يا باني من غير أساس ( نزف قلم : محمد سنجر )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد سنجر
    عضو الملتقى
    • 27-09-2008
    • 165

    يا باني من غير أساس ( نزف قلم : محمد سنجر )

    توقف المصعد فجأة ،
    انفتح الباب ،
    تملكني الرعب ،
    صرخت صرخة عالية من هول المفاجأة ،
    دارت الدنيا من حولي ،
    حاولت السيطرة على أطرافي التي أخذت ترتجف من هول المشهد ،
    ما هذا ؟
    حاولت اتخاذ وضع الاستعداد للدفاع عن نفسي ،
    ابتسامة قفزت من بين شفتيه ظهرت على إثرها أسنانه الناصعة البياض ،
    حروف خرجت من بين شفتيه ،
    حاولت جاهدا لملمتها و لكني فشلت ،
    ربما من هول المفاجأة ،
    أحاول استبيان حقيقة ما أرى ،
    وجه أشبه بوجه القرد و العياذ بالله ،
    نعم إنه رجل ،
    حاولت إقناع نفسي بأنه رجل ،
    سبحان الله ، تشوه فظيع سحق أنفه و أغلبية وجهه ،
    نظرة ترحيب أطلت من عينه الوحيدة المتبقية ،
    حاولت السيطرة على تعبيرات وجهي خوفا على مشاعره ،
    حاولت لملمة ما تبقى من شجاعتي ،
    بدأت أنفاسي المتلاحقة تهدأ رويدا رويدا )
    بادرني قائلا :
    ـ لا عليك ، إنها ردة فعل كل من يراني للوهلة الأولى .
    ـ أرجو المعذرة .
    ( دخل إلى المصعد بينما انغلق الباب علينا )
    همس قائلا :
    ـ لا عليك يا رجل ، لا عليك .
    ( صمت سيطر على المكان ، تمنيت أن يتوقف المصعد في أي طابق كي أفر من هذا الخجل الذي يلفني ،
    أخيرا توقف المصعد ،
    خرجت من صدري تنهيدة ارتياح ، فررت هاربا ،
    نزلت السلم و إذا بصوت خطوات تلاحقني ،
    وصل إلى سمعي صوت ينادي )
    ـ سيدي ، سيدي .
    ( التفت و إذا به صاحب الوجه يلاحقني ، هرولت ناجيا بنفسي ، و لكنه أصر على ملاحقتي ، و عندما تيقنت من استحالة الهرب ، التفت إليه رافعا يدي بالقلم محاولا الدفاع عن نفسي ، عندها أخذ يصرخ )
    قال مذعورا :
    ـ حقيبتك ، حقيبتك ....... لقد نسيتها بالمصعد .
    ـ حقيبتي ؟
    ( ناولني حقيبتي ، عندها دارت الدنيا من حولي ،
    تمنيت أن تنفتح الأرض و تبتلعني ،
    وجدتني أحتضنه ، أطبع قبلة على رأسه الصلعاء ،
    حاولت من خلالها التعبير عن عميق أسفي و شكري و تقديري ،
    دعوته للكافي شوب لتناول العشاء ،
    حاول بدوره الاعتذار عن الدعوة ، و لكنه تراجع سريعا أمام إلحاحي ،
    جلسنا إلى إحدى الطاولات ،
    كانت تدور برأسي الكثير من التساؤلات ،
    لكنه رفع عني الحرج )
    بادرني :
    ـ هل تصدق أنني أيضا لا أحب النظر إلى وجهي بالمرآة ؟
    نعم ، تنتابني حالة من الرعب عندما أشاهد ما فعلوه بي ،
    تحملني الذكريات الأليمة عندما أتذكر ما حدث ،
    كنت وقتها ابن الثامنة ،
    كنت أجلس أنا و أقراني داخل أحد الصفوف بالمدرسة ،
    سمعنا صوت طائرة ، عندها انطلقنا نحو النافذة ،
    أظلمت الدنيا عندما حجبت الطائرة قرص الشمس ،
    فجأة رأينا فطرا ناريا هائلا يخرج بالأفق في اتجاه السماء ،
    ضوء هائل أضاء الكون من حولنا لم نر شيئا بعدها ،
    انفجار هائل اغتصب أسماعنا ،
    أفقت بعدها بأيام لأجدني كما ترى ،
    بقايا إنسان ،
    و عندما سألت عما حدث ، علمت أن أمريكا كانت تقوم بتجربة سلاحا جديدا أطلقت عليه ( القنبلة الذرية ) ،
    آه لو رأيت ما حل ببلدتي ، لقد اختفت من الوجود ،
    و حتى من نجا من الانفجار لم ينج من الإشعاع ،
    فلقد حصد التلوث الذري أرواح الكثير و الكثير .
    ( عندها وجدت صورته تتراقص بعيني ،
    سالت الدموع تخضب لحيتي )
    ـ لا حول و لا قوة إلا بالله ، إنني أحس و أشعر تماما بما تعانيه ،
    بل إننا شركاء في الهموم و الأحزان ،
    و لكن ما فجيعتنا بجانب فجيعتكم ؟
    ـ من أي البلاد أنت ؟
    ـ عربي ، و لكن أرجو المعذرة هناك سؤال ملح .
    ـ تفضل .
    ـ كيف نهضتم بعد هذه الكارثة ؟
    كيف أصبحتم اليابان أقوى قوة اقتصادية على مستوى العالم ؟
    كيف أصبحتم اليابان التي يطلب منهم الأمريكان الآن المساعدة بعد هذا الانهيار الرهيب الذي أصاب اقتصادهم ؟
    ـ أولا :
    بدأنا بالصراع على السلطة و من تكون له الكلمة العليا ، و من منا الذي سيقود البلاد للنهوض بها ، فمن غير المعقول أن نسمح لبلدنا بالنهوض بدون أن يكون لنا نحن و نحن فقط دون غيرنا يكون لنا الفضل الأول و الأخير في نهوضها ، إما أن ننهض نحن بها و إلا فلا نهضت و لا قامت و لا بقيت على وجه الأرض ،
    و ثانيا :
    المظاهرات ، خرج الشعب الياباني عن بكرة أبيه للشوارع يندد و يستنكر ما حدث ، أحرقنا ملايين الأعلام الأمريكية و مزقناهم تمزيقا ،
    ظللنا لسنوات و سنوات نستورد منهم أقمشة و ألوانا و كبريتا و تركنا أعمالنا و مدارسنا و أخذنا نرسم أعلاما لأمريكا و نقوم بتمزيقها و حرقها ،
    نمزق و نحرق ، تخيل ما الذي كانت ترسله لنا أمريكا كإعانات من أجل ضحايا القنبلة الذرية ؟
    ـ أدوية و أطعمة بالطبع .
    ـ لا لا لا ، لقد كانت ترسل لنا أعلاما سريعة الاشتعال ،
    ها هاها ، لقد صنعتها خصيصا لنا ،
    و ثالثا :
    الهتافات ، بقينا لأيام و ليال نهتف و نهتف و نندد بالعدوان الأمريكي الغاشم على شعبنا ، حتى بحت أصواتنا من كثرة الهتافات ، و لا حياة لمن تنادي ،
    و رابعا :
    التصريحات الرنانة ، فما من وزير أو غفير سواء من اليمين أو من اليسار إلا و أدلى بأكثر من خمسون تصريحا يوميا ، كنا نبدأ كل يوم بمجرد أن تشرق الشمس و نبدأ بتصريح من اليمين المعتدل ثم يرد عليه اليسار الملتزم ، يمين معتدل ، يسار ملتزم ، يمين يسار حتى منتصف الليل ،
    و أخيرا :
    أخذ اليمين يرددون الدعاء على أمريكا و من عاونها ليل نهار ،
    بينما أخذ اليسار ينشد و يغني سنوات و سنوات أخذوا يتغنون بقوتنا و أمجادنا و تاريخنا المجيد و انتصار أجدادنا المهول الرهيب على أعدائهم ،
    تركت النساء منازلها و ترك الصغار مدارسهم و ترك الرجال حقولهم و مصانعهم و أصبحنا و أمسينا ننشد و نتغنى ، ننشد و نتغنى حتى أصبحنا اليــــــــــابان التي تراها الآن ، ها ها ها ها ها ها ي .
    (أخذ يضحك ، عندها ارتسمت على وجهي علامات الدهشة ،
    استلقى على قفاه من شدة الضحك ،
    و فجأة توقف عن الضحك ،
    نهض ، نظر إلي نظرة حانقة ،
    لمحت من خلال نظراته الدموع و هي تترقرق بعينه الوحيدة ،
    أدار ظهره لي و رحل و لم يعقب )
  • محمد سنجر
    عضو الملتقى
    • 27-09-2008
    • 165

    #2
    اللهم اهد قومي لما تحب و ترضى

    تعليق

    يعمل...
    X