالية بل متداخلة nonconcatenative ؛ فنجد في العربية مثلاً أن الجذور الثلاثة للكلمة هي التي تحمل المعنى الأساسي لذلك تُعدُّ صرفيةً مستقلة، يضاف إليها حركاتٌ تدخل بين أجزائها ومكوِّنات أخرى تُدخَل قبلها و/أو بعدها. فكلمة مثل (كتب) تتكوَّن من صرفيتين مستقلتين هما، الجذر المكوَّن من الصوامت: ك. ت. ب، وحركةُ الفتحة التي تَشغل موضعين أحدهما بين الكاف والتاء والآخر بين التاء والباء. يُضاف إليهما صرفية ثالثة هي الوزن (فَعَل) الذي يعني أن هذه الكلمة: فعل ماض مبني للمعلوم. ولما كانت هذه الصرفيات الثلاثة مستقلة الواحدة منها عن الصرفيات الأخرى فلا بد أن تشغل مستويات مختلفة. لذلك يَقترح مكارثي التمثيلَ التالي لمثل هذه الكلمة:

    ك ت ب
    ص ح ص ح ص
    (حيث تعني (ص) صوت صامت، و(ح) حركة)

    فتكوِّن الأصواتُ الصامتة الثلاثة صرفيةً واحدة معناها "شيء خاص بالكتابة"، أما التتابع من الأصوات الصامتة والحركات فهو وزن الكلمة ومعناه "فعل ماض" أما الفتحة فمعناها "أن الفعل ماض مبني للمعلوم". وبذلك تكون الصرفيات متوالية على هذا المستوى المجرد من التمثيل. أما التداخل فيما بين هذه الصرفيات الثلاثة المكونة للفعل (كَتَبْ) فيتم عن طريق بعض قواعد الوصْل association بين أية صرفية والوزن. وقواعد الوصل هذه محكومة بالشروط التي تراها النظرية الصواتية ذات المستويات المستقلة.
    ويتم وصل الصرفيات على النحو التالي:

    ك

    ت

    ب







    ص
    ح
    ص
    ح
    ص


    وفي هذه الخطوة يوصل بين كل واحد من أجزاء الصرفية (ك ت ب) وموضع محدد في الوزن (ص ح ص ح ص).

    وفي الخطوة الثانية يوصل بين الفتحة والموضع الأول للحركة (ح) وكذلك الموضع الثاني:

    ك

    ت

    ب







    ص
    ح
    ص
    ح
    ص




    \


    ـَ

    [ ك ـََ ت ـ َ ب]

    وبهذه الكيفية يمكن أن تحلل اللغات التي لا تخضع للترتيب السَّلْسلي المعروف في النظرية المعيار.
    وكانت هذه النظرية بداية لما سمي فيما بعد بـ "الصواتة الوزنية" metrical phonology ، وقد زوِّجت هذه النظرية بنظرية الصواتة ذات المستويات المستقلة، فأصبح اسمها "الصواتة الوزنية ذات المستويات المستقلة" Autosegmental Metrical Phonology .
    ولم تكن دراسة مكارثي هذه إلا بداية لنظرية لا تزال مستمرة يتم تعميقها باستمرار. وكانت اللغةُ العربية المثالَ البارز الذي يُستعمل في التدليل عليها. وقد كتب مكارثي نفسه عددًا كبيرًا من المقالات في هذه النظرية، كالأبحاث التي نشرها (انظر مثلاً، المقالات التي نشرها في: 1980، 1981، 1983، 1986، 1993)، وكثير غيرها إلى الآن(20). كما استَقطبت هذه النظرية أبرزَ الباحثين المنظِّرين في الصواتة مثل آلان برنس الذي كتب بالاشتراك مع مكارثي عددًا من المقالات كان موضوعها تطوير هذه النظرية باستخدام اللغة العربية مثالاً (مكارثي وبرنس 1990 ، وغير ذلك). وكتب برنس نفسُه عددًا من المقالات (1987، 1990)(21). كذلك كتب أحد رواد البحث اللساني الصواتي وهو موريس هاله أستاذ مايكل بريم وجون مكارثي عددًا من المقالات كان يخصص بعضها للتركيب الوزني للغة العربية أو يشير في ثنايا أبحاثه للغة العربية.
    وقد انتشر الاهتمام باللغة العربية نتيجة لهذه النظرية وغيرها من النظريات اللسانية المعاصرة مما نتج عنه تأسيس بعض المجلات المتخصصة في الدراسات اللسانية عن اللغة العربية مثل Journal of Arabic Linguistics في سنة 1978م وإنشاء جمعية اللسانيات العربيةArabic Linguistic Society سنة 1988م في مدينة سولت ليك بولاية يوتاه الأمريكية. ونشْر عدد من الكتب عن بعض القضايا في اللغة العربية. ويَكثر كذلك أن نجد مقالات تُنشر في أشهر الدوريات المتخصصة تعالج قضايا في اللغة العربية بقصد الإسهام في النظرية اللسانية. كما خصصت بعض الدوريات أعدادًا خاصة عن الدراسات اللسانية العربية مثل: Arabica في سنتها 28 عدد 2 (1981) و Historiographia linguistica في سنتها الثامنة عددي 2 و 3 (1981م) و Anthropological linguistics في سنتها الثامنة والعشرين، العدد 1 (1986م)، كذلك International Journal of the Sociology of Language في عددها 16 (1986م) وغير ذلك.
    أما فيما يخص الجمعية اللسانية العربية في أمريكا فقد قامت منذ 1988م بعقد ندوات سنوية تُجمع الأبحاثُ التي تلقى فيها في مجموعات وتنشرها دار نشر جون بنجامين للنشر الشهيرة. وقد افتتحت مشيرة عيد، وهي من مؤسسي هذه الجمعية ومن أبرز الباحثين في اللسانيات العربية في أمريكا، المجموعةَ الأولى بمقال طويل بعنوان "اللسانيات العربية: الوضع الحاضر"(22) تحدثت فيه عن التوسع الذي طرأ في السنوات الأخيرة على الدراسة اللسانية المهتمة باللغة العربية. وذكرت غزارةَ الأبحاث والاهتمام بهذه اللغة في المؤتمرات والندوات اللسانية العالمية الشهيرة مثل اجتماعات جمعية اللسانيات الأمريكية وجمعية شيكاغو اللسانية وغير ذلك. كما ذكرتْ عددًا من المؤتمرات التي اختصت باللغة العربية. وذكرت أن الاهتمام باللغة العربية كان ذا شقين، أحدهما: البحث في اللغة العربية ذاتها، وثانيهما: البحث فيها لغرض اختبار المقولات النظرية اللسانية وتطويرها. كما تناولت كثيرًا من القضايا التي استحوذت على اهتمام الدارسين، وكانت اللغة العربية اللغةَ التي تناقش من خلالها. ويمكن عدّ هذا المقال أوفى مراجعة للنشاط الذي تركَّز حول اللغة العربية في السنوات الأخيرة. وهو يشير بوضوح إلى أن اللغة العربية تحتل موقعًا متميزًا بين اللغات في هذا النشاط.
    وفي هذه المجموعة يكتب اللساني الأمريكي المتخصص باللغة العربية تشارلز فرجسون مقالاً بعنوان "فأتوا بسورة من مثله: اللغة العربية مقياسًا للمجتمع العربي"(23) يقارن فيه بين وضع الدراسة عن اللغة العربية قبل أربعين سنة ووضْعها في سنة 1988م، فيلاحظ كثرة المقالات والكتب التي نُشرت عنها. ويتحدث عن وضع الدراسات اللسانية العربية في الفترة المبكرة التي يمكن وصفها بالقلة، وأنها كانت تهتم بالجانب التاريخي من الدراسة. ثم يشير إلى التغير اللغوي في العالم العربي الذي ينحو إلى خلق لغة نموذجية جديدة خلافًا للوضع الذي كان قد وصفه في مقالة نَشَرها سنة 1959م بعنوان "الازدواجية"(24) وكان قد تنبأ فيها باحتمال انفصال العالم العربي لغويًّا إلى ثلاث مجموعات هي: بلاد الشام والعراق، ومصر والسودان، والمغرب العربي. لكنه يؤكد في هذا المقال أن هذا الاحتمال لا يزيد عن كونه احتمالاً واحدًا بين احتمالات أخرى ممكنة.
    واحتوت هذه المجموعة تسعة مقالات تُناقش ثلاثةَ مواضيع هي: المنظور النحوي: ويحوي خمسة مقالات تتناول بعض المسائل النحوية في العربية من خلال النظرية اللسانية التركيبية، والموضوع الآخر هو منظور تحليل النص ويحوي مقالين تُناقش فيهما مسائلُ مثل ظاهرة الشَّفَوية وتحليل اختفاء حركات الإعراب تاريخيًّا في نص يعود إلى نصوص مسيحية من جنوب فلسطين. والموضوع الثالث هو المنظور اللغوي النفسي، ويناقش فيه ذاكرة ثنائيِّ اللغة، وظاهرة سَبْق اللسان. وكما هو واضح، تغطي هذه المجموعة نواحي مهمة من حيث وصف اللغة العربية لذاتها واتخاذها سبيلاً لمناقشة بعض المسائل اللسانية النظرية العامة.

    أما المجموعة الثانية فقد حررت أبحاثَها مشيرة عيد بالاشتراك مع جون مكارثي وتحوي ثلاثة محاور هي: المنظورُ الصرفي والصواتي، ويحوي ستة أبحاث؛ والمحورُ الثاني المنظورُ الدلالي ويحوي بحثين؛ والمحورُ الثالث المنظورُ اللساني الاجتماعي. ويقدم جون مكارثي ومشيرة عيد لهذه المجموعة مبينيْن أنه "يحدث أحيانًا أن بعض الحقائق في لغة معينة أو عائلة لغوية ما تتعدى الاهتمامات الضيقة (عن هذه اللغة أو الأسرة اللغوية التي تنتمي إليها) وتدخل في الضمير الجمعي للمنظِّرين اللسانيين بعامة. وتصبح هذه الحقائق عندئذ جزءًا مما يسمى (بالحالات الكلاسيكية) التي يجب على التنظير اللاحق أن يأخذها في الحسبان منذ البدء. وهذه الحالات قليلة؛ لذلك من اللافت للنظر أن تُسهِم لغةٌ واحدة بحالتين كلاسيكيتين في مجال نظري واحد. ومع ذلك فهذا ما حدث فيما يخص الصرف العربي"(25). وتتمثل الحالتان الكلاسيكيتان اللتان أَسهمَ الصرفُ العربي بهما في التنظير الصرفي اللساني في ما أَسهم به مايكل بريم من تدليل على ما يسمى بـ "الدورة التحويلية" Transformational cycle ، وفي تقديم الصرف العربي دليلاً على ما أصبح يسمى بـ "النظرية الصواتية غير الخَطِّية".

    وقد احتوى المحور الأول على مقال طويل كتبه جون مكارثي وآلان برنس بعنوان "الصرف التطريزي والصرف النمطي"(26). وهذا المقال تطوير للنظرية الصواتية غير الخطِّية ويذهب إلى مستوى بعيد من التجريد؛ إذ يَقترح مبادئَ عامة قليلة تَحكُم ظواهرَ كثيرة في الجانب الصواتي. وأصبح هذا المقال واحدًا من المراجع المهمة يكاد لا يخلو بحثٌ في الصواتة من الإشارة إليه. ويحلل جون مور الأفعالَ المضعفة في اللغة العربية المعاصرة منطلِقًا بصورة أساسية من نظرية مكارثي وبرنس مُدخِلاً عليها بعضَ التعديلات الطفيفة(27). ويكتب روبرت راتكليف عن جموع التكسير في العربية(28). كما تكتب سميرة فروانة مقالاً عن وصل المستويات المختلفة للصرفيات المكوِّنة للكلمة(29). وتحلِّل س. دوجلاس جونسون نظرية الدَّورة في اللهجات الشامية(30) وتقترح بديلاً لتحليل مايكل بريم لحذف الحركات في هذه اللهجات. وتكتب محاسن أبو منصور عن الحركات المزيدة والتضعيف وتركيب المقطع في اللهجة المكية(31) وتقترح تحليلاً يعتمد على تركيب المقاطع لتفسير بعض الظواهر الصوتية في هذه اللهجة. ويكتب جون إيسل عن التنظيم الجِهَوي للأفعال في اللهجة القاهرية(32). ويكتب محمود البطل عن عناصر الربط في النصوص النثرية العربية(33). ويكتب ديلوورث باركنسون عن الاختلافات الإملائية في اللغة العربية المعاصرة متخذًا من رسم الهمزة مثالا(34). وأخيرًا يكتب عادل الطويسي عن نطق غير العرب للعربية ويَتخِذ ذلك دليلاً على أن تبسيط اللغة وقواعدها مسلَكٌ عام ينطبق على تبسيط العربية وغيرها من اللغات وإن كان هناك ما تختلف فيه هذه الظاهرة في العربية عن غيرها(35).

    وهكذا نرى أن هدف هذه الأبحاث كلها هو دراسة بعض الظواهر في العربية للإسهام في تطوير الدراسة اللسانية النظرية. ومن الأدلة على أثر مثل هذه الدراسات أن البحث الصواتي الآن يأخذ النظرية التي أسست على اللغات السامية، خاصة العربية ذات التركيب الصرفي المتميز عن غيره، نموذجًا يُعمم على لغات تختلف عن اللغات السامية في كون الصرفيات فيها متتابعة بدل أن تكون مستقلة بعضها عن بعض. ومن ذلك ما نجده في مكارثي 1989م(36) وبرنس 1987م(37).

    وتحوي المجموعة الثالثة من هذه السلسلة ثلاثة محاور: الأول عن اللغة العربية وصلتها باللغات الأخرى، والثاني عن النحو، والثالث عن اللسانيات النفسية واللسانيات الاجتماعية. وتفتتح مشيرة عيد هذه المجموعةَ، التي حررتها بالاشتراك مع اللسانيّ الأمريكي المشهور برنارد كومبري، بمقدمة توضح فيها الخطوط العامة للأبحاث المتضمنة فيها. ويكتب كومبري المقال الأول بعنوان "أهمية اللغة العربية لنظرية اللسانية العامة"(38). ويبين فيه بأدلة جديدة أهمية العربية للتنظير اللساني. فيقول في مقدمة مقاله: ". . . يجب ألا تكون اللسانيات العربية موضوعًا مستقلاً، سواء أكان ذلك بعدم أخذها من النظرية اللسانية العامة أم بعدم إسهامها في النظرية العامة، وهو أمر أكثر أهمية هنا. وأريد أن أؤكد بعضًا من أوجه الأهمية للإسهام الذي أعتقد أن دراسة العربية يمكن أن تقدمه للنظرية اللسانية العامة. وبالمقابل، يمكن الظنُّ أن من غير المفيد أن يبرهن الإنسان على أهمية العربية لكي يشجِّع دراسة العربية، إذا أخذنا في الحسبان أن هذه اللغة دُرست من قبْل دراسة مستفيضة بوصفها لغةَ حضارة مهمة ودين مهم . . . لذلك أَودُّ أن أبين حتى لأولئك اللسانيين الذين لا يهمهم هذا المنظور الحضاري الواسع أن اللغة العربية لديها الكثير مما تقدمه لهم"(39).

    ويناقش في هذا المقال عددًا من القضايا ومن أخصها الطريقة التي تعبِّر بها اللغةُ العربية ولهجاتها عن الزمن والجهة. وينطلق من وصف هذه الظواهر إلى قضايا أكثر عمقًا في النظرية اللسانية العامة.

    وتكتب مشيرة عيد مقالاً عن الجملة الاسمية في العربية والعبرية(40) تقترح فيه أن في الجملة الاسمية في اللغتين رابطًا ربما يعبَّر عنه أحيانًا بالضمير ويؤدي وظيفةَ فعل الكَوْن. ويكتب جون مكارثي مقالاً عن الأصوات الحلقية في العربية(41) يرى فيه أن نظرية الملامح التمييزية في النظرية اللسانية الصواتية تخلو من مَلْمَح يمكن أن يعبِّر عن هذه الأصوات. لذلك يقترح إضافة ملمح يُسميه بـ "الحُنْجُرية" إلى قائمة هذه الملامح في النظرية. ويكتب عواد الحربي مقالاً عن الكلمات العربية في إحدى اللغات الأندونيسية(42) يحلل فيه النظريات المقترَحة لتفسير دخول الكلمات الأجنبية في لغات أخرى. ويكتب عبد الجواد محمود مقالاً عن التحليل التقابلي في بعض أنواع الجمل في اللغتين الإنجليزية والعربية يتطرق فيه إلى اختبار بعض النظريات اللسانية المقترَحة لتحليل بعض أنواع تلك الجمل(43). وتكتب محاسن أبو منصور عن الحركات المزيدة في اللهجة المكية منطلِقةً من ذلك الوصف إلى مناقشة بعض النظريات الصواتية لتحليل هذه الحركات المزيدة(44). ويكتب كينيث بيزلي عن التحليل الحاسوبي للصرف العربي(45). ويحلل العباس بن مأمون أفعال التعدية في العربية المغربية(46) وذلك في إطار نظرية الربط العاملي Government and Binding theory التي اقترحها تشومسكي. وهناك ثلاثة مقالات عن اللسانيات الاجتماعية واللسانيات النفسية هي: "الرجال والنساء والتنوع اللغوي في العالم العربي"، وكتبه كيث وولترز(47)، و"تغيير الرمز والانسجام اللغوي في العالم العربي"، كتبه عبد الرحيم أبو ملحم(48)، ويعرض فيه للمستويات اللغوية التي يستعملها العرب في أحاديثهم اليومية. ويعالج المقالُ الأخير ظاهرةً تَحصُل عند متكلمي العربية المصابين بإصابة في أدمغتهم(49).

    أما المجموعة الرابعة فحرَّرتها إلين بروسلو بالاشتراك مع مشيرة عيد وجون مكارثي. وهي تحوي ثلاثة محاور: الأول عن اللهجات العربية ومقتضياتها للسانيات العامة، والثاني عن اللسانيات الاجتماعية، والثالث عن الدراسات التاريخية. ويقدم جون مكارثي وإلين بروسلو لهذه المجموعة، ثم تكتب بروسلو مقالاً عن مقاييس الاختلافات الصواتية في اللهجات العربية(50). وتبين أنه على الرغم من الاختلافات الظاهرية بين هذه اللهجات إلا أنها تحكمها مبادئ عامة قليلة، وأن ما يلاحظ من هذه الاختلافات سببُه تغيُّرٌ ضئيل يعود إلى مبدأ خاص بتركيب المقطع. وتكتب محاسن أبو منصور عن "تقصير المقطع المغلق وعلاقته بالمستويات الصرفية(51) وتقارن بين اللهجات المكية واللهجة المصرية في ظاهرة قِصَر المقطع المغلق، وتقترح وجودَ مستوى آخر في الصرف يمكن أن يفسِّر الاختلاف بين اللهجات واللغات. ويكتب ديفد تيستن عن الكاف التي تستخدم ضميرًا للمتكلم في بعض اللهجات اليمنية(52) ويشير إلى أن هذه الظاهرة ربما كانت نتيجة لأثر اللغات العربية الجنوبية القديمة. وتكتب فريدة أبو حيدر عن أثر اللغة العربية المعاصرة على انسجام اللهجات البغدادية التي تتكلمها طوائف متعددة53). وتكتب مشيرة عيد عن الضمائر وأدوات الاستفهام والمطابقة في اللهجات العربية(54). ويكتب جون إيسل عن الأفعال المساعدة في اللهجة المصرية من خلال المقولة النحوية المسماة بـ Aux ، وهي إحدى المقولات المقتَرَح وجودها في التحليل التركيبي للجمل(55)، ويقترح تحليلاً للظواهر التركيبية لا يلجأ إلى اقتراح هذه المقولة. وتكتب نيلوفار حايري عن التنوعات الآنية في اللهجة المصرية مركِّزةً على ظاهرة صوتية تتمثل في تقديم بعض الأصوات الخلْفية بحيث تنطق من مقدم الفم(56). ويكتب كيث وولترز عن نطق الضمة الطويلة في إحدى اللهجات التونسية متخذًا هذه الظاهرة وسيلة لتحديد الاختلافات اللغوية في الأوضاع اللغوية التي توجد في مناطق لقاء لغوي بين الفرنسية والعربية(57). ويكتب أحمد عطاونة عن مزج الرموز في كلام الذين يتكلمون الإنجليزية والعربية لغتين أصيلتين(58)، ويناقش هذه الظاهرة مقارِنًا إياها بأوضاع مشابهة في أماكن أخرى من العالم. ويكتب ر. كيرك بيلناب وأسامة شبانة عن جموع الأشياء غير العاقلة في اللغة العربية الفصحى واللغة العربية المعاصرة والمطابقة بين الأسماء الجمع والصفات(59)، ويقترحان بعض النتائج عن تاريخ اللغة العربية. وأخيرًا تكتب كارين ريدنج عن التحليل التركيبي الصرفي في كتاب "الجُمل في النحو" محلِّلة اللغةَ الوصفية والمنهج في هذا الكتاب المنسوب للخليل بن أحمد(60).

    وتختتم كل واحدة من المقالات في المجموعات الأربع بقائمة للمراجع تشهد بمدى العمل العلمي المتشعب والمتعمق الذي حظيت به اللغة العربية.

    مكانة الدراسات النحوية العربية:
    ظلت الإشارات إلى إسهام العرب المسلمين نادرة في دراسات الغربيين اللغوية. إذ تعمُد كثيرٌ من كتب تاريخ البحث اللغوي إما إلى تجاهل ذلك الإسهام أو التقليل منه إذا ذَكَرتْه. ومن ذلك ما يقوله ج. س. جرين: "من اللافت للنظر أنه يبدو أن العرب لم يسهموا بشيء في دراسة اللغة يمكن أن يقارن بدراساتهم التي أدت إلى إغناء الرياضيات، والفلك، والطبيعة، والطب، والتاريخ الطبيعي وتطويرها"(61).
    وإذا ما ذُكر تاريخ النحو العربي فكثيرًا ما يُقرن بأثر أجنبي أسهم في نشوئه. ومن ذلك القول بأن النحو العربي متأثر بالدراسات اليونانية، أو متأثر بالدراسات الهندية. لكن هذا الحال تغير خصوصًا مع ازدهار الدراسات اللسانية المتأثرة بفكر تشومسكي. ذلك أنه ينظر إلى اللغات عمومًا على أنها تمثُّلات لشيء واحد عام في بنى الإنسان مخصوصين به. لذلك لا نستغرب التشابهات الكثيرة العميقة بين اللغات كما لا نستغرب أن يصل بنو الإنسان في دراسة لغاتهم إلى نتائج متشابهة. ونتيجة لهذا الأثر بدأ توجُّه جديد يهتم بالدراسات العربية في الغرب من حيث البحث في تاريخ النحو العربي.

    ومن أوائل الأبحاث الحديثة المتأثرة بالفكر اللساني لتشومسكي وتنحو هذا المنحى مقال كتبه ديفد بترسون بعنوان "بعض الوسائل التفسيرية عند النحويين العرب"(62). ويناقش فيه لجوء النحويين العرب إلى التأويل والتجريد، ويختمه بقوله: ". . . يجب أن يكون واضحًا من النقاش الذي تقدم أن النحويين العرب لم يكونوا وصفيين لا يهتمون إلا بالظاهر في أية حال. بل هم بنيويون بالمعنى نفسه الذي يصنَّف به أكثر الدرس اللساني في القرن العشرين، ومن ضِمنه النحو التوليدي التحويلي بأنه بنيوي ـ لقد كان النحويون العرب مهتمين بالتحليل البنيوي الذي يصل الأشكال بعضها ببعض، وذلك ما يؤدي إلى تفسيرها. ومن اللافت للنظر أن تكون بعض تحليلاتهم مجردة ومصوغة بمصطلحات تشبه ما يستعمله اللسانيون اليوم. . . ومما يبيِّن دليلَ نجاحِهم يُبينه أن عملهم لم يُتجاوز إلا في حالات قليلة"(63). ولنتذكر هنا ما قاله مايكل بريم في مقدمة رسالته للدكتوراه، وهو ما أشير إليه من قبل في هذا البحث. وهناك أعمال كثيرة اهتمت بهذا الجانب، لكنني سوف أهتم هنا بعدد من الأبحاث التي صدرت أخيرا.

    ومن أشهر العاملين في هذا الاتجاه مايكل كارتر؛ فقد كتب عددًا كبيرًا من المقالات والكتب عن موضوع تاريخ النحو العربي خصوصًا ما يتعلق بكتاب سيبويه(64). ومن ذلك المقالاتُ والكتب التالية: "عشرون درهمًا في كتاب سيبويه"(65). ويتحدث فيه عن استعمال سيبويه لهذا التعبير للتمثيل في كثير من الأحيان. و"أصول النحو العربي"(66)، و"نحوي عربي من القرن الثامن الميلادي"(67)، و"الصرف والخلاف: مساهمة النحو العربي"(68)، و"اللسانيات العربية"(69) وهو كتاب حقق فيه مخطوطًا عربيًّا نحويًّا هو "نور السجية في حل المسائل الآجرومية" لمؤلفه سيدي محمد الشربيني الذي عاش في القرن السادس عشر الميلادي في مصر وترجمه إلى الإنجليزية. وتحوي الترجمة إلى جانب النص العربي وترجمته إلى اللغة الإنجليزية تعليقات مفصلة عن مسائل النحو العربي والخلاف فيها ومناقشة بعض الأبحاث الحديثة التي ناقشت بعض القضايا التي ذُكرت في الكتاب.

    ويختمه بفهارس للآيات القرآنية والأبيات الشعرية التي استشهد بها والأسماء والمؤلفين وعناوين الكتب. زيادة على ذلك فهناك اثنتا عشرة صفحة تحوي المصطلحات العربية المستعملة وترجمتها إلى مصطلحات إنجليزية. و"استعمال أسماء العلم في كتاب سيبويه أداة للاختبار"(70)، و"متى صارت كلمة "النحو" اسمًا للنحو"(71)، و"المصطلح "سبب" في النحو العربي"(72)، وغير ذلك كثير. كما أسهم مع كيس فريستيغ في تحرير كتاب بعنوان "دراسات في تاريخ النحو العربي 2"(73). ويحوي اثنين وعشرين مقالاً تهتم كلها بتاريخ النحو العربي وهي حصيلة مؤتمر عُقد في جامعة نيمنجن في المانيا سنة 1987م.

    ويقول المحرران في مقدمة هذا الكتاب "يمكن أن يشار هنا إلى نقطتين مهمتين يعنى بهما مؤرخ اللسانيات: فالأولى أن الاهتمام العميق الظاهر الآن باللسانيات العربية هو من غير شك نتيجة لتطور اللسانيات العامة وصقْلها؛ إذ وَضع هذا التطورُ العلماءَ الغربيين في مستوى يمكنهم فيه أن يقدروا عمق التفكير اللساني العربي ودقَّته. وبغض النظر عن النواحي التي يمكن أن تكون اللسانيات النظرية قد فشلت في إنجازها في الدوائر العلمية الغربية إلا أنها أسهمت من غير شك إسهامًا موجبًا في فهمنا للسانيات غير الغربية. والنقطة الثانية أن من الواضح أنه على المستوى النظري الكلِّي أو على المستوى التطبيقي كليهما هناك بعض الدروس التي يمكن للسانيات الحديثة أن تتعلمها من النحويين العرب القدماء. إن مفهوم الكليات اللسانية في الأقل ربما لا يمكن نقاشه الآن من غير أن نتأمل في التنظيرات المشابهة في اللغة العربية، حيث يجب ألا يؤكد تطبيق كثير من معطيات اللسانيات المعاصرة من غير الإشارة إلى التقاليد اللسانية التي تعد اللغة العربية أشهرها من حيث النضج الذي لا يقل عن نضج الأنظمة اللسانية المألوفة كالهندية أو الصينية. إن المهتم باللسانيات العامة الذي يعرف العربية أو هو على استعداد لأن يتعلم من العربية ما يمكِّنه من فهم محتوى المقالات التي تحويها هذه المجموعة ربما يجد بعض المعلومات التي يمكن أن تقود إلى تعديل بعض آرائه التي تأسست كلها على التقاليد الغربية.

    أما بخصوص ما تتصف به المقالات التي تؤرِّخ للنشاط النحوي العربي في هذه المجموعة فيقول المحرران: "الملاحظ في (المقالات التي تهتم بتاريخ بعض النحويين) أنها تتعدى حدود المناهج التقليدية في البحث، تلك التي تركز أساسًا على التفصيلات الخاصة بسِيَر حياة النحويين، وتنحو إلى فحص إنتاجهم العلمي بوصفه منظومة من الأفكار الثابتة التي لابد أنهم حصلوا عليها من سابقيهم، وبهذه الطريقة لم يُعترف إلا بوجود عدد قليل من العباقرة". أما البديل فهو: "كما يتبين من عدد من المقالات في هذه المجموعة، فقد كان النحوي المسلم حرًّا في تطوير أي رأي يراه معقولاً ومتماشيًا مع دينه، لذلك يجب أن يتوقف القارئ المعاصر عن النظر إلى الإسلام على أنه عنصرُ كَبْت، وأن ينظر بدلاً عن ذلك إلى الخصوصية والمبادرة التي كان المثقفون المسلمون أحرارًا في اتخاذها".

    وكتبت المقال الأول في هذه المجموعة جورجينا أيوب بعنوان ""وهذا ما لا يقال" في كتاب سيبويه: مفهوم التمثيل"(74). وتحدثت فيه عن مفهوم التمثيل الذي يتكرر إيراده في كتاب سيبويه أداة من أدوات التحليل.

    وكتب رمزي بعلبكي عن "الإعراب والبناء: من المادة اللسانية إلى النظرية النحوية"(75). ويناقش فيه هذين المصطلحين ويرى أن سيبويه ضحى بالاختلافات اللهجية في سبيل تكوين نظرية لسانية منضبطة.

    وكتب مونيك برناردز عن "النحوي البصري أبي عمرو الجرمي: موقعه بين سيبويه والمبرد"(76) ويحاول فيه أن يؤرخ لآراء الجرمي. ومنها ما يخص الاعتراض على بعض آراء سيبويه. ويكتب هانز هنريش بيستر فيلت عن "الفصل الذي كتبه ابن فرغون عن النحو العربي في كتابه جوامع العلوم"(77). ويكتب هارتموت بويزن عن "غوليوم بوستال (1510 ـ1581م) وكتابه عن مصطلحات النحو العربي"(78). ويكتب مايكل كارتر عن "قاضي، قاضٍ، قاضْ: ما العنصر الغريب بينها؟"(79). ويرى أن الشكل غير الممكن منها هو (قاض) وذلك اعتمادًا على فحصه لكتاب سيبويه. ويرى أن وجود (قاض) في كتاب سيبويه كان نتيجة خطأ من الناسخ والمحققين. وكتب جانيوس دانيكي عن "النظرية الصوتية للمبرد"(80). ويرى أنها لم تأت بشيء جديد يتجاوز نظرية سيبويه. وكتب كنجا ديفني عن "مناهج الفراء اللسانية في كتابه معاني القرآن"(81). ويقارن بين مناهج الفراء ومناهج سيبويه، فيرى أن الفراء لم يكن مهتمًّا بالتنظير أساسًا بل أتى تنظيره انطلاقًا من تفسيره لبعض الآيات. أما سيبويه فكان هدفه صوغ نظرية متماسكة للغة العربية ويأتي بالنصوص لتدعيم ذلك التنظير. وكتب جوزيف ديشي عن "معالجة النحويين العرب للمصطلح "حرف""(82). وكتب ايفرهارد ديترز عن "جمع المادة اللغوية عند العرب قديمًا وحديثا"(83). ويتحدث فيه عن التقنيات التي استخدمها العلماء العرب القدماء في جمع المادة اللغوية. ويرى أنهم أخذوا اللغة من ثلاثة مصادر: القرآن الكريم، والشعر الجاهلي، وكلام البدو. وتختلف هذه المستويات بعضها عن بعض، وذلك ما أثَّر في وصف اللغة العربية، إذ نَحَت النظريةُ إلى النظر إلى هذه المصادر الثلاثة كأنها متماثلة. وكتب بو جمعة الأخضر عن الفرق الذي يراه بين النحو العربي الذي يعطي الأهمية للكلمة والمدارس اللسانية الحديثة التي تعطي الأولوية للجملة. ويرى أنه يجب أن نقرأ التفكير اللساني العربي قراءة تعطي الأولوية للجملة. كما يرى أنه يجب أن نقرأ التفكير اللساني العربي قراءة جديدة تقوم على الأخذ والعطاء بينه وبين المدارس اللسانية الحديثة(84). وكتب عبد العالي العمراني جمال عن الربط بين المسند والمسند إليه(85). وكتبت روزالين جواين عن "الاحتجاج بالأقوى في الفقه والنحو والكلام"(86). ويعني الاحتجاج بالأقوى أنه إذا صح أمر في شيء أقل فهو يصح أيضًا في شيء أقوى منه. ومثل ذلك أن يقول القائد اليوناني زينوفون لجنوده "إنه ما دام أن جيشًا أقل من الجنود اليونان استطاع هزيمة الفرس وفتح مدنهم فإن الجنود اليونانيين لا بد أنهم يستطيعون مثل ذلك". وتتبعت الكاتبة استعمال هذه الحجة عند الشافعي في الفقه وعند سيبويه في النحو وعند المتكلمين كالجاحظ والنظّام. وتنتهي من ذلك إلى أن هذه الحجة في النحو والفقه والكلام كانت نتيجة للبيئة العلمية العربية المحلية ولم تكن نتيجة لتأثير أجنبي. وقد بدأ استعمال هذه العلة في الفقه؛ ولما كان سيبويه في أول أمره مشتغلاً بالحديث الذي لم يكن متميزًا عن الفقه فقد اكتسب هذه الحجة واستعملها في كتابه. وكتبت جنفيف همبرت عن "تحقيقات كتاب سيبويه والمخطوطات التي كانت أساسًا لهذه التحقيقات"(87) وأتت بعدد من الملاحظات على هذه التحقيقات. وكتب بيير لارشير عن "عناصر المقامية في النظرية العربية النحوية فيما بعد الفترة الكلاسيكية"(88) وناقش ما ورد في كتاب "شرح الكافية" للاستراباذي من عناصر ليست جزءًا من النحو بل هي تمثيل مجرد للمعنى وللظروف التي يقع فيها الكلام. ومن ذلك التفريق في الجملة الإنشائية بين الجملة الطلبية والجملة الإيقاعية: "فأنت في الطلبية لست على يقين من حصول مضمونها. . . وأما الإيقاعية نحو "بعتُ وطلقتُ" فإن المتكلم لا ينظر بها أيضًا إلى وقت يَحصل فيه مضمونُها بل مقصودُه مجرد إيقاع مضمونها وهو مناف لقصد وقت الوقوع بل يعرف بالعقل لا من دلالة اللفظ أنَّ وقتَ التلفظ بلفظ الإيقاع وقتُ وقوع مضمونه". ويشير إلى أن وجود مثل هذه العناصر في الوصف النحوي العربي يدل على معاصرتها لما يناقش اليوم حول الموضوع. وكتبت فيفيان لُو عن "هل هناك تأثير هندي على دراسة العرب للأصوات أم أن التشابه بين الدراستين كان نتيجة تشابه عارض؟"(89). وتبيِّن أن القول بأن العرب أسسوا وصفهم الصوتي للغتهم على استعارتهم هذا الوصف من الهنود أمر غير ممكن. ذلك أنه في الحالات المعروفة تاريخيًّا عن اقتباس نظام وصفي من لغة إلى لغة أخرى كاقتباس الرومان من اليونان، واليهود من العرب، واللغات الأوروبية الحديثة من الرومان، واليابانيين والصينيين من الغرب، فإن هذا الاقتباس يتميز في هذه الحالات جميعًا بوجود عدد كبير من الأفكار المرتبطة بالوصف المقتبس، وعدد كبير من الكلمات المقترَضة من الأصل، وترجمات لبعض تلك الكلمات. لكن هذا ليس هو الواقع في العربية. فلغة الوصف الصوتي ومصطلحاته خالية تمامًا من هذه المظاهر. وكان مصدر الزعم بأن العرب استعاروا من الوصف الصوتي من الهنود ـ كما تُبين ـ مساواة بعض الباحثين بين كلمة "مَخْرج" عند النحاة العرب وكلمة Sthana عند الهنود. وبيَّنت أن هذا الزعم ليس صحيحًا بل هو وليد عدم فهْم للمصطلحات الهندية. ولما كان العرب قد أسسوا وصفَهم الصوتي على أسس نُطْقية فلم يكونوا بحاجة إلى الاستعارة من الآخرين. وكتب أحمد المتوكل عن تحليل السكاكي لمفهوم "الغرض"، ويبين أن هذا التحليل ذو صلة بالنقاش الحديث في التحليلات الفلسفية واللسانية عن الصلة بين الفكر واللغة(90). وأرَّخ أحمد مختار عمر للدراسات النحوية في مصر في العصور الأولى(91). وكتب جوناثان أوينز عن "بعض المفاهيم التي كانت وراء تطور النظرية العربية النحوية"(92).

    وناقش في هذا البحث بعض التحليلات المتعاقبة لبعض القضايا النحوية ويشير إلى أن تغير التحليلات يدل في النظرية النحوية. ومثل ذلك التحليلات المختلفة عند سيبويه والمبرد وابن الزجاج والجرجاني للإضافة؛ وتحليلات سيبويه والأخفش والمبرد للمنصوبات. ويرى أن المدارس النحوية العربية لا تختلف بين بصريين وكوفيين وبغداديين. . . الخ، مكانيًّا، بل تختلف زمانيًّا ونظريًّا، بين المتعاصرِين. وكتب رفائيل تالمون عن "الفراء المتفلسف: تفسير قول غامض منسوب لثعلب"(93). وناقش المقولة التي ترى أن النحو العربي أقيم على أسس يونانية ويؤيد هذه المقولة برد بعض المصطلحات التي استعملها الفراء إلى أصولها اليونانية التي كانت معروفة للعرب في تلك الفترة.

    وكتب كيس فريستيغ عن ""مصطلح الاتساع" والمفاهيم المتعلقة به في النحو العربي، وهل تدل على حرية المتكلم؟"(94). ويقصد به استخدام النحو العربي لهذا المصطلح في الوصف. ويدل هذا المصطلح على حرية المتكلم في التصرف بالكلام مجازًا وتوسعًا في القواعد. وكتب رونالد وولف عن "تحقيق كتاب الرد على النحاة لابن مضاء"(95). ويرى أن هذا ليس كتابًا واحدًا بل مزيج من كتب أخرى لابن مضاء. وينتهي الكتاب بفهرسين أحدهما للأسماء التي وردت في الكتاب والآخر في 9 صفحات يحوي المصطلحات التي وردت فيه. ويحوي كل مقال قائمة بالمراجع التي اعتمدها المؤلف وهي تعطي صورة واضحة للنشاط الواسع في هذا الميدان الحيوي.

    ومن المبرزين في الإسهام بدراسة النحو العربي كذلك جوناثان أوينز. فقد كتب عددًا كبيرًا من المقالات التي تناقش قضايا مختلفة في النظرية النحوية العربية. وسوف أتناول هنا كتابين حديثين له في هذا الموضوع. والكتاب الأول هو "مقدمة للنظرية العربية النحوية في القرون الوسطى". ويقع في 361 صفحة(96). ويتألف من مقدمة وثمانية فصول وثلاثة ملاحق وقائمة بالمراجع وثلاثة فهارس. ويشير في المدخل الذي صدَّر به الكتاب إلى أن الفكرة التي مؤداها أن الممارسة اللسانية العربية يُمكن أن تُفهم حق الفهم من خلال المبادئ اللسانية العامة لم تبدأ إلا في أوائل السبعينيات من القرن العشرين. ويلاحظ في المقدمة أن كلمة "القرون الوسطى" التي تظهر في عنوان الكتاب يجب ألا يُفهم منها الفهم المألوف في الدراسات الغربية التي يمكن فيها أن تشير هذه العبارة إلى غموض المنهج وتعقيده. ذلك أن النظرية العربية النحوية في تلك الفترة تتشابه مع النظرية اللسانية المعاصرة في عدد من الأمور الأساسية، وهو ما يجعل مناقشتها أسهل للقارئ الغربي. ويشير كذلك إلى أنه يمكن البرهنة على أن أحد الأسباب التي أدت إلى عدم تقدير النظرية العربية حين اكتشفها الغربيون في القرن التاسع عشر إبّان تكوُّن التقاليد الإستشراقية، أنه لم يكن في الحضارة الأوروبية في تلك الفترة ما يماثلها. ولم توضع هذه النظرية في منظور أفضل إلا مع التقاليد البنيوية التي أتى بها دي سوسور وبلومفيلد وتشومسكي(97).

    ويَعرض في المقدمة(98) إلى المعالم البارزة في تاريخ النحو العربي بدءًا من سيبويه؛ ويشير إلى مصادر هذا النحو التي تتكون من كتب النحو الوصفية مثل: كتاب سيبويه، والكتب المتخصصة في قضايا معينة مثل كتاب "المنصِف" لابن جني الذي يعالج الصرف، وكتاب الزجاج "ما ينصرف وما لا ينصرف" الذي يعالج الممنوع من الصرف، وكتب أصول النحو مثل "الإيضاح في علل النحو" للزجاجي و"الخصائص" لابن جني، وكتب البلاغة مثل "دلائل الإعجاز" للجرجاني، وكتب اللغة والمعاجم، وكتب التفسير، وكتب أخرى ثانوية. ويبين هنا أنه سوف يقصر دراسته على الفترة الممتدة من المبرد إلى ابن عقيل وذلك بسبب تطور النظرية تطورًا محكمًا من ناحية الأدوات الوصفية.

    ويقول إنه على العكس من النظرية اللسانية المعاصرة التي تكون فيها مبادئ الوصف والتفسير معلَنةً واضحة لم تكن هذه المبادئ في النحو العربي تذكر علنًا في كل حال. لكن هذا لا يمنع الباحث المدقق من العثور عليها لأنها وأن لم تكن معلنة فإنها منفذة فعلاً، وهي ليست أقل من حيث الدقة(99).

    ويشير في الفصل الثاني الذي عنونه بـ "البنية، والوظيفة، والفصيلة، والتَّعلُّق"(100) إلى الإطار الذي يحدِّد النحو العربي؛ فقد وعى النحويون أن للكلام بِنىً محدَّدة، ولهذه البنى وظائف معينة. وأظهر ما يكون ذلك في الدراسات الصرفية إذ نُظِر إلى كلمات اللغة كلها كأمثلة لموازين معينة.

    وكذلك بَحثُهم عن "الأصل" لبعض الكلمات التي يخالف ظاهرُها باطنَها كالأفعال المعتلة، ونظْرتهم إليها على أنها كالكلمات غير المعتلة في خضوعها للموازين نفسها، كما قادتْهم نظرتُهم إلى أن الجملة هي الوحدة الأساسية للتحليل النحوي إلى دراسة المواضع التي تقع فيها الكلمات التي تنتمي إلى فصائل معينة.

    وأدى بهم البحثُ إلى افتراض فكرة "العامل" التي تَشهد بأنهم لم يكونوا يَنظُرون إلى الكلمات في الجملة على أنها تتابُع عشوائي؛ بل يَحكم بعضُها بعضا. فيَستدعي وجود كلمات معينة وجود كلمات أخرى. ووجود كلمات معينة يوجب إعرابًا معينًا في كلمات تتبعها. ويوضح هذا نظرتهم إلى كون اللغة نتيجة لتركيب محكم. وحين يقارن أوين هذه الأفكار بإحدى المدارس اللسانية لتحليل الجمل وهي مدرسة "نحو التعلُّق" dependency grammar يجد أن النظريتين تقولان الشيء نفسه. ويستمر في عقد مقارنات أخرى كلها تشير إلى هذه المتشابهات.

    ويناقش في الفصل الثالث الذي خصصه للصرف(101) النظريات الصرفية العربية. ويشير إلى الاهتمام الواسع الذي أَوْلته الدراساتُ العربية للصرف والأصوات. وأول ما يلاحظه أن النحو العربي ميَّز بين الصيغة ومعناها. ويشير إلى تمييز النحويين العرب بين الصوت والحرف، وإلى تنبُّههم إلى أن الكلمات العربية تعود إلى جذور ثلاثة في الغالب، وإلى اختراعهم الميزان الصرفي الذي يعيِّن الجذورَ الأصول في الكلمة، والحروفَ المزيدة عليها التي تستخدم في تعيين معان فرعية. ويبين أن بعض الدراسات الحديثة أشارت إلى مماثلة هذه النظرية لنظرية اللساني البريطاني فيرث. ويتوسع في عرض الدراسات الصرفية والمبادئ التي تحكمها ويَعرِض كثيرًا من أوجه التحليل الذي جاءت به.

    ويتحدث في الفصل الرابع، "صيغ الكلمات"(102)، عن تصنيف العلماء العرب الكلمات إلى أسماء وأفعال وحروف، وعن المبادئ التي قادتهم إلى هذا التصنيف. كما عرض لكثير من المسائل المتعلقة بهذا التصنيف وإلى محاولة النحويين حل المشكلات التي تَعتَرضه، وإلى الخلافات بين المدارس النحوية في ذلك. ويعقب على بعض هذه المشكلات بقوله: "ليس المهم هنا أن نعيِّن من انتصر على الآخر، بل المهم هو أن نبيِّن أن النحويين العرب وعوا وجود هذه المشكلات والحالات غير الواضحة، وأنهم استعملوا مبادئ لسانية عامة لحلِّها"(103).

    ويناقش في الفصل الخامس، "العبارة الاسمية"(104)، تحليل النحويين العرب لبعض التراكيب التي يدخل فيها الاسم كالصفة والموصوف والحال والمضاف والتوابع الأخرى. وعلى الرغم من عدم تطوير النحو العربي لمقولة تماثل "المركَّب الاسمي" في الدرس اللساني الحديث إلا أنه يمكن القول إن النحويين العرب كانوا واعين بها بصورة ضمنية.

    ويبين في الفصل السادس، "التَّعْدية"(105)، تحليل النحويين العرب للمفاعيل والوسائل التي يعدَّى بها الفعل إليها. ويرى أنه على الرغم من عدم وجود طريقة كاملة لمعالجة هذه القضية في النحو العربي إلا أن النحويين العرب قدموا مادة ضخمة تتعلق بهذه القضية وتناولوها بشكل مطرد.

    ويعرض في الفصل السابع، "الحذف"(106)، إلى تقدير العلماء العرب بعضَ التراكيب المحذوفة في تحليلهم لبعض الجمل. وعرض للأدلة التي جاؤوا بها للتدليل على وجود المحذوفات على مستوى أعلى من التجريد. ومن هذه الوسائل: السياق، والتراكيب، والاتساع، والمجاز. وعرض لبعض المبادئ التي تحكم تقدير هذه التراكيب المحذوفة بحيث لا يكون تقديرها عشوائيًّا. وتكلم عن بعض الخلافات حولها. ويقارن أوينز بين سمات الحذف في النحو العربي والحذف في النحو التحويلي ويرى أن النَّحْوَين يتفقان في أن مسبِّبات الحذف تركيبية أساسا. وذلك لوجود فكرة العامل في النحو العربي. فيُقدِّر النحاة العرب في الجملة التالية:



    زيدًا ضربْتُه



    أن (زيدًا) منصوب بفعلٍ محذوف يدل عليه الفعل المذكور. كما يقدر النحو التحويلي أن جملة مثل:



    Shave yourself



    لابد أن يكون فيها فاعلُ للفعل محذوف، وهو: You ، وذلك لتفسير وجود الضمير على شكل Yourself بدلاً من وجوده على شكل yourself. ومع هذا التشابه فهو يبيِّن أن هناك أربعة فروق بين النحو العربي والنحو التحويلي في مسألة الحذف. وأول هذه الفروق أن الحذف في النحو التحويلي نتيجةٌ لكون الحذف لا يقع إلا إذا كان للمحذوف مثيل في النص. أما في النحو العربي فللحذف سببان: فالأول تركيبي كما في الجملة المذكورة آنفا، والثاني "مقاميّ" Pragmatic ، ذلك أن المحذوف يفهم من السياق. والفارق الثاني بين النحوين فرقٌ في الاهتمام؛ ففي الوقت الذي ينظر فيه النحو العربي إلى الحذف على أنه محاولة للوصول إلى معرفة المحذوف، يبدأ النحو التحويلي من الجمل الكاملة ويطبِّق عليها قواعدَ الحذف ليصل إلى الشكل الظاهري لها. والفرق الثالث أن في النحو التحويلي قواعد معينة للحذف أما في النحو العربي فلم تحدَّد تلك القواعد بل تستند إلى المتكلم نفسه. والفرق الرابع أن النحو العربي كان ينظر إلى المعنى حين يَقترح الحذفَ وهذا ما لا نجده في النحو التحويلي.

    ويعرض في الفصل الثامن لـ "الأصل في النظرية العربية"(107). ويعني بـ "الأصل" أنه في حال وجود أشكال مختلفة للصرفية الواحدة فإن واحدًا منها يُعدُّ "الأصلَ"، أما الأشكال الباقية فهي فروع له. ويتبين عمل النحويين في هذه المسألة من اقتراحهم المقولات التالية:



    أصل

    أخفّ

    أقوى

    أوّل

    الاسم

    المفرد

    المذكر

    فرع

    أثقل

    أضعف

    بعد

    الفعل

    الجمع

    المؤنث

    إلى آخر ذلك.



    ويقارن في هذا الفصل أيضًا بين النحو العربي والنحو التحويلي من حيث أوجه التشابه والاختلاف في هذه المسألة. ويرى عدم التشابه بين النحوين بسبب أن النحو التحويلي يسعى لتحويل جمل إلى جمل أخرى، وهو خلاف ما يسعى إليه النحو العربي. وينتهي إلى أن من المضلِّل أن نساوي بين النحوين على الرغم من وجود بعض التشابه.

    ويدرس في الفصل التاسع، "التركيب، والدلالة، والمقامية"(108)، عمَل النحويين والبلاغيين العرب في ربط المعنى بالشكل والعلاقة بينهما. ومن الذين اهتموا بهذه المسألة سيبويه وأبو علي الفارسي من النحويين، والجرجاني من البلاغيين. ويعود مرة أخرى في هذا الفصل للمقارنة بين النحو التحويلي والنحو العربي في مسألة دراسة المعنى. ويرى أنه لا تشابه بين النحوين بسبب اختلاف الاهتمام واختلاف التحليل.

    ويختتم الكتاب بسبع وأربعين صفحة تحوي 123 تعليقًا ضمَّنها مناقشات على جانب كبير من الأهمية. وتأتي بعد هذه القائمة قائمة تحوي أسماء النحويين والأماكن التي عاشوا فيها وتواريخ وفَياتِهم. ويتبع هذه القائمة تلخيص لقواعد النحو العربي ومبادئه. وتليها قائمة بالأقوال النحوية التي استشهد بها وبعدها قائمة بالمراجع. وبعدها ملحق بأسماء العلماء القدماء الذين ذكروا في الكتاب. وتُبعت بقائمة بأسماء العلماء المعاصرين. يتبعها ملحق بالمواضيع التي نوقشت. واختتمت الملاحق بملحق للمصطلحات النحوية العربية التي ورد ذكرها.

    ويمكن أن نرى من هذا العرض السريع للكتاب مدى عمق المعالجة وسعة التناول. ومثل هذه الدراسات التي تنحو نحو التأطير المنهجي هي ما ينقص الدراسات العربية الحديثة إذ يتبين فيها المعنى الكلي والصورة الشاملة للنحو ومبادئه العاملة فيه. وهو يرتفع عن التفصيلات الدقيقة التي تمنع القارئ من رؤية المعالم البارزة المهمة لهذا الفكر العميق.

    وكتاب جوناثان أوينز الآخر الذي سأعرضه هنا هو "النظرية العربية النحوية المبكرة: التنوع والتوحد"(109). ويقع في 295 صفحة ويتكون من مقدمة وعشرة فصول متبوعة بملحقين وقائمة للمراجع وثلاثة ملاحق.

    ويكاد يكون هذا الكتاب امتدادًا للكتاب السابق، وإن لم يكن ذلك الكتاب مهتمًّا بتاريخ الدراسات النحوية العربية غرضًا رئيسا. فيهتم هذا الكتاب بمرحلة التأسيس التي يمثلها سيبويه والفراء خاصة، بالإضافة إلى بعض النحويين الآخرين الذين لم يكن لهم الدور نفسه في التأسيس كالجرمي والمازني والسجستاني وقطرب. وعلى خلاف كثير من الكتب التي تؤرخ للنحو فلم يهتم أوينز هنا بتفصيلات حياة النحويين، بل كان جل اهتمامه منصبًّا على آرائهم ودراساتهم النحوية، وإذا ذكر بعض تلك التفصيلات فلعلاقتها بتلك الآراء.

    ودَرس في المقدمة(110) الآراءَ التي تصنِّف النحويين القدماء إلى مدرستي البصرة والكوفة، وكذلك بغداد. واقترح أن هذا التصنيف لم يكن موجودًا في الفترة المبكرة وأكثر الاحتمال أنه يعود إلى مرحلة لاحقة بعد أن استقر النحو. ودرس كذلك البدايات الأولى للنحو وصلته بالقراءات ثم عرض تعريفًا بأبرز النحويين وأعمالهم التي عرفت عنهم كالخليل والكسائي وسيبويه والفراء والأخفش والمبرد وثعلب والزجاج وابن السراج.

    ويَستكمِل في الفصل الثاني(111) الصورةَ العامة للنحو العربي فيَورد ملاحظتين مهمتين هما: أن هناك كثيرًا من القضايا المهمة التي تشترك فيها المدارس النحوية المبكرة، والملاحظة الثانية أن النحو العربي لم يتوقف تطوره عند ابن السراج. ويمثِّل لذلك ببعض القضايا نحو فكرة العامل ودراسة الإضافة.

    ويتحدث في الفصل الثالث، "الفراء لسانيًّا"(112)، عن منهج الفراء كما يتمثل في كتابه "معاني القرآن". ويرى أن الفراء كان مهتمًّا بالتطبي، وذلك على عكس سيبويه الذي كان التنظير همَّه الأول. لكن دراسة الفراء في كتابه معاني القرآن تعطي صورة مجملة عن آرائه النظرية. ومن تلك الآراء آراؤه عن "الأصل" و"الموضع" و"القواعد الكليَّة للغة" و"التتابع" و"القياس". كذلك دراسته للمذكر والمؤنث. ويقارن بين عمل الفراء في "معاني القرآن" وعمل الزجاج الذي ألف كتابًا بالعنوان نفسه. وبدراسته لبعض آرائهما عن بعض الآيات، يرى أنه على الرغم من اختلاف المنهج والهدف وطريقة العرض فإن الفراء والزجاج يتبعان المبادئ نفسها. وهذا ما يشير إلى أن منهج الفراء عمومًا ليس مختلفًا عن منهج النحويين المعاصرين له. كما يشير ذلك إلى أن الخلاف بين البصريين والكوفيين لا يمكن أن يجعل منهما مدرستين مختلفتين.

    ويعرض المؤلف في الفصل الرابع، "منهج سيبويه"(113)، منهج سيبويه ويقارنه بمنهج المدرسة البنيوية الأمريكية في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين. ولم يكن هذا المنهج معلنًا عند سيبويه لكنَّ كتابه كان نتيجة لمنهج محدد يمكن اكتشافه. ومن وجوه هذا المنهج استعمالُ سيبويه فكرةَ "التبادل" التي استعملها لتحديد الوظيفة النحوية وتوزيع الكلمات واكتشاف أصح الأشكال للكلمة وتحديد المعنى. ثم ذهب يعطي أمثلة لذلك. كما استعمل سيبويه بعض الطرق المنهجية الأخرى مثل استعمال الدليل السَّلْبي والتصنيف والتبادل القياسي واستعمال الأمثلة الممثِّلة لغيرها وكذلك الكلمات واستعمال الأصل وغير ذلك. وقارن بين سيبويه وابن السراج من حيث المنهج، حيث يرى أن النحو بلغ عند ابن السراج درجة عالية من النضج المنهجي.

    ويدرس في الفصل الخامس، "التوابع"(114)، يدرس هذه التركيبات ويطبِّق عليها مناهج النحويين الأوائل مثل سيبويه وابن السراج والفراء والأخفش والمبرد وثعلب وآخرين، وهو ما يدل على تطور في تحليل هذه التوابع وإن لم يَزد اللاحقون من حيث المادة اللغوية شيئًا على ما ذكره سيبويه.

    ويقارن في الفصل السادس، "بين سيبويه والفراء من جهة والنحويين المتأخرين"(115)، بين النحويين السابقين واللاحقين، وبين الخطوط العامة التي تساعد على فهم تطور التنظير النحوي العربي.

    ويدرس في الفصل السابع، "الفراء حلقةُ وصل"(116)، الفراءَ بوصفه ممثلاً لحلقة تقع بين سيبويه والنحويين المتأخرين ويعده ممثلاً لتطور الدراسة النحوية العربية مقارنًا إياه ببعض النحويين الآخرين.

    ويبيِّن في الفصل الثامن، "الفراء وفترة التنوع"(117)، أن الفراء كان ذا فكر نحوي متميز؛ ومن أهم ما يتميز به تفكيرُه استعمالُه مبادئ دلالية في مقابل المبادئ الشكلية التي يستعملها سيبويه.

    ويدرس في الفصل التاسع، "نحويون غير بارزين"(118)، عددًا من النحويين غير البارزين مثل لغدة وابن كيسان وخلف الأحمر وثعلب وابن الأنباري ويبين إسهاماتهم ومدى موافقتهم للنحويين الكبار واختلافهم عنهم.

    ويتناول في الفصل العاشر، "تطور مدرستي البصرة والكوفة"(119)، المبادئ التي اختلفت فيها المدرستان والتطورات التي مرَّتا بها.

    ويتحدث في الفصل الحادي عشر، "التطور البنيوي للنظرية التركيبية العربية المبكرة"(120) عن المبادئ التي كانت تؤطر النحو العربي منذ أطواره المبكرة. ويمكن أن يُعدَّ هذا الفصل خلاصة البحث كله إذ يعرض فيه المصطلحات التي استعملها النحويون المختلفون، ويبين الأطوار التاريخية التي سلكتها هذه المصطلحات. وقد علَّل تسميةَ الفترة التي سبقت نهاية القرن الثالث الهجري بأنها فترة التنوع بثلاثة أسباب هي:

    1ـ أن هذه الفترة شهدت مبادئ مستقلة واضحة مختلفة عن الفترات اللاحقة،

    2ـ أن النحويين القدماء كانوا معروفين بكثرة الاختلاف فيما بينهم،

    3ـ أن التفكير النحوي كان موجَّهًا إما لاتباع سيبويه أو الفراء.



    ويبيِّن في الملحق الأول المواضعَ المتعلقة بالمسائل الصرفية الصوتية في كتابي الفراء والزجاج، ويبين المعاني المختلفة للكلمة "حرف" في كتب النحو وكذلك معاني المصطلحين المسند والمسند إليه عند الفراء، ومصطلح "الاشتغال". ويبين موضع التوابع الاسمية عند الأخفش، وبعض المصطلحات الأخرى التي استعملها الفراء، والمواضع التي أشار فيها ثعلبُ في مجالِسه إلى البصريين والكوفيين، والمواضع التي أشار فيها الزجاج في الجزء الأول من كتابه "معاني القرآن" إلى الفراء، والمواضع التي أشار فيها ثعلب في مجالسه إلى البصريين والكوفيين، والمواضع التي أشار فيها الزجاج في الجزء الأول من كتابه "معاني القران" البصريين والكوفيين وغيرهم. وهناك ملحق آخر يحوي الأقوال التي استشهد بها من كتب النحويين وغيرهم، وملحقٌ أخير يحوي أسماء النحويين والأماكن التي عاشوا فيها وتواريخ وفياتهم. وهناك قائمة بأسماء المراجع والمصادر وفهرس للصفحات التي ذُكر فيها النحويون في الكتاب، وفهرس للمصطلحات النحوية العربية، وفهرس للمواضيع التي نوقشت في الكتاب.

    ويتبين من هذا العرض الموجز للكتاب أنه يضع بين أيدينا تاريخًا للنحو العربي يختلف عن ما تعودنا عليه في كتب تاريخ النحو التي لا تعطي اهتمامًا كافيًا لدراسة تطور النحو نفسه وتاريخه، بل تهتم بدلاً من ذلك بحياة النحويين وسرد القصص التي تروى عنهم. ويعطي تاريخ النحو في هذا الكتاب معنى للاختلافات التي نجدها بين النحويين ويرصد التطورات التي مر بها هذا النحو حتى استقر.

    ولم تكن دراسة النحو العربي فقط هي التي لفتت انتباه اللسانيين الغربيين المعاصرين، بل كان العَرَوض موضوعًا للدراسة كذلك. ومن الذين درسوا العروض العربي اللسانيُّ الشهير موريس هاله(121) وألان برنس(122). لكن أكثر الدراسات الحديثة تفصيلاً هي دراسة جون مالنج التي ناقش فيها كثيرًا من النقد الذي وجِّه إلى العروض العربي في الغرب، وبيَّن أن نظرية الخليل محْكمة جدًّا إذا نظر إليها على أنها تجريد يمكن أن تُشتقَّ منه البحور الستة عشر، كما يمكن أن تصاغ العلل والزحافات صياغة مشابهة لصياغة القواعد الصواتية والصرفية التي جاءت بها المدرسة التوليدية التحويلية(123).

    وليس بالإمكان ـ كما قدمت ـ عرض كلِّ ما كتب في الفترة الأخيرة عن النحو العربي، لكن المطلع على الكتابين الذين عرضتهما سيفاجأ بعدد البحوث التي كتبت وسيفاجأ بتنوعها وعمقها حتى ليمكن القول إنه لم يترك جانب من جوانب النحو لم يدرس.



    الموقف من اللغة العربية بصفتها لغة:



    سبق القول بأن الدراسات الغربية عن اللغة العربية كانت قد اكتسبت سمعة سيئة عند العرب المحدَثين نتيجة لكتابات بعض المفكرين الغربيين والمستشرقين. ذلك أن بعض المفكرين الغربيين في القرن التاسع عشر كانوا عنصريين في توجهاتهم الفكرية مما نتج عنه الاعتزاز بكل ما هو أوروبي والغض من كل ما ليس أوروبيا. وقد عوملت اللغات على أيدي هؤلاء معاملة تتسم بالزعم بأن اللغات غير الأوروبية قديمها وحديثها متخلفة ولا يمكن أن تقارن باللغات الأوروبية في الجمال والإحكام والمنطقية(124).

    ومن الكتب الحديثة التي تتصدى للمقولات الأوروبية القديمة عن اللغة العربية كتاب ديفد جستس "دلالة الشكل في اللغة العربية في مرآة اللغات الأوروبية"(125). ويقع الكتاب في 432 صفحة ويتكون من مقدمة واثني عشر فصلا. ويقول جستس في مقدمته إن اللغة العربية عانت من الوصف بالغرابة والرمي بالصفات الجاهزة بالدرجة التي عانت منها اللغة الصينية، وزاد الأمر سوءًا نتيجة للعوامل السياسية.

    ويمثِّل التوجهات التي أسهمت في زيادة الأمر سوءًا ما أورده المؤلف من قول أحد الكتاب في مراجعة لكتاب جوناثان رايان "الجزيرة العربية: رحلة في خلال المنعرَجات"، ونشرته جريدة نيويورك تايمز في ملحقها الأسبوعي لمراجعة الكتب: "إن طبيعة لغة الجزيرة العربية، كما يقول المؤلف، منعرجات من الغموض حيث من الصعب أن تجد أيَّ معنى حرفي (لأية كلمة)، وإنما كل ما هنالك إشارات رمزية. تلك هي اللغة التي تعبر فيها كلمة واحدة، باختلاف ضئيل، عن "الجِماع" و"الاجتماعية"، فهل من الغريب إذن، كما يتساءل المؤلف ـ أن يكون من الصعب فهْم العرب". ويبين جستس أن غرضه من الكتاب أن يكون مرآة متعاطفة مع اللغة العربية. إذ سيحاول أن يتفحص الاستراتيجيات والبني التي تبدو مميِّزة للعربية، ويزيل ما علق بها من غموض عن طريق توضيح أن هذه المميزات تشبه ما يوجد في اللغات الأوروبية المعروفة.

    ويتكلم في الفصل التمهيدي، "تعريف اللغة المدروسة"، عن تاريخ اللغة العربية ويشير إلى أنها ليست شيئًا واحدًا بل هي مستويات مختلفة تمتد من الفصحى القديمة إلى اللهجات المعاصرة، وهي بذلك تشبه اللغات الكبرى.

    وبشير في الفصل الأول، "صعوبة العربية"، إلى وصف اللغة العربية بأنها من أصعب اللغات، إذ تُقارَن بالصينية واليابانية والكورية وغيرها من اللغات. ويقول إنه وَجَد العربيةَ أصعب عند تعلُّمه إياها من اللغات التي تعلَّمها وتنتسب إلى أسرة اللغات الهندية الأوروبية، لكن هذه الصعوبة لا تعود إلى اللغة العربية بوصفها نظامًا لغويا. فالعربية ـ في رأيه ـ لغة مطردة من جهة البنية وهناك عوامل كثيرة في هذا الاطراد تجعل تعلُّمَها أسهل. ويشير في الوقت نفسه إلى بعض أوجه الصعوبة فيها مثل تعدد أشكال جمع الأسماء، لكن هذا لا يجعلها تختلف في ذلك عن الألمانية أو اللاتينية. أما أسباب الصعوبة فليست لغوية بحتة بل هي تاريخية وأسلوبية واجتماعية. ويفصِّل من ثم تلك الصعوبات التي يشار إليها دائمًا ويصف بعض الحلول لها.

    ويَعرض في الفصل الثاني، "الخطوط العامة للعربية"، إلى بعض العيوب التي تُنسب إلى العربية كالترادف والمشترك اللفظي والفظاظة والخشونة. ويورد قولاً يكثر إيراده وتوصف به العربية فحواه "إن الكلمة في العربية تعني معناها، وضدَّ ذلك المعنى، وشيئًا فاضحًا وشيئًا عن الجَمل". وهو لا ينكر وجود الترادف والمشترك اللفظي وغير ذلك من الظواهر فيها لكنه يشير إلى أن تلك الظواهر توجد فيها بصورتها التي توجد في القواميس، أما اللغة كما تستعمل فليس فيها شيء كثير من ذلك. ويقارن هذه الخصائص بمثيلاتها في اللغات الأوروبية. ويعرض لغير ذلك من هذه المزاعم التي تؤخذ على العربية مثل: إن المعنى العام للكلمات المشتقة من جذر واحدٍ واحدٌ فكأن هذه الكلمات المختلفة تقول الشيء نفسه، والسطحية والعنف والإطناب والازدواجية اللغوية والغموض والنقص التركيبي والتَّلعُّب بالكلمات ووصفها بالتأخر واتصافها بالأصوات الحلقية القبيحة. وعندما يناقش هذه الصفات يوضِّح أن ما يصفه بعض الناس بهذه الصفات أمور موجودة في كثير من اللغات ومن بينها اللغات الأوروبية.

    ويعرض في الفصل الثالث، "الربط بين الشكل والاستعمال"، للزعم بأن اللغة العربية مرآة للعقلية العربية. وهذا الفصل من أطراف الفصول وأجملها، ويبين فيه أن ما تعبِّر عنه العربية تعبِّر عنه اللغاتُ الأخرى بشكل مشابه، وبذلك ينتفي الزعم القائل إن شكل الكلمة يحدِّد معناها أو أن هذه اللغة تصور قصور العقلية العربية.

    ويتحدث في الفصل الرابع، "نحو التثنية وتثنية النحو"، عن ظاهرة التثنية في العربية واتخاذ بعض الناس هذه الظاهرة دلالة على وجود بعض القواعد التي لا معنى لها فيها. ويشير إلى أن هذه الظاهرة كانت موجودة في اللغات الأوروبية تاريخيًّا كما توجد في بعض اللغات الأخرى المعاصرة. ويبين أن العربية قد تستعمل التثنية إما لأغراض عميقة من أجل التحديد أو وسيلة للجمال الأسلوبي أو لبعض الأغراض الأخرى. أما مفهوم التثنية فهو من المفاهيم التي بنيت اللغة عليها في مختلف وجوهها.

    ويدرس في الفصل الخامس، "اعتباطية الإشارة"، عدمَ الارتباط في العربية بين شكل الكلمة ومعناها، ذلك على الرغم من الحدود الصارمة على شكل الكلمات فيها.

    ويدرس في الفصل السادس، "التراكم"، اتصاف اللغة العربية بسعة معجمها. لكن سبب هذه السعة يعود إلى احتواء المعاجم العربية كل الكلمات التي استُعملت خلال تاريخها من غير تمييز للمستعمَل منها في فترة معينة من المستعمَل في غيرها. ويناقش ما يُنسب إلى العربية من عدم القدرة على الرغم من هذه السعة على التعبير عن بعض الأمور. ويبرهن على أن هذه الظاهرة ليست مقصورة على العربية.

    ويناقش في الفصل السابع، "الأضداد"، ما ينسب إلى العربية من كون الكلمة تعني أحيانًا الشيءَ وضدَّه؛ وذلك مثل "خائف" التي تعني الفاعل والمفعول، و"باع" بمعنى "باع" و"اشترى"، إلى غير ذلك. ويبين أن هذه الظاهرة موجودة في اللغات الأخرى. ومن ذلك في الإنجليزية كلمة rent التي تدل على "أجَّر" و"استأجر". ويعرض لهذه الظاهرة في التركيب كذلك، كدلالة "الواو" على العطف وعلى التخيير. وكما يؤكد، فمثل هذه الظاهرة موجودة في اللغات كلها وإن كان ذلك بنِسَب متفاوتة. فيجب ألا تؤخذ دليلاً على شيء له علاقة "بعقل" المتكلمين لهذه اللغات. ويجب أن تفسَّر تفسيرًا لغويًّا بوصفها نتيجة لتطورات لغوية أو للتوسع المجازي أو غير ذلك.

    ويتحدث في الفصل الثامن، "أسماء النوع"، عن استعمالات هذا التركيب الاسمي ويبيِّن أسبابَ وجوده وأنه لا يوحي بأي مظهر من مظاهر النقص بل له أسباب لغوية مثل: أن إمكان وجود صيغة خاصة مردُّه طواعيةُ تركيب الجذور في العربية واتساعها، ولأن العربية لا تستعمل التركيب المزجي أو الإسنادي كثيرًا فإن في هذه الصيغة تعويضًا عن ذلك، لأنها لا تختلط بغيرها.

    ويناقش في الفصل التاسع، "شكل التركيب"، التراكيبَ النحوية مستعمَلةً استعمالاً طبيعيّا. ويبين أن العربية تشبه اللغات الأخرى في استعمال تلك التراكيب.

    ويناقش في الفصل العاشر، "الإطناب"، ما يوصف بأنه إطناب لا حاجة له في العربية مثل "لَيْلٌ أَلْيَل"، ويبين أن أكثر هذا الإطناب إنما هو لأغراض أسلوبية وهو موجود في الآداب الأخرى.

    ويتناول في الفصل الحادي عشر، "المخصِّصات"، التوابعَ الاسمية كالتمييز والحال، ويبين وظيفتها في اللغة العربية ووجود ما يشبهها في اللغات الأخرى.

    ويدرس في الفصل الثاني عشر، "التَّعدية والوصف"، الطريقةَ التي تعبِّر بها العربيةُ عن التعدية عن طريق صيغ خاصة للأفعال ويرى أن اللغات الأخرى تعبر عن المعنى بأساليب خاصة بها.

    ويختم كل فصل من هذه الفصول بعدد من الهوامش.



    وأبرز ما يميِّز هذا الكتاب الأسلوبُ الذي تغلب عليه السخرية والمفارقة حين يورد مأخذًا على العربية، ويكشف بهذا الأسلوب مدى جهل القائلين بهذا المأخذ أو تحاملهم مع أن ما يأخذونه على اللغة العربية موجود في اللغات التي يعرفون. ويبين أن مصدر هذه المآخذ لا يعدو أن يكون المواقفَ الجاهزة غير العلمية من اللغات التي لا يعرفها هؤلاء أو النية المبيتة التي مصدرها العداء السياسي أو الحضاري لأهل هذه اللغة.

    ويحتَلُّ كتاب ديفيد جستس مكانًا مميزًا بين الكتب التي تدعو إلى الموضوعية والدراسة العلمية للغة، وهو جدير بان يقرأه المتخصصون من العرب وغيرهم وذلك لعمق المعالجة للمسائل التي عرض لها وللمقارنة بين اللغات.

    وهناك، إضافة إلى هذا الكتاب، إشارات كثيرة في كتابات الدارسين الغربيين لبعض المواقف السلبية التي كانت سائدة في بعض الدراسات الغربية عن اللغة العربية. إذ يحاول هؤلاء الدارسون دفع التهم التي توجه إلى هذه اللغة. ومن ذلك ما يقوله مايكل بريم في مقدمة رسالته للدكتوراه: ". . . إن اللغة التي سأدرُسها في هذه الرسالة لغةٌ حية. فهي اللغة الأدبية التي توحِّد الدول العربية، وهي التي لا تزال مستعملةً في المدارس والمحاضرات والإذاعة والصحف والتمثيل والوظائف الرسمية الأخرى. إن الزعم بأن هذا النوع الأدبي من العربية نوعٌ مصنوع وسطحي قولٌ لا يدل إلا على جهل قائله. بل إن الفروق التي تفصل بين اللغة الأدبية العربية من النوعيات العامية المختلفة إنما هي فروق مبالغ فيها في الدراسات السابقة. . . "، إلى غير ذلك.

    لقد ولى الزمن الذي كانت تروج فيه كتابات مثل كتابات شوبي ورافائيل بتاي مما يَخرج على مقاييس العلمية لاعتمادها على فرضيات مثل فرضية سابير وورف التي أُسيء تفسيرها واستعمالها في كثير من الأحيان وهي فرضية نقضتْها البحوث اللاحقة(126).



    خاتمة:


    كان القصد من كتابة ما تقدم بيانَ أن كثيرًا من المفاهيم الشائعة في الثقافة العربية المعاصرة عن الدراسة اللسانية المعاصرة المتعلقة باللغة العربية تولدتْ عن الجهل بالتقدم الذي يتحقق كل يوم في هذا المجال الحيوي. ولم أكن أهدف إلى كتابة عرض تفصيلي للأعمال المنجَزة بل إن ما قصدته هو التدليل بشكل موجز على هذا النشاط العلمي الذي يبدو أن كثيرًا من المتخصصين في اللغة العربية في العالم العربي إما غير واعين به أو لا يقدرونه حق قدره.

    وإلى جانب شك هؤلاء المتخصصين بما ينجز في الغرب عن اللغة العربية لارتباط هذه الدراسات في الضمير الجمعي العربي بدراسة اللهجات بدلاً من الفصحى، وبالدراسات الإستشراقية التي كانت في بعض الأحيان أداة في يد المستعمر، هناك سبب جوهري آخر يتمثل في القول بأن الأجانب لا يمكن أن يفهموا اللغة العربية كفهْم أبنائها لها. وللرد على هذا القول ينبغي الإشارة إلى أن بعض الباحثين في هذه المجالات هم من العرب. يضاف إلى هذا أن القول بأن الأجانب أقل قدرة على فهم اللغة العربية من أبنائها قولٌ ينقصه الدليل. أما الحقيقة فهي أن غير العربي يمكن أن يفهم تركيب اللغة العربية فهمًا يتساوى مع فهم الناطقين بها إذا توافرت له أدوات البحث وكان جادّا. ويمكن أن يدلل على صدق هذه المقولة بأن أبرز علماء اللغة العربية في القديم لم يكونوا عربًا، بل لقد اتهم بعضهم بعدم إجادة اللغة العربية، وأول هؤلاء سيبويه(127).

    وإذا نظرنا في تاريخ اللغات الأخرى نجد أحيانًا أن أوفى كتب النحو لبعض اللغات كتبها علماء لم يكونوا من أهل تلك اللغات. وأظهر مثال على ذلك أوتوجسبرسن الذي كتب عن نحو اللغة الإنجليزية وهو دانماركي الأصل واللغة. وعلى الرغم من ذلك فإن كتاباته عنها لا تزال تتمتع بمنزلة عالية في الدراسات الإنجليزية(128).

    وهناك ملاحظة مهمة جدًّا هي أن الأجنبي ربما يكون في بعض الأحيان أكثر قدرة على الفهم. وقد حدث هذا فعلاً في دراسة بعض المجتمعات. ومن ذلك ما يقوله ديل إيكلمان: "يعد الكتابان اللذان ألَّفهما باحثان أجنبيان عن المجتمع الأمريكي، في كثير من الجوانب، من أهم وأجود ما كتب في دراسة المجتمع الأمريكي وتأويل قِيَمه الأساسية. ونعني بهما كتاب الأرستقراطي الفرنسي أليكسيس دوتوكفيل "الديمقراطية في أمريكا" الذي صدر في سنة 1835م، وكتاب السويدي المعاصر كونار ميردال "مأزق أمريكا" الذي صدر سنة 1944م. ويمكن للمرء أن يُحاجَّ في هذا الباب فيقول: إن هذين الملاحظين، وإن كانا أجنبيين عن المجتمع الأمريكي، إلا أنهما كانا أكثر وعيًا بالجوانب الأساسية والثابتة من الأمريكيين الذين يأخذون تلك الجوانب على أساس أنها بديهيات أو يكونون على وعي ضعيف بها"(129).

    ويصح هذا في فهم اللغة أيضًا. لذلك يجب ألا يُستخفَّ بما يكتبه غير العرب عن اللغة العربية. وهذه ليست دعوة لأن يسلَّم لهم بكل ما يكتبون لكنها دعوة إلى الاطلاع عليه وقراءته قراءة نقدية والاستفادة من الحوار معه.

    ويتبين من البحوث التي عرضنا جانبًا منها كذلك أن اللغة العربية لا تزال مجالاً بِكرًا للدراسة، فهناك قضايا كثيرة جدًّا في اللغة العربية الفصحى وفي اللهجات العربية لم تبحث أو لم تنل حظًّا كافيًا من البحث أو أنها في حاجة إلى إعادة التحليل. وتدعو هذه المسألة إلى التفاؤل، إذ أن التحقُّق من وجود هذه القضايا سيكون دافعًا إلى الانخراط بحماس في البحث اللساني في هذه اللغة. ومما له صلة بهذا الموضوع أن المقولة التي تردد عن النحو العربي ومفادها أنه لا يمكن الزيادة فيه على ما كتبه النحويون العرب القدماء ليست دقيقة تماما. فقد كشفت الأبحاث التي عرضت ـ على الرغم من تقديرها لإسهامات النحويين القدماء ـ أن هناك جوانب عديدة لا تزال بحاجة إلى دراسة.

    وأول شروط النهضة باللسانيات في العالم العربي ـ في ظني ـ هو أن نفهم حق الفهم النحوَ العربي بمنطلقاته الفكرية وتقنياته وأُطُره النظرية. لكنْ لا نستطيع أن نحقق هذا الفهم إذا اكتفينا بالنظر إليه من داخله فقط. إنني أظن ـ كما ذكر بعض الباحثين ممن أشير إليهم أعلاه ـ أن الدراسة اللسانية الحديثة قادرة على مدنا بالأدوات المنهجية والأطر النظرية التي نستطيع بها فهم النحو العربي فهمًا دقيقا. وتتعلق هذه النقطة بما يسمى أحيانا "إحياء التراث".

    فلا يعني إحياء التراث إلا تفسيره تفسيرًا يجعله معاصرًا لنا. وليس هذا التفسير المعاصر تكلُّفًا إذا ما تعلق الأمر بالنحو العربي. فقد بيّنت كثير من الأبحاث التي عرضت هنا أن هناك قاسمًا مشتركًا في المنطلقات والأهداف والتقنيات بين اللسانيات والنحو العربي. ولا يعني هذا أبدًا أن نكتفي ـ كما يفعل بعض الباحثين العرب المعاصرين ـ بالمقارنات السطحية منطلقين منها إلى الفخر أو إلى تأكيد أسبقية العرب في هذا المجال، بل لا بد أن يكون الهدف إقامةَ الصلة بين منجزات اللسانيات المعاصرة والنحو العربي والبناء على ذلك مسهِِمين في وصف اللغة العربية وصفًا وافيًا ومطوِّرين للنظرية اللسانية المعاصرة نفسها.

    ويعني هذا أن الفصل الحاد بين النحويين واللسانيين في الثقافة العربية يجب أن يحل محله الاتصال لخير الفريقين. ومن مقتضيات هذه الصلة أن ينخرط دارس اللسانيات المعاصرة في قراءة النحو العربي قراءة قصدها الأول فهم هذا النحو ومن بعد ذلك نقده وتمحيصه. أما النحوي فيجب عليه الاطلاع على منهجيات اللسانيات الحديثة، وهذا ما سيجعله قادرًا على الإسهام فيها بما يعرفه معرفة حقة من منهجيات النحو.

    وقَصْد هذه الدعوة للاتصال بين الفريقين إزالة الجفاء بينهما وتوحيد الجهود بقصد تحقيق نهضة لغوية ليست غريبة على الثقافة العربية. وعلى الرغم مما يشاع في الجو الثقافي العام من ضعف الصلة بين النحو واللسانيات إلا أن الواقع يؤكد أن نشاط النحوي ودارس اللسانيات واحد في الأساس. فلا بد للنحوي ودارس اللسانيات كليهما من جمع المادة اللغوية، ولابد لهما من وصفها، ولابد لهما من تفسيرها. وعند هذه النقطة يتوقف دارس اللسانيات ويستمر دارس النحو في جعل القواعد التي توصل إليها موضوعًا للتطبيق في تعليم الناسِ اللغة.

    وخلاصة القول أن واحدًا من معوقات النهضة العلمية اللغوية في الثقافة العربية المعاصرة هو شيوع بعض المقولات التي لا تستند إلى حقائق. وذلك مثل أن النظريات اللسانية المعاصرة لا يصلح تطبيقها على اللغة العربية لأن هذه النظريات أقيمت على لغات غريبة، وأن قصد الدراسة اللسانية المعاصرة فيما يخص اللغة العربية تقعيد اللهجات وإحلالها محل اللغة الفصحى، أو أن الدراسة اللسانية المعاصرة تريد أن تكون بديلاً للنحو العربي بعد إزاحته من مركز الصدارة في الدراسة العربية. ويمكن أن يوصف شيوع هذه المقولات بأنه نتيجة لما يسميه تشومسكي "مشكلة أورويل"، نسبة إلى الروائي الإنجليزي الشهير مؤلف رواية (1984). ويعني بذلك أن كثيرًا من المقولات في المجالات الاجتماعية والسياسية والفكرية تقوم على أسس يمكن بقليل من البحث الكشف عن عدم صحتها، وعلى الرغم من ذلك تبقى سائدة من غير أي تساؤل(130).

    لذلك لا يسع المتخصص في النحو العربي في هذا العصر أن يتجاهل التقدم الذي ينجز في اللسانيات، كما أنه لا غنى له عن الاطلاع على ما يكتب باللغات الأخرى عن الدراسات العربية. وبدلاً من القطيعة بينه وبين المتخصصين في هذه المجالات ينبغي عليه أن يسعى إلى الاطلاع على ذلك والاستفادة منه والحوار معه.
    الهوامش


    1ـ عبد السلام المسدي. اللسانيات وأسسها المعرفية (تونس: الدار التونسية للنشر، 1986) ص ص11 ـ20

    2ـ عبد القادر الفاسي الفهري، "اللسانيات العربية: نماذج للحصيلة ونماذج للآفاق" في: تقدم اللسانيات في الأقطار العربية. تحرير عبد القادر الفاسي الفهري (بيروت: دار الغرب الإسلامي، 199) ص ص11 ـ40

    Kees Versteegh, “Modern Approaches to the History 3ـ

    of Arabic”

    في: تقدم اللسانيات في الأقطار العربية، ص ص 199 ـ 216

    4ـ حمزة المزيني، مراجعات لسانية، الجزء الأول. كتاب الرياض (العدد79) 1421هـ

    5ـ حمزة المزيني، "التحيز اللغوي. . ."، في هذا الكتاب

    6ـ عبد السلام المسدي، المرجع نفسه، وكيس فرستيغ؛ المرجع نفسه

    7ـ كيس فريستيغ، المرجع نفسه؛ و:

    J.K Chambers and peter Trudgill. Dialectology. (Cambridge:

    Cambridge University Press. 1980) PP. 15-23.

    8ـ كيس فريستيغ، المرجع نفسه؛ وحمزة المزيني، "التحيز اللغوي. . ."، في هذا الكتاب

    9ـ Roman Jakobson, "Mufaxxama: The Emphatic Phonemes in Arabic," in Salman Al - Ani (ed) Readings in Arabic Linguistics (Bloomington: Indiana University Linguistic Club. 1978) PP 269 - 283.

    10ـ



    Joseph H Greenberg, "The Patterning of Root Morphemes in Semitic," in Salman Al Ani. “Reading...,” PP. 431 - 456.

    11ـ Joseph H. Greenberg, Ibid. P.432

    12ـ Zellig S. Harris, "The Phonemes of Moroccon Arabic", in Salman Al - Ani, Pp.. 247 - 267.

    13ـ Harris, P.265

    14ـ J.R. Firth. "Sounds and Prosodies," in Eric P. Hamp, Fred W. Householder, and Robert Austerlitz. Readings in Linguistics II

    (Chicago: The University of Chicago. 1996) PP. 175 - 191.

    15ـ Fred Householder. "Preface," in Salman Al-Ani. Reading, P. Viii

    16ـ Michael B. Brame. Arabic phonology: Implications for Phonological Theory and Historical Semitic. Ph. D. Dissertation

    MIT, 1970

    17ـ Noam Chomsky and Morris Halle. The Sound Pattern of English.

    (New York: Harper and Row, 1968).

    18ـ Michael Brame. Arabic Phonology... P.Vii

    19ـ John Joseph McCarthy III. Formal Problems in Semitic Phonology. and Morphology. Ph. D. Dissertation. MIT. 1979.

    20ـ John J. McCarthy, "A Note on the accentuation of Damascene of Arabic," Studies in the

    Linguistic Science (1980)

    10.2.

    John McCarthy, "A Prosodic Account of Arabic Broken

    Plurals," Current Trends in African Linguistics I (ed) By L. Dihoff,

    (Dordrecht: Foris, 1983) PP. 263 - 289

    J. McCarthy and A. Prince. "Foot and Word In prosodic morphology: The Arabic Broken Plural," Natural Language and

    Linguistic Theory 8 (1990) PP. 109 - 183.

    21ـ Alan Prince, "Planes and Copying, linguistics of Rhythmic Organization," in Papers from Chicago Linguistic Society, Vol 2,

    (1990) PP. 355 - 398.

    22ـ Mushira Eid, "Arabic Linguistics: The Current Scene," in Perspectives on Arabic Linguistics I. Ed By Mushira Eid,

    (Amsterdam/ Philadelphia: John Benjamins Publishing co.

    1990) PP. 3-37.

    23ـ Charles A. Ferguson., "Come forth with a Surah Like it: Arabic as a measure of Arab Society," in M. Eid. PP. 39 - 51.

    24ـ Charles A. Ferguson,"Diglossia," Reprinted in pier paolo Giglioli (ed) Language and Social Context. (London: Penguin

    Books. 1972) PP. 232 - 251.

    25ـ M. Eid and J. McCarthy, "Introduction," in M. Eid and J McCarthy Perspectives on Arabic Linguistics. (Amsterdam II/

    Philadelphia: John Benjamins Publishing Co. 1990) PP. xii -

    26ـ J. McCarthy and A. Prince, "Prosodic Morphology and Templatic Morphology," in M. Eid and J. McCarthy, PP. 1-54.

    27ـ John Moore, "Double Verbs in Modern Standard Arabic," in M. Eid and J. McCarthy, PP. 55-93.

    28ـ Robert R. Ratcliffe, "Arabic Broken Plurals: Arguments for tow folds classification of Morphology," in M. Eid and J. McCarthy. PP. 94 - 119.

    29ـSamir Farwaneh, "Well - Formed Associations in Arabic: Rules or Condition?" in M. Eid and J. McCarthy PP. 120 - 142.

    30ـ C. Douglas Johnson, "Levantine Cyclogenesis," in M. Eid and J. McCarthy. PP. 143 - 166.

    31ـ Mahasen Hasan Abu - Mansur, "Epenthesis, Gemination and Syllable Structure," in M. Eid and J. McCarthy. PP. 176 - 191.

    32ـ John C. Eisele, "Aspectual Classification of verbs in Cairene Arabic," in M Eid and J. McCarthy, PP. 192 - 233.

    33ـ Mahmoud Al - Batal, "Connectives as Cohesive Elements in Modern Expository Arabic Text" in M. Eid and J. McCarthy,

    PP.234-268.

    34ـ Dilwort B. Parkinson, "Orthographic Variation in Modern Standard Arabic: The Case of the Hamza," in M Eid and J.

    McCarthy. PP 296 - 295.

    35ـ Adel I. Twaissi, "Foreigner Talks in Arabic: Evidence for the Universality of Language Simplification," in M. Eid and J.

    McCarthy, Pp. 296 - 326.

    36ـ J. McCarthy, "Linear order in Phonological Representation," Linguistic Inquiry, 20.1 (1989) PP. 71 - 99.

    37ـ A. Prince, "Planes and Copying," Linguistic Inquiry, 18.2 (1987) Pp. 491 - 509.

    38ـ Bernard Comprie, "On the Importance of Arabic for General Linguistic Theory," in Bernard Comprie and

    M. Eid (eds). Perspectives on Arabic Linguistics III (Amesterdam Philadelphia:

    John Benjamins Publishing Co. 1991) P. 3 - 30.

    39ـ B. Comprie. Ibid. PP. 3 - 4.

    40ـ Mushira Eid, "Verbless Sentences in Arabic and Hebrew," In B. Comprie and M. Eid, P. 13 - 61.

    41ـ John McCarthy, "Semitic Gutturals and Distinctive feature Theory," in B. Comprie and M. Eid . PP.63-91.

    42ـ Awwad Ahmad Al - Ahmadi Al - Harbi, "Arabic Loanwords in Acehnese," in B. Comprie and M. Eid. PP 93 - 117.

    43ـ Abdel Gawad T. Mahmoud, "A Contrastive Study of Middle and Unaccusative Constructions in Arabic

    and English," in B. Comprie and M. Eid. PP.119 - 134.

    44ـ Mahasen hasan Abu – Mansour, "Epenthesis in Makkan Arabic: Unsyllabified consonants Vs. Degenerate syllables,"

    in B. Comprie and M. Eid. PP. 137 - 154

    45ـ Kenneth R. Beeslye, "Computer Analysis of Arabic Morphology; A Two - Level Approach with Detours," in B. Comprie and M. Eid 155 - 172.

    46ـ El - Abbas Ben Mamoun, "Causative in Morroccon Arabic," in B. Comprie and M. Eid. PP. 173 - 195.

    47ـ Keith Walters, "Women. Men. and Linguistic Variations In The Arab World," in B. Comprie and M. Eid. PP. 199 - 229.

    48ـ Abdel - Rahman Abu - Melhim, "Code - switching And Linguistic Accomodation In Arabic," in B. Comprie and M. Eid. PP. 232 - 250.

    49ـ Sabah Safi - Stagni, "Agrammatism In Arabic," in B. Comprie and M. Eid. PP. 250 - 270.

    50ـ Ellen Broselow, "Parametric Variation in Arabic Dialect Phonology," in Ellen Broselow, Mushira Eid and John

    McCarthy (eds) Perspectives on Arabic Linguistics IV (Amsterdam / Philadelphia: John Benjamins Publishing Co. 1992 PP. 7 - 45.

    51ـ Mahasen Hasan Abu - Mansour, "Closed Syllable Shortening And Morphological Levels," in Broselow, Eid and McCarthy. Pp. 47 - 75

    52ـ David Testen, "Extra - Arabic Affiliations of K Yemeni," Broselow, Eid and McCarthy. PP. 77-89.

    53ـ Farida Abu - Haidar, "Shifting Boundaries; The Effect of Standard Arabic on Dialect convergence in Baghdad," in Broselow, Eid, and McCarthy, Pp. 91 - 106.

    54ـ Mushira Eid, "Pronouns, Questions and Agreement," in Broselow, Eid, and McCarthy, PP. 107 - 141.

    55ـ John C. Eisele, "Egyptian Arabic Auxiliaries and The Category of Aux," in Broselow, Eid, and McCarthy,

    PP. 143 - 165.

    56ـ Niloofar Haeri, "Synchronic Variation In Cairene Arabic: The Case of palatalization," in Broselow, Eid and McCarthy, PP. 169 - 180.

    57ـ keith Walters, "A sociolinguistic Description of (u in korba Arabic: Defining linguistic Variables in Contact

    Situation and Relic Area," in Broselow, Eid and

    McCarthy, pp. 181 - 217.

    58 ـ Ahmad Atawneh, "Code - Mixing In Arabic - English Bilinguals," in Broselow, Eid and McCarthy.

    PP. 219 - 241.

    59ـ R. Kirk and Osama Shabaneh, "Variable Agreement and non - human Plurals in Classical and Modern Standard

    Arabic," in Broselow. Eid and McCarthy. PP. 245 - 262.

    60ـ Karin C. Ryding, "Morphosentactic Analysis In Al - Jumal Fil l - nahw; Discourse Structure And metalanguage," In Broselow. Eid. and McCarthy. PP. 263 - 277.

    61ـ نقلاً عن Kees Versteegh في كتابه:

    Greek Elements In Arabic Linguistic Thinking (Leiden:

    Brill, 1977) PP. Vii - Viii.

    62ـ David Peterson "Some Explanatory Methods of the

    Arab Grammarians", in Paul M. Peranteau, Judith N. Levi,

    and Gloria C. Phrase (eds). Papers from the 8th Regional

    Meeting of Chicago Linguistic Society, 1972, 502 - 515.

    63ـ David Peterson, "Some Explanatory...." P 513

    64ـ Michael G. Carter. A study of Sibawaihi`s Principles of Grammatical Analysis. Ph. D. Dissertation.

    Oxford University, 1968.

    65ـ Michael G. Carter. "Twenty Dirhams in the Kitab of Sibawahi," Bulletin of School of Oriental And African School,. 35 (1972) PP 485-496

    66ـ Michael G. Carter, "Les Origions de la Grammaire Arabe," Revui des PP. 69 - 97. (Etudes Islamique, 40 (1972)

    67ـ Michael G. Carter, "An Arabic Grammarian of Eighth Century A.D," Journal of American Oriental Society, 93,

    (1973) PP. 146-157.

    68ـ Michael G. Carter,. "Sarf et Khilaf: Contribution a la Grammaire Arabe," Arabica, 20 (1973) PP. 292-304

    69ـ Michael G. Carter. Arabic Linguistics. (Amsterdam) Philadelphia: John Benjamins Publishing Co. 1981)

    70ـ Michael G. Carter, "The Use of Proper Names as a testing Device in Sibawaih`s Kitab," in Versteegh.

    Koerner, and Niederehe (eds). The History of Linguistics

    in the Middle East. (Amsterdam/ Philadelphia: John

    Benjamins Publishing Co.1983) PP 109_120.

    71ـ Michael G. Carter, "When did the Arabic Word "Nahw" First Come to Denote Grammar," Language and

    Communication 5 (1985) PP. 265 _272.

    72ـ Michael G: Carter, "The term Sabab in Arabic grammar," Zietshrift Für arabische Linguistik, 15 (1985)

    PP. 53_66.

    73ـ Kees Versteegh and Michael G. Carter. Studies in the History of Arabic Grammar II. (Amsterdam/

    Philadelphia: John Benjamins Publishing Co. 1990)

    74ـ Georgine Ayoub, "De ce Qui" Ne DIT Pas Dans Le Livre De Sibawayh: La Notion De TAMTIL,” in Versteegh

    And Carter. PP. 1_15.

    75ـ Ramzi Baalbaki, "'IcRAB and BINA from Linguistic Reality To Grammatical Theory," in Versteegh and Carter.

    17-33.

    76ـ Monique P.L.M Bernards, "The Basran Grammarian 'Abu Umar Al_Grami: His Position Between Sibawayh And

    Mubarrad," in Versteegh and Cater. PP. 35_47.

    77ـ Hans - Hinrich Biesterfeldt, "IBN Farighun's Chapter on Arabic Grammar in His Compendum of The Sciences," in Vertstegh and Carter, PP. 49 - 56.

    78ـ Hartmut Bobzin, "Guilaume Postel (1510 - 1581) Und Die Terminologyie Der Arabischen National Grammatik," in Versteegh and Carter, PP. 57 - 71.

    79ـ Michael G. Carter, "Qadii, Qadin, QAD: Which one is the Odd Man Out?," in Versteegh and Carter, PP. 3 - 90.

    80ـ Janusz Danecki, "The Phonetical Theory of Mubarrad," in Versteegh and Carter, PP. 91 - 99.

    81ـ Kinga Devenyi, "On Farra's Linguistic Methods In His Work Macâni Al-Qurân," in Versteegh and Carter, PP. 101 - 110.

    82ـ Joseph Dichy, "Grammatologie De L' ARAB: Les Sens Du Mot Harf Ou Le Labrinthe D'une Evidence," in Versteegh and Carter. PP 111-128.

    83ـ Everhard Ditters, "Arabic Corpus Linguistics In Pas and Present," in Versteegh and Carter, PP. 129 - 1 41.

    84ـ Boujema El - Akhdar, "Le Patrimoine Linguistique Arabe Ancien: Problems De Relecture," in Versteegh and Carter,

    PP. 143 - 149.

    85ـ Abdelali Elamrani - Jamal, “Verbe, Copule, Nom Derive (Ficl, Kalima, Ism Muŝtagg) Dans Les Commontaires Arabes

    Du Peri Hermeneias D'Aristote (avec un texte inedit d'Ibn Ruŝd),” in Versteegh and Carter, PP. 151 - 164.

    86ـ ٍRosalind Gwynne, "The A Fortiori Argument in Fiqh, Nahw, and Kalam," in Versteegh and Carter, PP. 165 - 177.

    87ـ Genevieve Humbert, "Remarques Sur Les Editions Du Kitab De Sibawayhi et Leur Base Manuscrite," in Versteegh

    and Carter, PP. 179 - 194.

    88ـ Pierre larcher, "Elements Pragmatiques Dans La Theorie Grammatical Arabe Post – classique," in Versteegh

    and Carter, PP.195 - 214.

    89ـ Vivien Law, "Indian Influence on Early Arab Phonetics - or Coinsidence?," in Versteegh and Carter,

    PP. 215 - 227.

    90ـ Ahmad Moutawakil, "LA Notion D' Actes De Language Dans La Peness Linguistique Arab Ancienne," in Versteegh and Carter. PP. 229 - 238.

    91ـ Ahmad Mokhtar Omar, "Grammatical Studies In Muslim Egypt," in Versteegh and Carter PP. 239 - 251.

    92ـ Jonathan Owens, "Themes In The Development of Arabic Grammatical Theory," in Versteegh and Carter PP. 253 - 263.

    93ـ Rafael Talmon. "The Philosophizing Farra," An Interpretation of An Obscure Saying Attributed to the Grammarian. Thaclab," in Versteegh

    and Carter. PP. 265 - 297.

    94ـ Kees Versteegh, "Freedom of the Speaker? The Term Ittisâc And Related Notions In Arabic Grammar," in

    Versteegh and Carter. PP 281 - 293.

    95ـ Ronald G. Wolfe, "Ibn Mada. Al- Qurtubi's Kitab Ar-radd' ala N-Nuhat: An Historical Misnomer," in Versteegh

    and Carter, PP 295-304

    96ـ Jonathan Owens. The Foundations of Grammar: An Introduction to Medieval Arabic Grammatical Theory. Amsterdam/Philadelphia: John Benjamins Publishing Co. 1988).

    97ـ Jonathan Owens. The Foundations of Grammar. P.I

    98ـ Jonathan Owen. The Foundations of Grammar. P.I-30

    99ـ Jonathan Owens. The Foundations of Grammar. P.23

    100ـ Jonathan Owens. The Foundations of Grammar. "Structure, Function, Class. and Dependence". PP.31-88

    ّ101 ـ Jonathan Owens. The Foundations of Grammar "Morphology" pp. 89-124.

    102ـ Jonathan Owens. The Foundations of Grammar. "Word Class" pp.125-147

    103ـ Jonathan Owens. The Foundations of Grammar. p.147.

    104ـ Jonathan Owens. The Foundations of Grammar.

    "The Noun phrase" pp.148-160

    105ـ Jonathan Owens. The Foundations of Grammar. "Transitivity,"pp.167-185

    106ـ Jonathan Owens. The Foundations of Grammar. "Ellipsis" pp 186-198

    107ـ Jonathan Owens. The Foundations of Grammar. "Markedness in Arabic Theory," pp.199-226.

    108ـ Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical Theory. "Syntax, Semantics, and Pragmatic," pp.227-264.

    109ـ Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical Theory; Heterogeneity and standardization (Amsterdam/

    Philadelphia; John Benjamins Publishing Co. (1990)

    110ـ Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical Theory. "Introduction", PP 1 - 12.

    111ـ Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical Theory. "Two General Points", PP. 13 - 17.

    112ـ Jonathan Owens. Early Arabic Theory. "Farra as a linguist," PP. 19-33.

    Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical Theory; 113ـ "Sibawayh's methodology'. PP. 36 - 54.

    114ـ Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical Theory;

    "Noun Complementation". PP. 55 - 102.

    115ـ Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical Theory:

    "Sibawayh and Farra Vs. Later Grammarians",

    PP 103 - 126.

    116ـ Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical Theory:

    "Farra As Transitional Figure", PP 127 - 156.

    117ـ Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical Theory: "Farra And The Period of Heterogeneity" PP. 157 - 177.

    118ـ Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical Theory: "Minor Writers", PP. 179 - 202.

    119ـ Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical Theory: "The Development of The Basran And Kufan Schools",

    PP.203 - 219.

    120ـ Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical Theory: "The Structural Development of Early Arabic Syntactic

    Theory" 221 - 243.

    121ـ Morris Halle, "On The metrics of pre - Islamic Arabic Poetry," Quarterly Progress Report

    of the Research Laboratory of Electronics. 83 (Cambridge.

    MA. MIT Press. 1966) 83. PP.133 - 116.

    122ـ Alan Prince, "Metrical Form," in Paul Kiparsky and Gilbert Yomans (eds). Phonet ics And Phonology. Rhythm

    And Meters. I. (New York: Academic Press. Inc. 1989)

    PP. 45 - 80.

    123ـ Joan Maling. The Theory Of Classical Arabic Meter. Ph. D. Dissertation. MIT. Cam Bridge. MA. 1973.

    ونشرت كاملة في مجلة الأبحاث التي تصدر عن الجامعة الأمريكية، العدد 62 (1973ـ1988) ص ص 29ـ 106

    124ـ حمزة المزيني "التحيز اللغوي. . ."، في هذا الكتاب



    125ـ David Justice. The Semantics of Form In Arabic, In The Mirror of European Languages (Amsterdam/

    Philadelphia: John Benjamins Publishing CO.) 1987.

    126ـ حمزة المزيني "التحيز اللغوي. . . "، في هذا الكتاب

    127ـ أبو بكر محمد بن الحسن الزبيدي الأندلسي. طبقات النحويين واللغويين، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثانية دار المعارف 1984 ص66

    128ـ انظر مثلاً James D. McCawley, "Review of", Otto Jesperson: Facets of his Life and Work,” Edited by Arne Juul and Hans F. Nielsen (Amsterdam/Philadelphia: John Benjamins

    Publishing Co. 1989) Language, vol. No.(1991) PP. 117-120

    وكذلك:

    Julia S. Faalk "Otto Jesperson, Leonard Bloomfield And

    American Structural Linguistics", Language, vol, 68 no 3 (1992)

    PP. 465-491.

    129ـ ديل إيكلمان. الإسلام في المغرب. ترجمة محمد أعفيف. (الدار البيضاء: دار توبقال، 1989م) ج1، ص11

    130ـ Noam Chomsky. Knowledge of Language: Its Nature, Origin, and use (New York: Praeger, 1986) P. xxiii

    وتدليله على هذه المشكلة ببعض الظواهر السياسية في الكتاب نفسه، ص ص ص267ـ287


    *(lمنقول) نشرت في مجلة مجمع اللغة العربية الأردني، العدد 53، السنة الحادية والعشرون، ذو القعدة 1417هـ، ربيع الآخر 1418هـ، ص ص 11 ـ 63
    جــســــــــــور
    المجلة الدولية لعلوم الترجمة واللغة
    المراسلة :
    traductionmagazine@gmail.com​
  • أبو صالح
    أديب وكاتب
    • 22-02-2008
    • 3090

    #2
    من هو الكاتب؟

    [align=center]هل ممكن اسأل الأسئلة التالية:
    من هو الكاتب؟
    ولماذا لم يوضع رابط للموقع الذي نقل منه؟
    [/align]

    تعليق

    • طالبة
      عضو الملتقى
      • 26-09-2007
      • 186

      #3
      تحية طيبة لحضرة المستشار أبو صالح
      أظن كاتب المقال هو اللساني السعودي(حمزة بن قبلان بن أحمد المزيني)صاحب الترجمات الرائقة لمؤلفات تشومسكي ،وهو غني عن التعريف.

      دمتم بود

      تعليق

      يعمل...
      X