لعلنا ننسى على شبابيك الحلم أحلامنا، لكن ثمة أحلاما لا تبرحنا، فبرغم الألم المتجذر بنا كشجرة عتيقة ضاربة جذورها في أرض خصبة، نعيش هنا.. وحيرة الأمكنة تقبع بنا.. تقطف منا كثيرا من اللوعة.. وتزرع بنا غربة لا تشبهها غربة.
تزدحم أرصفة المكان بكراسي متحركة لم نفلح في بناء علاقة وطيدة معها.. ولا فهرستها في سجلات حياتنا.. ونلمح في عجلاتها شيئا ينكي الجراح بنا.. بل و.. فيها لمعان يذكرنا بالعجز.. فلا نفلح في القبض ولو على حفنة من محبة أو ألفة.. يتعلق الألم بداخلنا فيستقر.. ويصبح له غرفة باردة في قلوبنا الحارة.. نحاول بجدارة أن نحتفل بقدرة تكاد تكون واهية على مجابهة كل ما يمكن مجابهته في غمرة الأشياء المتشابكة كاشتباك أشجار في غابة وعرة لا تمنحنا سوى إحساس بالغربة والعتمة المغزولة بخيوط الليل والنهار.
ترفل الأمكنة بعطر لم تعهده حواس الشم "عطر الأدوية" وصوت عربات حديدية تتحرك فتألفه حاسة السمع فينا.. حتى نظنه نغمة اختيارية.. لكننا نطمئن لها.. وكأنها طقس فيه ترتيلة تسحبنا نحو سكينة ما وطمأنينة ما .
وعندما يأت الليل كعادته.. نتوسد الألم على مخداتنا الموحدة.. تلك التي تحمل أحلاما موحدة.. تعلو نحو صيرورة الشفاء المنتظر.. الذي لربما بعد الانتظارالطويل صار رمادا.. وصار قيد التعسكر بنا إلا أننا نركب أكتاف غيمات الأمل العابرة.. تلك التي تحمل أجنة تفاصيل ممجوجة.. لا تسد ظمأ الأسئلة الكثيرة الصعبة.. والتي تخلو من رصيد الإجابات.. لكننا في كل مرة نعقد هدنة جديدة مع أمل توشح بألوان التشبث بالحياة.. ولأننا نخاف يوما أن تندثر فينا أيقونة انتظار الغد.. نحمل إشارة ممنوع الدخول للبرد الذي يثابر من أجل الانسكاب في دمنا.. لذلك نحرص على أن نتدثر بعهد مع أمل جديد .
وكما هو متوقع أن نجلس على أطراف المكان.. نلملم ما يفيض من أحاديث رفضت أن تبقى رهينة النفوس المصطفة المترهلة على جدران المكان العبق بالوجع.. فالبعض يحمل حكاية ويرددها.. والبعض يعلق في عنقه قلائد الأمل الذي تشبه رقائق الضوء المتفشي على سواحل القلب.. والبعض يحمل عتبا على ما حدث.. والبعض يحمد الله كثيرا على السراء والضراء.. والبعض يبني جسرا للتواصل مع مصيبته.. فيحاول أن يصنع من ليمونته المُرَّة شرابا لذيذا.. فيضرب عهدا للتواصل مع أروقة الحياة.. ليعانق ولو على مضض ما تبقى له من عمر.. والبعض غارقا من رأسه حتى أخمص قدميه المعتكفة في شرفات الانتكاسات.
هذه بعض من حكايا العنبر 6، وبعض من أحلام تراود مخيلة علقت بين مطرقة المرض وسندان الشفاء .
تعليق