كتب مصطفى بونيف
إنها بلا شك أمي !!!!

وجهها الأبيض المربرب المتعب ...وأصابعها الشمعية ...تقترب من الستين بوقار ..ملكة ...حبيبتي الأولى ...أمي ...أمي ..أمي !!!!
أتذكر حينما كانت أمي أطول مني ، كان أقصى طموحي أن أصل إلى قمة رأسها ، فأتعلق بذيل فستانها كالقط ، فتقول في حنان " كفى يا موس ، اتركني أطبخ ، اجلس هناك ..." ، واليوم كبرت ، وأصبح طولي ضعف طولها تقريبا ، ومع ذلك لا زلت أرى أنني بعيد عن تلك القمة ...مازالت أمي أطول مني !!!
لن أجتهد كثيرا في تذكر طفولتي ، فهي بلاشك طفولتك أنت أيضا يا عزيزي القارئ ...حينما جلست على حجر والدي وكان يلعب بجسمي الصغير قبل أن يخرج إلى الصلاة في المسجد ...وفجأة نادى أمي " ياااااه موس عملها على حجري يجب أن أغير سروالي ، وأعيد الوضوء ، تعالي يا ولية خذيه أغسلي له "...واستلمتني أمي كما لو أنها تستلم جائزة الدولة التقديرية ، كانت تبتسم في فرح وسرور !!! ، كانت تغسلني وهي تغني "نسم علينا الهوا " ، كما لو كانت روائح فضلاتي برفان فرنسي محترم !!!
ولا أزال أتذكر حينما ألبستني العباءة البيضاء ودمعتها تحرق خدها وسلمتني إلى الوالد ...كانت تبكي بحرقة ، فتختلط عليها الفرحة بالدموع وهي تقول لي " لا تخف يا موس ..كن شجاعا" ...ويدخل بي والدي إلى "المطاهر" ...أصرخ باكيا ..فترقع أمي زغرودة تملأ أرجاء البيت ..وأخرج حاملا في يدي الغنيمة الكبرى ...صحنا من الحلوى والملبس !!!.
وكيف أنسى وهي تلبسني بدلة جديدة وأنا في سن السادسة ...وتضع الحقيبة على ظهري ...وهي تقول " هذا يومك الأول في المدرسة ، لا تكن شقيا ، عليك باحترام معلمتك ، يجب أن تسمع كلامها ، لكي تصبح طبيبا كبيرا " ..
تطبع على خدي بوسة كبيرة ...وتشير بيدها باي باي يا دكتور موس ..أخرج إلى الشارع راكضا نحو المدرسة ..أرفع رأسي نحو شباك البيت فأجدها واقفة تودعني كما لو أنني سأمتطي طائرة مسافرة إلى أستراليا ..ترسل قبلة أشبه بالقبلة التي أرسلتها مريم فخر الدين لعبد الحليم في فيلم " حكاية حب " ...كم هي جميلة رومانسية الأمهات مع الأبناء !!!!
كم أحسد والدي على هذه السيدة الجوهرة ....تغسل الثياب فتجلعها بيضاء مثل الفل ، وتمسح وتكنس وتطبخ وتربي ، كانت أمي مجموعة من الأجهزة الكهرومنزلية ..كانت تعمل ولا تعرف شيئا عن حقوق المرأة ، ولا عن المنظمات النسوية ...كانت تشتغل ويصلها حقها كاملا عندما أهتف لها "أمي "..فتأتي نحوي "نعم " !!!!
وأنا خارج من البيت ذات فجر لأذهب إلى الجيش ..كانت تبكي وتسير ورائي مكسورة النفس ...فأهمس لها " هل أنا ذاهب إلى الشيشان يا أمي ، الجيش يشبه الجامعة ..كلها شهور وأعود .." فيرتفع صوتها بالدعاء والبكاء " إن شاء الله ستعود منصورا سالما غانما يا ابني " ..فأعلق ساخرا " يا أمي ، الذي يراك يعتقد بأني ذاهب إلى غزوة ...سأتصل بك بالموبايل في كل وقت !"
واليوم ..أنا في الثلاثين من العمر ...ولا زالت أمي هي أمي !!!
أمي هذا الحب الأسطوري الفريد ، فأي امرأة في الدنيا تتحمل حماقاتي كما تحملتها هذه السيدة الطيبة ؟؟؟ ، من تقضي الليل جالسة على طرف سريري وتتحسس حرارتي ، وترفع كفها بالدعاء لي بالشفاء مثل أمي ؟؟؟
من تغسل ملابسي الداخلية والخارجية وتكويها دون أن تقرف أو تتذمر مثل أمي ؟؟
من لديها استعداد بأن تقطع من لحمها لتطعمني إذا جعت مثل أمي ؟؟؟
بلغت الثلاثين ..ولا زالت حين أنادي "ماما" ..تأتي راكضة نحوي "نعم !"
إن الرجل مهما كبر ..يكفي فقط بأن ينادي أمي فيستعيد شبابه وطفولته ...ولا يشيخ الرجل منا أو يكبر حتى تموت أمه !!!
أعتقد بأن كل واحد سيقرأ هذا المقال ...سوف يقول في قرارة نفسه " إنها بلا شك أمي !"
مصطفى بونيف - خاص بملتقى الأدباء والمبدعين العرب -
إنها بلا شك أمي !!!!

وجهها الأبيض المربرب المتعب ...وأصابعها الشمعية ...تقترب من الستين بوقار ..ملكة ...حبيبتي الأولى ...أمي ...أمي ..أمي !!!!
أتذكر حينما كانت أمي أطول مني ، كان أقصى طموحي أن أصل إلى قمة رأسها ، فأتعلق بذيل فستانها كالقط ، فتقول في حنان " كفى يا موس ، اتركني أطبخ ، اجلس هناك ..." ، واليوم كبرت ، وأصبح طولي ضعف طولها تقريبا ، ومع ذلك لا زلت أرى أنني بعيد عن تلك القمة ...مازالت أمي أطول مني !!!
لن أجتهد كثيرا في تذكر طفولتي ، فهي بلاشك طفولتك أنت أيضا يا عزيزي القارئ ...حينما جلست على حجر والدي وكان يلعب بجسمي الصغير قبل أن يخرج إلى الصلاة في المسجد ...وفجأة نادى أمي " ياااااه موس عملها على حجري يجب أن أغير سروالي ، وأعيد الوضوء ، تعالي يا ولية خذيه أغسلي له "...واستلمتني أمي كما لو أنها تستلم جائزة الدولة التقديرية ، كانت تبتسم في فرح وسرور !!! ، كانت تغسلني وهي تغني "نسم علينا الهوا " ، كما لو كانت روائح فضلاتي برفان فرنسي محترم !!!
ولا أزال أتذكر حينما ألبستني العباءة البيضاء ودمعتها تحرق خدها وسلمتني إلى الوالد ...كانت تبكي بحرقة ، فتختلط عليها الفرحة بالدموع وهي تقول لي " لا تخف يا موس ..كن شجاعا" ...ويدخل بي والدي إلى "المطاهر" ...أصرخ باكيا ..فترقع أمي زغرودة تملأ أرجاء البيت ..وأخرج حاملا في يدي الغنيمة الكبرى ...صحنا من الحلوى والملبس !!!.
وكيف أنسى وهي تلبسني بدلة جديدة وأنا في سن السادسة ...وتضع الحقيبة على ظهري ...وهي تقول " هذا يومك الأول في المدرسة ، لا تكن شقيا ، عليك باحترام معلمتك ، يجب أن تسمع كلامها ، لكي تصبح طبيبا كبيرا " ..
تطبع على خدي بوسة كبيرة ...وتشير بيدها باي باي يا دكتور موس ..أخرج إلى الشارع راكضا نحو المدرسة ..أرفع رأسي نحو شباك البيت فأجدها واقفة تودعني كما لو أنني سأمتطي طائرة مسافرة إلى أستراليا ..ترسل قبلة أشبه بالقبلة التي أرسلتها مريم فخر الدين لعبد الحليم في فيلم " حكاية حب " ...كم هي جميلة رومانسية الأمهات مع الأبناء !!!!
كم أحسد والدي على هذه السيدة الجوهرة ....تغسل الثياب فتجلعها بيضاء مثل الفل ، وتمسح وتكنس وتطبخ وتربي ، كانت أمي مجموعة من الأجهزة الكهرومنزلية ..كانت تعمل ولا تعرف شيئا عن حقوق المرأة ، ولا عن المنظمات النسوية ...كانت تشتغل ويصلها حقها كاملا عندما أهتف لها "أمي "..فتأتي نحوي "نعم " !!!!
وأنا خارج من البيت ذات فجر لأذهب إلى الجيش ..كانت تبكي وتسير ورائي مكسورة النفس ...فأهمس لها " هل أنا ذاهب إلى الشيشان يا أمي ، الجيش يشبه الجامعة ..كلها شهور وأعود .." فيرتفع صوتها بالدعاء والبكاء " إن شاء الله ستعود منصورا سالما غانما يا ابني " ..فأعلق ساخرا " يا أمي ، الذي يراك يعتقد بأني ذاهب إلى غزوة ...سأتصل بك بالموبايل في كل وقت !"
واليوم ..أنا في الثلاثين من العمر ...ولا زالت أمي هي أمي !!!
أمي هذا الحب الأسطوري الفريد ، فأي امرأة في الدنيا تتحمل حماقاتي كما تحملتها هذه السيدة الطيبة ؟؟؟ ، من تقضي الليل جالسة على طرف سريري وتتحسس حرارتي ، وترفع كفها بالدعاء لي بالشفاء مثل أمي ؟؟؟
من تغسل ملابسي الداخلية والخارجية وتكويها دون أن تقرف أو تتذمر مثل أمي ؟؟
من لديها استعداد بأن تقطع من لحمها لتطعمني إذا جعت مثل أمي ؟؟؟
بلغت الثلاثين ..ولا زالت حين أنادي "ماما" ..تأتي راكضة نحوي "نعم !"
إن الرجل مهما كبر ..يكفي فقط بأن ينادي أمي فيستعيد شبابه وطفولته ...ولا يشيخ الرجل منا أو يكبر حتى تموت أمه !!!
أعتقد بأن كل واحد سيقرأ هذا المقال ...سوف يقول في قرارة نفسه " إنها بلا شك أمي !"
مصطفى بونيف - خاص بملتقى الأدباء والمبدعين العرب -
تعليق