العجيبة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أكرم سلمان حسن
    أديب وكاتب
    • 16-10-2008
    • 56

    العجيبة

    العجيبة
    بقلم: أكرم سلمان حسن (أكرم منصورة)

    موت يوسف المفاجئ.. الولد الوحيد للأغا رياض، أذهلَ قرية أم الصبر, بكى الجميع على العريس الجميل, وأصبح تاريخ وفاته, مفصلاً تاريخياً, يؤرخ به سكان القرية, الأحداث الكبيرة والصغيرة بما قبل, وما بعد وفاته, فيقول شيخ مسن لحفيده.. سامح الله والدك, تركني و أمك وحيدين, و هجرنا إلى المدينة, كان هذا قبل وفاة الجميل بسنتين. أو تقول امرأة لجارتها, مفحمة إياها بحجة دامغة. ابنتك ولدت قبل الجميل بخمسة أيام, هذا مؤكد, وابني ولد بعد الوفاة بسنة وشهرين, فكيف يكونان بعمر واحد!!.

    كان يوسف في أول يوم من شهر العسل, ردد أهالي القرية( مسكين, لم يقدر له أن يتذوق العسل). فتغني مزنة ـ العجوز الخرفة ـ كما يسميها أولاد القرية, لأنها تغني الأغاني الحزينة من الصباح إلى المساء ( لم يكن يحتاج العسل, كان ريقه عسلاً).

    بعد حفل الزواج.. الذي استمر حتى صباح اليوم التالي, لأن صبايا القرية رفضن المغادرة وتركه مع زوجته, لم يتقبلن فكرة زواجه(هذا ليس عدلاً, لا يوجد فتاة تستحقه وحدها, عليه أن يتزوج أربع فتيات دفعة واحدة) صرحت بهذا بنت المختار, عندما شاع خبر رغبته بالزواج من سليمة. عندما سمعتها خادمتها (كلثوم العرجاء) حدجتها بنظرة غاضبة, و همست لنفسها ( ولماذا أربع فقط, أنانية و حمقاء, عليه أن يتزوج أربع و يطلق أربع.. وهكذا.. دون استثناء أي فتاة في القرية.. جميلة كانت أم قبيحة, حدباء أم عرجاء . لا يهم.. نعم.. بهذا فقط.. تتحقق العدالة)

    نتيجة للجو المفعم بالغضب, وخوفاً من حصول ما لا تحمد عقباه، اضطرا للتسلل خلسة, بعد أن تنكر يوسف بزي امرأة, ونقلهما الراعي خضور الأقرع, على ظهر حماره, إلى مفرق طريق القرية, حيث استقلا البوسطه العابرة إلى المدينة, وهناك قصدا فندقاً صغيراً, مطلاً على المسرح الروماني, وضعا الحقيبة في عهدة صاحب الفندق, وخرجا (أريد رؤية المدينة, كنت طفلة يوم جئتها مع جدي, يومها.. اشترى لي صندلاً أحمر, وقطعتين من النمورة المزينة بالفستق, و كأساً من شراب الليمون) قالت سليمة بحماسة طفلة ترنو إلى صحن من الحلوى.

    جالا على أسواق المدينة, وعندما شعرت بالبرد, اشترى لها معطفاً, وشالاً أبيضَ, غطت به كتفيها و عنقها. دخلا مطعماً صغيراً.. وطلبا من صاحبه بعض اللحم المشوي, حملاه معهما بعد أن همست ( أخجل أن آكل شيئاً أمام غرباء, نأكله سوية في الغرفة).
    في الطريق, حاذيا سوراً حديدياً لقصر الآغا القديم, اشتراه حديثاً صناعي كبير, قالت مزنة فيما بعد عندما سمعت اسمه(مهرب كبير)وتابعت غناءها.


    هبت ريح مفاجئة, خطفت الشال, الذي طار بحركات التفافية, كحمامة بيضاء, حاطاً أعلى شجرة السنديان في حديقة القصر, يرفرف عليها كعلم ! حزنت سليمة, لكن هيهات ليوسف أن يتركها تغتم.. وبخاصة.. في يوم كهذا.. بخفة قط بري, اعتلى السور و بقفزتين سريعتين كان الشال في يده, لوح به أمامها مزهواً.. ابتسمت سليمى ابتسامتها الأخيرة.. التي غادرتها مسرعة, حين لاحظت انحناء فرع الشجرة إلى الأسفل, صرخت محذرة, قبل أن تشاهده يهوي على قضبان السور الحديدية المسننة, المشرعة كحراب في وجه السماء!! الشال الممسوك بإحكام في قبضة يوسف..اكتسب لوناً جديداً.. غنت الجدة وأبكت حتى صغار القرية، واصفة ما حدث( منتشياً.. سكراناً.. القصر يضحك.. مبرزاً.. أنيابه الحمراء ، يقطر منها دم الجميل، يلون خد سليمة السمراء)

    أهل القرية قالوا, أن فرع الشجرة الصغير, انثنى بفعل ثقل جسد العريس الفارع الطول,فكان ما كان, لكن الخرفة غنت( مستحيل, كيف لجسده النحيل أن يقهر السنديان!! إنما هو الحب الذي يحمله في قلبه, ما جعل السنديان يلين و ينحني, هذا تماماً.. ما قتل الجميل).

    في اليوم الثاني, جن جنون صاحب القصر, حين شاهد شجرة السنديان, بلونٍٍ أسودَ, مقلمٍ بالأحمر, وكأن هناك من قام بدهنها, فأضحت أشبه بمهرج مر بالمدينة يوماً, أمر بإحضار أكثر المهندسين الزراعيين خبرة, لكنهم وقفوا عاجزين, غير فاهمين ما يحدث.

    نصحه بعض العارفين بخبير زراعي من غزة, فقام باستدعائه على عجل, حضر الخبير نظر إلى الشجرة بإمعان, ثم وسط ذهول الجميع, فتح حقيبته وأخرج منها سماعة طبية, وضع طرفاً على أذنه و الآخر على جذع الشجرة, منقلاً إياه من مكان إلى مكان, متمتماً بكلام غير مسموع, ثم بكى بمرارة, قبل أن يعيد السماعة إلى الحقيبة, مؤكداً لصاحب القصر, أنه سبق له أن عاش نفس التجربة المؤلمة, وقال أنه ولدفي ظل سنديانة, وخلال طفولته كان يقضي نهاراته قربها, إلى أن أجبر يوماً على الرحيل, وكان ذلك عام 1948, يومها, أراد وداع أمه (كما كان يدعوها) فوجدها..يابسة..مقلمة بالأحمر و الأسود, بكى كثيراً, لكنه توقف عن البكاء, عندما لمح أثراً لحياة تدب فيها, قبلها ورحل.. وقال أنه يتسقط أخبارها.. مازالت مريضة, لكنه مازال مقتنعاً, أنها ستعود كما كانت.
    حمل حقيبته و غادر. بعد أن نصحه بأن يحذو حذوه و يصبر, لكن صاحب القصر, اعتبره مجنوناً.. حالماً.. فأمر بقطعها, وبناء ملجأ لكلابه مكانها.. وباعها قطعاً إلى تاجر أخشاب, والذي بدوره باعها إلى نحات.

    تقول الخرفة (مسكينة السنديانة.. قتلها إحساسها بالذنب, اسألوا الخبير.. لقد سمعها تنوح قائلة, ويحي.. كيف لم أنتبه, أن ملاكاً سكن أحضاني.. يا لي من عجوز خرفة لا نفع منها.. قد آن آواني).

    النحات.. الذي دفع مبلغاً مجزياً ثمناً للشجرة المقطعة, آملاً أن يصنع منها تحفاً نفيسة آبدة, لطم خده متعجباً لاعناً حظه, أي نحس هذا!! أبحث عن السنديان وعندما أحظى به, يتفتت تحت وقع أوهى ضربة إزميل, كما لو أنه نشارة خشب!!. وحاول ثانية و ثالثة إلى أن أتى على معظمها, ولم يتبق سوى قطعة من الجذع, نقلها يائساً إلى زاوية المحترف .. لكنه.. وهو المحترف لهذا الفن مذ كان صغيراً, لم يقنع بما كان.. ذهب إلى تاجر الخشب مستوضحاً, فاستغرب الأمر مثله, وقص عليه واقعة موت العريس, عاد النحات وفي رأسه فكرة.. أرسل بطلب صورة للعريس, وعندما وصلته, نظر إليها وبكى.. وظل على هذه الحال أياماً.. قبل أن يبدأ بالعمل على الجذع الباقي.

    وحدث ماكان يتوقعه.. فالإزميل تصاحب والسنديان القاسي, دون أية مشكلة, وانكب يعمل على مشروعه, مغلقاً بابه, مكتفياً بالماء و الخبز اليابس, وأخيراً كان أمامَه.. تمثالٌ.. يجسِّدُ العريس يعلو رأسه تاج من أوراق الزيتون, يحمل بيده شالاً.. بلون أحمر قان.
    أصبح التمثال حديث المدينة, وزاره الكثير من المهتمين بهذا الفن, حتى بلغت أخباره العاصمة, وتم إحضار التمثال لعرضه في متحفها.

    واظبت سليمة على زيارة المتحف كل عام, في ذكرى وفاة يوسف.
    يقول مدير المتحف, أن ظاهرة مذهلة تقع سنوياً, لا يجد لها تفسيراً.. وتحدث حين تحضر سمراء مجهولة, تضع شالاً أحمرَ, تسير إلى حيث التمثال, تقف أمامه لساعات, كتمثال!! وحين تغادره .. تقطر من عينه دمعة حمراء.
    تغني الخرفة (هو زيت يرشح.. عجيبة جديدة, يجب أن يُرْسَلَ التمثالُ إلى بيت لحم, و يُطّوَبَ الجميل قديساً )
    أحبك أيها المظلوم.. مهما كان عرقك لونك أو دينك
    أكرم سلمان حسن (أكرم منصورة)
    akrammansura@gmail.com
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2

    الزميل القدير
    أكرم سلمان
    قصة رمزية رائعة
    السلام جميل
    والأمل رائع
    وقد مات السلام .. في وطن السلام
    وأصبح تمثالا يزوره الناس ويتحسرون على أيامه
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • أكرم سلمان حسن
      أديب وكاتب
      • 16-10-2008
      • 56

      #3
      أستاذة عائدة
      المعجزة. العجيبة..
      سوف تتحقق إن شاء الله.. رغم كل المصاعب والمعوقات.. ستعود الشجرة خضراء..تظلل أبناءها..
      أليس صمود أهل غزة نذير بما هو قادم.. ومبشر بالعجيبة؟!
      سعدت للمرور والتعليق
      مودتي واحترامي
      أكرم منصورة
      أحبك أيها المظلوم.. مهما كان عرقك لونك أو دينك
      أكرم سلمان حسن (أكرم منصورة)
      akrammansura@gmail.com

      تعليق

      • وطن عثمان
        أديب وكاتب
        • 23-11-2008
        • 495

        #4
        الاستاذ الفاضل
        أكرم سلمان حسن

        يا لها من قصة رائعه ..
        تجسد قضيّة منذ الازل كانت قضيتنا ..
        وفي الحقيقه .. لا بد لي ان اذرف دمعة غراء على واقعنا المرير ..
        حيث لم يعد للسلام المنشود مكان سوى القصائد ..
        أو تمثال منصوب في حدائق المؤتمرات أو المؤامرات ..
        كلاهما سيّان !!

        الاخ الفاضل
        لك مني الف تحية اكبار
        كفراشة مكسورة الجناح .. لا تعرف التحليق ولا الطيران

        تعليق

        • ربيع عقب الباب
          مستشار أدبي
          طائر النورس
          • 29-07-2008
          • 25792

          #5
          من الروائع التى أعتز بقراءتى لها
          ماتزال عالقة بكل جمالها و سحرها
          العجيبة إحدى أهم قصص أكرم سلمان
          بل أهم ما قرأت بشكل شخصى من قصص ، على مدار عمرى !!
          و أنا أكاد أرى مجموعتك الأولى ، و قد أحدثت الكثير من الإدهاش فى عالم الأدب و الفن القصصى .. و ها أنا منتظر مع المنتظرين !!
          تحيتى و تقديرى

          تستحق التثبيت عن جدارة و استحقاق !!
          sigpic

          تعليق

          • أكرم سلمان حسن
            أديب وكاتب
            • 16-10-2008
            • 56

            #6
            أستاذة وطن
            كل التحيات لك
            صدقت.. هو وهم.. لأن السلام يحتاج القوة والعزيمة جنباً إلى جنب مع إرادة السلام.. وإلا فلا سلام.. بل أسوأ أنواع الاستسلام.
            ونحتاج الحب..الكثير من حب الغير.. والقليل من حب الذات ومن لا يعرف الحب.. لا يستطيع أن يحب وطنه.
            أخيراً من العدل أن أشير إلى أن اليوم ( بكل ما فيه من دماء وقسوة)أفضل من الأمس!!و يبشر بغد أفضل لقضيتنا الكبرى.
            مودتي وتقديري
            أكرم منصورة
            أحبك أيها المظلوم.. مهما كان عرقك لونك أو دينك
            أكرم سلمان حسن (أكرم منصورة)
            akrammansura@gmail.com

            تعليق

            • أكرم سلمان حسن
              أديب وكاتب
              • 16-10-2008
              • 56

              #7
              أخي وصديقي ربيع
              المبدع الرائع
              يشرفني أن تحظى قصتي هذه بهذا التقدير منك.. أنت الأستاذ قبل أن تكون الأخ والصديق..
              ولابد للمجوعة يوم صدورها (إن شاء الله) أن تحمل كلماتك في صفحتها الأولى..
              دمت بخير ربيع العزيز
              أخوك أكرم منصورة
              أحبك أيها المظلوم.. مهما كان عرقك لونك أو دينك
              أكرم سلمان حسن (أكرم منصورة)
              akrammansura@gmail.com

              تعليق

              • ربيع عقب الباب
                مستشار أدبي
                طائر النورس
                • 29-07-2008
                • 25792

                #8
                من الروائع التى أعتز بقراءتى لها
                ماتزال عالقة بكل جمالها و سحرها
                العجيبة إحدى أهم قصص أكرم سلمان
                بل أهم ما قرأت بشكل شخصى من قصص ، على مدار عمرى !!
                sigpic

                تعليق

                • عادل الوتي
                  أديب وكاتب
                  • 23-04-2010
                  • 58

                  #9
                  استاذ/ اكرم سلمان

                  قصة جميلة كتبت باقتدار فكرة واسلوبا

                  فنيات عالية

                  دامت روعتك ياعزيزي
                  التعديل الأخير تم بواسطة عادل الوتي; الساعة 04-05-2010, 13:44.

                  تعليق

                  • أكرم سلمان حسن
                    أديب وكاتب
                    • 16-10-2008
                    • 56

                    #10
                    أستاذ عادل
                    مساء الخير
                    أرجو أن تقبل اعتذاري الشديد عن التأخربالرد على مشاركتك
                    أشكرك عزيزي ورأيك يسعدني و اعتز به
                    كل المودة والتقدير لك
                    والشكر موصول للأستاذ ربيع على نبشها من قبرها وإعادتها إلى الواجهة
                    أكرم سلمان حسن
                    (أكرم منصورة)
                    أحبك أيها المظلوم.. مهما كان عرقك لونك أو دينك
                    أكرم سلمان حسن (أكرم منصورة)
                    akrammansura@gmail.com

                    تعليق

                    • إيمان الدرع
                      نائب ملتقى القصة
                      • 09-02-2010
                      • 3576

                      #11
                      أستاذ أكرم سلمان حسن:
                      مساء الخير:
                      شُرّفت بمصافحة هذا النصّ الرائع..
                      جمع السلام الذي اغتيل بيد الغدر..
                      إلى جانب الأمل الذي لا يفارقنا..
                      رموزه غاية في الذكاء الأدبي..
                      لأنها أعطت مدلولات بعيدة المدى..
                      وزرعت الأمل في القلوب من جديد بعد طول يأس..
                      نتمنى عليك المزيد من هذه المشاركات الرائعة..
                      دُمتَ بسعادةٍ....تحيّاتي..

                      تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

                      تعليق

                      • أكرم سلمان حسن
                        أديب وكاتب
                        • 16-10-2008
                        • 56

                        #12
                        أستاذة إيمان
                        صباح الخير
                        يسعدني ويشرفني رأيك في هذا العمل الذي له عندي مكانة خاصة . الحقيقة أن هذا النص ولد من رحم صورة رومانسية مرت بخاطري والأسماء الواردة هي محض صدفة وليس لها أدنى علاقة بأساطيرأو قصص مشهورة!!
                        دمت مبدعة
                        مودتي وتقديري
                        التعديل الأخير تم بواسطة أكرم سلمان حسن; الساعة 11-05-2020, 15:30.
                        أحبك أيها المظلوم.. مهما كان عرقك لونك أو دينك
                        أكرم سلمان حسن (أكرم منصورة)
                        akrammansura@gmail.com

                        تعليق

                        يعمل...
                        X