علامة استفهامي الأولى
ترى هل يقدر الكتاب والشعراء العرب المسلمون اليوم حروف اللغة العربية الفصيحة حق قدرها؟
حقًّا، والله إنني أقف عند هذا السؤال وقفات طويلة، وأنا أسأل نفسي:
لم غاب الحرف العربي الأصيل عن كثير من الكتاب والشعراء في يومنا هذا!!!؟؟؟....
لم أصبحت لغتنا العربية الأم اليوم أشبه بالرموز اللفظية البدائية, واعتراها فساد الذوق في الكم والكيف!!!؟؟...
لمَ لمْ نعد نحس بجمالها, ونتذوق حسن بيانها, وعبق ألفاظها, وأصبح ماضيها غريب عن حاضرها ومستقبلها !!!؟؟...
لو حاولنا أن نجيب بصدق على هذه الأسئلة، لوجدنا أن السبب الأساسي، الذي دفع بالأمة إلى أن تكون غريبة عن أصلها وثوابتها، هو بعدها عن كتاب الله ومنهج رسوله, والسعي وراء هؤلاء الأعداء، بهدف فصل حاضر الأمة عن ماضيها.....
وكثيرًا ما نجد في أيامنا هذه يا أستاذنا الدكتور – وللأسف – طلاب اليوم لا يعيرون اهتمامًا للغتهم العربية الأصيلة، بل أصبحت العامية في اللغة بين كثير من الأدباء والشعراء مصدرًا لكتاباتهم, وعنوانًا لقصائدهم...
واللهجة العامية هدفها الوحيد هو تشتيت الألسن, وضياع القواعد والأصول, وتجرد اللغة العربية من خصائصها وبراعة قوتها....
ومع ذلك،فمازال الأمل بالرغم من المخاوف والهواجس على حاضر اللغة العربية يرفرف بأجنحته, ويأبى أن يسقط في متاهات وزور اللغة العامية...
وإنني أجد أنه من واجبنا أن نسعى جاهدين معًا لإذكاء شعلة لغتنا من جديد دون هوادة، ونحن نأمل أن نعيد لها نورها السماوي لتضيء للحيارى ظلمة الجهل...
وبإذن الله سننتصر ما دام بيان الله وكتابه لا زال باقيًا بين أيدينا, وفي صدورنا، ونسأل الله أن يوفقنا لنصرة أمّنا, ويهدينا إلى ما فيه خير وصلاح لغتنا العربية.
إنه سميع مجيب
علامة استفهامي الثانية
كيف كان مبتدأ الكتابة لديك، وما أثر ما تقرئينه من أدب في ما تكتبينه؟
حينها كنت في الصف السادس الابتدائي, طلبت منّا معلمة اللغة العربية أن نكتب موضوعًا، نصف فيه شعورنا من طالبة رمت قشرة الموز في باحة المدرسة, وأتت أخرى فتزحلقت وانكسرت رجلها بسبب هذا....
وفي اليوم الثاني طلبتُ من المعلمة أن أقرأ لها موضوعي أمام زميلاتي في الصف.....
وبعدها خرجنا إلى الباحة, وقبل أن ندخل الحصة الدراسية، نادت المديرة، وقالت لطلاب المدرسة: ليقف كل في مكانه، هناك اجتماع، وفجأة إذ بمعلمتي تنادي أين أمينة!!!؟؟...
لا أخفي عليك بأنني خشيت منها كثيرا, وقلت في نفسي لمَ تريد معلمتي أن تعاقبني أمام الملئ !!؟؟؟.....
صعدت إلى المنصة، وإذ بها تطلب مني أن أقرأ موضوعي أمام المديرة، ومعلمات المدرسة، وطلابها....
بالتأكيد كان لهذه الحادثة أثر كبير في نفسي، مما دفعني إلى أن أقرأ أي كتاب يقع بين يدي...
وأول ما بدأت به مجموعة العبرات والنظرات لمصطفى لطفي المنفلوطي ... وكان لها الأثر الكبير في نفسي... حتى إنني كنت أسهر الليال الطوال مع العبرات والدموع تتساقط كالدرر المنثورة على الخدود، فالحزن والألم كان بداية لعنوان كتاباتي.....
علامة استفهامي الثالثة
إن للخاطرة لديك، حسب ما أرى، مقاما محفوظا في ما تكتبين، ما السر يا ترى في هذه السمة الغالبة على كتاباتك؟
أجل يا أستاذنا الكريم المبدع الملهم، الدكتور
أبو شامة المغربي
لا أخفي عليكم بأن الخاطرة لها مقامًا محفوظًا بين سطور صفحاتي، وهذا لا أنكره أبدًا...
والسّر في هذا أنني – ومنذ صغري – أحيا مع عالم العواطف، والأحاسيس المرهفة، وكلّ ما أراه غير مناسبًا، في عالم الواقع الذي نحياه، من تفسخ للقيم والمبادئ، والكذب، والخيانة، وغيرها، أجد أن من واجبي أن أكتب عنه...
وتجدني قلقة مضطربة، ولا يمكن أن أتوازن من جديد إلّا عندما أنتهي من كتابة خاطرتي، حينها أشعر بأنني أخرجت ما في داخلي إلى عالم السطور، وأديت الأمانة التي استخلفني الله عليها.
ودائمًا أحاول أن أرسم هدفًا واضحًا بين سنام قلمي، وأن لا أتجرأ وأخوض في أحاديث وأحاديث بعيدة عن القيم والمثل، لأنه يجب عليّ، أولًا وأخيرًا، أن أعلم بأن هذا القلم الذي أقسم الله به هو أمانة بين أيدينا، وعلينا أن نحسن استخدامها في سبيل ابتغاء مرضاة الله، إنه سميع مجيب.
علامة استفهامي الرابعة
هل لنا أن نعرف الأدباء والنقاد العرب، الذين قرأت لهم أكثر من مرة، وما عنوان أول عمل أدبي، وأول عمل نقدي قرأتهما؟
لا أخفي عليكم بأنني بدأت أحبّ المطالعة، ولم أتجاوز العاشرة من عمري، وأهيم بها شوقًا وحبّا
حتى إنني كنت أتمنى أن تنتهي المدرسة، وتبدأ العطلة الصيفية لأقضيها بين صفحات الكتب، وكانت البداية كما قلت لكم مع الكاتب مصطفى لطفي المنفولوطي، ومنها انتقلت وبشكل مفاجئ إلى الكاتب الذي عشقت سطوره ، وترنمت مع أنسام حروفه، وتمنيت لو أستقي منه ولو جزءًا يسيرًا من عباراته، إنه أمير القلم واللسان مصطفى صادق الرافعي.
وكان لكتابه وحي القلم أثر كبير في حياتي، بدأت أعيش معه بكياني وروحي وفكري، وأحسست بأنه لا يمكن له أن ينفكّ عن قلب فكري، ولسان قلمي، حينها وجدت بأنني لا بد لي أن أبحث عن كل مؤلفات هذا الكاتب الكبير، وأحتويها في مكتبتي...
ومن بعد أمير القلم واللسان اتجهت لقراءة مجموعة عباس محمود العقاد، والبيان والتبيين للجاحظ، وقصص لجبران خليل جبران، ويوسف السباعي، ونجيب محفوظ، وغيرهم، وكان لي معهم وقفات طويلة...
ومع ذلك وجدت روح فكري تطمح إلى أكثر من هذا لأهذب قلمي، وأحتويه ضمن إطار القيم والأخلاق، فلم أجد أمامي، بعد طول غياب، سوى كتاب الله العلي القدير، فقررت – بفضل من الله - أن أحفظه...
وبالفعل كانت البداية لأمينة التي انطلقت منها، لتعيش في رحاب آيات الله أجمل أيام عمرها، وكان لا بدّ لي أفهم آيات الله قبل أن أحفظها، فلم أجد تفسيرًا يروق لفكري سوى في ظلال القرآن للشهيد سيد قطب.
حينها هجرت كل الكتب، وقررت أن أبدأ مع حياتي مسيرة تنقلني إلى أعظم شيء في الوجود، وبحمد الله حفظت كتاب الله، وأسأله أن يثبته قولا، وعملا، وسلوكا في صدري.
بعدها بدأت أهيم شوقًا بكتب التاريخ الإسلامي، والسيرة النبوية الشريفة، وكان أول عمل أدبي بدأت به، ونشرته في كلية الآداب عندنا في حلب عنوانه ما زلت أذكره:
"النفس والحب"
تحدثت فيه عن القيم والمبادئ والأخلاق، التي يجب على الإنسان أن يمتلكها، ويعيش معها ليبني مجتمعا خاليا من الأحقاد، والكره، والضغينة...
وأول عمل نقدي قرأته لمصطفى صادق الرافعي في كتابه "تحت راية القرآن"، وذلك في معركته وردّه على كتاب "في الشعر الجاهلي" لطه حسين، وهو يقول:(كفرا بالله وسخرية بالناس، فكذّب الأديان وسفّه التاريخ، وكثر غلظه وجهله، فلم تكن في الطبيعة قوة تعينه على حمل كلّ ذلك والقيام به إلاّ المكابرة واللجاجة، فمرّ يهذي في دروسه، ولا هو يثبت الحقيقة الخيالية، ولا يترك الحقيقة الثابتة، وأراد أن يسلب أهل العلم ما يعلمون كما يسلبك النص ما تملك بالجرأة، لا بالحق وبالحيلة، ولا بالإقناع، وعن غفلة لا عن بينة...).
علامة استفهامي الخامسة
ما طبيعة الإبداعات التي تجدين لها في نفسك أصواتا وأصداء متفردة، وما الذي يبعث منها في ذاتك الرغبة في الكتابة والشوق الدائم إليها؟
طبيعة الإبداعات التي يروق لها سنام قلمي, وروح فكري، أجدها في المزج والتساوق بين القديم والجديد، بأسلوب متميّز عن الآخرين، وأجد يا أستاذنا الفاضل الدكتور أبو شامة المغربي
أنّ الإبداع في النثر, أو الشعر عليه أولًا وأخيرًا أن يبتعد عن التقليد، أي يكون له أسلوب واضح, وبعيدًا عن الألفاظ الحوشية، لأنّ هذا – حسب رأي – يدفع بالقارئ إلى أن يتابع مع الكاتب سلسلة كتاباته دون كلل, ولا ملل.
وحقًّا يروق لي دائمًا أن أخوض في عالم القيم والمثل والأخلاق الرفيعة، وذلك من خلال رؤية خاصة لحالة معينة على مدرج حياتنا اليومية التي نعيشها في زماننا الغابر هذا، مما يدفعني إلى أن أحمل قلمي، وأرسم هذه الحالة بإطار أحتويه بالحب, والعطاء, والصدق، وأرجو من الله العلي القدير أن يجعلني ممن يستمعون القول، فيتبعون أحسنه
إنه سميع مجيب
علامة استفهامي السادسة
ترى هل ممارسة فعل الكتابة وفعل القراءة، في نظرك، هما في حاجة إلى تنظيم ونهج يجب أن يعتمد بصرامة؟
مما لا شك فيه أبدًا أن القراءة هي وسيلة لتهذيب القلم وصقله، فالموهبة لا يمكن لها أن تستمر مع الإنسان، إلا من خلال العلم والتعلّم، وأذكر يوم قال لي أستاذي وعمي – في الرضاعة – الدكتور بكري شيخ آمين:
يا أمينة لا تتوقفي عن الكتابة... أكتبي أي شيء يحلو لكِ, وفي كل يوم، فهذا يساعدك على صقل موهبتك، ولا أنكر عليك يا أستاذنا الدكتور أبو شامة المغربي بأنني في أغلب الأحيان أسرع للورقة والقلم, وأكتب كل ما يجول في خاطري, حتى لا تضيع مني الفكرة، التي نشأت فجأة من بنات أفكاري.
علامة استفهامي السابعة
كيف ترين اليوم حال الأدب والأدباء، ناثرين كانوا أم شعراء، وكيف ترين حال النقد الأدبي والنقاد في البلاد العربية الإسلامية؟
لا أكتمكَ يا أستاذنا الدكتور بأننا نرى أنّ حال الأدب والأدباء اليوم ليس كما كان عليه في الماضي، فاللغة العامية, وسوءة الألفاظ والعبارات, وفحش الكلمات سواء في النثر, أو الشعر قد طغت على صفحاتهم...
ونجد الآن طلابنا في المدارس يحتقرون التاريخ العربي, وعقيدة الأمة وثوابتها, وينطلقون بسرعة البرق لتعلم المدنية الحديثة وعلومها في سبيل الوصول إلى تطور ومدنية الغرب...
مثلًا لنسأل طالبا من طلاب التاريخ, أو العلوم الطبيعية, أو الرياضيات سؤلًا عن اللغة العربية، نجده يقف ويقول لنا دون حياء ولا خجل: لا يهمني أن أتعلم اللغة العربية, ما يهمني أنا مجال اختصاصي فقط...
هنا البيئة والأسرة تلعب دورها في طرح هذه المفاهيم الواهية، التي نشأ عليها هذا الطالب!!...
فالأسرة حين تعلّم ابنها كيف يقرأ القرآن، وهو صغير، نجد هذا الطالب يعشق لغته، حتى ولو اختص في علم الفضاء والذرّة...
لكن ليس يعني أن لغتنا باتت في عداد الأموات، فما زلنا – بحمد الله – نجد من الناثرين والشعراء من أقلامهم قد صقلت على فصاحة اللغة العربية, وتعلم آدابها وعلومها.
هذا يعني أن لغتنا ستبقى بخير ما دام القرآن, والكتاب العربي، الذي أنزله الله على نبينا هو دستورنا...
علامة استفهامي الثامنة
ما الذي يعنيه الأدب القديم بالنسبة إليك، ثم هل استطاع الأدباء والنقاد المحدثون أن يأتوا بما لم يأت به الأولون؟
الأدب القديم، بالنسبة لي، أعتبره بمثابة الروح للجسد، أي أنه يجب أن يكون بالنسبة لنا الجامعة الروحية، التي ننطلق منها إلى المستقبل، ومما لا شكّ فيه أن الأدب القديم لم يعد له نصيب في مدارسنا الحديثة، كما كان عليه أيام زمان...
بل حلّت محله الثقافة الغربية وآدابها الهشة بحجة لوازم المدنية الحديثة، ولكن الهدف هو أكبر من هذا كله.
الغاية والهدف هو تجريد الأمة من ثوابتها ومبادئها الأصيلة، التي فطرها الله عليها، ولكن هذا ليس يعني أننا لم نعد نجد من الأدباء والنقاد المحدثين، من يبذلون قصارى جهدهم في سبيل التساوق بشكل علمي ما بين الأدب القديم والأدب الحديث، والمزج بينهما يجعل للأدب ميزة خاصة, وشخصية مستقلة من خلالها نحيا مع واقعنا, وبيئتنا, وذوقنا دون أن نبتعد عن جمالية, وفن, وذوق الأدب الأصيل.
علامة استفهامي التاسعة
هل ثمة من رابط قوي وعميق بين ما خلفه القدماء من أعمال أدبية ونقدية، وما شهده العصر الحديث من أدب ونقد؟
مما لا شكّ فيه، لو أننا عرفنا النقد لعلمنا أنه ملكة فنية أصيلة تحتاج لصدق في التمييز, وأسلوب بنّاء في العبارة، تجعل من الناقد يتحكم في ذوقه, وحسّه الفني البارع...
وقد يكون لكل ناقد وجهة معينة, ونجده ينصب في إناء واحد سمته, وعنوان صفحته أدب القوة, وفصاحة التعبير, وصورة النفس التي كان يرسمها أمامه الشاعر أو الناثر، ليفصح عما في داخله من كوامن دفينة تتنازع في التفاوت, والتنوع في سمو ورفعة الأدب...
هذا يا أستاذنا ما كان يميّز الأدب القديم عن الأدب الحديث في يومنا هذا، فالأدب الحديث اليوم نراه واه خاو من المشاعر الإنسانية, والعواطف الجيّاشة, وقد سمح لنفسه بالدخول في طغيان وفساد المادة, ونيل الشهرة عن طريق أدب المجون والفسق، دون ضمير يزكيه، أو دين يردعه...
ولكن ليس يعني أننا لم نعد نرى من ينادي وبصوتٍ عالٍ:
هيّا بنا نعود إلى الأدب الجدير بالاحترام، الأدب الذي يصور حال الأمة, وهو يأمل بالعودة من جديد إلى ما كان عليه في الماضي.
علامة استفهامي العاشرة
ما هو في اعتقادك حظ الخيال ونصيب الواقع مما ينثره وينظمه الكتاب والشعراء العرب المعاصرون؟
الخيال, والحلم هو الأصل الذي يبني عليه الناثر مقالته, أو ينظم الشاعر من خلاله قصيدته، ومن ثم يحاول أن يدخل حيّز الواقع ليرسم لوحته الشاعرية, أو النثرية.
وقد يصادف الواحد منّا موقفًا ما على مدرج الحياة التي نعيشها، فما يلبث إلا أن يعدو إلى عالم الخيال، ويرسم تلك الحالة بصورة شاعرية أو نثرية، تتساوق مع الحالة التي صادفته.
علامة استفهامي الحادية عشرة
ترى هل لسيرة الكتاب والشعراء الذاتية من أصوات وأصداء تسكن قلب أعمالهم الأدبية والنقدية؟
بالتأكيد لكل واحد من الكتاب والشعراء أصوات وأصداء تسكن قلب أعمالهم الأدبية، وكل واحد منهم نستطيع أن نكشف عن شخصيته من خلال لسان قلمه, وحبكة كلامه, وألفاظ جمله، فالقلم الذي يحمله، مما لا شكّ فيه، هو مرآة لنفسه, وروح فكره...
ترى هل يقدر الكتاب والشعراء العرب المسلمون اليوم حروف اللغة العربية الفصيحة حق قدرها؟
حقًّا، والله إنني أقف عند هذا السؤال وقفات طويلة، وأنا أسأل نفسي:
لم غاب الحرف العربي الأصيل عن كثير من الكتاب والشعراء في يومنا هذا!!!؟؟؟....
لم أصبحت لغتنا العربية الأم اليوم أشبه بالرموز اللفظية البدائية, واعتراها فساد الذوق في الكم والكيف!!!؟؟...
لمَ لمْ نعد نحس بجمالها, ونتذوق حسن بيانها, وعبق ألفاظها, وأصبح ماضيها غريب عن حاضرها ومستقبلها !!!؟؟...
لو حاولنا أن نجيب بصدق على هذه الأسئلة، لوجدنا أن السبب الأساسي، الذي دفع بالأمة إلى أن تكون غريبة عن أصلها وثوابتها، هو بعدها عن كتاب الله ومنهج رسوله, والسعي وراء هؤلاء الأعداء، بهدف فصل حاضر الأمة عن ماضيها.....
وكثيرًا ما نجد في أيامنا هذه يا أستاذنا الدكتور – وللأسف – طلاب اليوم لا يعيرون اهتمامًا للغتهم العربية الأصيلة، بل أصبحت العامية في اللغة بين كثير من الأدباء والشعراء مصدرًا لكتاباتهم, وعنوانًا لقصائدهم...
واللهجة العامية هدفها الوحيد هو تشتيت الألسن, وضياع القواعد والأصول, وتجرد اللغة العربية من خصائصها وبراعة قوتها....
ومع ذلك،فمازال الأمل بالرغم من المخاوف والهواجس على حاضر اللغة العربية يرفرف بأجنحته, ويأبى أن يسقط في متاهات وزور اللغة العامية...
وإنني أجد أنه من واجبنا أن نسعى جاهدين معًا لإذكاء شعلة لغتنا من جديد دون هوادة، ونحن نأمل أن نعيد لها نورها السماوي لتضيء للحيارى ظلمة الجهل...
وبإذن الله سننتصر ما دام بيان الله وكتابه لا زال باقيًا بين أيدينا, وفي صدورنا، ونسأل الله أن يوفقنا لنصرة أمّنا, ويهدينا إلى ما فيه خير وصلاح لغتنا العربية.
إنه سميع مجيب
علامة استفهامي الثانية
كيف كان مبتدأ الكتابة لديك، وما أثر ما تقرئينه من أدب في ما تكتبينه؟
حينها كنت في الصف السادس الابتدائي, طلبت منّا معلمة اللغة العربية أن نكتب موضوعًا، نصف فيه شعورنا من طالبة رمت قشرة الموز في باحة المدرسة, وأتت أخرى فتزحلقت وانكسرت رجلها بسبب هذا....
وفي اليوم الثاني طلبتُ من المعلمة أن أقرأ لها موضوعي أمام زميلاتي في الصف.....
وبعدها خرجنا إلى الباحة, وقبل أن ندخل الحصة الدراسية، نادت المديرة، وقالت لطلاب المدرسة: ليقف كل في مكانه، هناك اجتماع، وفجأة إذ بمعلمتي تنادي أين أمينة!!!؟؟...
لا أخفي عليك بأنني خشيت منها كثيرا, وقلت في نفسي لمَ تريد معلمتي أن تعاقبني أمام الملئ !!؟؟؟.....
صعدت إلى المنصة، وإذ بها تطلب مني أن أقرأ موضوعي أمام المديرة، ومعلمات المدرسة، وطلابها....
بالتأكيد كان لهذه الحادثة أثر كبير في نفسي، مما دفعني إلى أن أقرأ أي كتاب يقع بين يدي...
وأول ما بدأت به مجموعة العبرات والنظرات لمصطفى لطفي المنفلوطي ... وكان لها الأثر الكبير في نفسي... حتى إنني كنت أسهر الليال الطوال مع العبرات والدموع تتساقط كالدرر المنثورة على الخدود، فالحزن والألم كان بداية لعنوان كتاباتي.....
علامة استفهامي الثالثة
إن للخاطرة لديك، حسب ما أرى، مقاما محفوظا في ما تكتبين، ما السر يا ترى في هذه السمة الغالبة على كتاباتك؟
أجل يا أستاذنا الكريم المبدع الملهم، الدكتور
أبو شامة المغربي
لا أخفي عليكم بأن الخاطرة لها مقامًا محفوظًا بين سطور صفحاتي، وهذا لا أنكره أبدًا...
والسّر في هذا أنني – ومنذ صغري – أحيا مع عالم العواطف، والأحاسيس المرهفة، وكلّ ما أراه غير مناسبًا، في عالم الواقع الذي نحياه، من تفسخ للقيم والمبادئ، والكذب، والخيانة، وغيرها، أجد أن من واجبي أن أكتب عنه...
وتجدني قلقة مضطربة، ولا يمكن أن أتوازن من جديد إلّا عندما أنتهي من كتابة خاطرتي، حينها أشعر بأنني أخرجت ما في داخلي إلى عالم السطور، وأديت الأمانة التي استخلفني الله عليها.
ودائمًا أحاول أن أرسم هدفًا واضحًا بين سنام قلمي، وأن لا أتجرأ وأخوض في أحاديث وأحاديث بعيدة عن القيم والمثل، لأنه يجب عليّ، أولًا وأخيرًا، أن أعلم بأن هذا القلم الذي أقسم الله به هو أمانة بين أيدينا، وعلينا أن نحسن استخدامها في سبيل ابتغاء مرضاة الله، إنه سميع مجيب.
علامة استفهامي الرابعة
هل لنا أن نعرف الأدباء والنقاد العرب، الذين قرأت لهم أكثر من مرة، وما عنوان أول عمل أدبي، وأول عمل نقدي قرأتهما؟
لا أخفي عليكم بأنني بدأت أحبّ المطالعة، ولم أتجاوز العاشرة من عمري، وأهيم بها شوقًا وحبّا
حتى إنني كنت أتمنى أن تنتهي المدرسة، وتبدأ العطلة الصيفية لأقضيها بين صفحات الكتب، وكانت البداية كما قلت لكم مع الكاتب مصطفى لطفي المنفولوطي، ومنها انتقلت وبشكل مفاجئ إلى الكاتب الذي عشقت سطوره ، وترنمت مع أنسام حروفه، وتمنيت لو أستقي منه ولو جزءًا يسيرًا من عباراته، إنه أمير القلم واللسان مصطفى صادق الرافعي.
وكان لكتابه وحي القلم أثر كبير في حياتي، بدأت أعيش معه بكياني وروحي وفكري، وأحسست بأنه لا يمكن له أن ينفكّ عن قلب فكري، ولسان قلمي، حينها وجدت بأنني لا بد لي أن أبحث عن كل مؤلفات هذا الكاتب الكبير، وأحتويها في مكتبتي...
ومن بعد أمير القلم واللسان اتجهت لقراءة مجموعة عباس محمود العقاد، والبيان والتبيين للجاحظ، وقصص لجبران خليل جبران، ويوسف السباعي، ونجيب محفوظ، وغيرهم، وكان لي معهم وقفات طويلة...
ومع ذلك وجدت روح فكري تطمح إلى أكثر من هذا لأهذب قلمي، وأحتويه ضمن إطار القيم والأخلاق، فلم أجد أمامي، بعد طول غياب، سوى كتاب الله العلي القدير، فقررت – بفضل من الله - أن أحفظه...
وبالفعل كانت البداية لأمينة التي انطلقت منها، لتعيش في رحاب آيات الله أجمل أيام عمرها، وكان لا بدّ لي أفهم آيات الله قبل أن أحفظها، فلم أجد تفسيرًا يروق لفكري سوى في ظلال القرآن للشهيد سيد قطب.
حينها هجرت كل الكتب، وقررت أن أبدأ مع حياتي مسيرة تنقلني إلى أعظم شيء في الوجود، وبحمد الله حفظت كتاب الله، وأسأله أن يثبته قولا، وعملا، وسلوكا في صدري.
بعدها بدأت أهيم شوقًا بكتب التاريخ الإسلامي، والسيرة النبوية الشريفة، وكان أول عمل أدبي بدأت به، ونشرته في كلية الآداب عندنا في حلب عنوانه ما زلت أذكره:
"النفس والحب"
تحدثت فيه عن القيم والمبادئ والأخلاق، التي يجب على الإنسان أن يمتلكها، ويعيش معها ليبني مجتمعا خاليا من الأحقاد، والكره، والضغينة...
وأول عمل نقدي قرأته لمصطفى صادق الرافعي في كتابه "تحت راية القرآن"، وذلك في معركته وردّه على كتاب "في الشعر الجاهلي" لطه حسين، وهو يقول:(كفرا بالله وسخرية بالناس، فكذّب الأديان وسفّه التاريخ، وكثر غلظه وجهله، فلم تكن في الطبيعة قوة تعينه على حمل كلّ ذلك والقيام به إلاّ المكابرة واللجاجة، فمرّ يهذي في دروسه، ولا هو يثبت الحقيقة الخيالية، ولا يترك الحقيقة الثابتة، وأراد أن يسلب أهل العلم ما يعلمون كما يسلبك النص ما تملك بالجرأة، لا بالحق وبالحيلة، ولا بالإقناع، وعن غفلة لا عن بينة...).
علامة استفهامي الخامسة
ما طبيعة الإبداعات التي تجدين لها في نفسك أصواتا وأصداء متفردة، وما الذي يبعث منها في ذاتك الرغبة في الكتابة والشوق الدائم إليها؟
طبيعة الإبداعات التي يروق لها سنام قلمي, وروح فكري، أجدها في المزج والتساوق بين القديم والجديد، بأسلوب متميّز عن الآخرين، وأجد يا أستاذنا الفاضل الدكتور أبو شامة المغربي
أنّ الإبداع في النثر, أو الشعر عليه أولًا وأخيرًا أن يبتعد عن التقليد، أي يكون له أسلوب واضح, وبعيدًا عن الألفاظ الحوشية، لأنّ هذا – حسب رأي – يدفع بالقارئ إلى أن يتابع مع الكاتب سلسلة كتاباته دون كلل, ولا ملل.
وحقًّا يروق لي دائمًا أن أخوض في عالم القيم والمثل والأخلاق الرفيعة، وذلك من خلال رؤية خاصة لحالة معينة على مدرج حياتنا اليومية التي نعيشها في زماننا الغابر هذا، مما يدفعني إلى أن أحمل قلمي، وأرسم هذه الحالة بإطار أحتويه بالحب, والعطاء, والصدق، وأرجو من الله العلي القدير أن يجعلني ممن يستمعون القول، فيتبعون أحسنه
إنه سميع مجيب
علامة استفهامي السادسة
ترى هل ممارسة فعل الكتابة وفعل القراءة، في نظرك، هما في حاجة إلى تنظيم ونهج يجب أن يعتمد بصرامة؟
مما لا شك فيه أبدًا أن القراءة هي وسيلة لتهذيب القلم وصقله، فالموهبة لا يمكن لها أن تستمر مع الإنسان، إلا من خلال العلم والتعلّم، وأذكر يوم قال لي أستاذي وعمي – في الرضاعة – الدكتور بكري شيخ آمين:
يا أمينة لا تتوقفي عن الكتابة... أكتبي أي شيء يحلو لكِ, وفي كل يوم، فهذا يساعدك على صقل موهبتك، ولا أنكر عليك يا أستاذنا الدكتور أبو شامة المغربي بأنني في أغلب الأحيان أسرع للورقة والقلم, وأكتب كل ما يجول في خاطري, حتى لا تضيع مني الفكرة، التي نشأت فجأة من بنات أفكاري.
علامة استفهامي السابعة
كيف ترين اليوم حال الأدب والأدباء، ناثرين كانوا أم شعراء، وكيف ترين حال النقد الأدبي والنقاد في البلاد العربية الإسلامية؟
لا أكتمكَ يا أستاذنا الدكتور بأننا نرى أنّ حال الأدب والأدباء اليوم ليس كما كان عليه في الماضي، فاللغة العامية, وسوءة الألفاظ والعبارات, وفحش الكلمات سواء في النثر, أو الشعر قد طغت على صفحاتهم...
ونجد الآن طلابنا في المدارس يحتقرون التاريخ العربي, وعقيدة الأمة وثوابتها, وينطلقون بسرعة البرق لتعلم المدنية الحديثة وعلومها في سبيل الوصول إلى تطور ومدنية الغرب...
مثلًا لنسأل طالبا من طلاب التاريخ, أو العلوم الطبيعية, أو الرياضيات سؤلًا عن اللغة العربية، نجده يقف ويقول لنا دون حياء ولا خجل: لا يهمني أن أتعلم اللغة العربية, ما يهمني أنا مجال اختصاصي فقط...
هنا البيئة والأسرة تلعب دورها في طرح هذه المفاهيم الواهية، التي نشأ عليها هذا الطالب!!...
فالأسرة حين تعلّم ابنها كيف يقرأ القرآن، وهو صغير، نجد هذا الطالب يعشق لغته، حتى ولو اختص في علم الفضاء والذرّة...
لكن ليس يعني أن لغتنا باتت في عداد الأموات، فما زلنا – بحمد الله – نجد من الناثرين والشعراء من أقلامهم قد صقلت على فصاحة اللغة العربية, وتعلم آدابها وعلومها.
هذا يعني أن لغتنا ستبقى بخير ما دام القرآن, والكتاب العربي، الذي أنزله الله على نبينا هو دستورنا...
علامة استفهامي الثامنة
ما الذي يعنيه الأدب القديم بالنسبة إليك، ثم هل استطاع الأدباء والنقاد المحدثون أن يأتوا بما لم يأت به الأولون؟
الأدب القديم، بالنسبة لي، أعتبره بمثابة الروح للجسد، أي أنه يجب أن يكون بالنسبة لنا الجامعة الروحية، التي ننطلق منها إلى المستقبل، ومما لا شكّ فيه أن الأدب القديم لم يعد له نصيب في مدارسنا الحديثة، كما كان عليه أيام زمان...
بل حلّت محله الثقافة الغربية وآدابها الهشة بحجة لوازم المدنية الحديثة، ولكن الهدف هو أكبر من هذا كله.
الغاية والهدف هو تجريد الأمة من ثوابتها ومبادئها الأصيلة، التي فطرها الله عليها، ولكن هذا ليس يعني أننا لم نعد نجد من الأدباء والنقاد المحدثين، من يبذلون قصارى جهدهم في سبيل التساوق بشكل علمي ما بين الأدب القديم والأدب الحديث، والمزج بينهما يجعل للأدب ميزة خاصة, وشخصية مستقلة من خلالها نحيا مع واقعنا, وبيئتنا, وذوقنا دون أن نبتعد عن جمالية, وفن, وذوق الأدب الأصيل.
علامة استفهامي التاسعة
هل ثمة من رابط قوي وعميق بين ما خلفه القدماء من أعمال أدبية ونقدية، وما شهده العصر الحديث من أدب ونقد؟
مما لا شكّ فيه، لو أننا عرفنا النقد لعلمنا أنه ملكة فنية أصيلة تحتاج لصدق في التمييز, وأسلوب بنّاء في العبارة، تجعل من الناقد يتحكم في ذوقه, وحسّه الفني البارع...
وقد يكون لكل ناقد وجهة معينة, ونجده ينصب في إناء واحد سمته, وعنوان صفحته أدب القوة, وفصاحة التعبير, وصورة النفس التي كان يرسمها أمامه الشاعر أو الناثر، ليفصح عما في داخله من كوامن دفينة تتنازع في التفاوت, والتنوع في سمو ورفعة الأدب...
هذا يا أستاذنا ما كان يميّز الأدب القديم عن الأدب الحديث في يومنا هذا، فالأدب الحديث اليوم نراه واه خاو من المشاعر الإنسانية, والعواطف الجيّاشة, وقد سمح لنفسه بالدخول في طغيان وفساد المادة, ونيل الشهرة عن طريق أدب المجون والفسق، دون ضمير يزكيه، أو دين يردعه...
ولكن ليس يعني أننا لم نعد نرى من ينادي وبصوتٍ عالٍ:
هيّا بنا نعود إلى الأدب الجدير بالاحترام، الأدب الذي يصور حال الأمة, وهو يأمل بالعودة من جديد إلى ما كان عليه في الماضي.
علامة استفهامي العاشرة
ما هو في اعتقادك حظ الخيال ونصيب الواقع مما ينثره وينظمه الكتاب والشعراء العرب المعاصرون؟
الخيال, والحلم هو الأصل الذي يبني عليه الناثر مقالته, أو ينظم الشاعر من خلاله قصيدته، ومن ثم يحاول أن يدخل حيّز الواقع ليرسم لوحته الشاعرية, أو النثرية.
وقد يصادف الواحد منّا موقفًا ما على مدرج الحياة التي نعيشها، فما يلبث إلا أن يعدو إلى عالم الخيال، ويرسم تلك الحالة بصورة شاعرية أو نثرية، تتساوق مع الحالة التي صادفته.
علامة استفهامي الحادية عشرة
ترى هل لسيرة الكتاب والشعراء الذاتية من أصوات وأصداء تسكن قلب أعمالهم الأدبية والنقدية؟
بالتأكيد لكل واحد من الكتاب والشعراء أصوات وأصداء تسكن قلب أعمالهم الأدبية، وكل واحد منهم نستطيع أن نكشف عن شخصيته من خلال لسان قلمه, وحبكة كلامه, وألفاظ جمله، فالقلم الذي يحمله، مما لا شكّ فيه، هو مرآة لنفسه, وروح فكره...
تعليق