الموت بدون جلال

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسان دهشان
    • 01-10-2008
    • 1

    الموت بدون جلال

    اليوم فًُتح الباب فتزاحم الذباب هاربا .و لما كان عبد المعطى يقف في طريق الذباب المتعطش للحرية من المكان المعتم الرطب فإنه هاجم وجه عبد المعطى بشراسة حتى يخلى له الطريق. غطى عبد المعطى وجهه خوفا على عينيه لكن قدميه استمرت في التقدم داخل العتمة. و رغم أن الذباب أنهى هجومه ولم يبق في المكان سوى بعض الذباب المتسكع الكسول أو الذي لا يملك القدرة على تخطى حاله إلى حرية أكثر.
    توقفت قدم عبد المعطى اليمنى لما صدمت باللحم اللزج وفُتحت عينا عبد المعطى على أحمد المدد على الأرض.كان جسد أحمد العاري قد أصبح أسود تماما و اختفت معالم الوجه فلم يعد ممكنا تبين الملامح، فتحتا الأنف صارتا أوسع والفم المفتوح تآكلت حوافه وبدت الأسنان بارزة جدا وذبابة تتسكع عليه حكت أرجلها ثم عادت للدخول.
    قديما عاد أحمد باكيا لأبيه رشاد بك لأن عوض صفعه على وجهه ، صرخ رشاد مؤكدا لابنه ولنفسه :
    _ عوض إبن "حد الجمال " بياعة المحشى ضربك على وشك بالقلم .
    بدموع أكثر أجابه أحمد ليحقق لنفسه انتقاما مناسبا. كانت "حد الجمال" تجلس أمام مدرسة رفاعة الطهطاوي الابتدائية يوميا بحلة ضخمة من محشو الكرنب يكون وصول رائحته للتلاميذ في الفصول إيذانا بقرب موعد جرس الاستراحة . كان الأولاد يتجمعون حولها تلف لكل واحد منهم خمسة أصابع في ورقة دفتر قديم من دفاتر عوض وتتناول منهم النصف قرش ، يحاول دائما الطلاب الجدد مقاومة محشو الكرنب ،خاصة أن أغلب الأولاد ينتمون لطبقة لا تستسيغ شراء المحشو أصابع بالعدد من امرأة . لكن رائحته وشكل المتعة على وجوه الأطفال الآكلين كان يجهز على مقاومة الجدد لينضموا إلى طابور الصراخ على أم عوض أو حد الجمال. أحمد نفسه والذي كان شديد الوسوسة حتى إنه كانت له زجاجة لا يشرب منها الماء غيره وإذا تصادف وشرب منها غيره من أهل البيت فأنه يحرمها على نفسه و نفس الشيء إذا أمسك زجاجته غريب _كان باعتباره جثة ممدة في المقطع الأول _ لم يستطع المقاومة وانضم لطابور الهوس الجماعي بمحشو أم عوض . و رغم أن حد الجمال أو أم عوض حملت سبع مرات أتمت فيها حملها _ فنحن نسقط من حسابنا المرات التي لم تكتمل_ لم يعش لها من الذكور أو الإناث سوى عوض. عوض يشتهر بالفيلسوف ، فهو شديد المباهاة بذكائه ، يسرع للإجابة على مدرسيه ، فلم يكن يملك سوى ذكائه ليباهى زملاءه.
    في اليوم الذي ضرب عوض أحمد بالقلم كان عوض قد حصل على الدرجة النهائية فى الحساب بينما حصل أحمد على صفر . مدرس الحساب الذي يحمل شاربا مقصوصا مثل شارب هتلر طلب من عوض صاحب أعلى درجة أن يصفع أحمد صاحب أقل درجة وكان هتلر - فدعنا نسميه هتلر- يريد أن يزيد القدرة التنافسية بين الطلاب أو هكذا أقنع نفسه . وحينما رفض عوض أن يصفع أحمد ، هدده هتلر بأنه سيجعل أحمد يصفعه و بان التحفز في عين أحمد منتظرا مخرجا من مأزقه الذي لا حل له سوى أن يرفض عوض وسيستمتع أيضا بصفعه . وهنا نستطيع أن نقول أن أحمد اكتشف في هذه اللحظة رغبة عميقة ومبهجة في صفع عوض . ويبدو أن هذه الرغبة استطاع عوض بشكل ما أن يقرأها، ارتفع صوت هتلر قائلا :
    - حتضربه والفصل كله يسمع صوت فرقعة القلم ولا نخليه هو يضربك .
    دار هتلر يسأل طلابه المبتسمين إن كان أحدا منهم لم يسمع صوت الصفعة ليزيد من إحساس أحمد بالمهانة . أختصر أحمد لأبيه قصة الصفعة إلى أن عوض صفعه أمام الفصل .
    في اليوم التالي استدعى ناظر المدرسة عوض أثناء طابور الصباح _كان هتلر يقف على يساره _ و حكي قصة الفتى الذي تسابق مع ابن عمرو بن العاص وشدد على جملتين الجملة الأولى " أتسبق ابن الأكرمين " والجملة الثانية " اصفع ابن الأكرمين " .
    إحقاقا للحق لم يكن في رأس هتلر أن الصفعة مثار الخلاف والتي تحدث عنها رشاد والد أحمد هي نفس الصفعة التي طلبها ، قد يكون الخاطر مر برأسه لكنه لم يتوقف عنده منعا لمشاكل لا معنى لها مع رشاد بك والد أحمد وصاحب الكلمة المسموعة في البلدة كلها خاصة عند مدير التعليم و الذي هو زوج أخت رشاد.
    لم يعط أحدٌ الفرصة لعوض لسرد القصة كما حدثت ، انتهى الموقف بأن قال الناظر بشكل مسرحي :
    _ اضرب ابن غير الأكرمين .
    و اعتبر الناظر نفسه قدم إنجازا بلاغيا بأن قال "غير" وصفع أحمد عوض صفعة ألقته على الأرض.بل وطال العقاب حد الجمال نفسها التي لم تجلس في مكانها خلف حلة المحشو لثلاثة أيام، ثلاثة أيام و أصبح الموضوع بعدها ماضيا حتى بالنسبة لعوض و أحمد.
    قلب عبد المعطى شفتيه أمام جثة أحمد الممدة ثم اتجه إلى السرير وأخذ ملاءة غطى بها أحمد ولا يعرف لما أحس أن أحمد يبتسم ثم أمسك بالتليفون و استخرج رقم هاتف المستشار وجدي بك إبن أخي أحمد وقال بتسليم
    _ سبحان من له الدوام . أحمد بيه أتوفى .. البقيه فى حياتك . لا يا بيه مش حقدر أعمل حاجه قبل ما أنت تيجى أصله أتوفى من يجى خمستاشر يوم ويمكن عشرين . أنا طول رمضان أجى أخبط عليه ما يردش أمشى ،. بس النهارده قلت أعيد عليه أنا وإبنى. الواد إبنى وصل لحد الباب وصرخ و طلع يجرى وقالى الريحه وحشه .. ما أنت عارف يابيه أنا مابشمش أساسا ، مش قصدى يابيه أنا بحكيلك اللى حصل . خلاص يا بيه مستنيك. البقاء لله .
    وضع وجدي سماعة التليفون في شقته في مصر الجديدة وبعيدا عن عن جثة أحمد بحوالي ستين كيلو مترا و أصابته رعدة شديدة بدأت من نقطة في بطنه و اتجهت إلى ظهره وسيطرت على أنفه رائحة كريهة .دخلت إيمان زوجته لتجده يرتعش حتى أن كتفيه يهتزان . كانت إيمان تحمل طبقا فيه كعك العيد وكوب الشاي باللبن والمحلى بالعسل كما يحبه وجدي . اتجه وجدي إلى صورة أبيه الضخمة ودمعت عيناه وقال :
    - بابا أخوك أحمد مات يا بابا أخوك اللي أنت حبيته زى ولادك ويمكن أكتر وعملت المستحيل علشان تحميه حتى من نفسه مات .
    في أثناء هذه الجملة كانت إيمان قد اجتهدت حتى لا تسقط الصينية التي في يدها ووضعتها بسرعة على المنضدة ورغم هذا سال الشاي من اهتزاز يديها ليلوث مفرش المنضدة المصنوع من الحرير الهندي الرقيق. اقتربت من وجدي وسألت بلهفة :
    _ خالي أحمد مات ؟
    التفت وجدي إليها ودفن وجهه فى صدرها وهو يردد
    _ مات اللي بابا كان بيحبه عمى مات .
    كان يهتز كطفل من النشيج و كانت عيونها تنزل الدموع وهى تربت على ظهره .تشبث بجسدها أكثر . أحست بعضلات جسده تتحول من الرخاوة إلى الصلابة لكن نشيجه لم يتوقف. حاولت أن تبعده عنها برقة . تشبث بجسدها أكثر . يده تجوس فى ظهرها بهوس، لم تملك سوى الاستسلام لجنونه .
    يقولون أن فلاحي المنطقة يصلون الفجر و ينقلون "البتن" . البتن هو خط سميك من الطين الجاف و هو الحد بين حقل وأخر ملكية وأخرى .يزحزحون "البتن" طمعا فى سنتيمترات من أرض الجار.
    العربي أبو سعده و إخوته الثلاثة وأبناؤه الأربعة صلوا الفجر ونقلوا البتن . أضافوا الى أرضهم نصف قيراط جائرين على أرض الدكتور أحمد النائم في منزل العائلة . العربي أبو سعده سميك الجلد حتى أن الألم لا ينفذ منه الى روحه ، شرس حتى أن فاطمة المنيير قالت لما رأته يخب في جلبابه كأنه يصارع الهواء
    _ شمبرى وقاطع سلبه .
    وفى لهجة أهل البلدة " الشمبرى " هو الثور العفي و " السلب " هو الحبل الذي يربط البهيمة .يرى العربي أبو سعده أن الدكتور أحمد هو ابن مدارس طرى ، والقطط تأكل عشاءه وإنه لولا منعة أخيه الذي يعمل قاضيا كبيرا فى القاهرة وأبناء أخواله وعمومته العاملين فى النيابة العامة والقضاء .لما استطاع أن يفتح عينه لينظر في عين أحد . يبقى فى قلب العربي أن جدته لأمه "حفيظة " كانت تخدم فى بيت جد أحمد. ورآها في طفولته المبكرة تبكى لما أعادتها "دولت" إلى بيتها مكسورة الخاطر بعد أن وصلت للخامسة والستين و أصبحت يديها ترتعشان وتكسر الأطباق الصيني ، ولماذا لا يأكلون فى الأطباق الألمونيوم مثلهم أو فى الأطباق الصاج الملونة مثل بيت جارتهم التي يعمل ابنها في القاهرة ، من يومها كره العربي الأطباق الصيني و رفض دخولها بيته حتى أن ابنه الأوسط حينما أتت عروسه بعشرة أطباق خبطها بعصاه وحولها حطاما وحينما بكت العروس قال بيت العربي أبو سعده لا تدخله الأطباق الصيني وهو حي . و كره العربي أيضا كل عائلة أحمد وتمنى لو يحطمهم بعصاه.
    قبل نقل البتن بعام تقريبا ، كان العربي يركب حماره وتحته حمل ضخم من البرسيم عندما رأى أحمد يسير على الطريق يحمل مظلة بيضاء ويرتدى قميصا أبيض ويحمل فى يده منديلا أبيض يمسح به عرق الصيف الغزير .ضيق العربى على أحمد الطريق ودفعه بحمل البرسيم حتى أجبره على النزول فى الحقل الغارق فى الماء . ولما عاتبه أحمد قائلا
    - مش تحاسب؟
    أجابه بلهجة استهزاء وهو يضحك بتشف
    - لامؤخذه .
    لم يدرك أحمد ساعتها اختبار العربي و لم يدخل فى ذهنه إنه مقدمة لما هو أسوء و انشغل بالطين الذي لطخ حذاءه وسرواله الأبيضين .
    كان أحمد يعيش في منزل العائلة وحده بعد أن مات أبوه وأمه وهاجر أخوه للعيش فى القاهرة ، رفض أحمد أن يعيش في القاهرة لأنه يحب الخضرة والريف و أهله الطيبين البسطاء كما يقول .
    كان يتحدث عن تمايل أعواد الغاب ، ترقص لما يعزف الهواء على أجساد الغاب الرشيقة ويقسم أنها لا تميل كلها في نفس الوقت إنما كل مجموعة في اتجاه حسب إيقاعها الداخلي . فتح أحمد عيادة صغيرة يعالج فيها الناس بقدر ما يعرف ، ولم يكن طبيبا نابها لكنه كان طبيبا ، وتفرغ أحمد لكتابة الشعر وقراءته في الشرفة الواسعة للبيت و التي تطل على فرع نيلي ضخم تحفه أعواد البوص الراقصة . وكان هوسه بأشعار جبران خليل جبران وخاصة كتابه النبي هوسا يصل لدرجة التعصب ولعل هوسه يرجع إلى تشارك جبران و أحمد العزوف عن النساء والجنس بشكل عام فلم يكن أحمد يحس بما ينتاب الرجال من شهوة ، بل الأكثر من هذا أنه كان ينظر إلى الجنس كخطيئة بشكل عام وكان غالبا ما يردد بيت أبى العلاء المعري حينما يسأل عن عدم زواجه :
    هذا ماجناه أبى علي وما جنيت على أحد
    دق عبد المعطى باب الدكتور أحمد فى الثامنة صباحا وقال له :
    _ صباح الخير يا دكتور .معلش صحيتك . بس العربى أبو سعده نقل حديد المساحه ودقه فى أرضك هو وإخواته .
    حينما حاول أحمد الاقتراب من الحديد المزروع في الأرض والذي بدت رؤسه لامعة من الدق ، أمسك عبد المعطى يده ومنعه من التقدم مشيرا إلى العربي الذي يقف مستندا إلى فأسه بتحد وقد وقف إخوته الثلاثة وأبناؤه الأربعة في حالة استنفار.
    دق أحمد باب بيت عوض .. كان قد تغير حاله وأصبح يملك بيتا صغيرا تطلق زوجته دجاجاتها فى باحته و هي تهدهد ابنها الرضيع وترعى حماتها حد الجمال التي كف بصرها .كانت قد امتنعت عن الجلوس بحلة المحشو منذ أنهى عوض دراسته في كلية الحقوق . كان عوض يقبل يد أمه كل يوم فهو لا ينسى أن إصرارها هو الذي جعل منه محام القرية الأول.
    فتح عوض الباب ونظر الى أحمد وقال وهو يغلق صدر جلبابه المفتوح و آثار النوم بادية عليه :
    _ إتفضل يا دكتور . معلش لا مؤخذه أصلى ما عنديش محكمه النهارده فزودت فى النوم.
    كان يقول جملته وهو يهش الدجاجات الكسولة بطرف جلبابه ، و التى تعترض طريق أحمد.
    أمسك العربى بحفيده ذى الأربع سنوات من تحت إبطيه ورفعه عن الأرض ، نظر فى عينى الصغير وقال له
    _ خليك راجل زي سيدك .
    كان إبن العربى ينظر بدهشة الى أبيه ولا يفهم . قذف العربى بحفيده الى الحائط الصلب فسال دم على وجه الصغير . صرخت أم الطفل وصرخت نساء البيت قبل أن يدركن ما حدث . جرى عربى وحمل حفيده النازف وأسرع الى نقطة البوليس متهما الدكتور أحمد بأنه هشم رأس الصغير و استخرج تقريرا طبيا من مستشفى المركز بأن الطفل يحتاج علاجا لأكثر من واحد وعشرين يوما ، أي أن الدكتور أحمد يستحق الحبس . لم تفلح تهديدات المأمور أو ضابط المباحث في إثناء العربي عن بلاغه وهذا ليس لأنهم يعرفون كذبه إنما مجاملة للعائلة العريقة .
    استطاع عوض عقد جلسة عرفية جمعت العربي و إخوته الذين رفضوا أن يعيدوا الأرض المسروقة ولكنهم وافقوا على شرائها بنصف الثمن والنصف الأخر يذهب كمصاريف لعلاج الطفل في مقابل التنازل عن قضيتهم . واستطاع عوض أن يقنعهم بالتوقيع على كمبيالات لإلزامهم بإتمام الشراء . ولأربع سنوات طوال ماطل العربي و إخوته في الدفع .
    في يوم جمعة رائق أخبر عبد المعطى أحمد ، حينما كان عبد المعطى يعدل من وضع النار لشيشة أحمد فى ساعة الظهر وقبل أن يأخذ أحمد قيلولته المعتادة أخبره بالحديث الدائر فى البلدة بأن العربي وإخوته ذبحوا إوزة سمينة وجمعوا فيما بينهم خمسين جنيها و أهدوها لعوض الذي أعاد لهم الكمبيالات الموقعة في المقابل.
    بهدوء وضع أحمد مبسم الشيشة ونظر إلى السماء والنهر ثم قام إلى غرفة النوم سحب مسدس أبيه الذي قام بتزييته أمس حتى يحس بالهدوء و السكينة بعدما أطلقت بديعة شياطين غضبه . كانت بديعة قد مضى على زواجها عامان و أنجبت فيهما طفلة واحدة وتعرضت للإجهاض مرتين فأخذتها حماتها فاطمة المنيير ليراها الدكتور أحمد .الذي طلب منها أن تنام على سرير الكشف . خلعت بديعه كل ملابسها خلف الساتر ونامت على سرير الكشف عارية تماما ، وقف أحمد مدهوشا أمام عريها الذي لم يتوقعه وضحكت حماتها فاطمة خجلة وأخفت فمها بطرحتها وقالت
    _ إيه ده يا بت أنت ما بتعرفيش الحيا .
    أجابتها وهى تنظر الى ارتباك أحمد ضاحكة:
    _ ما البلد كلها عارفه أن الدكتور ما لوش فى النسوان. خد راحتك يادكتور و قلب زي ما أنت عاوز.المهم عايزه أخلف و العيال يعيشو.
    كان العرق البارد يغزو جسده و عينه تتنقل بين نهديها المنتصبين وشعر عانتها الأسود الكث ، حاول أن يكون مهنيا لكنه كان يحس بالمذلة أمام هذا العري وهذا الجسد وعيونها المبتسمة والتى تتابعه بتحد .
    حشا أحمد المسدس بالرصاص و خرج . فتح عوض الباب وكان يرتدي بدلته كاملة فقد كان عائدا من المحكمة منذ دقائق ، أطلق أحمد على ابتسامة عوض ثلاث رصاصات وتركه . كان عوض يجرى فى شوارع القرية ملتاثا و دمه يخرج من الثقوب و يصرخ
    _ أشهدوا يا ناس أحمد إبن ولاد حمزه قتلنى إشهدوا يا ناس .
    خبط عوض على الأبواب المغلقة ودخل البيوت المفتوحة كانت النساء تصرخ ، وزوجته تحاول أن تثنيه عن رحلته الدموية لكنه ظل ينتقل من بيت لبيت حتى سقط في وسط القرية لافظا أنفاسه الأخيرة أمام مقام الولي سعيد و الذي يجله كل أهل القرية .
    حينما دخل ضابط نقطة الشرطة وجد أحمد نائما فعلا في سريره . تلقى أحمد الضابط بهدوء شديد قائلا
    _ أيوه أنا قتلته ، أنا اخويا المحامى العام ياريت حد يبلغه .
    ودخل أحمد مستشفى الأمراض العقلية ليقضي بها سبع سنوات تحطمت فيها هشاشته .فقد تدخل أخوه المحامى العام وضغطت عائلته طويلا ولم يكن هناك حل بعد اعترافه سوى جنون أحمد .
    زحزح العربى البتن مرة أخرى ليضم الى أرضه نصف قيراط آخر من أرض أحمد بينما كان عقل أحمد ينهار ببطء و انتظام تحت جلسات العلاج الكهربائي وغلظة الممرضين .خرج بعد سبع سنوات من المستشفى حطاما . كانت عائلته تعامله برقة لكنها كانت تتمنى نسيانه وبالفعل نسوه لا يذكره سوى أخوه فى أول كل شهر حينما يرسل له راتبه الشهري. لم يكن يزوره سوى صديقه و خادمه عبد المعطى . مرت الأعوام وأحمد يراقب مرورها و هو يراقب أعواد البوص الراقصة ويحمل تحت إبطه دوما كتاب النبي لجبران لا يقرؤه لكنه لا يتركه.
    في الثانية صباحا قرر أحمد أن يستحم أخذ كتاب النبي و وقف تحت الماء. انساب الماء على جسده العاري. شعر برغبة في الرقص فرفع يديه وسقط الكتاب لكنه لم يهتم و استمر يرقص بعنف. طار رذاذ الماء و سقط على مفتاح النور الذي أصدر شرارا لم يلحظه أحمد ثم انقطعت الكهرباء عن المنزل كله. استمر أحمد في الرقص قليلا ثم قرر أن يلقي نظرة على المفتاح العام للمنزل، يعرف أنه بمجرد أن يرفعه لأعلى ستعود الكهرباء مرة أخرى. توقف في منتصف الصالة وقرر أن يعود ليحضر الكتاب. اشتبكت قدمه بحرف السجادة فسقط على رأسه محدثا رنة مكتومة كانت هي آخر صوت يصدره في هذا العالم.

    [align=left]21نوفبر 2008[/align]
  • ايهاب هديب
    طائر السماء المقعد
    • 31-12-2008
    • 184

    #2
    رحمة الله على نزار الريان الشيخ القائد الحمساوي الفلسطيني
    وجمييييييييييييييييييييييع شهداء غزة العزة
    مرحبا بالجنة
    مشـــــــكـــــــور مشـــــــكـــــــور
    مشــــــــكــــــــور مشــــــــكــــــــور
    مشـــــــــكـــــــــور مشـــــــــكـــــــــور
    اخيييييييييييييي
    ( طائر السماء المقعد !!)
    ايــهــاب هـديــب

    تعليق

    • دكتور : محمد ربيع هاشم
      عضو الملتقى
      • 01-10-2008
      • 23

      #3
      [align=justify]القاص الرائع حسان دهشان
      قصة متعددة الأحداث والشخوص ، تأخذ منحى سرديا مقتطفا يتصاعد الحدث أحيانا على شكل عرضي لا أفقي ، شخوصها ضاربين في عمق الريف المصري ، ويعبرون بشكل ـ قريب من الواقعي ـ عن حال الريف المصري لذا كان لابد وأن تتشظى لغة القصة وتتعدد تبعا لهذا ، فهناك الراوي الذي يربط الأحداث بلغةٍ فصيحة أدبية ، وهناك لغة أخرى لشخوصٍ عاديين لايملكون غير بساطة التعبير الدارج خاصة عن أمورٍ تبدو في أصلها ولايمكن التعبير عنها إلا بمثل هذه اللغة الدارجة كمفردة (البتن) وغيرها من أمثال الريف المصري ، وهناك أيضا لغة تعبر عن طبقة وسطى تتحدث بلغة متوسطة بين هذه وتلك ..
      واستخدام اللغة العامية في أي عمل فصيح لا بد أن يتم توظيفه جيدا داخل نسيج العمل الأدبي ، بل أحيانا قد لا يمكن الاستغناء عنه كما قال نزار قباني في إحدى قصائده :
      العالم العربي يبلع حبة البص المباشر
      (ياعيني عالصبر يا عيني عليه)
      والعالم العربي يضحكون لليهود القادمين إليه من تحت الأظافر
      أو كما فعل الأديب الكبير يحيى حقي في قصته العبقرية قنديل أم هاشم حين أدار حوارات ووصفيات كاملة باللغة العامية الدارجة واستحسنها كثير من النقاد بل وهللوا لها بشكل كبير
      وهنا تختلف قراءتنا لمثل هذه الأعمال باختلاف خلفياتنا الثقافية والرؤيوية ، وما حصلناه من مفهومات لغات العرب الدارجة في الأقطار العربية المختلفة ، ومدى فهمنا وتعمقنا لهذه القدرة البديعة على توظيف مستويين من التعبير اللغوي بحيث يظهران كنسيجٍ واحد متضافر هو أقرب لأحداث القصة وأبلغ في التعبير عن أحداثها ومحتواها ، وتنويعات أقصوصاتها الجزئية وتنقلاتها الزمانية والمكانية.
      شكرا للقاص المتميز حسان دهشان ولكل من مر من هنا
      وهنا تختلف قراءتنا لمثل هذه الأعمال[/align]
      التعديل الأخير تم بواسطة دكتور : محمد ربيع هاشم; الساعة 06-01-2009, 20:10.
      [url]http://fadaelabdha.shabab0.com/vb/index.php[/url]
      [url]http://drmohamed702003.blogspot.com/[/url]
      [url]http://drmohamed40.blogspot.com/[/url]
      [url]http://drmohamed702003.maktoobblog.com/[/url]

      تعليق

      • وائل عبد السلام محمد
        عضو أساسي
        • 25-02-2008
        • 688

        #4
        مرحبا ً بك / أ حسان فى دهاليز القصة وحوارى السرد
        تحية وتقدير
        وائل عبد السلام محمد

        تعليق

        • جلال فكرى
          أديب وكاتب
          • 11-08-2008
          • 933

          #5
          كل التحية و الإعجاب بكاتبنا الجميل وقصته الرائعة
          أستاذ حسان دهشان رائع..رائع..رائع
          بالحب نبنى.. نبدع .. نربى ..نسعد .. نحيا .. نخلد ذكرانا .. بالحقد نحترق فنتلاشى..

          sigpicجلال فكرى[align=center][/align]

          تعليق

          يعمل...
          X