مسرحية سوق الحكايا وسيكلوجية الطفل
هادي زاهر
في احتفال كبير أقيم في المركز الجماهيري في عسفيا، تم عرض المسرحية الجديدة لمسرح "النقاب" بعنوان "سوق الحكايا"، معلنا عريف الحفل ومدير جمعية "النقاب" سليمان سلامة، عن انطلاق عروض المسرحية بشكل جماهيري، وإنها ستكون لكل أفراد العائلة.. وبعد العرض، تم تكريم كل من ساهم في تأسيس هذا المسرح، وأيضا جميع أفراد طاقم العاملين في المسرحية.
تعتمد المسرحية أسلوب "مسرح الشارع" الذي لا يعتمد على الكثير من التقنيات والديكور وما إلى ذلك من مقومات المسرح الغني، وذلك لتمكين الممثلين من عرض المسرحية في كل مكان، وهو أسلوب اعتمد في المغرب العربي واعتمدته أوروبا أيضا.
جاء النص الواضح الذي كتبه الفنان أسامة مصري، ليكون راشدا.. وكما يبدو، ان لدى المصري القدرة على انتحال مشاعر شخوص عمله، فقدم النص الذي يلائم الأطفال والكبار، وقصة المسرحية الأساسية مستمدة من التراث الشعبي العالمي، حيث يطلب الملك العجوز من ابنه الأمير، قبل ان يورثه العرش، إحضار دينار من تعبه وعرق جبينه، فيحتال الأمير على والده ويجلب له دينارا من أمه.. إلا ان الوالد يلقي بالدينار إلى قلب النار، أولا وثانيا، والأمير لا يعترض على الأمر، فيعرف ان الدنانير التي يجلبها ليست من عرق جبينه، ولكن في المرة الثالثة، يعترض الأمير ويرفع الدينار من قلب النار.. عندها يعرف انه عمل وتعب مقابل هذا الدينار.
مع ان القصة من الأدب العالمي، إلا أنها تلائم كل مكان وزمان، خاصة ان الإنسان في جوهره لا يختلف عن أخيه الإنسان، فالفوارق بين طبيعة البشر معدومة تقريباً.
الحقيقة هي ان المسرحية وضعت في قالب جيد، فنجحت في تطوير قناعات الأطفال وحثهم لتجنيد الإرادة في سبيل تنفيذ العبر المكتسبة، لأن القناعة وحدها لا تجدي نفعا، ما لم ترافقها الإرادة القوية لتحويلها إلى واقع ملموس.
كانت الانطلاقة رائعة.. قريبة من سيكلوجية الطفل.. بدأت بحركات الممثلين التي تشبه الرسوم المتحركة، وهم يمثلون فرقة سيرك، مما أضفى جوا بهيجا، وكأنهم يقولون لنا: "سترون مسرحية مرحة".. وهكذا كان..
لقد أبدع المخرج صالح عزام، في توغله إلى نفسية الصغار، فجند الحركة الملائمة للنص، ليصبح العمل في غاية الروعة.. وأقول ان المسرحية كانت مكثفة ومبسطة في آن واحد، فقد تم تمرير الرسالة بذكاء واضح، عن طريق الحركة والكوميدية وضمن عبارات قريبة جدا من عالمهم، مثل: "الماسنجر"، "التشات"، "كرة القدم" وغيرها..
ان أكثر شيء لفت نظري، هو تفاعل الكبار مع العمل، فقد اصطاد الممثلون عصفورين بحجر واحد، وكانت الضحكات تعلو من الجانبين: الكبار والصغار، على حد سواء، وهذا دليل على نجاح العمل، فتفاعل الجمهور هو اكبر برهان.. لا مدارس ولا نظريات ولا يحزنون.. المهم هو تفاعل المتلقي وتأثره.. وهذا ما لمسته من الجمهور الذي حضر، خاصة المربين، الذين عبروا بشدة عن مدى إعجابهم بالمسرحية.
لفت نظري أيضا، الديكور الذكي، والذي يدل على ان منفذه فنان قدير، فقد كان الديكور يتحول وبسرعة من شكل إلى آخر بدون زيادة قطع أو تنقيص، فقط بحركة خفيفة وسريعة، يتحول إلى شكل آخر.. لقد أبدع رامي عزام، بما صنعت يداه.
لا أريد ان أتحدث عن الأضواء، فالمسرحية معدة لكي تقدم بدون إضاءة في اغلب الأحيان، إذ أنها تعتمد مسرح الشارع.
رغم ان ما قدم من موسيقى رائعة والحان ممتازة للأغاني، قدمها الفنان المبدع مراد خوري، إلا أنني شعرت بأنها قليلة، فالمسرحية تحتاج إلى موسيقى أكثر في عدّة مواضع مختلفة.
بالنسبة لأداء الممثلين، فقد تنافس الجميع على تقديم الأفضل، وكان مشهد القمة، عندما دخلت الملكة إلى السوق وبدأت المنافسة على خدمتها.. وقد كانت مساحة الارتجال التي وفرها الكاتب والمخرج للجميع واضحة جدا، بحيث يستطيع الممثل التأقلم مع الجمهور على اختلافه، تماماً كما في مسرح الشارع.
الملابس كانت مبهرة، وطريقة تبدلها امام الجمهور كانت مفاجأة مسرح الشارع الذي لم نعتده، فلا توجد اسرار في هذا المسرح، كل شيء واضح وصريح.
كذلك الأمر ينطبق على الرقصات المتنوعة، التي تراوحت بين الشرقية والغربية، وكانت متعة حقيقية للعين.
المسرحية من تأليف أسامة مصري، إخراج صالح عزام، تمثيل: عنات حديد، بيان عنتير، مجيب منصور، محمود ابو جازي، موسيقى مراد خوري، تصميم حركة وملابس انغا ليفنزون، تصميم ديكور أسامة مصري، تنفيذ ديكور رامي عزام، مساعدة مخرج آنا عوض، تقنيات عامر عليان، مدير التسويق خليل برهوم
هادي زاهر
في احتفال كبير أقيم في المركز الجماهيري في عسفيا، تم عرض المسرحية الجديدة لمسرح "النقاب" بعنوان "سوق الحكايا"، معلنا عريف الحفل ومدير جمعية "النقاب" سليمان سلامة، عن انطلاق عروض المسرحية بشكل جماهيري، وإنها ستكون لكل أفراد العائلة.. وبعد العرض، تم تكريم كل من ساهم في تأسيس هذا المسرح، وأيضا جميع أفراد طاقم العاملين في المسرحية.
تعتمد المسرحية أسلوب "مسرح الشارع" الذي لا يعتمد على الكثير من التقنيات والديكور وما إلى ذلك من مقومات المسرح الغني، وذلك لتمكين الممثلين من عرض المسرحية في كل مكان، وهو أسلوب اعتمد في المغرب العربي واعتمدته أوروبا أيضا.
جاء النص الواضح الذي كتبه الفنان أسامة مصري، ليكون راشدا.. وكما يبدو، ان لدى المصري القدرة على انتحال مشاعر شخوص عمله، فقدم النص الذي يلائم الأطفال والكبار، وقصة المسرحية الأساسية مستمدة من التراث الشعبي العالمي، حيث يطلب الملك العجوز من ابنه الأمير، قبل ان يورثه العرش، إحضار دينار من تعبه وعرق جبينه، فيحتال الأمير على والده ويجلب له دينارا من أمه.. إلا ان الوالد يلقي بالدينار إلى قلب النار، أولا وثانيا، والأمير لا يعترض على الأمر، فيعرف ان الدنانير التي يجلبها ليست من عرق جبينه، ولكن في المرة الثالثة، يعترض الأمير ويرفع الدينار من قلب النار.. عندها يعرف انه عمل وتعب مقابل هذا الدينار.
مع ان القصة من الأدب العالمي، إلا أنها تلائم كل مكان وزمان، خاصة ان الإنسان في جوهره لا يختلف عن أخيه الإنسان، فالفوارق بين طبيعة البشر معدومة تقريباً.
الحقيقة هي ان المسرحية وضعت في قالب جيد، فنجحت في تطوير قناعات الأطفال وحثهم لتجنيد الإرادة في سبيل تنفيذ العبر المكتسبة، لأن القناعة وحدها لا تجدي نفعا، ما لم ترافقها الإرادة القوية لتحويلها إلى واقع ملموس.
كانت الانطلاقة رائعة.. قريبة من سيكلوجية الطفل.. بدأت بحركات الممثلين التي تشبه الرسوم المتحركة، وهم يمثلون فرقة سيرك، مما أضفى جوا بهيجا، وكأنهم يقولون لنا: "سترون مسرحية مرحة".. وهكذا كان..
لقد أبدع المخرج صالح عزام، في توغله إلى نفسية الصغار، فجند الحركة الملائمة للنص، ليصبح العمل في غاية الروعة.. وأقول ان المسرحية كانت مكثفة ومبسطة في آن واحد، فقد تم تمرير الرسالة بذكاء واضح، عن طريق الحركة والكوميدية وضمن عبارات قريبة جدا من عالمهم، مثل: "الماسنجر"، "التشات"، "كرة القدم" وغيرها..
ان أكثر شيء لفت نظري، هو تفاعل الكبار مع العمل، فقد اصطاد الممثلون عصفورين بحجر واحد، وكانت الضحكات تعلو من الجانبين: الكبار والصغار، على حد سواء، وهذا دليل على نجاح العمل، فتفاعل الجمهور هو اكبر برهان.. لا مدارس ولا نظريات ولا يحزنون.. المهم هو تفاعل المتلقي وتأثره.. وهذا ما لمسته من الجمهور الذي حضر، خاصة المربين، الذين عبروا بشدة عن مدى إعجابهم بالمسرحية.
لفت نظري أيضا، الديكور الذكي، والذي يدل على ان منفذه فنان قدير، فقد كان الديكور يتحول وبسرعة من شكل إلى آخر بدون زيادة قطع أو تنقيص، فقط بحركة خفيفة وسريعة، يتحول إلى شكل آخر.. لقد أبدع رامي عزام، بما صنعت يداه.
لا أريد ان أتحدث عن الأضواء، فالمسرحية معدة لكي تقدم بدون إضاءة في اغلب الأحيان، إذ أنها تعتمد مسرح الشارع.
رغم ان ما قدم من موسيقى رائعة والحان ممتازة للأغاني، قدمها الفنان المبدع مراد خوري، إلا أنني شعرت بأنها قليلة، فالمسرحية تحتاج إلى موسيقى أكثر في عدّة مواضع مختلفة.
بالنسبة لأداء الممثلين، فقد تنافس الجميع على تقديم الأفضل، وكان مشهد القمة، عندما دخلت الملكة إلى السوق وبدأت المنافسة على خدمتها.. وقد كانت مساحة الارتجال التي وفرها الكاتب والمخرج للجميع واضحة جدا، بحيث يستطيع الممثل التأقلم مع الجمهور على اختلافه، تماماً كما في مسرح الشارع.
الملابس كانت مبهرة، وطريقة تبدلها امام الجمهور كانت مفاجأة مسرح الشارع الذي لم نعتده، فلا توجد اسرار في هذا المسرح، كل شيء واضح وصريح.
كذلك الأمر ينطبق على الرقصات المتنوعة، التي تراوحت بين الشرقية والغربية، وكانت متعة حقيقية للعين.
المسرحية من تأليف أسامة مصري، إخراج صالح عزام، تمثيل: عنات حديد، بيان عنتير، مجيب منصور، محمود ابو جازي، موسيقى مراد خوري، تصميم حركة وملابس انغا ليفنزون، تصميم ديكور أسامة مصري، تنفيذ ديكور رامي عزام، مساعدة مخرج آنا عوض، تقنيات عامر عليان، مدير التسويق خليل برهوم
تعليق