الحياة تعلمك و لابد أن تكره حين تقابل بتلك العقليات الأنانية اليابسة التي لا تنظر إلا في المرآة. يظنون أن الدنيا خلقت لهم وحدهم و يصيغون معادلة الحياة بأكون ولا يكون غيري . يريدون حياة فيها الآخر ، لكنهم لا يؤمنون بالندية أو التماثل فما بالك بالتفاضل ، التفاضل لديهم قطبي (إما أنا و إلا فلا ) . تغيب عن بالهم معان سامية كثيرة ولو ظنوا أنهم مسلمون . غفلوا عن الأدب النبوي الجميل الذي أوصانا به رسول الهدى فقال : (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) فتراهم في قطبيتهم يتيهون ، لا يعترفون بالخطأ و لو افتضح أمرهم، ويصرون على الخلق الذميم بل و يزينونه فالأنانية لديهم شطارة و تميز ، و إيذاء الآخرين رمز لقوتهم و أنهم قادرون .
ولا مكان للإيثار ولا حتى للتعاون ، فالعمل الجماعي مبتور مقتول ، قتلوه منذ زمن وآمنوا بالأنا المطلقة ، وأنهم ساكنوا القمم . عجيبة تلك النفسيات ، غريب ذاك الخبث فيها ، حين قلبوا الموازين فصار من يعمل لخير الجميع أبله أهبل في مصطلحهم ، ومن يعمل لنفسه هو الذي خبر الحياة و أدرك معانيها . يتكالبون على الدنيا حتى لو اضطروا لأن يسموا هوسهم هذا عملا أخروياً لوجه الله تعالى ، وقد يقول قائلهم المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف ، فهموها كيفما حلت لهم هذا إن كان في نيتهم الرجوع للنص الديني يسوغون بذلك أكل حقوق الأخر ومنعه من تحقيق ذاته ، ونسوا أن المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، أم هم في نظرهم المسلمون أشلاء شتى إذا سقط منه عضو سارعوا لدفنه ( لأن إكرام الميت دفنه ) ولكن قبل ذلك سيأخذون من بقاياه ما يريدون وسينشرون بالرواية و الإشاعة أو بوسائل الإعلام عيوبا و نقائص ما أنزل الله بها من سلطان .
كان الصحابة يتنافسون على الطاعات كانت الجنة همهم و لكن هل ترى أحد الصحابة سيذهب لصحابي آ خر رضوان رب عليهم و يثنيه عن عمل خير ويثبط من همته ، ثم يسارع بعدها للرسول صلى الله عليه و سلم ليخبره بما عمله هو من أعمال الخير . أم هل يا ترى كان سيبلغ أحد الصحابة خبراً بالغزو فيكتم الخبر عن أخيه الصحابي كي لا يعد نفسه حتى يذهب هو بالأجر و حده . أمر مستبعد لا يمكن حصوله و تذوب أحرفي خجلا ً لأنها تجرأت على كتابته ، لم يكن للأنا يوما مكان في التنافس على الآخرة فكيف هو الحال حين يكون التنافس على دنيا فانية
إنك حين تعمل بروح الجماعة وتتحلى بخلق عظيم آلا وهو التواضع تمنح نفسك الفرصة للنجاح و تمنحها لغيرك و بذلك ستذوق معنى النجاح مرات عديدة ، حينما تهتم لنفسك و تهتم لغيرك ستشعر بالرضا و السرور ، حينما تدرك أن النهضة لا تقوم بيد واحدة ستعلم لماذا أمرنا الله بقوله : (( وتعاونوا على البر والتقوى )) فأين أنتم من التعاون يا محبي الأنا !! إن المتدبر لآيات القران الكريم والمتأمل في الحديث النبوي الشريف سيدرك تماما أن الأنا هي أبعد ما يكون عن جوهر هذا الدين فمال أبنائه عن الحق يعدلون !.
متى ندرك أنه لا يصلح أن نكون جميعنا رؤوساً كما هو المصطلح العامي ، متى ندرك أن لكل وظيفته و أن القيادة مسؤولية و أن القائد مسؤول عمن يقود محاسب عليهم ولو علم عظم هذه المسؤولية وكيف سيحاسب عنها يوم القيامة لفر منها ، كيف لا وقد كان رسل الله الذين اصطفاهم على سائر الخلق يخافون منها و تغرق أعينهم من الدمع لهول أمرها و تتطاير أفئدتهم حينما يتذكرون يوم الحساب ، أما نحن نحلم بها ونبذل الغالي و الرخيص لأخذها و نمتهن كرامة الإنسان سعيا ورائها ونجرح الأصدقاء ونعادي الأهل و الإخوة بغية فيها . هؤلاء المحبون للأنا نجحوا في جذب الناس إلى دائرة تفكيرهم البشعة نجحوا في جعل الحياة أخذا دون عطاء ، كبرا و غطرسة وهضماً للحقوق، نجحوا كعادتهم في الرقص على جراحات و عواطف الآخرين ، نجحوا في تلميع صورة القسوة و حرق أوراق الحنان والرأفة ، نجحوا بالابتعاد عن لب هذا الدين و جرف الناس في تيارهم القذر حتى صارت مجتمعاتنا كلها من محبي الأنا إلا من رحم ربي وقليل ما هم . وتجد بشاعة الأنا في أجل صورها حينما يتمثل بها من يتوجب عليه أن يتعامل مع الأخر بإنسانية ، من يؤتمن على أرواح وأعراض الآخرين فتجده ينسى الهدف السامي من دراسته ووظيفته ويغرق في بحر التنافس المبتعد عن معان التنافس المرغوب به إلى التنافس الجشع طمعا بالمنصب و المال والذكر الحسن ، فالناس بين أيديهم تموت وهم على قضايا علمية جزئية مختلف بها يتناقشون بل بالأحرى يتناوشون .
لماذا سمحنا للأنا بالتمرد لماذا سمحنا لها أن تنمو وتكبر بشكل جشع ومقيت ،أين معاشر من يتعاهد نفسه بالتهذيب والتربية المتواصلة! ، أين من يجلس ليحاسب نفسه كل يوم وليلة فيعلم ماله وما عليه و أن كل شيء بحساب !، أين نحن من روح الأخوة و الإيثار؟ من التحاب في الله ؟ من الوعد بأن نجتمع على منابر من نور في يوم الحساب ؟.
"
تعليق