مع الشاعر حسين مهنا في ديوانه " أنا هو الشاهد"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • نبيل عودة
    كاتب وناقد واعلامي
    • 03-12-2008
    • 543

    مع الشاعر حسين مهنا في ديوانه " أنا هو الشاهد"

    مع الشاعر حسين مهنا في ديوانه " أنا هو الشاهد"


    شعر يتدفق كالماء بلا ضجيج ويتغلغل كالماء في وعي القارئ وأحاسيسه

    بقلم : نبيل عودة

    المكانة الشعرية والأدبية التي يتمتع بها الشاعر حسين مهنا ، ابن بلدة البقيعة الجليلية ، ليست وليدة الصدفة ، وليست وليدة علاقات عامة أو ظروف سياسية أو غيرها ، دفعته نحو الطليعة .انما هي جهد واتقان وعشق للكلمة والنغم . وهناك قول لطيف لعلي بن ابي طالب يقول فيه : " لا تطلب سرعة العمل واطلب تجويده ، فان الناس لا يسألون في كم فرغ من العمل ، وانما يسألون عن جودة صنعته ".. وكاني بعلي بن ابي طالب يقصد ، أيضا ، حسين مهنا بهذا القول !
    ديوانه " أنا هو الشاهد " - اصدار الأسوار – عكا ( 2001) – يشمل ( 14 ) قصيدة من نتاجه الشعري منذ عام ( 1997) ، وهذا بحد ذاته يثبت ان حسين مهنا شاعر يعيش أجواء قصيدته ، بحيث تتحول القصيدة الى مهمة يعيشها لمرحلة زمنية ، وتنمو " بوسائل طبيعية " دون استعمال مسرعات النمو ، أو الانتاج "داخل دفيئة " ، بحيث نغرق بمنتوجات شعرية قبل موسمها ، انتجت بوسائل غير طبيعية .وربما هنا احدى مشاكل " البضاعة " الشعرية التي تملأ الأسواق ، بعضها بلا طعم ولا نكهة ، أو أدخلت علية " جينيات " أخرى ، فصارت "الشيء وضده ".
    حسين بديوانه الجديد هو مدرسة ، ليست شعرية فقط ، انما حضارية خلقية ، الى أن الشعر ليس للدنيا فقط ، وليس للآخرة ايضا ، انما هو صنعة للارتقاء بالانسان ، وتطوير فكره وحسه وفهمه ، وصقل ارادته .وهذه مهمة لا يجوز الاستهتار بها ، اذا اردنا حقا أن نسمي المولود باسمه .. لأنه لا أجمل من أن يكون الانسان شاعرا ، أو مبدعا تبعث لمساته الحياة حتى بالجماد .
    على غلاف ديوانه يؤكد حسين مهنا ما أرمي اليه ، انما بلغته ، لغة الشعر ، الذي أثمر على شجرته ، دون أن ترهق الشجرة بالمبيدات وتسريع النمو :
    على هذه الأرض نبني
    كما لا يحب الغزاة –
    ونرعى على مهل مجد أجدادنا.

    ويقتبس حسين من انجيل " يوحنا " في كتاب "العهد الجديد " ، قوله : " وأيضا في ناموسكم مكتوب ان شهادة رجلين حق ، أنا هو الشاهد لنفسي ويشهد لي الرب الذي ارسلني " ، فهل يستطيع أحد ، بعد ذلك ، أن ينفي صفة الشاهد عن حسين مهنا ؟
    حقا حسين هو شاهد ، شاهد على حكاية وطن تمزق شغاف القلب :
    كانت هنا قرى تعبق بشذا فلسطين
    قرى تفردت بعرائش سطوحها ..
    بكرومها ..
    بأهلها الطيبين.

    هذا ما جاء في بداية قصيدته الاولى " في البدء" وانظروا الى العلاقة هنا بين " أنا هو الشاهد"، والمرافعة دفاعا عن كونه شاهد ، مستندا لانجيل " يوحنا "، واسم القصيدة الاولى " في البدء" ... و" في البدء كانت الكلمة " - افتتاحية التوراة – وصولا الى فلسطين ، الكلمة الاولى في قاموس اهلها الباقين والصامدين والمقاومين ، ولكن بنفس الوقت نشعر في قصيدته هذه روح البكاء على الأطلال : " قرى بلادي وقصائدي ".
    أما قصيدته الثانية " يورثون الحياة انتصارا "فهي نقلة نوعية من حالة حزن الى حالة فرح وغناء وحب يتدفق كالشلال. وقد قرأت هذه القصيدة مرات ومرات .. بطرب حقيقي .وينجح حسين هنا بأخذ القارئ/ المتلقي الى رحلة في ذات محب :
    وأذكر يوم وثبت لأقطف زهرة القرنفل
    كيف نقزت – وكنت وراء الأصيص –
    وصحت :
    - تلطف!!
    - فما هكذا يؤخذ الورد يا ذا ؟!


    انتبهوا هنا للطافة وملاءمة تعبير " نقزت " ( جفلت ) العامي ، وأظن أن هذا الاستعمال فرضه نمو القصيدة واكتمالها – نضجها – الطبيعي وغير المصطنع .
    ويواصل رحلته :
    فوددت لو اني اقبل دارك ...
    هذه الجملة تذكرني بعنترة العبسي الذي خاطب حبيبته بقوله ":
    وددت تقبيل السيوف لأنها / لمعت كبارق ثغرك المبتسم .
    ويواصل حسين :
    ستأتيك امي قبل الغروب
    لتقطع قول الوشاة
    وليت أباك يقر بأني "شيخ الشباب "
    واني جدير بزين الصبايا
    ونفرح
    نفرح
    هذا الجليل يحب الزغاريد.
    وهنا يكاد يقول انه لولا ان الجليل يحب الزغاريد ، لما كان الحب .. ويقول :
    هذا التراب الزكي شغوف
    بمن يزرعون
    ومن يحصدون
    ومن يعشقون
    ومن ينجبون
    ومن يورثون الحياة انتصارا
    لجيل جديد


    هذا الحب يعيدنا الى انسانيتنا ، الى الزمن الذي كان فيه الفتى يطوف حول بيت حبيبته عاما كاملا يفرح ان رأى وجهها ، فاذا ظفر منها بمجلس ، تشاكيا وتناشدا الأشعا ر . أما اليوم ، وهذا يبرز في الكثير من شعرنا الحديث ، فاذا التقاها ، لا يشكو حبه أو ينشد الشعر ، وانما يطلب الوصل ، بحيث تحول الحب في معظم شعرنا الى بضاعة ، يقرر سعرها العرض والطلب ، بينما الحب الذي يختلج بأعماق حسين لا يباع ولا يشترى .
    قصيدته "أراك كما لا تراك العيون " هي قصيدة غزل في قريته البقيعة :
    "البقيعة قريتي وكل قرية في بلادي بقيعة "
    ومع ذلك :
    وآها لتلك السنين الخوالي العذاب
    قريبا من القلب
    نبض فلسطين كان


    هذه القصيدة تركت لدي شعور انه في حبه الكبير لقريته ، هناك نوع من الألم والمرارة أيضا ، على تلك القرية التي تيتمت من "نبض فلسطين ".ومن آلام "جرح الجليل ".
    وهو يذكرني هنا بمقطع للشاعر سالم جبران يقول فيه :
    " كما تحب الأم طفلها المشوه
    احبها
    حبيبتي بلادي "

    وربما ليس بالصدفة ان سالم من البقيعة ايضا . في القصيدة جوانب أخرى ، منها مثلا قدرة حسين أن ينقلنا من الحلم الشعري الى الواقع الشعري . من حلم البقيعة الى واقع البقيعة ، وبكلمات بسيطة :
    ترى أين غابت
    بساتين خوخ وتين ؟!
    وجوز ولوز
    ورمان عيد الصليب


    في الشطرة الأخيرة يعرفنا على البقيعة ، على أهلها ، بحيث لا يبقي البقيعة حلما طائرا ، بل حقيقة شعرية ملموسة .
    الغنائية الحالمة تميز الكثير من قصائد الديوان ، في قصيدة " ستر عاشق يظلل ليلنا الريفي ":
    تحبني .. ؟!
    اذن تعال كي نصالح القمر
    أمس اشتكى
    يا طول ما اشتكا !

    وأكاد أشعر في هذا المقطع أجواء فيروزية .
    وينشد في " لنا فوق الجليل ":
    لنا فوق هذا الجليل
    تراب جليل
    عليه نقيم
    ومنه نبتنا كما ينبت العشب
    والاقحوان .
    وبين يديه تركنا طفولتنا
    والشباب.
    لنكبر فيه ويكبر فينا .


    اذن هو ليس مجرد عشق لطبيعة ساحرة ، انما هو عشق للمنزل ، للمنبت ، للأنتماء . وشاعرنا العربي يقول :
    نقل فؤادك حيث شئت من الهوى / ما الحب الا للحبيب الأول
    الحبيب الأول ، على امتداد مساحة ديوان حسين ، هو الجليل .. لم يكتشف حبيبا غيره .. حتى تلك التي " نقزت " هي جزء من الجليل . قصيدة " سأجلس ذات مساء " فيها الكثير من الايماء والتكثيف . يقول :
    سأجلس ذات مساء بعيد
    وحيدا..
    وأفتح قلبي
    على شرفتين
    وراء الغمام
    لعل رفوف اليمام
    تجيء
    وتلقي السلام علي
    وتغفو قليلا على راحتي
    لأكتب أغنية
    عن بلادي.


    بعد قراءتي لقصيدة " تركنا على كل درب " اعتراني شعور أن حسين لا يكتب قصائد منفردة ، انما قصيدة واحدة متواصلة ، وتكاد تكون هذه القصيدة هي مهمة حياته كشاعر ، فها هو يقول مثلا ما يمت بصلة لقصائد سابقة :
    وقد اورثونا
    محبة هذا الجليل
    وحب الحياة
    وعشق قرانا
    ونذكر اننا ولدنا هنا.


    أما قصيدته " بي شوق لأحيا "، فهي نشيد لتجدد الحياة بعد أن رزق بحفيده محمد / وهي قصيدة لها مناسبتها ، وتكاد تكون استراحة وسط قصيدة / قضية شعرية متواصلة وواحدة .
    وانا ورثنا الصباح الجميل
    وهذا الجليل
    وفجرا تلفع بالياسمين .

    ( قصيدة: وانا ورثنا الصباح الجميل )
    في قصيدة "اسمعني صوتك " .. كتبها كما فهمت لحفيده في ميلاده الأول .. ونراه يورث حفيده ما يملكه الشاعر :
    اسمعني صوتك
    عربيا
    لا يتلجلج في شفتيك
    ويوصيه :
    واخرج من جلبات الزمن المهزوم
    جوادا عربيا
    ينقل للريح
    صهيل الفرح القادم

    وأيضا :
    اضرب جذرك يا ولدي
    اسمعه كيف تدوزن صوتك
    فوق مفاتيح اللغة العربية
    ويصر على حفيده :
    أسمعني صوتك
    كي اسمع وطني
    يتجدد لحنا عربيا

    لا بد هنا من ملاحظة هامة .. في هذه القصيدة اصرار على عروبة ابناء الطائفة المعروفية ( الدروز ) ، التي تحاول السلطات الاسرائيلية قطعهم عن جذورهم العربية وجعلهم فئة سكانية لا ترتبط بالهم الوطني العربي او الفلسطيني ...
    اذن كما قلت ، حسين مهنا أخذ على نفسه ابداع قصيدة / قضية وطنية انسانية وجمالية ممتدة .في ديوانه هذا نراه يكتبها على مدى ثلاث أو اربع سنوات .ربما حقا على كل شاعر أن يأخذ موضوعا لشعره حتى يوفيه حقه . وحسين يثبت أن ذلك لا يعني الانغلاق داخل حدود مرسومة .ان البقيعة مثلا ، ليست مكانا جغرافيا له حدوده الجغرافية . فالشعر لا يعترف بالحدود الجغرافية ، أو كما يقول حسين مهنا : " كل قرية في بلادي بقيعة ".

    [align=right]نبيل عودة – كاتب ، ناقد واعلامي فلسطيني – الناصرة
    nabiloudeh@gmail.com[/align]
يعمل...
X