رؤية في نص (ماجدوى الصباح ..؟) للشاعرة ضحى بوترعة
جوتيار تمر
ماجدوى الصباح ؟
للصباح في دواليب الوجود ترنيمة خاصة ، لعل من المكونات الثابتة ذهنيا ووجدانيا وعقليا للانسان منذ البدء هو الانتظار الميتفافيزيقي للصباح ، الذي يصطبغ بالوان تعددية ، فالصوفي يراه بعيدا قد لايأتي ، والعقلاني يراه ممرا للاتي بأي تشكيلات كانت ، وبين الامرين نرى الشاعرة تصنع قاموسها الخاص للصباحات ، ويدعم مقولتها بالاحساس الذي يأخذ مصداقيته وجواز سفره المحصن من الصدق نفسه ، وهذا ما يجعلنا نتوقف عند هذا الصباح المسبوق بالعدمية والاستفهامية المثيرة للجدل / لكونه صباح يناقض التكوينات السابقة كلها.
هكذا قلت قبل قليل ........
ليل......... لمرآة........
ما جدوى ذاكرة طائشة
ما جدوى الصباح.......؟
لاشيء لي........
غير الذي ورثته يداي
لاشيء لي غير الذي يكون
الاستعانة بالدالة المفضية والباعثة على الزمنية امر لايمكن الإغفال عنه في نصوص ضحى ، لأنها ربما من الشاعرات القلائل اللاتي يشعرن بالزمنية على عكس ما يتم ادراجه مسبقا في النصوص العائمة فوق قواميس تستمد مكوناتها من الآنية المفرطة ، وتتجاهل التشكيلات الزمنية السابقة والآتية ، والمتأمل لهذا المدخل الشعري يلامس بقوة التمازج الزمني بين الذات الشاعرة وبين الزمنية بكل مستوياتها ، مما يخلق لونا تعبيريا ممشوقا ، دالا على التوحد ، وهذه الوحدة الدلالية او المعنوية في النص تتجلى في وحدة النسق الشعري ، ذلك أن المعنى المعجمي للكلمات داخل القصيدة الواحدة يحرك في الكلمات المتواترة مجموعة من المعاني الهامشية ، الامر الذي كثيرا ما يفضي الى تمييز الدلالة الشعرية السائدة من جانب وتلك الكلمات التي تنهض بدور الروابط ، او التي لها طبيعة السوابق واللواحق من جانب اخر، ويتجلى الرؤية الزمينة في النص بصور تختلف كثيرا عن الصور التي يمكن ان تساق قسرا الى ماهية النص ، فهنا التفاعل بين الذات والكلمة وصل لحد الالتحام ، لذا نجدها الذات تعبر عن مكنونها العدمي المخلوق من الليل العاكس للصورة الداخلية لها بقيمة دلالية توقفت على ضفاف اللاجدوى ، وخرق التكرار الدال على اسفاقة متأخرة ، وقناعة تبرر ماهية العدمية التساؤلية الليلية الذاتية، والتي برمتها استحضرت المكانية ضمن التخييل الذهني فقط في بدايته.
أو .........
يستعاد من حدث بعيد
أعلو قليلا كي أرى
وجهي المنقرض يعود إلى يديك
العاريتين منّي.......
أعلو من أجل التي تسقط من يدي
أعلو.....
لأعلّم النّوافذ كيف تستقبل الرّيح
النص يشكل في صورته المتاحة هذه العقدة التلازمية ، التي لايمكن الافراط بمكامنها ، لكونها ستخلق شرخا بين الذات الشاعرة وبين القصيدة ، لذا الالتحام يستمر بصورة ادق هنا ، وبذكر لتفاصيل ادق ، وبخلق صور تتناسب والجو الحالي للذات الشاعرة ، لتصبح الامكانية تلقائية في التوغل ، بعكس التحدي الذي يوجبه خرق الزمنية في النص ، لكونه يأخذ وقتا وجهدا ، فالربط بين الماضي والحالي والاتي ، امر ليس بالهين سواء على المستوى النفسي ام اللغوي ، ام المحكي ، وهذا ما يمنح الشاعرة فسحة اكبر ، للأفتراض ، المخالف للمعهود ايضا ، لأنه افتراض داخلي جواني ، ينبع من العدمية المرافقة الملازمة للصباح نفسه ، والذي من اجله يعلو الوجه هذا ويسقط من اجل الوجه نفسه ، وكأن الالتحام جاء وفق قاعدة دلالية تعبر عن النفس / الروح ، العقل / الواقع .
يخطو دمي نحو النبع و الأروقة..............تخطو الأعمدة و المنازل
يخطو الوقت أعرج.................
و تخطو العبارة ملوّثة بالكتب القديمة
ليست كل الحدائق من تلقاء نفسها
وليس من عادة الكلمات أن تنام قبل عودة الرّيح إلى المعنى
لوحة وجدانية معبرة رسمت هنا بريشة فنانة تجيد بضربات فرشاتها خلق مساحات بين اللون والاخر، وتعيد تجميع المشتت وفق ايقاع نغمي صامت في ظاهره ، ثائر في مضمونه، المتتبع لهذه الوقع الحفيف للنص يجد هذا التلامس الشعوري الموسيقي اللغوي على مستويه البصري والسمعي والذي يشكل لوحة متكاملة من حيث اللغة والدلالة والصور الشعرية العميقة، التي تتحدث عن الذات بلغة مستفزة ،وتعيد تشكيل عوالم الداخل ، بقيم مربكة ،تقطع مع المتآلف وتبحث في ذات الشاعرة ،والذات الاخرى من حيث الدلالة والمدلول،الانسيابية هنا اعطته بعداً اخراً انزياحياً باحثاً عن آمال بعيدة،وعن نبوءة اخرى تعيد تشكيل الوجود المعني بصورة اخرى، ف(ليس ما عادة....) انما تعبير عن الرؤية الداخلية المتحدة بالخارجية وفق معطيات رائعة وابجدية لاتنضب .
شكرا للأزمات وللوافدين من حدود الطعنة
شكرا للمشهد الملوّث بفوضى القلب
وللجرس الذي يرن ولا أسمعه.........
شكرا للهذيان حول مائدة الليل
و الحرف الذي لم يكن سوى ذبابة في غرفة مغلقة....
عندما تضعنا القصيدة امام هالة وجودها ، تبحث الكلمات عن ما يمكن ان يسعفها ، لتخرج نفسها من مأزق ذاتي ، لكنها الدالالات نفسها هنا ، تبيح للمتلقي ان يستجدي بها لكي يعيش وقعها الذاتي ، وصورها الذاتية ، وتوهيماتها الذاتية ، وحتى تشكيلاته اللونية ،
فالشعر يحتفظ بكل دلالته الخاصة بنص ما، باعتبار هذا النص بلاغا كلاميا عاديا ، ولكنه في الوقت نفسه يحظى بمعاني اضافية متكاملة، ومن التوتر بين هذين القطبين الدلالة العادية والدلالة الاضافية تتخلق خاصية الشعر في علاقة النص بمدلوله، ولست اجد في الختمة الشعرية هنا الا هذا التزواج الرائع بين العادي والاضافي ، ولعل الاستعارات التي بنت الشاعرة فصلها الاخير من القصيدة عليه ، تجبرنا على اتباع منطقها المخصوص ، ( شكراً- الازمات-الوافدين- المشهد الملوث- الهذيان- الذبابة..)، هذه تكفي لخلق التصور القائم في النص باجمعه ، والذي لايفتح الاحتمالات الكثيرة امام المتلقي لكون العدمية تتجلى في صوت الذبابة نفسها ، بعكس بداية النص التي بدت من الوهلة الاولى بانها تعددية ، النص يشكل قفزة نوعية في مسيرة الشاعرة ضحى ، لانها دائما تخلق هذه المساحات النقدية في نصوصها بحيث تجعل من الكلمة ممرا لخلق الجديد فيها روحيا وماديا النص بما هو رؤية تحرر الشعر من التصور الميتافيزيقي القديم الذي يعتبر الشعر مجرد تعبير احادي التوجه.
جوتيار تمر
ماجدوى الصباح ؟
للصباح في دواليب الوجود ترنيمة خاصة ، لعل من المكونات الثابتة ذهنيا ووجدانيا وعقليا للانسان منذ البدء هو الانتظار الميتفافيزيقي للصباح ، الذي يصطبغ بالوان تعددية ، فالصوفي يراه بعيدا قد لايأتي ، والعقلاني يراه ممرا للاتي بأي تشكيلات كانت ، وبين الامرين نرى الشاعرة تصنع قاموسها الخاص للصباحات ، ويدعم مقولتها بالاحساس الذي يأخذ مصداقيته وجواز سفره المحصن من الصدق نفسه ، وهذا ما يجعلنا نتوقف عند هذا الصباح المسبوق بالعدمية والاستفهامية المثيرة للجدل / لكونه صباح يناقض التكوينات السابقة كلها.
هكذا قلت قبل قليل ........
ليل......... لمرآة........
ما جدوى ذاكرة طائشة
ما جدوى الصباح.......؟
لاشيء لي........
غير الذي ورثته يداي
لاشيء لي غير الذي يكون
الاستعانة بالدالة المفضية والباعثة على الزمنية امر لايمكن الإغفال عنه في نصوص ضحى ، لأنها ربما من الشاعرات القلائل اللاتي يشعرن بالزمنية على عكس ما يتم ادراجه مسبقا في النصوص العائمة فوق قواميس تستمد مكوناتها من الآنية المفرطة ، وتتجاهل التشكيلات الزمنية السابقة والآتية ، والمتأمل لهذا المدخل الشعري يلامس بقوة التمازج الزمني بين الذات الشاعرة وبين الزمنية بكل مستوياتها ، مما يخلق لونا تعبيريا ممشوقا ، دالا على التوحد ، وهذه الوحدة الدلالية او المعنوية في النص تتجلى في وحدة النسق الشعري ، ذلك أن المعنى المعجمي للكلمات داخل القصيدة الواحدة يحرك في الكلمات المتواترة مجموعة من المعاني الهامشية ، الامر الذي كثيرا ما يفضي الى تمييز الدلالة الشعرية السائدة من جانب وتلك الكلمات التي تنهض بدور الروابط ، او التي لها طبيعة السوابق واللواحق من جانب اخر، ويتجلى الرؤية الزمينة في النص بصور تختلف كثيرا عن الصور التي يمكن ان تساق قسرا الى ماهية النص ، فهنا التفاعل بين الذات والكلمة وصل لحد الالتحام ، لذا نجدها الذات تعبر عن مكنونها العدمي المخلوق من الليل العاكس للصورة الداخلية لها بقيمة دلالية توقفت على ضفاف اللاجدوى ، وخرق التكرار الدال على اسفاقة متأخرة ، وقناعة تبرر ماهية العدمية التساؤلية الليلية الذاتية، والتي برمتها استحضرت المكانية ضمن التخييل الذهني فقط في بدايته.
أو .........
يستعاد من حدث بعيد
أعلو قليلا كي أرى
وجهي المنقرض يعود إلى يديك
العاريتين منّي.......
أعلو من أجل التي تسقط من يدي
أعلو.....
لأعلّم النّوافذ كيف تستقبل الرّيح
النص يشكل في صورته المتاحة هذه العقدة التلازمية ، التي لايمكن الافراط بمكامنها ، لكونها ستخلق شرخا بين الذات الشاعرة وبين القصيدة ، لذا الالتحام يستمر بصورة ادق هنا ، وبذكر لتفاصيل ادق ، وبخلق صور تتناسب والجو الحالي للذات الشاعرة ، لتصبح الامكانية تلقائية في التوغل ، بعكس التحدي الذي يوجبه خرق الزمنية في النص ، لكونه يأخذ وقتا وجهدا ، فالربط بين الماضي والحالي والاتي ، امر ليس بالهين سواء على المستوى النفسي ام اللغوي ، ام المحكي ، وهذا ما يمنح الشاعرة فسحة اكبر ، للأفتراض ، المخالف للمعهود ايضا ، لأنه افتراض داخلي جواني ، ينبع من العدمية المرافقة الملازمة للصباح نفسه ، والذي من اجله يعلو الوجه هذا ويسقط من اجل الوجه نفسه ، وكأن الالتحام جاء وفق قاعدة دلالية تعبر عن النفس / الروح ، العقل / الواقع .
يخطو دمي نحو النبع و الأروقة..............تخطو الأعمدة و المنازل
يخطو الوقت أعرج.................
و تخطو العبارة ملوّثة بالكتب القديمة
ليست كل الحدائق من تلقاء نفسها
وليس من عادة الكلمات أن تنام قبل عودة الرّيح إلى المعنى
لوحة وجدانية معبرة رسمت هنا بريشة فنانة تجيد بضربات فرشاتها خلق مساحات بين اللون والاخر، وتعيد تجميع المشتت وفق ايقاع نغمي صامت في ظاهره ، ثائر في مضمونه، المتتبع لهذه الوقع الحفيف للنص يجد هذا التلامس الشعوري الموسيقي اللغوي على مستويه البصري والسمعي والذي يشكل لوحة متكاملة من حيث اللغة والدلالة والصور الشعرية العميقة، التي تتحدث عن الذات بلغة مستفزة ،وتعيد تشكيل عوالم الداخل ، بقيم مربكة ،تقطع مع المتآلف وتبحث في ذات الشاعرة ،والذات الاخرى من حيث الدلالة والمدلول،الانسيابية هنا اعطته بعداً اخراً انزياحياً باحثاً عن آمال بعيدة،وعن نبوءة اخرى تعيد تشكيل الوجود المعني بصورة اخرى، ف(ليس ما عادة....) انما تعبير عن الرؤية الداخلية المتحدة بالخارجية وفق معطيات رائعة وابجدية لاتنضب .
شكرا للأزمات وللوافدين من حدود الطعنة
شكرا للمشهد الملوّث بفوضى القلب
وللجرس الذي يرن ولا أسمعه.........
شكرا للهذيان حول مائدة الليل
و الحرف الذي لم يكن سوى ذبابة في غرفة مغلقة....
عندما تضعنا القصيدة امام هالة وجودها ، تبحث الكلمات عن ما يمكن ان يسعفها ، لتخرج نفسها من مأزق ذاتي ، لكنها الدالالات نفسها هنا ، تبيح للمتلقي ان يستجدي بها لكي يعيش وقعها الذاتي ، وصورها الذاتية ، وتوهيماتها الذاتية ، وحتى تشكيلاته اللونية ،
فالشعر يحتفظ بكل دلالته الخاصة بنص ما، باعتبار هذا النص بلاغا كلاميا عاديا ، ولكنه في الوقت نفسه يحظى بمعاني اضافية متكاملة، ومن التوتر بين هذين القطبين الدلالة العادية والدلالة الاضافية تتخلق خاصية الشعر في علاقة النص بمدلوله، ولست اجد في الختمة الشعرية هنا الا هذا التزواج الرائع بين العادي والاضافي ، ولعل الاستعارات التي بنت الشاعرة فصلها الاخير من القصيدة عليه ، تجبرنا على اتباع منطقها المخصوص ، ( شكراً- الازمات-الوافدين- المشهد الملوث- الهذيان- الذبابة..)، هذه تكفي لخلق التصور القائم في النص باجمعه ، والذي لايفتح الاحتمالات الكثيرة امام المتلقي لكون العدمية تتجلى في صوت الذبابة نفسها ، بعكس بداية النص التي بدت من الوهلة الاولى بانها تعددية ، النص يشكل قفزة نوعية في مسيرة الشاعرة ضحى ، لانها دائما تخلق هذه المساحات النقدية في نصوصها بحيث تجعل من الكلمة ممرا لخلق الجديد فيها روحيا وماديا النص بما هو رؤية تحرر الشعر من التصور الميتافيزيقي القديم الذي يعتبر الشعر مجرد تعبير احادي التوجه.
تعليق